يزعم الاسلام انه جاء يحمل رسالة عالمية ودعوة شمولية للناس كآفة وهذا يستوجب ان يكون فيه ما يثبت ذلك وان يكون فيه ما يوحد لا ما يفرق فيه ما يلم لا ما يشتت وان يكون فيه ما يقوي لا ما يضعف فيه ما يساوي لا ما يفاضل فيه ما يسالم لا ما يخاصم وان يكون فيه ما يعمر لا ما يدمر فيه ما يحيي لا ما يفجر ولما كانت هذه الصفات والمطلوبات التي يجب ان تكون فيه بدأ اول ما بدأ بتحقيق تلك الاهداف بدأ بترسيخ مفهوم وحدة الاصل والنسل للانسان وذلك في قوله:(ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) وبين وفصل اكثر ان الناس من اب واحد وام واحدة وذلك في قوله:(يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها)فجاء الخطاب للبشرية جمعاء(يا ايها الناس) انتم من اصل واحد من اب واحد وام واحدة نزلا من الجنة بلون واحد وشكل واحد ولغة واحدة وبعد نزولهما فعلت البيئة والجغرافيا فعلها فكانت الالوان والاشكال واللغات لكن القلب ظل هو القلب والعقل هو العقل والروح هي الروح وهذه الثلاث لم تتأثر بالبيئة حتى تظل قيمة الانسان فيما يضمر في قلبه ويحمل في عقله وما تحسه روحه لا في شكله ولونه جاء الاسلام يستهدف هذه الثلاث التي بما فيها يكون الحساب وعليه الثواب والعقاب ليصلحها ويعالج ما بها فتتوحد البشرية كما توحد اصلها ونسلها فجاءت الرسالة واحدة كما في قوله:(يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا)وقوله صلى الله عليه وسلم:(بعثت الى الاحمر والاسود)هكذا جاءت فكرة الاسلام فكرة واحدة وربها واحد ورسولها واحد وقبلتها واحدة لا حصر ولا خصوصية ابوابه مشرعة لكل داخل دون شرط او قيد او اوراق ثبوتية او هوية وشرطها واحد ان تشهد ان لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدها تكون انت الشريف وانت الحسيب وانت النسيب وانت اقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كل قريب وهو القائل:(ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)وقد سئل من آل محمد فقال:(كل تقي) هكذا جاء الاسلام لكل الناس وليس كالرسالات السابقة التي اتت في زمن مخصوص الى جهات مخصوصة لعلاج امر مخصوص وانتهت بنهاية الامر حتى النصرانية اتت لبني اسرائيل لتصحح لهم ما حرفوه من التوراة لم تأتي لكل الناس وهذا يدعمه ما ورد في الاناجيل الصحيحة المعتمدة لدى الكنيسة ومن يرى غير ذلك من القساوسة فليبرز دليله الذي يثبت ان النصرانية اتت للناس كآفة ولا نقاش في اليهودية لانها لا تقبل الا من كان يهوديا ابا واما لكن الاسلام جاء لكل الناس ويعتبر كل الناس اهدافا دعوية لم يغلظ عليهم ولم يصادم ولم يشاتم وقيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحسر اذا مرت به جنازة يهودي او نصراني فيقال له في ذلك فيقول:( نفس افلتت مني الى النار) او كما قال صلى الله عليه وسلم. جاء الاسلام ليجمع شمل البشرية ويؤلف بين قلوبهم ويزرع المحبة بينهم والتعاون والتكافل لترسخ وحدة الهدف والغاية (انما المؤمنون اخوة) يقول تعالى:(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)فجاءت الرسالة المحمدية كاملة شاملة فيها لكل مشكل حل وفي كل امر قول(ما فرطنا في الكتاب من شيء)ولما كان الاسلام فيه ما فيه من الصفات المرغبة والتعاليم المحببة جاء الناس من كل فج عميق ودخلوا في دين الله افواجا فوجد كل انسان مهما كان شكله ووصفه نفسه فيه آمنا مطمئنا لا يشعر بغربة ولا يحس بوحشة فكان بلال الحبشي الافريقي وسلمان الفارسي الآسيوي وصهيب الرومي الاوربي وابوبكر العربي القرشي فخلق الاسلام من هؤلاء مجتمعا متكاتفا متعاونا مجاهدا في نشر الدعوة يد على من سواهم يقوم بذمتهم ادناهم كانوا يمثلون شعوب وقارات العالم في ذلك الزمان فانتشر الاسلام واقبل عليه الناس من كل حدب وصوب حتى قويت شوكته وتثبتت قواعده واركانه ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الاسلام بلغ منتهاه حج حجة الوداع وتلا في الخطبة (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)،ثم ذكر حديثه الشهير:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ , وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ , أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ , وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ , وَلا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلا بِتَقْوَى اللَّهِ , أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ " , قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " , ثُمَّ قَالَ : " أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ " , قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ : " فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ " , قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ : " فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ " , قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ : " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ , قَالَ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَأَعْرَاضَكُمْ ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ " , قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " .