الفنان محجوب عثمان والتوثيق لكبارنا ! .. بقلم : بدرالدين حسن علي
badrali861@gmail.com
بداية أود التنبيه أنني أتحدث عن محجوب عثمان "
الترزي الفنان " وليس محجوب عثمان الصحفي ، وكلاهما لحسن الحظ
أعرفهما ، في عام 1968 تم تعييني بالمسرح القومي بأم درمان ، وكان
مديره في ذلك الوقت الراحل المقيم خالي الفكي عبدالرحمن ، كنت طالبا
بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، منذ ذلك الوقت كانت لي علاقات حميمة ببعض
عمال السودان ، ومنذ أيامي الأولى لفت إنتباهي عمال المسرح القومي ، ومن
الصعب ذكر أسمائهم جميعا ، كان الفكي يقضي معظم الأوقات معهم ، فانجذبت
نحوهم وكونت صداقات ما زلت أ
أفتخر وأعتز بها ، وقد قام الكثيرون منهم بزيارتي في المنزل وقضوا معي
أوقاتا لا تنسى ، أذكر منهم إسماعيل مساعد ، عبدالله الشفيع وغيرهما
ومنذ ذلك أتساءل : لماذا لا يذكرون العمال ؟ لماذا يذكرون فقط أسماء مثل
: عثمان جعفر النصيري ، عثمان قمر الأنبياء ، عثمان أحمد حمد ، مكي سنادة
، محمد عثمان عز العرب ، محمد عثمان الهادي ، مهدي حسن مهدي ، صالح
الأمين ، وغير هؤلاء من موظفي المسرح ؟ قد يبدو للبعض سؤالا ساذجا إن لم
يكن غبيا !
.
في المسرح القومي كان هناك مكتب لتصميم الأزياء
ترأسه سيدة مصرية سودانية " ميرفت " يعمل فيه بعض الترزية ، لفت إنتباهي
بشكل خاص" الترزي " محجوب عثمان ، وكان أكبر مني سنا ، لاحظ هو تقربي
الشديد منه ، فتحدث مع خالي قائلا له : ود أختك هذا ظريف جدا ، أريد أن
أتقرب إليه ، وافق
الخال ، ودعاه للغداء في بيت المال ، وكنت بالطبع موجودا ، وفوجئت بأنه
مطرب ، حيث سمعت بعض أغانيه ، ومنذ ذلك اليوم أصبح صديقي وأستاذي
وشقيقي الأكبر .
حكى لي كثيرا عن سيرته الذاتية ،
وكتب عنه كثيرون ومن بينهم الأستاذ عمر سعيد النور .
قال عمر : الفنان " محجوب عثمان "
من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي .. ولد وترعرع بحي" الدباغة "
بود مدني وقد تلقى تعليمه بخلوة والده .. وكان لهذه الأجواء الصوفية
الأثر الطيب في نفسي
يقول عمر هذبته دراسته للقرآن الكريم وتجويده .. والتملي بخير الكلام
أنشد و مدح المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسلام .. وردد الأناشيد الدينية .. ساعده
في ذلك صوته الجميل ..
يضيف عمر قائلا : والده شيخ من شيوخ الطرق الصوفية المعروفين بمدينة
ودمدني هو الخليفة عثمان مصطفى
ووالدته هي الحاجة "فاطمة إبراهيم محمد عمر " وللفنان " محجوب عثمان " شقيقان هما
المرحوم " محمد الحسن " والأخ" مصطفى " الحكم الشهير
بود مدني صهر الكوتش سيد سليم
وله ثلاث شقيقات ( المرحومة خديجة عثمان .. والمرحومة زينب عثمان ..
ونفيسة عثمان ).
أما أسرته الصغيرة فزوجته الأولى " فاطمة الزين حسن عمر أغا " وهى من أم
درمان حي المسالمة
وقد رزقه الله منها بـ " عادل محجوب " وهو يجيد تقليد صوت والده بصورة
مُذهلة . وبعد وفاتها تزوج
بـ " سعاد علي " وهى من الكاملين وله منها : " وائل .. سارة .. ووليد "..
وكان زواجه من الزيجات
المشهورة بالمدينــة .. حيث أمتد الفرح لأيام وليالي .. غنا فيه معظم
الفنانين الكبار .. وكان الحفل يمتد
من العاشرة صباحاً حتى صباح اليوم التالي .. ويذكر أن الأستاذ إسماعيل
خورشيد والذي كان حاضراً
قد ألف أغنيتة الشهيرة" الفردوس " أثناء حفل الزواج .. وقد لحنها الفنان
" محجوب عثمان " وغناها في الإذاعة السودانية مباشرة
تحضرني بهذه المناسبة حكوة ظريفة لا بد أن
أحكيها لكم ، كنا نجلس فوق مسطبة المسرح القومي بأم درمان ندردش ، فقال
إسماعيل خورشيد : إننا ضحينا من أجل الفن ؟ فرد الراحل المقيم الممثل
الريح عبدالقادر ، يا سمعة إنت كنت " نقلتي " فكيف تكون ضحيت من أجل الفن
؟ ضحكت وضحك إسماعيل خورشيد ، يا حليل أيام زمان !!!!!
ويحكي عمر قائلا : عمل الفنان " محجوب
عثمان " في صباه بحياكة الملابس ، وكانت البداية بدكان
عمنا المرحوم " أحمد السنوسي " والد الراحل الأستاذ يونس السنوسي المحامي
، ما زال عمر يحكي عن أعز الحبايب :
ثم أنتقل للعمل أمام دكان " الهلاهوب"
مع منصور عبد الباري وسليم أبورونجة .. وعند إضراب الفنانين الشهير هاجر للعاصمة
حيث عمل ترزياً بسوق أمدرمان وهناك تعرف على عدد من الفنانين والشعراء .. ومن
أهم الشعراء الذين تعرف عليهم و كانت له معهم علاقات طيبة
الأستاذ عبد الرحمن الريح
والأستاذ" السر أحمد قدور " .. والأستاذ " عبد اللطيف صبحي " والأستاذ
إسماعيل خورشيد
وكان للأخير القدح المعلى في كتابة معظم الأغاني التي تغنى بها " محجوب عثمان" .
وبام درمان بدأت مرحلة جديدة في حياته .. حين التقى بالمرحوم " عثمان
النذير " .. وتتلمذ على يديه
وكان يجيد العزف على العود وشكلا معاً ثنائياً متميزاً .. ثم أنضم لهما "
السر خيري " وفي مرحلة لاحقة
أنضم لهم العازفين " حسن الله جابو "..و " عوض الله جابو " وعازف الإيقاع
الطبلة )" ود فور وبعض كبار الفنانين . "
وثانية تحضرني نكته ظريفة ، وهذه
المرة عن الفنان الرائع محمد احمد عوض ، وكان له الكثير جدا من المقولات
الساخرة الفكهة مثل قوله لي : إنت يا بدرالدين ما عاوز تمل معاي ميكياج
صحفي ؟أو وله للشاعر هاشم صديق عندما سمع ملحمة أكتوبر إنت يا خوي الغنية
دي عملتها في ياتو بت ؟ ، فقد قابل الفنان محجوب عثمان بدار سينما
الوطنية أم درمان ولم يحييه ، فلومه محجوب في اليوم الثاني ، فقال له
محمد أحمد : أعمل ليك شنو ؟ شايف معاك أرملتك ؟؟؟
ويواصل عمر : ثم ظهر بصورة قوية عند
الإضراب الشهير للفنانين الكبار إبراهيم الكاشف ،أحمد المصطفى ، حسن
عطية ، عثمان الشفيع وعثمان حسين وذلك في مطلع الخمسينيات ، وهؤلاء
شكلوا ما يشبه بالنقابة أو الرابطة بزعامة الفنان " إبراهيم الكاشف "
للدفاع عن حقوقهم والمطالبة برفع أجور تسجيل الأغاني للإذاعة السودانية
وحفلاتها المذاعة على الهواء مباشرة ، وكان رد الفعل عنيفاً من جانب
مدير الإذاعة وقتها " الأستاذ متولي عيد ، إذ أوقف اسطوانات المضربين
ومنع إذاعتها ، والحق أن هذا الإضراب أتاح فرصة ثمينة لأصوات فنية جديدة
شكلت إضافة حقيقية لدنيا الغناء السوداني ، فتقدم عدد من الفنانين
الشباب للتسجيل بالإذاعة ، ووجدها مدير الإذاعة فرصة سانحة ليسدد لأولئك
المضربين ضربة" مُوجعة "أخرى ، فسرعان ما أجيزت أصوات المطربين الجدد ،
ويواصل عمر يحكي : وأثبت البعض منهم جدارة واقتداراً ففتحت لهم أبواب
الشهرة على مصراعيها ، ساعد على ذلك كثيرا كون أن أصواتهم كانت جميلة ،
نذكر من هؤلاء إلى جانب الفنان " محجوب عثمان " .. الفنان " رمضان حسن "
.. والفنان"صلاح محمد عيسى" .. والفنان " الخير عثمان " وكانت تجمع
الفنان " محجوب عثمان " علاقة متميزة بكل من الفنان " الخير عثمان " ..
والفنان " رمضان حسن " فهم أصدقاء وأبناء حي واحد ( الدباغة ) وجيران
تقريباً .
بعد النجاح الكبير للفنان " محجوب عثمان " نجده قد أستقر به المقام
بمدينة أمدرمان حيث أشترى له قطعة أرض فيها وبناها .
من أغانيه:
قلبي الاسروه
هواهم
واصطفاهم
ومن ودادهم حرموه
اشتروه
هم أنسي وسلوتي
..
هم أزاهر روضتي
هم بوادر عطفتي..
هم مرادي وبغيتي
قصتي ومهجتي وفؤادي
ومن الأغاني الجميلة التي تغنى بها الفنان " محجوب عثمان : " نجوم الليل
" و" عهد الهوى" ، ونجده بصورة خاصة قد أبدع في تلحين وغناء أغنية " جرتق
الفرحة " تلك الأغنية الرائعة التي صاغ كلماتها الشاعر " إسماعيل خورشيد
" والتي تتغنى بولايتنا الحبيبة الجزيرة
وتقول كلماتها :
أنت للـنـيـل الـجـبـيـرة وأنت في الآفـاق منيرة
يا عروس شايله الضريرة وجيت بالفرحة الكبيرة
أنت دوحتنا الوريقة وأنت عِينَتْنَا وخريفا
أنت آمالنَا الطَّرِيفة
وأنت يا أرْضَ المحنة إنْتَ واحة وأنت جَنْة
دمت يا أرْضَ الجزيرة
جِيْنَا بالزّين والعديلة في روابيك الجميلة
ولِيْ حضارتنا الأصيلة
إنْتَ يا مهد الهداية وللفنون عَلِيْتِي راية
وأنت للآداب دليله
وأنت يا أرْضَ الجزيرة ثروة أمتنا الكبيرة
وقد سجل الفنان" محجوب عثمان "العديد من الأغنيات الجميلة للإذاعة
السودانية .. نذكر منها : بلبل الشجر .. نظرة .. بي العزم .. ليالي
الفردوس .. أرض جدودي .. العيون السود .. العشق الحزين .. هجران .. أحلام
الحب .. قصة حبي .. صدود .. فاتو الحبايب .. حكمة رمضان .. فرح بكرة ..
حبي .. عرفت معزتك .. دنيا الغرام .. .. أحلام الحب .. حبي الخالد ..
حبيب الروح .. عيد سعيد ....يا مراكبي .. متين يا روحي .. أنت حبي ..
حبيبي يوم لقيانا .. يا شادي .. يا منى عمري .. .. يا غرامي .. لحن حبي
.. هجران .. تواصل .. غاية وأمال .. تسابيح .. الحبايب .. شوق .. فرح
بكرة .. صدود .. دنيا الغرام .. نجوم الليل .. كما أبدع في أغنيته
الرائعة التي حملت اسم "عصر الحضارة"وهى من كلمات الشاعر المبدع "عوض فضل
الله" وقان بتلحينها بنفسه وقد سجل الفنان " محجوب عثمان " هذه الأغنية
في عام ( 1968م ) .. وكان لها وقع رائع وأخذت رواجاً مُلفتاً .. ففتحت له
أبواب الشهرة على مصراعيه.. ومن أغنياته الجميلة أغنية"ليه ، ليه يا
النسيت أيامنا ليه" ؟!! والتي يقول في مطلعها :
ليه ليه يا النسيت ايامنا ليه
يا النسيت عهد الهوي
لما كنا زمان سوا
ليه رضيت انت النوا
وليه رضيت بعذابي ليه.
ومن أغنياته الجميلة ( لحاناً وكلمات ) .. أغنية "كتير يا روحي مشتاق
ليك" .. حتى أن تلاميــــــذ المدارس الابتدائيــة وقتها قد اقتبسوا
لحنها الجميل في تلحين نشيد"أحب الوردا والزهرا" وتقول كلماتها :
كتير ياروحي مشتاق ليك
تغيب عن عيني غيب الليل
تعال يا روحي سيب وأشيك
تجيب لي السعادة وأجييك
تعاااال قلبي الدوام حابيك
مسا وصباح يغني عليك
تعال ياروحي مشتاق ليك
تغيب عن عيني غيب الليل
تعااااااال رجع صدي الذكري
تعااال لو مرة مختصرة
تعاال تجد القلوب أثااره
وتشوف قلبي المعذب بيك
كتير ياروحي مشتاق ليك
تغيب عن عيني غيب الليل
تعال أوعك تكون جافي
تعال لي ريدك الصافي
تعال يالفي الوجود مافي
وشوف قلبي وحنانو عليييك
كتير ياروحي مشتاق ليك
تغيب عن عيني غيب الليل
أصيب الفنان الكبير محجوب عثمان بحمى الملاريا .. ويبدو أنه لم يعرها
اهتماماً .. فحدثت له انتكاسة أعقبها الإصابة بحمى التيفويد فتدهورت
صحته بسرعة .. وما لبث أن فارق هذه الفانية في الرابع من شهر أغسطس من
العام 1994م .. تاركا إرثا فنيا لايزال يردده معجبي فنـه إلى يومنا هذا
.. حيث فاضت روحه ولم ينقطع عطاؤه .
رحمك الله يا محجوب بقدر ما قدمت لوطنك ولأسرتك وللفن وللشعب السوداني وما زلنا
نحبك !!1