الكنداكة السودانية في زمن العهر والفجور .. بقلم : بدرالدين حسن علي
badrali861@gmail.com
جمعتني جلسة كنت فيها " الذكر " الوحيد ، والبقية " نسوان سودانيات من مختلف بقاع السودان" ، طيلة الجلسة لم أنبس ولا
بكلمة ، كنت أستمع فقط ، ليس ضعفا أو مجاملة أو تعاطفا أو جهلا وإنما حقيقة ثابتة راسخة منذ سنين وسنين أثبتت فيها المرأة السودانية قدرات غير عادية دفاعا عن الشعب وحقوقه في حياة حرة كريمة ، ودفاعا عن المرأة وحقوقها وكرامتها ، وعن الطفولة والأسرة ، ودفاعا عن الآلاف من النساء في الريف والحضر ، ولعل أصدق ما يمكن أن يقال أن المرأة السودانية لا فرق عندها بين حلفا ونمولي ، أو الجنينة وسواكن ، فدائما نضالها وكفاحها من أجل كل السودان قراه مثل مدنه ومدنه مثل قراه .
منذ 1989 والمؤتمر الوطني وقوى الضلال والفسق والفجور يستهدف المرأة السودانية ، خطفا وتعذيبا وجلدا بالسياط والإعدامات والإغتصابات وكافة أشكال القهر في إنتهاك واضح وصريح للقانون والدستور ، وأستطيع أن أقول بملء الفم أن المؤتمر الوطني هو داعش وربما داعش أكثر رحمة من المؤتمر الوطني ، منذ سنين والظلم والقهر يطال المرأة السودانية في إنتهاك صارخ لكل أشكال التعليم والمعرفة ومكافحة الأمراض والعلل التي عرفها الإنسان السوداني .
.
.
مسؤولون كبار يستهدفون المرأة وذلك لدورها الذي تسجله بحضورها الشجاع وحماسها الرهيب بين الجماهير الشعبية ، وتصاعد دورها كتفا لكتف مع الرجل ، كما شاهدنا في الكثير من المواقف اتي وقفت فيها المرأة السودانية مواقف بطولية ومشرفة ، وإني لأنظر بكثير من التحقير للهجوم الشرس على المرأة والنيل منها في ملبسها وطعامها وطريقة تعاملها مع مجتمعها وواقعها ، وقد تعرفت على مئات النساء السودانيات فلم أر فيهن غير النبل والصمود والشهامة والكرم والصدق والقوة والشجاعة والتحدي والصبر
لقد صادفتني الكثير من المواقف الباهرة من أجل الإستقلال وأكتوبر وسبتمبر ومارس وأبريل والمعرك الطاحنة في شتى أنحاء البلد ، ومعارك كردفان ودارفور والنيل الأزرق ، من أجل الأطفال والشباب والأخذ بأيديهم نحو الحرية والعدالة والديمقراطية ، و يذهب مسؤولون و من كتل حاكمة الى محاولة شقّ الصفوف بالتفريق بين نساء الولايات ، و يسعون لأحداث فجوة بين محجبات و لامحجبات و بربطات شعر و دونها. في توسلٍ لأية وسيلة قد تمكّنهم من انتزاع مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري بمنظورهم القاصر التعيس، ضمن محاولات اوسع تجري لتجميدها ، الذي لا يعني الاّ تجميد نصف المجتمع من المشاركة في الحراك الشعبي الهائل الجاري، السند الحقيقي للعملية السياسية و لإصلاحها و تطويرها.
و يرى مراقبون ان التهجّم يتصاعد بأشكال متنوعة لايحددها شئ ، وسط انواع التساؤلات عن معاني هذا التخبّط الحكومي لمسؤولين في الظروف الحرجة التي تمرّ بها البلاد، التي تتطلب وحدة الصف الوطني بكل مكوناته البشرية، باصلاح مايجري و الإستجابة لمطالب الجماهير من اجل زيادة القدرة على مواجهة داعش و مواجهة اعتى المخططات الإجرامية الجارية، فيما يتساءل كثيرون عن معاني ذلك من مسؤولين و هم المتحدثون باحاديث مملة طويلة عن المصالحة بلا جدوى، بينما يسعون بكل طاقاتهم لتجميد و استعداء نصف المجتمع ؟؟
ناسين بأن الحركة النسائية السودانية و دور المرأة السودانية لايقلّ عن دور المرأة المصرية و التونسية و اللبنانية اللواتي شاركن بصنع الإنتفاضات التي اطاحت بدكتاتوريات تجبّرت لعقود في المنطقة، ان لم يزد عليها لترافق عنصر الوعي السياسي و الفكري الذي تبلور لدى المرأة السودانية منذ سنين طويلة في المشاركة الفعالة في النضال الشاق ضد الدكتاتورية الدموية و الحروب، و نضالاتها و تضحياتها الجسيمة بشهادة اعداد شهيداتها الخالدات، في سوح الاعدام و في المعتقلات البربرية و اقبية التعذيب و في جبال و سهول الغرب والجنوب والشرق والشمال وفي الخرطوم وأم درمان . . .
فالمرأة السودنية ساهمت بفاعلية نادرة في النضال من اجل التحرر و الديمقراطية، وفي وثبات و انتفاضات الشعب السوداني طيلة عقود، و قدّمت من اجل تلك الأهداف انواع التضحيات و كانت ضمن عشرات الآلاف ممن اقتيدوا الى مذابح الدكتاتورية و الى جرائم موتها الجماعي، و لاتزال ضحية من ضحايا مذابح الإرهابيين سويّة مع كل ابناء الشعب العزّل.
من ذلك و غيره و اثر مناقشات حامية و صراعات، ثبّت الدستور حقوقها التي لم يكتمل تسجيلها، الاّ ان الدستور ثبّت حقّها في الانتخابات و الترشيح لها و الترشيح لكل مناصب الدولة، و ثبّت حقها بنسب أُقرّت في مؤسسات الحكم وصولاً الى الكوتة . . اضافة الى حقّها بابداء الرأي و بالمشاركة بالفعاليات الشعبية و فعاليات المجتمع المدني، و الذي وفقه تعمل الأحزاب الإسلامية الحاكمة على اشراكها بفعالياتها الجماهيرية و ندواتها الموسعة
و يشير صحفيون و سياسيون و قانونيون الى ان احقاق حقوق المرأة ليس صدقة او رحمة من جهة ما، و انما هي قضية اساسية ـ و ليست ديكور ـ لتحرر و تمدّن المجتمع بأسره، و ان ما تستحقه من حقوق هو نتاج قرون طويلة من صراعات انسانية من اجل العدالة الإجتماعية و من اجل عائلة و طفولة سعيدة، ثبتت بنودها في العهود و المواثيق الدولية التي تجبر الدول على الالتزام بها.
و يلاحظ ان مسؤولين في كتل حاكمة ينسون او لايعرفون ان تحرر المرأة و نصرة قضاياها، يعني تحرر طاقة هائلة من شعبنا تدفع نحو الحداثة و التطور و التمدّن و الى التفاعل مع تطورات عالم اليوم في جعل بلداننا اكثر تحرراً و اكثر كسباً لدول العالم لدعمنا في معاركنا القاسية . .
و ان حصولها على مواقع فاعلة في المجتمع، مكسباً و تعزيزاً كبيراً للطاقات الثورية الخلاقة في المجتمع و دفعاً لعجلة تجديد حقيقي و اصلاح . . الأمر الذي قد يبدو انه صار يرعب الجهات الأكثر تطرفاً من احزاب الاسلام السياسي، التي وصلت الى مراكز القرار بتوازنات و دفع من مصالح متغيّرة لقوى اقليمية و دولية.
ان سعي الكتل المتأسلمة الى قضم و تغييب قوانين حقوق المرأة، لايعني الاّ انحيازاً اعمى الى (ذكورية المجتمع) و الى العودة الى العهود الحجرية و ازمنة الصيد . . اضافة الى ان التدهور الاخلاقي الذي حصل و يحصل على يد ميليشيات الاسلام السياسي المسلحة ، و ممارساتها اللاخلاقية بحق المعارضين ـ وفق تقارير منظمات العفو الدولية ـ . .
و عودة صيغ الرقيق . و صيغ و عقود (زواج المتعة) و (المسيار) و التبشير بها ـ و تقنين النشاط و العلاقات الاجتماعية العامة بين الجنسين ـ ، اضافة الى الفتوى المقرفة "جهاد النكاح" علناً و بكثافة متواصلة و باموال فلكية، و بصيغ مثيرة لغرائز شباب الجنسين على وجه الخصوص، و غيرها . . لايعني الاّ التبشير بالعودة الى ماض سحيق، تثبت شهادات مواقع التواصل على الأقل ان البلاد تخلصت منه منذ زمان طويل . . فمن اجل الوقوف امام هذا التدهور و غيره، الا يحق للمراة ان تشارك بفاعلية بالاحتجاجات الساعية الى الإصلاح و ايقاف تدهور البلاد و المجتمع ؟؟ و الا تستحق من الجماهير الشعبية و المسؤولين، كل الإحترام و التشجيع ؟؟