عن عركي بقولكم وخير الكلام ما قل ودل .. بقلم : بدرالدين حسن علي
badrali861@gmail.com
عندما أكتب عن واحد مثل " أبو عركي البخيت " لا يعني مدحه أو نعظيمه
كما فعلها غيري ولا حتى الترويح له ،وهو أكبر مني خلقا وأ دبا
وسموا ،فمعظم كتاباتي هي " توثيق " ،مثلما يؤمن عبدالوهاب همت وغيره
بالتوثيق ، كثيرا ما أراجع ما أكتب وكثيرا ما تكون سلة المهملات
خياري المفضل ، وسلة المهملات بالنسبة لي لا تعني " جردل الزبالة"
وإنما تعني " التصحيح " ، تماما مثلما يحدث للممثل عند أدائه للدور بعد
البروفة ، أقصد" التحسين " ، من الصفات التي أكرهها جدا " التسرع "
والحكمة التي أؤمن بها " في العجلة الندامة .." وهذا بالفعل ما لفت
إنتباهي في شخص مثل" أبو عركي البخيت " ، صحيح صوت جيد ، أداء جيد ،
معرفة جيدة بالموسيقى ...إلخ ، ولكنه غير متسرع ، هذه الصفة عندما يدقق
فيها الإنسان جيدا سيدرك معناها وأهميتها .
هذه المقدمة ذات علاقة وثيقة بمقالي هذا عن " أبوعركي البخيت " ،
أحبه ؟ نعم . ولكني وجدت نفسي محقا في حبي له ، وكما يردد " يا ربنا يا
قادر .. يا واهب كل الشي النادر " فقد أعطاه الله الموهبة والرسم
بالغناء ، وأعطاه صبره ورزانته وصدقه ، خاصة البعض في زمننا هذا يظن
أن الله خلقه في يوم وخلق بقية البشر في يوم آخر ....الكلمة المقابلة
لعركي هي التواضع ، لم يدع في ذات يوم من الأيام الأستاذية ، لم يتعالى
على أحد ، و صراحة لم يحدث أن سقطت دموعي مثلما تسقط عندما أسمع " أهلي
الغبش " سمعت الكثير من أغانيه ، أدمنت الإستماع لأغانيه ، عندما أسمعه
يغني أصاب بالدهشة ، نعم محمد وردي ، محمد الأمين ، عبدالكريم الكابلي ،
عثمان حسين ، أبراهيم عوض وغيرهم فطاحلة ، ولكن " أبو عركي " حاجة تانية
: حاجة تقطع نفس خيل الغنا !!!!
بالطبع حزنت لما حدث بين صديقي عركي وصديقي الآخر هاشم صديق، واقولها
بالفم المليان هاشم لن أنساه أبدا ولن أنسى مواقفه النبيلة الشجاعة
الأصيلة معي ، كلاهما يسكنان في ضلوعي وشراييني وقلبي وعقلي وأفديهما
بنفسي ، وفي ده ما بهظر !!!! ولست أخجل عندما أعلن حبي لعركي ، لأني أعرف
جيدا أن الخجل عاطفة ثورية ، بالظبط مثل الخجل العركي !!!
تحضرني بهذه ا لمناسبة نكته طريفة ، يقال أن الله قال لجبريل : اليوم
سأخلق بلدا كبيرا يسمى كندا ، وشعبا يسمى " الشعب الكندي " سأعطيهم الماء
، الذهب ، النفط ...إلخ . سيكونون أثرياء جدا ، فقال له جبريل : لماذا
أنت كريم معهم هكذا ؟ فقال له لا تتسرع .. إنتظر لتعرف من هم
الجيران !!!!
هكذا حالنا في السودان ، منحنا الكثير من النعم ومنحنا أيضا الكثير من
الجيران أجارك الله جيران ال ..... ، أعطانا الله الكثير من الأصوات
الجميلة الرائعة وأعطانا أصوات وغناء الحمير !!!! وقطعا أبو عركي من
أجمل وأروع الأصوات .
السبت 7/5 يشدو أبو عركي في تورنتو الملكة بعد أن حلق في سماوات مدن
كندية أخرى كما قالت بثينة تروس وكما كتب شعيب والباشا
وعاطف ، وأهل تورنتو يحسبون الوقت بالدقائق ، وهذا يحدث لأول مرة في
تاريخ الغناء السوداني ، وأبو عركي يستحق هذا الحب الكبير الذي يكنه له
السودانيون في كل مكان يزوره ، ومقاطعته " إفك وزور " أبو عركي لا يمكن
مسه أو مس غناءه وموسيقاه ولو بأطراف الأصابع ، الشعب السوداني قاطبة
يفرق جيدا بين الغناء الجميل والغناء الرث ، ويعرف دو ري عركي ، وهذا
هو السبب الرئيسي في حبنا له
صحيح أن " أبو سماهر " من ود مدني، ولا أظن أنها الصدفة التي أعطت
وادمدني لوطني : إبراهيم الكاشف ، السني ، رمضان زايد ، رمضان
حسن ، محمد مسكين ، محمد الأمين ،ثنائي الجزيرة ، الخير عثمان ، محجوب
عثمان ، عبدالعزيز المبارك ، ولا أطيل ....فقد أعطتنا الكثير من رموز
الأدب والفن والرياضة وثوراتنا وإنتفاضاتنا إنطلقت منها ، وإذا كان
بمقدوري أن ارسم لها لوحة لرسمت وجه أبو عركي الصبوح .
زاملته أربع سنوات بمعهد الموسيقى والمسرح ، ومثلما إنتقل هو بعد جامعة
الخرطوم إلى المعهد لدراسة الموسيقى ، إنتقلت من جامعة القاهرة إلى
المعهد لدراسة المسرح ، معظم الوقت كنت أقضيه في قسم الموسيقى ، تعرفت
على أسماء مثل : الماحي اسماعيل ، مكي سيداحمد ،
صالح عركي ، الماحي سليمان ، الفاتح حسين و و ، و رأيته عدة مرات
ولا أذكر له سوى تلك الإبتسامة الساحرة هو وعفاف ،" قالت لي كريمتي مهيرة
: سارح في شنو يابابا ؟ وكانت سماهر تعزف على الدرامز ، قلت لها سارح في
بسمة سماهر" ، هزتني جدا مواقفه النبيلة و وطنيته ، ودائما ما أرى فيه
روح محجوب شريف ، وإذا كان هذا شاعر الشعب فعركي شريف مطرب الشعب ، هزني
جدا صموده أمام الفسق والفجور ، هزني جدا ثباته أمام الزيف والبهرجة
والثرثرة والكلمات الطنانة ، وحياة إبتسامتك يا عركي ، وحياة موسيقاك
وغناءك و قلبك و شعرك الأبيض ، أحبك جدا ....