محطات من الأزمة السودانية

 


 

 

manasathuraa@gmail.com

مرت الأزمة السياسية في السودان، عبر عدة مراحل، وفي كل محطة تتبدل الأدوات والأساليب والتكتيكات، بحسب مراكز القوة والمعطيات المتوفرة، وتتنقل بين عصا المعارضة وجزرة النظام، والعكس، وعلى رغم الفعل المستمر منذ إنقلاب 1989 تاريخ الأزمة السياسية الحالية، والتي بدأت بمصادرة الحريات، لم نشهد تطوراً نحو الحل، ولم نلحظ تقدماً نحو اتفاق حد أدنى، وظلت كل الاتفاقات السياسية، بداية باتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية وابوجا مع مجموعة مناوي و الشرق مع جبهة الشرق و القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي.. الخ، تحمل في طياتها تفاسير مختلفة كانت نتيجتها لا شي، والآن ما نشهده في الساحة من حراك ودعاية إعلامية للترويج لحوار "الوثبة1" و"الوثبة2" و"خريطة الطريق"، وأخيراً إنضمام (بعض) قوى نداء السودان إلى "الوثبة 2" عبر التوقيع على خريطة الطريق في اديس أبابا، يلزمنا بطرح سؤال ثم ماذا بعد؟.

اتفاق خريطة الطريق نحو حوار الوثبة، هو الوجه الآخر لإتفاق الحل السياسي الشامل (الشهير)، الذي عمق الأزمة، وخلط الأوراق، والتي ستحتاج إلى ربع قرن آخر لفرزها وترتيب الأولويات، فالنظام يرى في الحوار غاية وهدف وتصافي بين مكونات المعارضة والسلطة، وإقتسام لبعض الثروة وبعض السلطة، وانتهى الأمر، وبعض المعارضة ترى في الحوار طريق نحو تراكم الثروة والنفوذ، ولا تطمح إلى تغيير أو حريات، وهناك فصيل معارض يرى في الحوار مجرد وسيلة نحو تفكيك دولة الحزب الواحد مقابل عودة الحياة الحزبية الديموقراطية والحريات، وفي وسط كل هذه المصطلحات الرنانة، الخاوية من المضمون الحقيقي كـ"خريطة الطريق" و "نداء السودان" و"الحوار الوطني" و"10/10"، يسأل مواطن "بسيط" عن ماهية "7+7"، فالأمر بالنسبة له معقد، ويريد حلاً عاجلاً لكوارث الأمطار وتدهور الخدمات والغلاء والفساد.. الخ، من القضايا اليومية التي تهمه مباشرة، فحياته وحياة أبنائه لن تنتظر حلاً يأتي عبر "خريطة طريق" تمر عبر حوار"الوثبة" الذي سيتمخض عنه مشاركة في السلطة، وبالنتيجة زيادة أعباء على ميزانية الدولة، وبالتالي زيادة في تدهور الخدمات، وفي رواية أخرى، لن ينتظر تفكيك الدولة عبر فترة إنتقالية، ومؤتمر دستوري وآخر إقتصادي، وانتخابات حرة نزيهة، وحريات عامة، بعدها ندرس قضايا المواطن.

الأزمة واضحة الآن لمن يريد لها الوضوح، الحكومة في وادي والمعارضة في وادي، والمواطن وهمومه في واد آخر تماماً، فالحكومة لن تتخلى عن السلطة وإن وصل الحوار إلى "الوثبة 1000"، والمعارضة بشقيها المدني والمسلح، لن تتخلى عن مسألة "الديموقراطية" وتفكيك دولة الحزب الواحد، والمواطن لن يتخلى عن قضاياه الملحة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه شرب وتصريف مياه الامطار..الخ، والحل ليس أن يرسم لنا أمبيكي أو أوباما أو وساطة أفريقية أو اتحاد أوربي أو غيرهم خريطة طريق، وليس أن توقع بعض الأطراف على أوراق بدون محتوى، تعقبها هتافات وبيانات حفظناها عن ظهر قلب.

للحل طريق واحد مرسوم منذ العام 1989، وهو طريق استعادة كرامة الشعب السوداني وإرادته التي صودرت مرتين، مرة عندما إنقلبت الجبهة الإسلامية على الديموقراطية، ومرة ثانية عندما وضعت قوى التجمع الوطني الديموقراطي يدها على يد الإنقلابيين، وتنازلت عن مقررات مؤتمر "أسمرا للقضايا المصيرية" التي صيغت بدماء الشعب في 1995.. ودمتم بود

 

آراء