والله ما كنت امل او اتصور أن الخليج وعلى رأسه السعودية ، سينتفض بهذه السرعة وبهذه القوة ، لينهض مما كنا نظن أنه حضيض تبعية للغرب ، بعد ردح من الزمان والاستغراق في الدعة والرفاه والحضارة الغربية الزائفة.
كنا نظن ان ابناء وبنات الخليج تميعت فيهم النخوة والشهامة والبداوة والاصالة وأنساهم وهج التشبه بالغرب ، وهذه البنايات الطويلة وهذه النعم المغدقة التي تأتيهم رغدا من كل مكان ، كنا نظن ان جلودهم طريت ونخوتهم انهارت ، وغرقوا في بحر لجي من الحضارة العمياء العرجاء الجوفاء.
وكنا نظن أن هذه الشعوب قد اتبعوا سنن التضليل والتغبيش للرؤية ، وتعطلت فيهم حرة العربي البدوي وماتت فيهم حمية العرض والأرض وانهم رحلوا عن الشرق ويمموا غربا تستهويهم سياحة الغرب ومجونها وسياسته وفتونها .
لكن هذه الأيام قد اثبتت ان للخليج وعي جمعي ، وعنق مرفوعة فخرا وعزا وحبا للدين و للوطن ونخوة واقداما واباءا ما بعده اباء.
ترك ابناء الخليج وقادتهم المراقد الوثيرة ، والنعم الكثيرة ، والفتن الوفيرة فجأة من دون تقدمة ولا انذار ، ويمموا شطر المعارك ، يذكرونا اجدادهم في بدر ومؤتة واليرموك وعكا ويبرهنوا لنا وللعالم ، تماسكا وقوة وجبروت وعلوا نفس وهمة ، هم احق الناس بها بيد انهم من اصول العرب والانسانية ، والقوة التي توازي الرحمة والجبروت المتزن حكمة ومقدرة، وبرهنوا لنا انهم اقدر الشعوب واعرفهم برؤية المرحلة واستعياب المرحلة واثبتوا لنا انهم أجدى وانفع واقدر الشعوب واجدرها للدفاع عن نفسها وعن دينها وعرضها.
كنت اظن ان هؤلاء ، سوف تحنيهم اهون الابتلاءات واضعف العواصف ، لكن يبدو ان للخليجي قلبان ، قلب رحمة ، وقبل محاص ، وله وجهان ، وجه غزال رحيم حليم سمح ، ووجه ضرغام يكشر عندما تمتهن الاعراض وتمس الحدود ، وأن له يدان ،يد نعرفها عند الفزع والرحمة والعطاء واللين ، ناعمة حميمية حبيبة رغدة وفيرة العطاء ، ويد صلبة ، صلدة تهشم صخور البغي والاعتداء عند اللزوم وتقابل الخصوم.
وكنت أحسب ان تحت هذه العقالات والقتر ،جلود ناعمة متنعمة كساها الزمان نعومة حريرية لا تقوى على شيء ، لكن اثبتت الايام ان تحت القتر ذئاب ونسور تعرف كيف تصطاد حمائم العداء اللئيم.
وكنت اظن ان بنات الخليج ، بشر مخلوق من زبدة ، لا تتحمل حتى لفح الصحراء وحر الرمضاء ، وانهن مستغرقات فقط في النعيم ، ومنعمات تحت البراقع في الخدور ، ولكن اولاء البنيات ، اليوم يشعلن الاجواء نارا ، ويلهبن القلوب فخارا ، ويتطايرن باسراب الطائرات كالشياطين الماردة ، يحرقن رؤوس الاعداء ويثبتن لنا انهن احفاد أم عمارة ، نسيبة بنت كعب تذب عن رسول الحق صلى الله عليه وسلم ،يوم اليمامة ويوم احد ، وحفيدات ام سليم ، الغميصاء بنت ملحان، وحفيدات شهيدة البحر ام حرام بنت ملحان تغزو قبرص، وام الفضل تشق راس ابي لهب.
عذرا يا خليج ، ولكنّا بعد اليوم سوف لن نخاف على الخليج ، سلب المجوس والصهاينة وسوف لن نخاف عليه جور الالحاد والشيوعية ولن نخاف عليه الهوان.