طرحت البروفسور كليمينس بنود أستاذة العلاقات الدولية في جامعة إنديانا الأمريكية والخبيرة في دراسات التاريخ العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، تساؤلاً مهماً في ورقة بحثية عن الصراع بين الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت ونائبه الأول الدكتور مشار، والذين وراء عودة القتال في جنوب السودان. وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل المطروح، اوضحت أن الرئيس سلفا كيرونائبه الدكتور رياك مشاركانا معاً في اجتماع لبحث بعض المشكلات الطارئة التي تعوق إنفاذ اتفاق سلام جنوب السودان، وذلك يوم الجمعة 8 يوليو 2016، وأسباب تجدد الاقتتال بين جنودهما يوم الخميس 7 يوليو الماضي. وأنهما أثناء هذا الاجتماع سمعا دوي المدافع، وأزخات الرصاص، حيث أنهما أُخذا على حين غرة، عند تجدد القتال بين مجموعتيهما، ولم يستطيعا إيقاف هذه الاشتباكات المسلحة بين أفراد حراستهما. فلذلك من الضروري, أن يكون هنالك أُناسٌ وراء عودة القتال في جنوب السودان. وأشارت البرفسور بوند بأصابع الاتهام إلى بول مالونق رئيس هيئة الأركان العسكرية. وذكرت أنها كانت قد كتبت من قبل عن العلاقة بين سلفا كيروبول مالونق في ورقة بحثية أخرى، وأنها توصلت في بحثها ذاكم إلى نتائج متوقعة لدى الكثير من الجنوبيين أن مالونق أحد رجالات الرئيس سلفا كير الذين يتمتعون بنفوذ قوي وسلطة حقيقية في حكومة جنوب السودان. وأن ملونق أسس سلطته النافذة هذه، منذ أن كان حاكم شمال بحر الغزال من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال الحرب الأهلية في جنوب السودانمن عام 1983 إلى عام 2005. في تلكم الفترة سيطر مالونق على إقتصاد الحرب المحلية في تلك المنطقة، مستخدما استراتيجية كسب ولاء أهل المنطقة من خلال أبوة روحية في عقد زيجات لمؤيديه. وكان سلفا كير أحد هؤلاء المؤيدين لبول مالونق الذي قدم له مساعدات ماليه. عندما كان سلفا كير مغاضباً للدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2004. ومن المؤشرات التي تؤكد نفوذ مالونق على سلفا كير، أنه قدم مهر عروس سلفا كير الجديدة، وهذه العادة عند قبيلة الدينكا يقوم بها والد العريس وأقربائه المقربين.
في عام 2005، بعد مقتل الدكتور جون قرنق ، عُين سلفا كير النائب الأول للرئيس السوداني، ليحل محل الدكتور جون قرنق في هذا المنصب الدستوري. وفي عام 2008، عُين مالونق حاكماً لولاية شمال بحر الغزال. وبعد سنوات قليلة،حدثت اشتباكات عسكرية بين قوات الحركة الشعبية والقوات المسلحة السودانية، استطاع مالونق اقناع الرئيس سلفا كير بالحاجة الماسة إلى انشاء ميليشيا عسكرية يكون ولاؤها قاصراٍ عليهما معاً. واستغل الفوضى الاقتصادية في موطنه الإقليمي، وبدأ في تجنيد وتدريب رجال في هذه القوة العسكرية الجديدة. وبعض هؤلاء المجندين كانوا من موطن سلفا كير في ولاية واراب، ولكن الأكثرية من موطن مالونق في ولاية شمال بحر الغزال. وحاول مالونق أن يضع نفسه، موضع القيادي الأول من منطقة شمال بحر الغزال. وأطلق مالونق على هذه الميليشيا اسم "دوت كو بني" أو "غيل – بني" ومعنى هذا الاسم بالدينكا (انقذوا الرئيس) وباللغة الانجليزية Rescue The President) ). وتمول هذه الفرقة المليشية، بمساعدة أمبروز رينغ ثيك رئيس مجلس كبار أعيان الدينكا.
وعندما اندلعت الحرب في ديسمبر 2013، في دولة جنوب السودان الناشئة، ظهرت وكأنها صراع سلطوى بين الرئيس سلفا كير ونائبه الدكتور رياك مشار، بينما هو في حقيقته معركة سياسية بين قبيلتي الدينكا والنوير، ولكن امتدت أوار هذه الحرب لتشمل قبائل أخرى متحالفة، إما مع الدينكا أو النوير. ويعتقد الكثيرون من الجنوبيين أن مالونق أحد الذين وراء الأحداث الأخيرة.
ويذهب أندروز ناتسيوس الخبير في الشؤون الأفريقية إلى أن هذا الصراع الدموي، وإن ظهر باعتباره، صراعاً دموياً بين الرئيس سلفا كير والدكتور رياك مشار، فهو في حقيقته صراعٌ بين قبيلتي الدينكا والنوير، ويعكس مدى الانقسام القبلي في جنوب السودان، لكنه أخذ منحنىً الصراع السياسي بين الرئيس سلفا كير ميارديت (الدينكا) والدكتور رياك مشار (النوير) الذي عزله الرئيس سلفا كير من منصب نائب الرئيس في 23 يوليو 2013. وحسب ناتسيوس أن هذا الصراع يمكن تلخيصه ووصفه بأنه محاولة من حكومة سلفا كير لتطهير عرقي في جوبا، للتخلص من قبيلة النوير في العاصمة الجنوبية. وقد استخدم سلفا كير الشرطة من ميليشيا قبلية من ولايته واراب وبعض العانصر الجنوبية الأخرى.
أخلص إلى أن الرئيس الجنوبي سلفا كير، لم يكن مطمئناً إلى نائبه الدكتور رياك مشار منذ أحدٍ بعيدٍ، لأنه كان من مجموعة الحركة الشعبية التي ترى في انشقاق مجموعة العناصر من الحركة الشعبية الأم في تسعينات القرن الماضي، محاولة لإضعاف الحركة، والاصطفاف مع الجلابة، حسب رأيهم وعندما أعلنت اتفاقية الخرطوم بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – جناح الناصر بقيادة الدكتور رياك مشار زاد تشكك وظنون تلكم المجموعة، واتهمت الدكتور رياك مشار بالخيانة. واعتبره بعض الدينكا خائن، وانه رجل الجلابة في جنوب السودان. وكان سلفا كير يحمل هذا الشعور العدائي الدفين تجاه الدكتور رياك مشار. ففي عام 1998 عندما عاد مشار إلى الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق، كان سلفا كير ضمن مجموعة أخرى من الدينكا غير راضين على قرار قرنق بعودة مشار إلى مكانه في قيادة الحركة الشعبية. وفي عام 2008، حاول الرئيس
سلفا كير طرد الدكتور رياك مشار من الحركة الشعبية، ولكنه خشية اندلاع حرب في الجنوب بين قبيلتي الدينكا والنوير أرجأ قراره.
وفي الحلقة المقبلة استعرض استياء الولايات المتحدة الأمريكية من انتشار الفساد والمفسدين في دولة جنوب السودان الوليدة، واتصالهم بتيد داغني الاثيوبي المستشار السياسي للرئيس سلفا كير وروجرز الامريكي المقرب من القيادة الجنوبية، للعمل على اسداء النصح للرئيس الجنوبي سلفا كير لمحاربة الفساد في بلاده. واتطرق إلى دور الفساد في تمويل وتأجيج الصراع القبلي السياسي في جنوب السودان.