اليسار الموحـــد

 


 

 

 لعلها فكرة ابتدعها اليساريون الإسبان كما تداولنا ذلك مع صديقنا دكتور أسامة . فقد تركوا الحزب الشيوعي عندهم ، كما هو . مجموعة من الشيوخ يجترُّوا حياتهم السابقة، ويستأنسون حتى خرجوا من الواقع المُعاش . أليس الأجدى رص صفوف كل الفصائل الديمقراطية التي تؤمن بالحداثة ؟، وترك خصلة الاستئصال ونفي الآخر. والحديث عن الأشخاص، بدل الحديث عن الفِكر وقضايا الحياة الراهنة وكيف تُحل معضلة الوطن ، وصار عليه الطليعيون من أبناء وبنات السودان ينتظرون ،لا ينقصهم شيء سوى جلوس القُدامى" ليتفرجوا على اللعبة الحلوة "، بدل النزول إلى حلبة الميدان، فيكشفوا عورات الكهولة أمام المتفرجين !.

(2)
قديماً ، عندما كان الورق عزيزاً والوراقين هم أهل الطباعة والنشر ، وهم من يكتبوا بقلم البوص ، ودواتهم من شحوم الماشية ورماد الحريق الأسود ، كتب الشاعر الفخم : أبو الطيب المتنبي :
لا بُدّ للإنسانِ من ضَجعَةٍ .. لا تَقْلِبُ المُضْجَعَ عن جَنبِهِ
نحنُ بَنُو المَوْتَى فَمَا بالُنَا .. نَعَافُ مَا لا بُدّ من شُرْبِهِ
يَموتُ رَاعي الضّأن في جَهْلِهِ .. مِيتَةَ جَالينُوس في طِبهِ
وَ غَايةُ المُفْرِطِ في سِلْمِهِ .. كَغَايَةِ المُفْرِطِ في حَرْبِهِ

(3)
عِلَة موطننا أعيت الطبيب المُداويَّ ، وتفرقت الأسهم عن بعضها ، فسَهُل تهشيمها وانكسارها عن هدفها . نشرب كل يوم من شرابٍ آسن ، يسأل بعضنا ما العمل ؟. ذلك السؤال القديم المٌتجدد . نزحفُ الآن على ناقلة تجُرها البغال ، تتعب البِغال و نحن لا نتعبُ . شكُونا من عِلاتنا ، والعِلّة تشتاق إلى الدواء الذي نُكسر قنينته من جهلنا .
(4)
لا نطلُب غير ، تبيُّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض . الذين هم يجهلون ولا يدرون بذلك . ونعرف الذين استمسكوا بأهدافٍ علتها فيها . هجروا الفِكر الذي نَعُم به الآخرون. نعرف حُلفاءنا ولنتسامح معهم ، ليكُن المَوردُ طيباً. اتفاقٌ فضفاض ولو، ولكنه مُلزِّم . نحن بعيدون عن تقنية العصر ، وهي مُيسرة عند شبابنا . ماطل منْ كُنا نأمل فيهم خيراً ، ولم نتعرف على فرادة الفِكر وإبداع السياسة طوال تاريخنا . إما طواحين هواء ، أو مدحَلة لفرم الإنسان ، ويستمتع سائق المِدحلة بالنتيجة ، وتنكشف ابتسامة صفراء كالحة تقول : قضينا على الآخر !!.
(5)
لقد كان أجدادنا وآباؤنا يمثلون إسلام التسامُح . إن أخطأت يقولون لك استغفر، ويربتون على كتِفِكَ .يصلّون ويكبرون ما وسعتهم العقيدة من سماحة، ويتفقدون الأرحام . تجدهم أيام العُسرة والنفير ،تضيئي الوجوه بالمحبة ، تنير ولو لم يمسسها نور . لم يطلبوا السلطة ولم يطلبوا الحُكم ولم يتزلفوا ولم ينتهزوا مال السُحتْ فيغتنوا .ولم يأتوا البيوت بليل ويخطفون أو يعذبون ويقتلون ويرمون النفوس البشرية في مقالب القمامة !! ، بل يصفقون ثلاثاً استئذانا بدخول البيوت . لم نر فيهم إلا إسلام الصادق الأمين الذي تشبهوا به .
نُكرر : منْ أين جاء هؤلاء ؟. من وشم الإنسان السوداني الطيب ومن عذبه بكل أدوات الكراهية ؟. ولم يكنُ في تاريخ هؤلاء ثارات قديمة ، جاءوا بتشوهاتها لينتقموا. ولن يستطيعوا تغيير الإنسان السوداني بإرجاعه إلى الخلف . إن ركب الإنسانية وتطورها لن ينتظر حلول معضلات أهل السودان ، وهي معضلة من صناعة فصيل معروف، وحوله متشابهين ،أبعدوا أنفسهم عن الثقافة والعلم .وتمرغوا في ظاهرة التقليد الأعمى . فعمموا الظلام بدرجاته على حياتنا . ويأملون أن يفلتوا من المحاسبة !.
(6)
انقسم هؤلاء الذين يرغبون جرّنا للوراء ، بين منْ أخرجوا خناجرهم للذبح ، وبين من ارتضوا ديمقراطية وست منستر وهم لا يعرفون آليتها ، واستخدموا المال السياسي لجرّ الطيبين ليعيدوا اجترار الماضي . وجميعهم أقحموا قوانين العقيدة في الحياة الاجتماعية ،ورجعوا بها وفق اجتهاد غلاة السلف . هؤلاء يجمعهم طمس العقيدة وتحويل نقاء تربيتها للنشء ، وطيب معاملتها ، إلى القسوة المخيفة . ولم يُدركوا تأويل الدِّين الذين يتبجحون بتطبيقه ، إذ يذكر المولى جّلت عزته عند مُخاطبته النبي الأكرم : أنك لا تُهدي من أحببت. وتلك تناقض حملة صحائف القرآن على أسنة الرماح ، يرجون منافع وضيعة على حساب الفقراء من أبناء وبنات وطننا .
(7)

كتب الأستاذ "عبدالجواد يس" في ملحق الاتحاد الإماراتية الثقافي بتاريخ 22 سبتمبر2016 عن الإصلاح الديني :

{ ماذا يعني الحديث الآن عن الإصلاح الديني؟ ولماذا هو مشكل؟
عندما يظهر مصطلح الإصلاح الديني فهذا يعني، أو هو يعلن عن تناقض. تناقض بين «النظام الديني» و«النظام الاجتماعي»، السائدين عند نقطة زمنية معينة: النظام الديني لم يعد يشبع حاجات النظام الاجتماعي. والنظام الاجتماعي لم يعد يحتمل الزامات النظام الديني.
النظام الديني ينشأ أصلاً كإفراز للنظام الاجتماعي الذي ظهر فيه إبان حقبة التأسيس. ولذلك فإن المراحل الأولى اللاحقة على نشأة النظام الديني، لا تعرف مصطلح الإصلاح الديني، لأن النظام الاجتماعي يكون هو ذاته أو قريباً منه، ومن ثم فلا مجال للحديث عن تناقض.

التناقض يبدأ، بشكل تدريجي، مع تزايد المسافة الزمنية الفاصلة بين اجتماعيات النشأة الأولى للنظام الديني، واجتماعيات الواقع الاجتماعي اللاحقة عليه. والسبب ببساطة هو أن النظام الديني يتم تثبيته كمقدس بطبيعة التدين، فيما أن النظام الاجتماعي يستمر في التطور بطبيعة الاجتماع وقوانين العالم.}

(8)
لماذا لا يجتمع اليساريون في مزهرية فكرية واحدة ، ويضعوا لبنة جديدة لتحالف الحداثيين ، ويتركوا أحزابهم كما هي . ويعيدوا صياغة فكرة نيّرة لحمل شعلة التنوير . ويتركوا عراك بعضهم ، وتحالفاتهم مع قادة لا ينتمون للحداثة ، بل قادة يلهثون وراء أن يجعلوا أنفسهم نداً لصاحب الكون ، يلبسون لباس الرب ، ينهون ويأمرون ، وينسون أنفسهم .
لماذا لا تجتمع أرواح اليسار والحداثيين ، ولو في حواصل طيور خُضر؟ ، لأننا في حاجة لفِكر وثّاب . دعونا من تحالفات أصحاب الأجندة غير المعروفة ، أو أصحاب السياسة الذين أرادوا العقيدة مطية لأهوائهم .

عبدالله الشقليني
13 أكتوبر 2016


alshiglini@gmail.com

 

آراء