جاءت برقية التعزية المستعجلة فى الحوار السودانى هذه المرة من بكين . الرئيس السودانى عمر البشير الذى أنهى للتو زيارة رسمية قصيرة الى الجمهورية الصينية ، افاد الجالية السودانية فى بكين أنه يرفض المؤتر التحضيرى الذى دعت له الوساطة الافريقية بتناغم كامل مع مجلس الامن لمناقشة ووضع اجندة حوارشامل لكل القضايا السودانية. انجذاب الوساطة الافريقية نحو فكرة المؤتمر التحضيرى للمرة الاولى بعد عقد من الزمن يعتبر اختراقا مهما حققته المعارضة السودانية بعد محاججات وملاججات طويلة مع الوسطاء تارة ومع الحكومة السودانية تارة اخرى .حيادية الوساطة الافريقية بين الطرفين كانت دائما محل تساؤل وتشكك من قبل المراقبين المحايدين . بيان الوساطة الافريقية الاخير الذى طالب بعقد مؤتمر تحضيرى فى العاصمة الاثيوبية بين المعارضة والحكومة يناقش ويضع اجندة الحوار المرتقب ، و بتوفير ضمانات دولية للمشاركين فى الحوار من حملة السلاح . وباطلاق سراح المعتقلين والمسجونين منهم ، وباطلاق الحريات الصحفية والاعلامية والسياسية كإجراءات ضرورية لبناء الثقة المفقودة منذ عقود، كان علامة فارقة و دالة على التحول الكبير فى موقف الوساطة الافريقية. مما حدا بالحكومة أن تصفه بأنه موقف منحاز بالكامل الى وجهة نظر المعارضة .و كان واضحا من رد الفعل الحكومى الفاتر على بيان الوساطة الافريقية أن مصير مؤتمر الحوار السودانى الذى يضع الرئيس البشير ويدير كامل مجرياته قد اصبح فى كف عفريت كما يقولون. المراقبون لم ينتظروا طويلا قبل أن يتبلغوا الخبر الأكيد الذى وصلهم من بكين ومن لدن الرئيس البشير شخصيا عبر خطاب وجهه الى الجالية السودانية فى بكين أبلغها فيه أنه يرفض مقترحات الوساطة الافريقية للحوار السودانى رفضا جازما لا مجال معه لعقد مؤتمر تحضيرى فى مقر الاتحاد الافريقى فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا أو فى غيرها. كما لا سبيل لاشتراك جهات غير سودانية فى مجريات هذا الحوار الذى سيكون سودانيا خالصا . ويفهم من المساق ان الرئيس البشير ، خصم المعارضة وحاكمها ، سيدير ويرأس المؤتمر الذى سينعقد بمن حضر !
بقراراته المطلقة فى الهواء الطلق بدار سفيره فى بكين ، يكون الرئيس قد دلق دشار باردا على رؤوس الحالمين بحوار ينتقل بالسودان الى مفازة جديدة . ولن تنتطح عنزتان فى ان الرئيس البشير قد غرز مسمارا ضخما فى نعش الحوار الذى ظل فى غرفة الانعاش منذ السابع عشر من ينائر 2014 .و لا عزاء للحالمين من أهل السودان الذين ترمدت عيونهم وهم يحدقون فى الافق البعيد ينتظرون بشارة ظلت عزيزة وضنينة على الرؤية . عام كامل قضاه السودانيون وهم يقتاتون من آمال ورجاءات كانت تخيب كل مرة ولا تصيب مرة واحدة. حالهم هذه هى مثل حال الشاعر العربى القديم مؤيد الدين الطغرائى القائل :
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
*بهذه المناسبة غير السعيدة هل ما زال السياسيون الديناصورات يعللون انفسهم بالآمال مثل هذا الشاعر الذى قضى وفى نفسه شئ من حتى !