عملية يوليو الكبرى (3) .. عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 


ساعة صفر فتح أبواب العنف 2/2

khogali17@yahoo.com
تحليل تيار المكتب السياسي لإنقلاب مايو 25، الذي أجازته اللجنة المركزية أكد على:
أن الحركة الإنقلابية ستلحق أضراراً وتسبب آلاماً لا حد لها بحركة الثورة السودانية وتطورها السلمي، وتفتح باب العنف والعنف المضاد واسعاً ويصعب بعد ذلك إغلاقه.
دماء شهداء يوليو على رقبة المتآمرين
جوهر ما جرى في يوليو 1971 يفهم في سياق الصراع بعد أكتوبر 1964، حيث برز الحزب على رأس حركة جماهيرية نشطة وتسلم مواقع في الحكم. و 19 يوليو هي حلقة في سلسلة محاولات تصفية الحزب. فقد جربوا التصفية القانونية، ثم جربوا إستباقه بإنقلاب يساري وسرقة برنامجه والإنقسام عليه، ثم إنتهوا إلى التصفية الجسدية بإعدام القادة الثوريين واستكمال المهمة داخلياً بصعود قيادة يمينية ماكرة لم تتخل عن اللغة الثورية لكن عملياً كانت تخدم المصفيين الرسميين للحزب، فجعلت مهمة التصفية مهمة دائمة وأجندة يومية. فوصلنا إلى حزب ماركسي فلكلوري أملس يهرب من المعارك الجماهيرية هروب السليم من الأجرب. ويجتر الماضي الثوري والأناشيد تعويضاً عن عجزه في الواقع واستخدانه أمام الطغم الحاكمة وارتباطه بها طبقياً.
ومعروف موقف الحزب من الفكر الإنقلابي. وهذا الفكر عموماً يتجاهل السنن التي تحكم المجتمع والطبيعة. ويغلب اللارادوية على الواقع الموضوعي. 19 يوليو لم تكن فلتة فكرية من هذا النوع. لا. 19 يوليو مؤامرة مكتملة الأركان تمت من خلف ظهر هيئات الحزب بمشاركة عناصر من داخل الوسط القيادي بقصد تصفية جسدية لقيادة الحزب الثوري على الطريقة الأندونسية تحت رعاية جهات معادية للحركة الثورية في السودان. إن شهداءها المباركين لم يكونوا يعرفون ذلك وإن دمهم على رقبة المتآمرين مهما طال الزمان.
وذات إتجاه أبوبكر الأمين حول جوهر ما جرى أكدته سعاد إبراهيم أحمد (عضو اللجنة المركزية) أكثر من مرة وأكثر وضوحاً في حوارها مع محمد أحمد شبشة (الأضواء) وكذلك محجوب عثمان (عضو اللجنة المركزية) عندما كتب:
"الحزب علم بفكرة الإنقلاب ولم يدبره، لكن توجد عناصر في داخل الحزب كانت تعرف وتبارك وهذا هو السبب وراء زوغان مَن يتحدثون عن الإنقلاب من الحزب (هذه تهمة لا ننكرها وشرف لا ندعيه)".
ويواصل أبوبكر:
"بهذا المدخل نفهم التباكي على 19 يوليو. والذين رفعوا شعار "الثأر لشهداء يوليو" هم أنفسهم الذين فرطوا في الهيئة الشيوعية داخل القوات المسلحة فتفرقوا شذر مذر وذات هذه الهيئة هي التي أنجزت تقريراً عسكرياً ورفيعاً في تقويم 19 يوليو فاضاعته القيادة في المرة الأولى وفي المرة الثانية حرق بنيران التأمين ثم لم تعد الهيئة موجودة لتعيد الكرة وأصبح الأمر في صدور الرجال ...."
وكتب الأستاذ النعمان حسن (يناير 2013):
1- وجد إنقلاب 25 مايو 1969 تأييداً شعبياً بعد نجاحه بسبب الإحباط العام الذي لازم فترة الديمقراطية وكسب الإنقلاب تأييد تنظيمات العمال والمزارعين والمهنيين وغيرهم.
2- تم إستبعاد الضباط (من تيار اليمين) ورتب عليا بما أثار نغمتهم على ضباط أقل خبرة وأدنى رتبة إستولوا على السلطة وأصبحوا حكاماً.
3- تخطيط كبار الضباط وحلفاؤهم المدعوم بالخبرة الأجنبية (الإنجليزية): تفادي تنفيذ إنقلاب عسكري مكشوف خوفاً من الفشل والعمل على إستغلال الخصومة بين الحزب ومايو لدرجة أن عناصر عسكرية شيوعية هددت بالإنقلاب على مايو.
4- توزع العسكريون من تيار اليمين إلى قسمين أحدهما يلتف حول فكرة الإنقلاب (الشيوعي) مستغلين في ذلك التوقعات السائدة يومها بأن قيادة الحزب (تيار عبد الخالق) تخطط لرد إعتبارها بإنقلاب لجعل الإنقلاب أحمر اللون في ظاهره أصفر في حقيقته على أن يعمل القسم الثاني باستقلالية إستعداداً للقضاء على (الشيوعيين) و (المايويين) في ضربة واحدة.
وهذا الإتجاه من ضباط تيار اليمين في الجيش أكده عسكريون شيوعيون وديمقراطيون وبالذات النقيب م عبد الرحمن مصطفى خليل حيث جاء ضمن توثيقاته:
1- تنظيم الضباط الوطنيين أكمل إستعداده للإنقلاب قبل أو في يوليو 1971 حيث تم الإتصال بأحد الضباط الأحرار (عباس الأحمدي) للإنضمام إليهم وفي بيانهم له لمدى إستعدادهم أن ساعة صفرهم هي في أي يوم يكون فيه هو الضابط العظيم في سلاح المدرعات.
2- توافدت مجموعة كبيرة من الضباط بمختلف الرتب للتأييد والمشاركة والمطالبة بإلحاح شديد أن تسند إليهم بعض المهام التأمينية، وبالفعل أسندت للبعض بعض المهام بعد موافقة العقيدين (أبو شيبة وعبد المنعم) ويوم 20 يوليو كانت مكاتب القيادة العامة تعج بكبار الضباط مهنيئن ضباط الحركة ومشيدين بشجاعتهم وجسارتهم ولكن (كثير من هؤلاء المؤيدين والمهنيئن تشكلت منهم محاكم الشجرة).
3- الضابط المكلف بتعطيل كل دبابات اللواء الثاني مدرعات واستخراج إبر ضرب النار الموجودة في داخل الدبابات لم ينفذ المهمة واختفى ولم يظهر إلا يوم 22 يوليو (يوم تحركت فيه دبابات اللواء الثاني لضرب سلطة يوليو) واستمر في الخدمة بعد ذلك.
4- كان هناك ملازم تعقد إجتماعات خلية في منزله تخازل عند ساعة الصفر.
5- وبحسب توزيع المهام في 19 يوليو تم تكليف رائد بإحتلال سلاح المدرعات واللواء الثاني ورئاسة سلاح ومدرسة المشاة بقوة قوامها ستين ضابط صف وجندي وعند ساعة الصفر لم يحضر الرائد ولا القوة.
6- وبسبب الإنتصار السهل والسريع وتأييد الضباط غير المشاركين وكبار الضباط تم التراجع عن قرارات (تأمين الخرطوم) ومنها: نقل وحدات خارج العاصمة/ إعتقال عدد من الضباط المايويين/ حظر التجوال وغير ذلك ..
7- وهناك أخطاء ساعدت ضباط تيار اليمين وكذلك التنظيم الذي أعاد نميري للسلطة ومن النماذج سماح عبد المنعم بدخول أكثر من مائة عسكري يوم 20/7 لسلاح المدرعات وأعداء يوليو من بينهم.
8- الإستخبارات العسكرية وأجهزة أمن النظام علمت أن تحركاً سيحدث ضد النظام وتم رصد عدد من الضباط وضباط الصف. واستطاعت الاجهزه إختراق بعض الخلايا وتم إتخاذ إجراءات وقرارات منها إبعاد بعض الضباط من الخدمة وإعداد كشف بنقل آخرين خارج العاصمة.
حقيقة ساعة الصفر
في توثيق النقيب (اللواء الأول مدرعات) من الضباط الأحرار:
"جرت مناقشة ساعة الصفر التي كانت مقررة يوم 11 يوليو في إجتماع موسع (ثمانية) يوم 10 يوليو 71 (الغطاء سماية مولود) واعترض وزميله بذات السلاح على التوقيت إعتراضاً موضوعياً وهو: إن كل قواتهم من ضباط الصف والجنود وخاصة اللواء الثاني مدرعات بالمديريات الجنوبية ومن غير المتصور قيام حركة عسكرية تستهدف السلطة بدون جنود وكذلك تأمين وحماية السلطة الجديدة، وأن نقلهم إلى الخرطوم لن يكتمل قبل شهر أكتوبر.
أنظر: العميد ركن سليمان محمد سليمان
 جنود اللواء الأول مدرعات الذين نفذوا الإنقلاب كانوا وحدهم الذين لديهم الخبرة الكافية.
 إنحياز اللواء الثاني مدرعات بالكامل للحركة المضادة.
أنظر: ضابط منفذ: الكتيبة الثانية دبابات للواء الثاني مدرع (كتيبة جعفر)
 كنا ننتظر وصول أطقم دبابات من العراق.
أنظر: طلب عبد الخالق للعراقيين بإمداد الحركة بأطقم دبابات.
• تعليمات التنفيذ وتوزيع الواجبات تمت في نفس يوم 19 يوليو بإبقاء المشاركين بعد مواعيد الإنصراف. وفي توثيق عبد الرحمن مصطفى خليل:
19 يوليو لم يكن هو اليوم المحدد المتفق عليه، بل كان التاريخ في شهر نوفمبر 1971 وأضاف " أبو شيبة ضغطنا بإصراره على 19 يوليو. حاولنا إقناعه بتأجيل التحرك فقال إن هناك 13 ضابطاً تم تنويرهم بالانقلاب وإذا لم تريدوا الإشتراك معهم أمشوا أكتلوهم لأنهم حيكتلوكم إذا رفضتم المشاركة.
• جاء في تنوير هاشم العطا للعسكريين في القيادة العامة يوم 20/يوليو أن الحركة كان مقدراً لها أن تتم في 31 يوليو ولكن ناس الجبهة القومية سعد بحر وأبو الدهب كانوا في الطريق لتنفيذ إنقلابهم ممما دفعهم للتعجيل بالحركة.

• ضابط منفذ اللواء الأول مدرعات:
في يوم 11 يوليو ونحن في الإستعداد للتنفيذ، فوجئنا بحضور عبد المنعم محمد أحمد الذي أخبرنا أن الحركة تأجلت وستنفذ بعد شهرين بسبب رفع درجة الأستعداد في الجيش، والغريب أن تنوير أبو شيبة بالقصر ذكر فيه أن تأجيل الإنقلاب من يوم 11 إلى 19 بسبب المعلومات عن وجود سريتين من سلاح المظلات في حالة الإستعداد مثلما أكد مساعد المدرعات صالح محمد محمود (شيخ العرب) بأنه بلغ بالتحرك الأول يوم 11 يوليو وأيضاً بالتأجيل في الثانية عشر ظهراً نفس اليوم. أما الملازم (م) عمر أحمد وقيع الله فقد أفاد بأن توقيت التحرك تم تغييره مرتين 11 و 15 يوليو.
• في 19 يوليو كان في مدينة لندن بابكر النور وفاروق حمد الله وكذلك حسن النعمان ومحمد أحمد سليمان (محمد أحمد سليمان هو المصفي الرسمي للحزب وكان مسئولاً عن مكتب الرقابة المركزي (قلب الاله الجهنميه) ووثق له محجوب عثمان عضو اللجنة المركزية في (محطات ووقفات) بصحيفة الأخبار 22/2/2010 مؤامرته على قاسم أمين مثلما وثقت له سعاد إبراهيم أحمد واجتماع اللجنة المركزية أبريل 1968 والكراس الذي قرأه بأكثر من أربعين صفحة والذي كرسه للهجوم على عبد الخالق وتفريطه في الحزب ومشروع زواج عبد الخالق ... الخ).
وتم إعلان بابكر النور رئيساً لمجلس الثورة وفاروق عضواً به وهما لا يعلمان شيئاً (في 14 يوليو ذهب أبو شيبة وعبد المنعم ومعاوية إلى منزل فاروق ليجدوه سافر إلى لندن وهناك علموا أيضاً أن بابكر النور سافر معه للعلاج بعد أن تسلم تقريراً طبيباً من العميد الشلالي).
وحكى النعمان:
كان فاروق أكثر حده في التعامل مع الخبر وقال لبابكر النور:
ماذا تعرف عن الذين قاموا بهذا الإنقلاب بخلاف قائد الحرس أبو شيبه؟
وكيف تفهم أن يقود أبو شيبة إنقلاباً ويأتي بك رئيساً للمجلس وهو الذي إعترض يوم 25 مايو على إختيارك وهاشم في مجلس قيادة الثورة يوم قرر قادة الإنقلاب تمثيل الحزب الشيوعي رغم رفضك المشاركة وتوجيه الشيوعيين بعدم المشاركة في الإنقلاب؟
كان أبو شيبه يرى أنه أحق منك ومن هاشم بعضوية المجلس باعتباره عنصراً فاعلاً في تنفيذه من خور عمر وهذا كان سبب خلافه مع الإنقلاب الذي شارك فيه وتم إرضاءه بأن أصبح قائداً للحرس.
ورفض فاروق المشاركة في المؤتمر الصحفي ورفض العودة إلى السودان قبل أن يتعرف على التفاصيل. والذين إستولوا على السلطة، ولماذا لم يتم إخطاره ليعرف هويتهم؟ ولماذا غيبوا أنفسهم من مجلس الثورة وهم أحق به؟
وكيف يستولون على السلطة ويقومون بتسليمها لآخرين؟
وأمام ضغوط السفير (عابدين إسماعيل) ومحمد أحمد سليمان وضغوط منصور خالد من باريس بالاتصالات الهاتفية المتكررة تراجع فاروق وحضر المؤتمر الصحفي ونفذ شروطه بعدم الحديث ثم الحضور للخرطوم.
تأكيد أول:
كان محجوب عثمان عضو اللجنة المركزية سفيراً للسودان في يوغندا عندما إتصل به بابكر النور وفاروق حمد الله يوم 19 يوليو وفوجئ محجوب بأنهما لا يعلمان بالإنقلاب.
تأكيد ثاني:
العقيد ركن (م) صديق عبد العزيز (حراسة فاروق عند إعتقاله) قال:
في كل المرات التي دخلت فيها على الرائد فاروق حمد الله كان هادئاً ونفى وكان ينفي علاقته بحركة 19 يوليو وفي مرة قال:
هاشم استعجل لو عندو حاجه زي دي كان المفروض ينتظرنا على الأقل ما كان فشلت.
ملاحظات أخيرة:
1- لم يكن من بين قادة 19 يوليو شخصيات عسكرية بارزة، كما تتطلب أسس وقواعد الإنقلابات مما دفعهم إلى اللجوء إلى العسكريين المتقاعدين ليس ذلك فحسب بل إن نسبة الضباط المفصولين من المشاركين والمنفذين بلغت 43%.
2- وقادة الحركة شكلوا قيادة سياسية وعسكرية عملياً قبل 19 يوليو عندما حددوا ساعة صفر إخراج عبد الخالق من مصنع الذخيرة 29 يونيو 1971 ونفذوها دون إخطار الحزب الذي من واجبه توفير أماكن إختفاء عبد الخالق.
3- إعتمد أبو شيبة على (الخديعة) أي خديعة الحزب في إخراج عبد الخالق من الذخيرة إلى منزله بالقصر بإشاعة أن السلطة ترتب لإغتيال عبد الخالق مما دفع مركز الحزب لإتخاذ قرار بإخراجه وعلى ذلك أخطر عبد المجيد شكاك (صلة الحزب بالتنظيم العسكري لضباط الصف والجنود) فرع الحزب بالقرار وفيما بعد أكد الحزب عدم صحة ما تم تدواله حول محاولة السلطة إغتيال عبد الخالق في معتقله او في الجنوب.
4- تنظيم الحزب في مصنع الذخيرة كان جيداً وبه عضوية كبيرة فكان حراس عبد الخالق هم من الشيوعيين أو أصدقاء الحزب. ووجود عبد الخالق في الذخيرة وفر له حرية الإتصال بالحزب.
5- ساعة الصفر من جملة الوقائع حددها (أبو شيبة وعبد المنعم) قبل أو في 27 يونيو 1971 عندما شرعا في تدريب كتيبة مستجدين ينتهي تدريبها في 10/7 (ساعة صفر 11) وبحد أقصى يوم 14/7 (ساعة صفر يوم 15) وكان المساعد/ حسن عبد السلام مسئولاً عن تجهيز تلك الكتيبة التي تم توزيعها يوم 18/7.
6- فرض ساعة الصفر في يوليو أجبرت المكتب السياسي على التراجع عن أفكاره بتأييد ودعم 19 يوليو واتخاذ إجراءات حماية دون أن يكونوا طرفاً.


المراجع والمصادر:
1. دور الجيش في بلدان العالم الثالث – دار التقدم موسكو 1966.
2. الجيش والمجتمع والسياسة في البلدان النامية – دار التقدم 1980.
3. بيان اللجنة المركزية يوم 25 مايو 1969 حول طبيعة الإنقلاب.
4. النعمان حسن: مقال مايو الشاهد والضحية صحيفة السوداني 2013.
5. عثمان الكوده: جريدة الصحافة 22 يوليو 2004.
6. نقيب م/ عبد الرحمن مصطفى خليل: صحيفة أخبار اليوم 1/8/2007
7. الملازم (م) عمر وقيع الله. صحيفة الجريده29 يوليو 2015
8. بابكر عوض الله: صحيفة اخبار اليوم 19 ابريل 2004.
9. بابكر عوض الله: برنامج في الواجهة التلفزيوني 25 فبراير 2006.
10. محجوب عثمان: مذكرات نشرت بصحيفة الأخبار السودانية 2010.
11. البراق النذير/ أبوبكر الأمين صحيفة الجريدة 24 يوليو 2015.
12. محمد على خوجلي/ صحيفة الأيام السودانية 27 مايو 2002 وصحيفة الرأي العام 27 يونيو 2007.
13. عادل رضا – الرجل والتحدي.
14. عبد الخالق محجوب – في سبيل تحسين العمل القيادي.
15. صلاح بشير – توثيقات يوليو.
16. بابكر حسن مكي – السياسة الكويتية.

 

آراء