يوم عرفة … لويومئذٍ ، حجٌ كبير، لحجٍ أكبر

 


 

 

ليوم عرفة ، إشارة تشيءُ بمعاني يومئذن ، يوم يحشر اللهُ الناسَ في صعيد واحد، تلبية للنداء الجهير ، والإجابة العظمى ، ولكن الفرق أن لنا فرصة هنا أن نرفع أكف الضراعة ونعتذر لله ، وفرصة هنا أن نُنَزِّلُ أحمالنا وأثقالنا بالجأرُ بالدعاء والبكاء والتضرع ، أحمال تنوء بها الجبال ونعترف ونُسِّرُ له بنواقصنا وهفواتنا وعلاّتِنا ،  وكأننا نتواثق من جديد ، أو نوثق العهد مع الله ونجدّده ، ونجدد الصدق والتوجه ونبرأ من ماضينا وخطايانا، ونأملُ في صلاح غدنا وبقية حياتنا ، وهنا نُجرِّبُ يوم التجرد الكبير ، فنتجردّ له من شواغل الدنيا،  مخيطها ومحيطها ، ومالها وعيالها كأنها لا تسوى ، في ملمّحٍ، لتجُردٍ هناك ومثول بتعري كلي وجرد حساب ، في يوم العرض المثير، وعرضوا على ربك صفّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة  ، يومئذن تُعرضون لا تخفى عنكم خافية  ، وعنت الوجوه للحي الْقَيُّوم وقد خاب من حمل ظلما، ويوم الصمت الجهير ، يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ،  ، ويوم الخشوع المهيب والإجلال والهيبة وتهيُّبْ من الله ، والرجاء ، وخشعتِ الأصواتُ للرحمن فلا تسمع الا همسا ،يوم إلاقرار بالجوارح  ، اليوم نختم أفواهمم ، وتكلمنا آيديهم  وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، ويوم الفرار ، بوجوه تتوارى وأزوالُ تتضارى ،  إنه يوم الصاخة ، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل إمرء منهم يومئذ شأن يغنيه ، ويوم تبيّضُ وجوه وتسوّدُ وجوه ، إنه يوم التلاقيا ، وبلوغ التراقيّ ، وقيل من راق ، وظن أنه الفراق ، وألتفّتِ الساقُ بالساق ، الى ربك يومئذ المساق ، ويوم الإقتيادُ والطوعُ ، وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ،  إنه يوم الجرد ، يوم يوضع الكتابُ ، فترى المجرمين مشفقين مما فيه ،  كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا من سوء حاضرا ،  ومن خيرٍ مُحضرا ، إنه يقوم القصاص والإقتصاص ، يوم لا يظلم ربك أحدا ، إنه يوم التفرد بالملك ، لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد الْقَهَّار ، يوم يقهر القلوب ويهين العتاة ويقهر جباله وأرضه ، وسماءه ، يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ، يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرًا. 

 وإنه يوم النضار ، والإسفار والإستبشار ،  وجوه يومئذن ناضرة  ، ووجوه مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ، ويوم الفخر والفرح ، هاؤُم إقرأوا كتابيه ، ويوم التجاوز ، إني ظننت أني ملاقي حسابيا ، ويوم الجزاء والرضى ، فهو في عيشة راضية في جنة عالية ، قطوفها دانية ، ويوم الهنا ،  فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة ، ويوم الإتكاء ، متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان ، وعلى رفرفٍ خُضْر وعبقري حسان، ويوم العُرس الكبير ، حورٌ مقصوراتٌ في الخيام ، لم يطمسهن إنسٌ قبلهم ولا جان كأنهن الياقوت والمرجان ، يوم الإحسان بالإحسان ،  ويوم طواف الولدان ، يطوف عليهم والدانٌ مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وإذا رأيت ثمَّ رأيت نعيما وملكا كبيرا ، فهذا يوم حجنا الكبير إليه ، وذاك يوم الحج الأكبر ، والملك يومئذن لله .   

الرفيع بشير الشفيع

يوم عرفة ١٤٣٦ هجرية

بريتوريا

rafeibashir@gmail.com

 

آراء