مشاكل اليوم ما بدها حل أمبارح: دولة الحزب جنين الظاهرة الستالينية
Khogali17@yahoo.com
الحضور القوي للديموقراطية منذ أواخر ثمانيات القرن الماضي، و سقوط نظم الحكم الشمولية دفع بدول الرأسمالية الدولية علي رفع شعار: نشر الديمقراطية ذريعة التدخل في شئون الدول الاخري.
(سقطت نظم الحزب الواحد الحاكم الشمولية في السودان 1985 و الجزائر 1989 و زامبيا 1990 و النيجر و سيراليون و توغو و كينيا 1991 و انجولا و جزر الرأس الأخضر 99 و غيرها)
وتبعا لذلك أعادت دول الرأسمالية الدولية توزيع أدوارها لقسمة المواد و مناطق النفوذ باليات اقليمية و دولية. و شعارنشر الديمقراطية نتج عنه تقاطع مصالح دول الاستعمار الجماعي الجديد و القوي الوطنية في الدول الأخري التي تناضل لاستعاده الديمقراطية.(مدخل تذويب مبادئ السياده الوطنية و وحدة التراب..)
و المقال محاولة للتاكيد علي استمرار الظاهره الستالينية التي سرد يوسف حسين تفاصيلها في الاتحاد السوفيتي السابق في السودان علي مستوي (الحزب) و (الدولة) بعد أن تحولت إلي ظاهرة كونيه مثلها حزب الحركة الاسلامية في السودان وإن ترياق الظاهره هو ديمقراطية الحزب(!).
دولة الحزب في السودان
استيلاء حزب الحركة الاسلامية في السودان علي السلطة السياسية بالعنف : كان حدث استثنائيا بتاسيس دولة شمولية يحكمها حزب واحد في ذات حقبة سقوط الدول الشمولية في العالم و المنطقتين االعربية و الأفريقية.
و دولة الحزب في السودان تجاوزت نظام الحزب الواحد الحاكم ببدعه نظام التوالي ثم الانتقال لنظام الحكم الأفروقراطي الذي اتخذته معظم الدول الشمولية في أفريقيا و هو نظام الحزب المهيمن تحت ظل تعدديه حزبية. مقيدة و يحيط بها الارث الشمولي من كل ناحيه وهو ما أطلقت عليه الحركة الاسلامية السودانية (التمكين ديمقراطيا) أو الهيمنة بصناديق الانتخابات.
إن تغيير الاساليب الذي اتبعه المؤتمر الوطني كان له اثرآ كبيرآ في ارباك العمل القيادي للحزب و أحزاب المعارضة. فتغيير الأساليب يتطلب من الحزب و القوي المعارضة وضع تكتيكات عملية جديده و متغيره في الميادين المختلفة: وهذا لم يحدث بالصورة المطلوبة و هو أساس الاختلافات بين قيادات الأحزاب خارج الحكم و كذلك التردد في اتخاذ القرارات أو اتخاذ قرارات لا تنفذ أو يتم التراجع عنها.
وأفضل النماذج التي تصلح لأن تكون موضوعآ للدراسه و المناقشه هو التكتيك الانتخابي للأنتخابات العامة 2010 والذي تم التراجع عنه بالانسحاب الذي تطلق عليه القياده (المقاطعه) و الفرق شاسع بين المقاطعة و الانسحاب و في الحقيقة تم الغاء التكتيك الانتخابي باداه القرار الحزبي وتم قطع فوائد التكتيك الانتخابي في جهات العمل المختلفه السياسية و التنظيمية و الجماهيرية أما التحكم في النتائج بالنظام الانتخابي فهي معركة كان من الواجب خوضها بقوه بدلا من الهروب منها : لكن الاشد غرابة المطالبه بالغاء نتائج انتخابات 2015 (هل المقصود حل المجلس الوطني و المجالس التشريعيه؟ فالمعلوم أن أول نتائج اسقاط النظام هو حل المؤسسات الدستورية القائمة.!!).
نمط الحكم وواجبات العمل القيادي
نمط الحكم القائم في السودان يقيد أنشطه الأحزاب بما في ذلك (أحزاب الوحده الوطنية) والمشاركة. لكن الموضوع رغم أهميته ظل خارج نطاق العمل القيادي للحزب و قوي المعارضة الأخري. في حين انه بالامكان توظيفه لصالح استعاده الديمقراطيه و اضعاف أثر الشمولية و التاثير المباشر في هيمنة الحزب الحاكم. وتم الاكتفاء بوصم الاحزاب بانها من صناعه المؤتمر الوطني.
أنظر: في التجربة السودانية و خلال التحضير للاضراب السياسي لاسقاط الحكومة العسكرية (58-64) بذل الحزب بقياده عبد الخالق مجهودات ضخمة حتي يتحول حزب الشعب الديمقراطي (حزب الختمية) الي صفوف المعارضة و انسحاب الختمية من تاييد الحكومة العسكرية و نجح الحزب في ذلك. ودافع تلك الجهود أن نجاح الاضراب السياسي يعتمد علي مشاركة الاغلبية الساحقه للجماهير و للختمية أثرهم السياسي.
أما تقييم الحزب اليوم لشراكة الحزب الاتحادي الديمقراطي: ان قيادة الحزب الاتحادي لا تمثل جماهيره التي تقف ضد الشراكة مع المؤتمر الوطني(!).
ووسائل الشمولية لاضعاف الحزب تتغير بتغيير أساليب المؤتمر الوطني المتنوعة بتقليل المطاردات و الاعتقال التحفظي الي وسائل جديده ابرزها (نشر وقائع اجتماعات القياده) قبل الاعلان عنها. والاعتقال هدفه شل حركة العمل و ارباك القيادة و نشر المحاضر يؤدي ذات المهمة وهذا يتطلب اعاده النظر ليس فقط في مناهج العمل بل أيضآ في القيادات مهما كان وضعها الحزبي فالتجربة أكدت أن كل الأضرار التي حاقت بالحزب جاءت من أعلي لا من القواعد و من مكاتب الرقابة و المعلومات.
وعلي الرغم من تغيير الحزب المهيمن أساليبه لكن الحزب اختار أن يعيش في مرحلته الشمولية الأولي عندما كان محظورآ فلا يتردد من الاستمرار في تضييق الديمقراطية الداخلية ( وهو يطالب باستعاده الديمقراطيه في المجتمع) و يحقق العمل القيادي بصوره مباشره أهداف الحزب الحاكم المهيمن مما يؤثر سلبا في كل جهات العمل..
و نلاحظ في الممارسة استناد (الحزب) وأحزاب المعارضة (الرسمية) الأخري علي تكتيكات الضغوط الاقليمية و الدولية و منظمات المجتمع المدني وهو استناد خائب فالحزب المهيمن يلجا لذات التكتيكات وهو في وضع أفضل لانه يمسك بمفاصل الدولة أما منظمات المجتمع المدني فيكفي ان تمويلها من ذات دول الراسمالية الدولية. وهذه الاوضاع جعلت كل الأطراف تحت قبضه الاجنبي ولأن المصالح الاقليمية و الدولية متباينه فان الوطن يكون مهدد في وحدته.
أن مهمه العمل القيادي في ظل نمط الحكم القائم هو التاكيد علي قدرات الحزب و الحركة الجماهيرية في مواجهة المصاعب التي تعرقل النشاط و كسرها بالتدرج حتي تتجاوزها. و المهمة من اتجاه واحد بتكتيكات متغيره ترفض الاستسلام للواقع (اتجاه يميني) يجعل العمل القيادي جزءآ من الازمة ولا يقفز فوق الواقع (اتجاه يساري) أما الاتجاه الوسطي الثوري هو النضال الدوؤب و الصبور و المثابر من أجل النفاذ ولو من ثقب أبره لتوسيع هامش الديمقراطيه خطوة خطوة أو حتي بوصة بوصة.
نظرية اسقاط النظام
غياب الاستراتيجية و التكتيكات يجعل المسائل غائمه و مائعه فقيادات من المعارضه الرسمية تشرح عملية اسقاط النظام علي النحو أدناه دون أن يتصدي لها (الحزب) الذي يرفع ذات الشعار:
1- قيادات أحزاب المعارضة ليست مسئوله عن اسقاط النظام
2- اسقاط النظام مهمة الجماهير التي تتخذ قراراها في يوم ما و لحظة ما
3- مسئولية الاحزاب قبل الانتفاضة و سقوط النظام هي رفع الوعي والتحريض و الدعاية و الترويج اقليميا و دوليا .
4- مهمة الاحزاب بعد الانتفاضة تنظيم عملية انتقال السلطة و فترتتها الانتقالية و حكومتها و تقديم السياسات البديلة و الاشراف علي اجراء انتخابات حره نزيهة
والنظرية تعني الانفصال بين القيادات و الحركة الجماهيرية. فالقيادات تعلن عن رفع يدها عن كل ما يتعلق بالتنظيم و المبادرات و الحماية في انتظار ثوره الجماهير و تقديم الشهداء ثم تقديم السلطة للقيادات!!
و تبدو النظرية اكثر جلاءآ عندما تتخط مناهج المعارضة الرسمية في الممارسة لأدني الدرجات عندما تربط وثيقا بين (غضب الشعب) و (اسقاط النظام) و تكون ثوره الجماهير علي نظام الحكم فقط لانعدام الخدمات و الغلاء و رفع الاسعار انها لا تربط أبدآ بين الثورة/ الانتفاضه و التحول الديمقراطي ووحده البلاد و ثورات الفقراء و الجوعي في التجربة الانسانية ليست في حاجة الي تحريض أو رفع وعي حيث لا هدف لها إلا (سد الرمق)..
و اطلاق شعارات (اسقاط النظام) و (الانتفاضة) و (استعاده الديمقراطية) ومع (الحوار الذي يفكك النظام) و (ضد الهبوط الناعم).. بشكل متواصل و متداخل ينشر الغموض علي اهداف الحزب ثم ياتي المؤتمر الدستوري القومي ليزيد الغموض غموضا وما ذكرناه حول الاسترتيجية و التكتيك هو وحده الذي يزيل الغموض.
نظرية أمن الحزب و الدولة
دولة الحزب في السودان لا تختلف عن دولة الحزب في الاتحاد السوفيتي السابق. و تتطابق ممارسات الظاهرة الستالينيه في أحزاب : الشيوعي السوفيتي السابق و المؤتمر الوطني في السودان و الحزب الشيوعي السوداني. و العامل المشترك العداء للديمقراطية الداخلية و سيطرة فئة قليلة في كل حزب علي كل شئ و جميعهم يخلطون بين (الاعداء الطبقيين) و (الخصوم السياسيين).
وظلت الاولوية في النهج السوفيتي (المحافظة علي النظام الاشتراكي) وأولوية المؤتمر الوطني (المحافظة علي النهج الانقاذي) و أولوية الشيوعي السوداني (المحافظة علي بقاء الحزب) و المحافظة تعني المحافظة علي قيادة الدولة و قيادة الحزب وبهذا المفهوم أصبحت مهام اجهزة الأمن و المخابرات و مكاتب المعلومات و الرقابة والامن الحزبية هي المحافظة علي أمن قيادات الحزب و الدولة وفي سبيل ذلك فانهم لا يهتمون بوحده الوطن و وحده الحزب.
وللمحافظة علي أمن الحزب و حماية الدولة تم الخلاص من كافة الثوريين الشرفاء وفي مقدمتهم جميع القيادات التي شاركت في الثوره مع لينين والتي لعبت أدوار اكبر بكثير من دور ستالين وآخرين ولم يتبقي منهم إلا الذين (خضعوا) أو (انحنوا للعواصف)
وفي الاتحاد السوفيتي السابق اندمج الحزب في الدولة وتم اعلان حالة الطوارئ و اقيمت المحاكم الخاصة التي قيل انها مؤقتة ولكنها تمددت و بقيت فالدولة يقودها الحزب و القضاء و القضاه في خدمة الحزب فتنفذ التعليمات بمحاكمات الثوريين بالاعدامات. ومن بعد التصفيات ساد الفساد الحزب و أصبحت وسيله الصعود الوحيدة هي التملق و الخضوع و التجسس علي العضوية ورفع البلاغات و الاتهامات بالتكتل و عقد الاجتماعات خارج نطاق المؤسسه...الي اخر
ونظريه أمن الحزب و الدولة بالنهج السوفيتي كانت تري في كل اعتراض من جانب الرفاق مقاومة لقياده الحزب و قياده الدولة و يجيب الخلاص منهم مهما كان تاريخهم أو تضحياتهم.
وفي الحزب الشيوعي السوداني لنظرية أمن الحزب قواعد منها:
- انتقاد السكرتير العام مقدمة الهجوم علي الحزب و قيادة الحزب
- الافصاح عن الآراء تطاول هدفه المساس بالقياده
ويجب التخلص من القائمين بها ومن حسن حظ الثوريين أن (الاشرار) من تيار المركزية المطلقة لا دوله لهم.
أنظر: أثناء محاكمة بوخارين 1938 (حكم عليه بالاعدام) تم استخدام دليل ادانة ضده عباره قالها عام 1917 وهي (إن التاريخ الروسي لم يطحن بعد الدقيق الذي سيخبز منه مع مضي الزمن رغيف الاشتراكيه)
أنظر: عند التحقيق الحزبي مع المناضل خضر نصر (عضو اللجنة المركزية المنتخب للمؤتمر الرابع ومن التيار الثوري) في 1982 تم استخدام دليل ادانه مفبرك ضده (لم يقم بادانة انقسام 1970)
وخضر نصر من العمال الشيوعيين و كان في عطبره في 22 يوليو 1971 و حضر للخرطوم في قطار بضاعة بقرار حزبي من عطبرة وهو من قيادات مرحلة تجميع الحزب. ورشح قاسم امين للسكرتارية السياسيه للحزب في اجتماع حضره سبعه من اعضاء اللجنة المركزية (المتبقين) ولم يحضره قاسم امين وكانت نتيجة التصويت 4/3 لصالح نقد و الثلاثة وقاسم امين لم يحضروا المؤتمر الخامس(!!)
و نفذ الحزب (لا دولة له) حكم الاعدام علي خضر نصر بطريقة أخري وهي :
- انهاء تفرغه وهو مختفي و مطلوب القبض عليه
- تنزيله من قيادة الحزب.... واضرب عن الطعام حتي الموت.
ومنعت قيادة الحزب عرض سيرته الذاتية في العيد الاربعين للحزب بعد الانتفاضة و ظلم حيا و ميتآ و هو من ضحايا الالة الجهنمية الواجب رد اعتبارهم.
نهاية مركز تفسير الماركسية
قدمت دساتير الدول الشيوعية السابقه الغطاء القانوني لهيمنه قيادات الاحزاب الشيوعيه الحاكمة فنص دستور الاتحاد السوفيتي السابق (القوه القائده و الموجهة للمجتمع السوفيتي، و النواه لنظامه السياسي و لمؤسسات الدولة و المنظمات الاجتماعية هي الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي..)
وهكذا انتقلت الظاهرة الي الدول الشمولية التي أخذت بنظام الحزب الواحد الحاكم : الاتحاد الاشتراكي في الحقبة المايوية و المؤتمر الوطني في الحقبة الانقاذية في السودان.
وشعار الثورة الروسية الاول كان (كل السلطة للشعب) و بعد الثورة أصبح (كل السلطة للحزب) ثم (كل السلطة للسكرتير العام) فهو ممثل الشعب و الثوره و الطبقة و الحزب و النظرية عبر فكره الانابه المتصاعده : الطبقة العاملة تنوب عن الشعب و الحزب ينوب عن الطبقة و المؤتمر ينوب عن الحزب... وهكذا صعودآ حتي السكرتير العام الذي هو (القيصر) أو (الفرعون) ورئيس الدولة هو رئيس الحزب في موسكو أو الخرطوم في الحقبه المايوية او الانقاذيه (يطالب الحزب بالغاء التعديلات الدستورية في 2015 التي منحت رئيس الجمهورية صلاحيات واسعه وكرست لحكم الفرد ولم يربط بين مطالبته ونقد نمط الحكم القائم الذي هو اساس المشكلة )
وأكدت الماركسية علي حق الناخبين في سحب الثقة من النائب في اي وقت، وبعد أن وصلت قيادات الحزب الي السلطة.أضاف منظور الماركسية الفاسدين (ان مسئولية النائب أمام ناخبيه تتجلي في حق الناخبين سحب الثقه من النائب ولكن هذه المسئولية تتسم بطابع سياسي ذلك ان النائب الاشتراكي مسئول امام الحزب الذي قام بترشيحه لا الناخبين الذين اختاروه)!!
وعلي ذات نهج الظاهره الستالينية فان اعضاء المجلس الوطني يستطيعون التوصيه للرئيس بان يسحب ثقته من وزير ولكن المجلس لا يقرر (!)
نكتفي بهذا القدر بأمل مواصله مناقشة أفكار يوسف حسين حول الظاهرة الستالينيه و الديمقراطية الداخلية و مبدأ الديمقراطية المركزية في الحزب وأثر العوامل الخارجيه في خلافات الحزب و تقوية الظاهرة وادواتها في الحزب ورد الاعتبار للضحايا. وكل عام وانتم بخير.
المراجع و المصادر
- رفعت السعيد-الديمقراطية و التعددية بين النظرية و التطبيق
- جون دن- قصه الديمقراطيه
- ميخائيل غورباتشوف- خطب و مقالات مختاره
- سامي عماره- من جوربا تشوف الي بوتين