عملية يوليو الكبري (1): الرغبات لا تصنع الأحداث .. عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

Khogali17@yahoo.com

حجر أساس مجد الحزب و انتشار نفوذه – كما ذكرنا- هو (سياسة الحزب) التي يقرها مؤتمره، و تعبر عنها فروعه بالممارسه . فالفرع هو (الحزب) في مكان تواجده. و عضوية الفروع و جماهير الحزب و الشعب و الأصدقاء و القوي الديمقراطيه حولها شركاء في صنع المجد و النفوذ وهم أصحاب حق أصيل في نقد سياسة حزب العاملين.
وأهم نتائج عملية 19-22 يوليو الكبري 1971 فتحها الطريق أمام التنميه الرأسمالية ومنح الاذن لزحف الاحتكارات الدولية و الشركات متعدده الجنسيات ووسطائها الدوليين. ووضعت السودان تحت رحمه المؤسسات الماليه و النقديه للراسمالية الدوليه. فاشتد الهجوم المنظم علي مؤسسات القطاع العام و استكمل نظام الانقاذ برنامج الرأسمالية الدولية.
استهداف من قبل النشاه
يسبب الكنين و شركاه استهداف الحزب 2016 لان الحزب هو (الوحيد) الذي ظل (شيوعيا) في المنطقة. و المعلوم أنه (الوحيد) الذي تحللت قيادته من نظريته ولا تزال تحتفظ بالاسم (الشيوعي) في المنطقة. فكانت (الاجتماعات السريه) بين القيادات و حزب الحركه الاسلاميه ثم (العلنيه) ولجنه السته و التحالف في المعارضه الرسميه و المشاركه في الحكم تحت لافته (التجمع) و غير ذلك كثير. والحزب الذي تسعي قيادته سعيا لطمس طبيعته الطبقيه و افراغه من محتواه الثوري لن يكون شيوعيا لمجرد تدثره بالاسم.
واهتمام الناس بمالات و مستقبل الحزب لانه الحزب الحديث (الوحيد) الذي ارتبطت تكويناته الاولي (1920) ونشاته في عطبره (1943) و قيامه في العاصمه (1946) بالنضال ضد المستعمر الأجنبي لذلك هو حزب (تاريخي) و (رئيسي). حزب العاملين و الكادحين الذي لا تسنده قبيله أو طائفه.
ونقول للكنين و شركاه إن العداء للحزب بدأ قبل قيامه بعشرين سنه منذ حكومة المستعمر البريطاني. وتحت اداره السكرتير الاداري كان (القسم المخصوص) لمنع وجود نشاط شيوعي و نقابي.فاقامت الاداره البريطانيه وحدتين في القاهره و لندن للمتابعه. وهذه اشاره (لموقع السودان) و (شعب السودان) عند الراسماليه الدوليه.
إن هدف الرأسماليه الدوليه ووكلائها المحليين و أعوانها في فتره الحرب البارده أو بعد انهيار الدول الشيوعيه (واحد) لن يتبدل: مسح الحزب من الخريطه السياسيه السودانيه من قبل معاويه سورج و الكنين ومن بعدهما. و تعلمنا من التجارب الانسانيه و تجربه الحزب أن أقصر الطرق لانجاز المهمه هي تحويل قياده الحزب جماعيا نحو اليمين.
و تصفيه الحزب عن طريق قياده الحزب عرضها أعضاء اللجنة المركزيه :عبد الخالق وخضر نصر و محجوب عثمان في 1970 و 1981و2010 و نظريه (المعلم) هي :-
1. إن الصراع حول تصفيه الحزب وبقاءه هو انعكاس للصراع الذي يحتدم في المجتمع وهو صراع طبقي متي ما حسم لصالح التيار اليميني فان هذا يعني ذهاب الحزب و تلاشيه كطليعه للطبقه العامله
(لاحظ: أكد التجديد في الحزب أنه لم يعد طليعه لأحد وهو حزب كاي حزب سوداني أخر أي غير شيوعي)
2. وحده الحزب تتحقق بالصراع وكشف و تعريه أفكار أعداء الحزب المندسين داخله وبالذات في قطاعه القيادي.
3. نضال الحزب مع الاحزاب الأخري يستحيل أن يعني التحلل من الأفكار (راجع: اتفاق جده الاطاري 2003 ومساهمات كمال الجزولي و آخرون حوله)
4. الاستراتيجيه تحددها مرحله التطور الثوري المعين و الواقع و استراتيجيه الحزب انجاز الثوره الوطنيه الديمقراطيه (لآ الاشتراتكية)
5. التحالف الطبقي (الجبهة الواسعه) وأي تحالفات سياسيه لا تعني التخلي عن الماركسيه
6. طورت البرجوازيه أفكارها حول تصفيه الحزب بعد مايو 1969 بالسعي لاعدام الحزب نهائيا وليس بالضرورة أن يتم اعدامه بالحل بل بتفريغ و امتصاص ثوريته
سلاح الدفاع عن الحزب
أساليب أعداء الحزب في القياده مكشوفه بسبب التغيير في الظروف وإعلان الامبرياليه عن خططها و تراكم الخبرات عند العضويه التي عليها بذل مزيد من التدقيق في دراسه تجارب و تاريخ الحزب في مواجهة موجات العداء بادوات مختلفه و متنوعه و متداخله و سلاح الدفاع عن الحزب هو كشف الماضي و علاقته بالحاضر.
كتب عبد الخالق:
" إن الذي يجهل تاريخ الحزب من العضويه يضعف وعيه و يقعد به دون المساهمه الجاده في تطور الحزب ولا يؤهله من الناحيه الفكريه لحرب التيارات الانتهازيه التي يتعرض لها الحزب خلال نضاله"
وإذا بذلت العضوية جهودآ لمعرفه (العوامل الخارجيه في الخلافات الحزبيه) فانها توفر وقتا ثمينا و يقربها من فهم موضوع الخلاف و دوافعه بدلا من الاستغراق في تفاصيله. وأبرز العوامل الخارجيه: أثر المركز الدولي للشيوعيه (السابق) و النهج السوفيتي قبل و بعد الانهيار. ودور المخابرات الأجنبيه و الاختراقات في القطاع القيادي وأثر نظريه أمن الحزب و مكاتب الرقابه و المعلومات المركزيه (كل المسائل طرحتها كتابه و تفصيلا داخل الحزب 1962-1993 و أطرحها الان اجمالآ ونتيجه الطرح معلومة: الصمت و الحصار و النميمة و اشانه السمعه ولست بافضل من قاسم أمين أو موسي المهل و العشرات الذين سبقونا وسلاحنا تجاربهم و تضحياتهم)
ونربط وثيقا بين هدف الأعداء (الواحد) و العمل المنظم لطرد القيادات و العضوية الشريفه والأمينه بألف صوره وأبرز نماذج محاولات ابعاد القيادات تعرض لها عبد الخالق عده مرات بالقوه الناعمه وبعد فشلها لجأت المخابرات الدولية للقوة الخشنه وكان من ضمن نتائج 19 يوليو اغتيال القيادات مجهوله قبورهم حتي اليوم (!)

في انتظار المؤتمر السادس
مما جاء في التقرير السياسي للمؤتمر الخامس حول 19 يوليو (35 سطرآ):
1. وقائع انقلاب 19 يوليو في مجملها معلومة (تخطيطآ و تنفيذآ ونتيجه) بما في ذلك أدوار الأفراد، وحتي المجهول منها أو الغامض أو المختلف عليه (يمكن كشفه والتحقق منه) وقد يستغرق ذلك زمنا. في كل الأحوال سيعود الدارسون و المحققون الي أحداث ذلك (الانقلاب) تكرارآ كما سيظل الانقلاب و دوافعه ونتائجه قضيه صراع سياسي و فكري لأمد طويل.
2. و تحديد المسوؤليه للهيئات الحزبيه والأفراد ممكن أيضآ.
3. 19 يوليو انقلاب عسكري نظمته و بادرت بتنفيذه مجموعه وطنيه ديمقراطيه ذات وزن و تاريخ من الضباط و الصف و الجنود الذين ارتبطوا بالحركة الثوريه السودانيه...بينهم أعضاء في الحزب و ماركسيون دون التزام حزبي.
4. و الخلاصه التي رفعت للمؤتمر الخامس لاجازتها:
• تشكيل لجنه لتوثيق الوقائع بتفاصيلها بما في ذلك ما حدث في بيت الضيافه وأن يشمل التوثيق مشاركه الدول الاستعماريه و الرجعيه مع السلطه المايويه في جرائمها
• أن يستكمل الحزب تقييم الانقلاب و يستخلص تجاربه ودروسه
الحقيقة: قصدت القياده استمرار الغموض و اخفاء مسوؤليه الهيئات الحزبيه و (الافراد) وأحرقت تقرير العسكريين عمدآ والغت عمدآ افاده عبدالخالق عن بيت الضيافه خلال محاكمته و....و.... حتي قرارات الحزب (المزيفه) التي نقلها المتامرون للعسكرين ومن بينهم اليوم مرشح لعضوية اللجنه المركزيه (المعده سلفا) للمؤتمر السادس...
فهل تتوقع أن يستكمل المؤتمر السادس تقييم 19 يوليو؟ هذا لن يحدث وهذا موضوع المقال:
19 يوليو لم تكن (انقلابا) و (لا ثوره تصحيحية) بل عمليه لتحقيق الهدف الواحد للراسماليه الدوليه (باختطاف الفكره كما 30 يونيو 1989) وجزء من السلسله الممتده (1924-2016) فقبل 19 يوليو واجه الحزب عمليات كثيره أبرزها في 1954،1965،1968،1969،1970 و توهم اعداء الحزب الحقيقين أن عمليه 1971 هي (الخاتمه). ومن خلال هذا الاطار نبحث: ساعه الصفرواختفاء تنظيم ضباط الصف و الجنود (الاحرار) و (الشيوعين) في و بعد 19 يوليو و دور المخابرات الدوليه والاقليميه في العمليه وهي مما أخفته قياده الحزب أو لم تستكمله بعد 45 سنه وأخري علي شرف انعقاد المؤتمر
المنشورات المزيفه 1954
في مطلع اكتوبر 1954 وزعت منشورات في العاصمه وارسلت لأخرين بالبريد تهاجم الدين الاسلامي وتنادي بحياه الشيوعيه و نشرت صحيفة الميدان القصة كالاتي:
" في صلاه الجمعه بمسجد السيد عبدالرحمن المهدي بود نوباوي وقف شخص (الغبشاوي) وخاض في حديث الافك.. وحرض الناس وآثار الخواطر ودعا للفتنه بصوره عمياء، وكان في الصلاه عدد كبير من الانصار من العاصمه ووفود من دارفور و غيرها....وهاج الناس
وكان السيد عبدالرحمن المهدي حاضرآ كعادته في كل صلاه جمعه فلما رآي التحفز البادي علي الوجوه لم يطق صبرآ علي الأمر فنهض و خطب في اللناس وقال:
إنه حسبما يعلم فان المصدر الحقيقي للمنشور تحيطه الشكوك و الريب ولم يثبت أنه من عمل الشيوعيين وأنه قرأ في الصحف أن أحد الشيوعيين (عبد الخالق الكاتب) قد نفي أنهم يحاربون الدين وأن هذا يكفينا كمسلمين وفوق ذلك فان الاسلام لا ياخذ الناس بالشبهات"
ثم نبه الامام لحقيقه اخري: ان المنشور لم يصل للهيئات الاخري وتاكد من ذلك بعد اتصاله بطائفه الأسماعيليه مما يفهم منه أنه قصد به جهة وحدها فحذر من الفتنه و اندفاع اتباعه بحماسهم فيصيحون صيحة واحدة في مساله لا تخصهم ولا مصلحه لهم فيها"

وكتب عبدالخالق
ردا علي المنشور كتب عبد الخالق مقال (كيف أصبحت شيوعيا) أبان فيه موقف الشيوعيه من الدين الاسلامي و الماركسيه كنظريه سياسيه
وذكر في نهايه المقال:
"بقي أن أقول للدوائر التي أصدرت المنشور : ان الرجل الشريف يصرع الفكره السياسيه بالفكره السياسيه، ويعارض فكره معينه بالحجة و المنطق و محاوله تزييف أفكار أعدائكم.أو من تتوهمون انهم أعداؤكم- بهذه الطريقه الصغيره لا تليق فوق أنها عيب فاضح.أما أساليب الدس فهي من شيم الصغار الصغار جدآ حتي لو كبرت أجسامهم و توهموا في نفوسهم علو المقام"
حل الحزب وطرد النواب و تحالفات حقبه الانقاذ
في ندوه الاسلاميين 9 نوفمبر 1965 بمعهد المعلمين العالي بام درمان (كليه التربيه) حل (شوقي) محل (الغبشاوي) بالخوض في حديث الافك. وننظر:
• خاطب الازهري المتظاهرين قائلا:
(إن الحكومه و الجمعيه التاسيسيه ستضع حدآ لهذا الفساد وان لم تفعل فانه سينزل معهم الشارع لتطهير البلاد)
• وقام الامام الهادي باستدعاء مجموعات من الانصار الي العاصمه وهاجموا دور الحزب (أطلق عليه عبدالخالق عنف الباديه)
• اجراءات : (رفع الماده 225/8 من لائحة الجمعيه التاسيسيه) (حل الحزب) و (طرد النوايا)
وننظر:
- قال محمد ابراهيم خليل وزير العدل:
(إن الجمعيه لن تجيز حل الحزب الشيوعي باسم الالحاد بل باسم الله و الدين و الوطن و التقاليد و الاخلاق السمحه، وليس من المهم أن كان الطالب شيوعيا أو غير شيوعي لاننا نعرف أنه يسير بوحي من العقيده الشيوعيه)
- وجه حسن الترابي خمس تهم للحزب الشيوعي هي الاخلال بالايمان، الاخلاق، الديمقراطية،الوحده الوطنيه و الاخلاص للوطن.
- عندما حكمت المحكمه العليا في المسائل الدستوريه لصالح الحزب أعلن الصادق المهدي "ان حكم المحكمة العليا حكم تقريري"
ورفض و الاحزاب التي شاركت في الحل حكم القضاء مما دفع برئيس القضاء تقديم استقالته.
الجمعيات غير المشروعة 1924 والنشاط الهدام 1953
قانون الجمعيات غير المشروعه رقم (4) لسنه 1924 وضع لمنع قيام حزب شيوعي وعدلته الجمعيه التشريعيه 1948 بتحريم الاتصال بالهيئات النسوية و الشبابيه و الطلابيه و العماليه العالميه كما قانون منع النشاط الهدام رقم 22 لسنه 1953 (الغي في مارس 1954) والمذكره التفسيريه لقانون منع النشاط الهدام أبانت ان القانون وضع لقمع الشيوعيه المحليه وحظر السفر للدول الشيوعيه ومعاداه الشيوعيه الدوليه وتحريم الاتصال باتحاد العمال العالمي و اتحاد الشباب العالمي واتحاد النساء الديمقراطي العالمي و اتحاد الطلبة العالمي.
وفي مذكره حسن الطاهر زروق للجمعية التاسيسيه يناير 1956 التي اقترح فيها الغاء القوانين المقيده للحريات جاء:
" أجدني منجذبا بكل مشاعري الي الوقوف عند العام الذي شرع غيه القانون... نعم في ذلك الوقت لم ينتشر الوعي و الجماهير لم تشترك بعد في الكفاح الوطني، بذل أبطال دماءهم وأرواحهم في سبيل الحريه و الاستقلال فلم يكن غريبا أن تكون ثوره 1924 جريمه في نظر المستعمرين ولم يكن غريبا ان يصفوا جمعيه اللواء الابيض بانها جمعيه غير مشروعه ولكن منطق الوطنيين يقول بان اي عمل من شانه ان يحرر البلد هو عمل مشروع و مقدر.
والقانون يتعارض مع الدستور الذي نص في باب الحقوق الاساسيه:
"لجميع الاشخاص الحق في حريه التعبير عن ارائهم والحق في تاليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون "
وعباره في "حدود القانون" لا تعني مطلقا المحافظة علي قوانين أو نصوص معاديه للحريات كقانون الجمعيات غير المشروعه... بل ان مثل هذه العباره تعني القانون الديمقراطي الذي ينظم ممارسه الحريات ولا يمكن ان تفسر عباره في حدود القانون بانها اي قانون مهما كان جائزآ أو متعسفا
الحقيقة: لافرق بين ما ذكره زروق 1956 و ما يتداوله المحامون الديمقراطيون 2016 ومطلب القوي السياسيه الغاء القوانين المقيده للحريات.
الحقيقة: ان الدعوة بطي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل هدفها المحافظة علي التاريخ المزيف للوطن و احزابه
الحقيقة: ان مسح الحزب من الخريطة السياسيه السودانيه هو المستحيل
اشاره: زروق خريج كليه غردون 1936 أول رئيس تحرير لصحيفه الميدان في 1954(سبتمبر) كان يعمل بالتدريس وفصل لكتابته مقالآ يحرض فيه علي كراهيه الانجليز. دخل البرلمان الاول من دوائر الخريجين.
المراجع و المصادر:
محمد سليمان : اليسار السوداني في عشر سنوات
بكري الصائغ: مقال ودمتي ذخرا للطبقه العامله
مشروع التقرير السياسي للمؤتمر الخامس
صحيفتي الايام و الميدان (أكتوبر 1954)
المؤتمر التداوالي 1970
عبدالخالق محجوب- ملامح من تاريخ الحزب

 

آراء