حَجر القمر

 


 

 


ما القمر وما الحجر ؟
(1)
كتب الشاعر بدر السياب منذ زمان في صعوده عاشقاً ينشُد للمَطر :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السَحَرْ ،
أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ .
عيناكِ حين تَبسمانِ تورق الكروم .
و ترقُص الأضواء ... كالأقمار في نَهرْ
يرجه المجداف وَهناً ساعة السَّحَرْ
القمر يُطل في ليلٍ مُكتمل النمو . تتقافز إليه موجات البحر مُنجَذبة أو عاشقة. يراقب كيف تسلك الكائنات طريقها عند الخطوب أو عند الفرح . فالشمس أمُه حين تُشرق أو حين تغرب يتجمعُ العُبّاد منذ تاريخ أديانٍ قديمة . يجلسون و تشرب الأجساد من الضوء الأحمر حين ينكسر و يتصالح الجميع مع الحياة . يمسح بَشرة الساجدين إكسير الشفاء . رافِعي الرؤوس للضياء . مُتمتمين بأوراد الشروق أو أوراد الغروب .
(2)
للقمر حجرٌ شفاف لؤلئي البريق .
كُنتُ أعلمُ أني أبحثُ عن حجرٍ نصفُه حقيقة ونصفُه وَمضة نجمٍ في الخيال . أبحثُ في دُنيايَّ وفضائها الواسِع . تبسُم لي حِكمة قالها عابد عاشق :
" تزعم أنك جرم صغير وفيك أنطوي العالمُ الأكبر".
نُمسِك اليوم بأيقونة المعرفة ونضرِب عليها فتنفتح الأكوان :
غيري لم يكن يلقِ كثير بالٍ لحديث الصديق " عبد المنعم ابن عوف " حول الأحجار الكريمة وتآلفها مع الكائنات الحيَّة ، إلاّ أني ذو سعةٍ لوصل الأحلام بالواقع بأفقٍ يستنير بتسلسل المنطق :
يقولون هُنا هالة تلتفُ من حول الجسد الإنساني مُكتملة التوهُج ونُصبِح بفضلها أكثر حيوية ، وبخفوت ضوءها نُدرِك أنّا في أمس الحاجة للشفاء .
قال عبد المنعم :
" أ تذكر بُرجكَ ويوم مولدكَ والساعة ؟ "
قُلت :
" أذكر تاريخ اليوم ولا أعرف ساعة زماني وبُرجي يوافق بُرجاً من الأبجدية القديمة . "
قال :
" أذكرُ مما قرأت إن حجر القمر يُناسبك . اختَرت لكَ قطعة من دُرره لتكن قلباً تُمسكه حلقة من الفِضة لتُصبح خاتماً و يمسَّ الحجر جسدكَ حين تلبسه أنتَ في إصبع الخُنصر من يدكَ اليُمنى . تتسلمه من صانعه مساء الجمعة من أي أسبوع تختاره . تغمس الخاتم في حليب لمدة ثلث ساعة ، ثم تخرجه وتُجففه وتُثبته في موضعه الذي ذكرنا قبل شروق شمس السبت ."
قلتُ له وأنا في حيرتي :
" الدُنيا تتخطف أخبار موطننا ببؤس شقاء أهله و بحور دمه ، وأنتَ تدلٌف بي من بوابة الخُرافة ؟ "
قال :
" كي تُصبح صالِحاً لفعل الخير ابدأ بنفسكَ لتصِّح من سواد الأسى الذي لوَّن بَشرتَكَ ، فالقولون العصبي أحسُ به ينتفِض من عَجْزِكَ أن تكون مِصباحاً للعَمل التطوعي ولو بالقلب أضعف الإيمان . ربما لا يَفهَم قولي من يُصدِّق أني مُترفٌ بدُنياوات الخُرافة ، لكني صادقٌ إذ أحببت انتشالكَ من كثرة شكواكَ من ظلم ذوي القُربى في الوطن وأنتَ العاجز عن فعل أي شيء وقبلك من قال :
" تبدأ الألف خطوة من الخطوة الأولى عندما يستيقظ الضمير "...
(3)
جلسنا زماناً وتحاورنا بنَفَسٍ صبور ، وللصديق عبد المنعم قُدرة أن يُحدثكَ عن أخبار الوطن أو أخبار الكون أو علاج مرض السُكر بالطب البديل أو ثقته المُفرطة في قُدرة الذهن على صناعة الأكذوبة وتصديقها أو حين يحكي عن الكون رهينة بين عُصبة البناءين الجُدد الذين جددوا تُراث الماضي و لبسوا ثوب رأس المال الحاكِم بأنانيته و جبروته و صعدوا قمة ( الهَدْم الخلاق ) ! .
قطعت تسلسل حديثه المُتفجِر بالرؤى حين فاجأته :
" لِمَ أنتَ أعزب ؟ "
قال :
" أوَجَدتني ضَالاً لتُهْدي ؟ ، فأنا عائل ورب أسرةٍ ممتدة وقلبي في راحة يد والدي وأحب موطني ولَم أُوفق ."
تبسمتُ مُعتذراً وقلت :
" و ما فائدة حجر القمر عندما يَمَس بَشرتي ؟ "
قال :
" بينك وبين الحجر مثل علاقة الأرض بالشجر . سيستعيد جَسدَكَ توازنه الكهربي وتعود لك ذاكرتك لتنتعش وترتدي ثوب زفافها القديم وترقُص أمام مرآة جُرمكَ الصغير وتعود بذهنك إلى أيام شبابه .
ردِد معي وأنتَ مؤمناً بالشفاء مئة مرة :
" أنا بخير .. وذاكرتي من ذهب وجسدي بقوة شباب صهيل البُراق و عمري بعنفوان النبي نوح : ( أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ) ولي قُدرة على مَنح الشفاء من على البُعد لمَنْ يطلُب وأنا صديق الفقراء ."

عبد الله الشقليني
01/10/ 2007 م


abdallashiglini@hotmail.com

 

آراء