شايف الأيام دي في حملة على الصوفية وممارساتها...! طبعاً الصوفية في السودان ولفترات طويلة كانت مسيطرة على المشهد العام، وربما كان لديها ممارسات ضارة خصوصاً في الإطار السياسي/التاريخي، وربما كذلك لاقت الكثير من الانتقاد بسبب دورها في تجهيل بعض المجتمعات، لكن في رأيي كل ممارساتها هذه كان مقدور عليها بشكلٍ أو بآخر، وذلك مع تطور مصادر المعرفة وسهولة تلقيها ونمو قدر ما من الوعي بين بعض أفراد المجموعات التي مورس عليها التجهيل في وقت ما. الصوفية ليست كلها شيخ الأمين، وليست كلها " بوس يدين ورجلين"، وليست كلها تجهيل واستعباد للبشر.. الصوفية انتجت معرفة حقيقية بين الناس وساهمت في التأسيس للتسامح في الدين الإسلامي على وجه الخصوص، كما كافحت بقدر كبير العدوانية والاعتداء ومفاهيم العنف والتسلط الديني.أنظروا لانتاج بن عربي، والرومي وقصة حياة رابعة العدوية والحلاج...ألخ و أنظروا للدور الذي لعبته الصوفية في تعليم الناس الدين المسالم المتسامح والدين الذي يعطي الناس قدر من الاحترام مهما علا أو دنا شأنها...والدين الذي تتوفر فيه فضاءات اختيار أكبر وحرية تعبد أكثر حضاريةومدنية... ودوننا والكثير من القصص الخاصة بتغيير اتجاهات بعض الناس بحرفية وسلام، من غارقين في الأهواء لغارقين في حب ذات الله.. الشيخ فرح ود تكتوك لديه قصة أسطورية ظريفة، يقال أنه كان يمشي ومعه شخص يريد أن يصير حواراً وتابعاً، كما يريد أن يقلد الشيخ في كل حركاته وممارساته.. وفي الطريق قابلا فتاة "سمحة" فقام الشيخ بمسك الفتاة وتقبيلها، فحذا صاحبنا حذوه وأمسك الفتاة وقبلها... بعد خطوات صادفا أفعى، فقام الشيخ بمسكها وتقبيلها، فجفل صاحبنا جفلة وامتنع عن ذلك ... فسأله الشيخ: مالك ما بُست الدبيب زي ما بُست البت؟ فرد صاحبنا: لكن يا شيخنا الدبيب ممكن يعضيني.. فقال الشيخ: دربنا دا حار يا ولدي .. انت بُست البت عشان نفسك وشهوتك وأبيت تبوس الدبيب عشان عدم ثقتك في ربك.. أنا بُست البت حباً في ما صنع الله، وبُست الدبيب ثقة في ما يريد لي الله... طبعاً ما يستفاد من هذه القصة إن الزهد (ما قشرة)، لكنه إيمان حقيقي وعمل وممارسة ( يعني الواحد ما يعمل فيها زاهد وبصلي الصلوات الخمسة في الجامع وبيلقي الخطب والمواعظ وبيوزع في القروش شمال ويمين وفي نفس الوقت معرس أربعة نسوان وعايش في قصر منيف وعندو الخدم والحشم وعايش الدنيا بالطول والعرض (زي صاحبنا بتاع حوض السباحة)...)! من ناحية أخرى دعونا نرى البدائل المطروحة في هذا المجال، أي مجال المعتقدات والممارسات الدينية، سنجد أنفسنا أمام خلق يحبون الدماء والقتل ومراقبة الناس ولعب دور " الباشبوزق" والحارس الأخلاقي وهؤلاء الناس منهجهم الأساسي " فليغيره بيده" ... ولا بديل لـ"يده" هذه إلا " يده" نفسها! ومنهج اليد هذا يستخدم مع الضعفاء، أما الأقوياء فلا يغيره لا بلسانه ولا بقلبه ولا دياولو.. بل بالعكس ربما يؤسس لهؤلاء الأقوياء مخارجات من الدين نفسه وذلك من موقعه كمدَّعي للمعرفة، والنماذج كثيرة! هذا بخلاف الناس الذين يريدون الرجوع بنا لزمن اللحم المقدد والخيل المسومة، والحرث وبيوت الشعر والسبايا والغارات على القبائل الضعيفة ومصادقة القوية..!! بالله عليكم من أين يأتي الخطر الحقيقي؟! عشان نفهم بس معركتنا ضد منو؟ أنا ليس عندي مانع أن يتم انتقاد أي مجموعة أو مجموعات تمارس عملاً ما أياً كان شكله ديني، ثقافي، اجتماعي الخ. لكن فقدان الحس السياسي شئ ضار جداً، ففي الوقت الذي نحاول فيه إزاحة الصوفية من على المشهد، لا ندري بأـن هذه الإزاحة يليها إحلال وإبدال، ولا نسأل أنفسنا إبدال بمن وما مستقبل هذا الإبدال؟! قبل أن ننجرف وراء قضية ما دعونا نتفكر في ابعادها... ودعونا ننظر حولنا بحثاً عن أصحاب المصلحة في ما نقوم به من مسخ للصوفية ومسحها من على وجه البسيطة وتصويرها كالشر المستطير، ولنر من المستفيد من الترويج لمذاهب جديدة تسيطر على ما تبقى من أعمارنا وما يأتي من أجيالنا. سؤال أخير، الحكومة السودانية في بعض الأحيان تكون في علاقات جيدة مع إيران (الشيعة) ويكون الايرانيون في ذلك الوقت مسلمين كاملي الدسم.. وفي وقت آخر، يكون السعوديون ومجموعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم أصحاب الحظوة، وفي مرات ثانية "بكونوا ظريفين" مع أشقائنا الأفارقة إن كانوا مسلمين أو يهود أو مسيحيين أو لا دينيين، وفي مرات ثالثة فإن الصوفية أنفسهم ومجموعاتها تكون تاج رأسهم وأحبائهم؟! ليييه؟!... إن سياسة الحكومة هذه هي نموذج استثنائي لكل من أراد أنيتسلط باسم الدين، فالمتسلط في أي مكان وأي زمان لا دين له، وبالتالي " بيشوت مع مصلحتوا". لذلك فكل إنسان لديه مخ وتفكير عليه أن يعرف " خلاصو وين"... فبالله قوموا لمناهضة العنف بكل أشكاله وأسسوا للتسامح أينما وُجد ودعونا من الدعايات المجانية المؤذية.