عملية يوليو الكبرى (14) .. عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 

الفصل الأخير في حياة القائد الوطني (7)
شايفنك ماشي تسد وردية يا قاسم أمين
khogali17@yahoo.com
تاريخ الحزب الشيوعي هو كفاح العاملين ونضالات العضوية وصمود ومبادرات الكوادر والقيادات وكذلك القوى الديمقراطية التي دعمت مسيرته وأصبحت جزءاً من تاريخ الحزب. وليس هو التاريخ الشخصي لقيادات كانت لها أدوارها المميزة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً.. أو كما جاء في خاتمة (يوليو 13):
"لا نفوذ للأفراد فوق الأرض التي يمهد لها النضال المتشعب والصابر للحزب الشيوعي"
وابعاد القيادات ذات الأدوار المميزة هو من ضمن خطة اضعاف الحزب للقضاء عليه والتي ظلت محل اهتمام المخابرات الاجنبية والشيوعية الدولية وممثليها المحليين ونجحت المؤامرة في إبعاد قاسم أمين من القيادة وفشلت محاولات إبعاد عبدالخالق في 1963 و1968م وغيرها حتى تم إبعاده بالقتل أو التصفية الجسدية في 28 يوليو 1971م.
أنظر (مذكرات محجوب عثمان – عضو اللجنة المركزية 2010م) قال في توثيقه:
"للأسف كان دور الانقساميين بعد 1970م سلبياً لأنهم كانوا يدعون لاغتيال وتصفية الشهيد عبدالخالق. أحمد سليمان ومعاوية ومجموعتهم. كانوا يقولون أنه ولحل مشكلة السودان ولكي تنطلق الثورة وتحقق أهدافها ينبغي أن يزاح عبدالخالق ويقتل. هذا الكلام كان قبل اغتيال عبدالخالق في 1971م بشهور طويلة. ورددوا هذا التحريض أكثر من مرة"..
ويصعب الفصل بين الإبعاد ومحاولات الإبعاد من قيادات الحزب والإغتيال السياسي والقتل العمد وعملية يوليو الكبرى. كما يستحيل الفصل بين الوقائع المترابطة رغم حدوثها في أوقات مختلفة. وعرضنا حال العمل القيادي في 1965 و1969م مرجحين أن تكون هذه المسألة هي أساس الرسالة الأخيرة أو الوصية السياسية وهذا يستوجب عرض الوقائع الخاصة بقاسم أمين (المرشح للسكرتارية السياسية 1972م) وأيضاً الخاصة بخضر نصر الذي رشح قاسم.
للمفردات دلالاتها
في حوار "ضياءالدين بلال" مع "نقد" في "حكاوي المخابيء.. وأحاديث العلن 2007م" وفي مسألة الاشتراك في المجالس البلدية على حقبة الحكم العسكري الأول ذكر "نقد" أن الموضوع طرح للنقاش. وفي اجابته على سؤال ضياءالدين من الذي طرحه؟ قال "نقد" (ناس عبدالخالق وقاسم).
وفي انقسام 1970م أطلق تيار اللجنة المركزية الذي مثله معاوية سورج على المخالفين (جماعة عبدالخالق) وللكلمات دلالاتها. وكلمات مجموعة وجماعة وناس عبدالخالق وقاسم ذات دلالة "مشتركة" وهي عملة واحدة لكنها ليست العملة المتداولة داخل الحزب الشيوعي السوداني.
وعندما تكون اجابة نقد "ناس عبدالخالق وقاسم" فانه يستعمل عملة معاوية سورج غير القانونية وغير المبرئة للذمة. والاجابة الصحيحة على سؤال ضياء من الذي طرحه؟ المكتب السياسي "راجع مقال الكاتب بصحيفة الرأي العام 22 يونيو 2007م".
قاسم في ملفات البوليس السري البريطاني
"-من مواليد الخرطوم 1/1/1926م. تلقى تعليمه بمدرسة السكة حديد الفنية بعطبرة واشتغل عامل كهرباء بسكك حديد السودان.
-أول ما لفت اليه الأنظار توزيع منشورات الحركة السودانية للتحرر الوطني نوفمبر 1947م داخل الورش.
-أصبح بعدها السكرتير المساعد لرابطة "هيئة" شئون العمال ومن هذا الموقع كان واحداً من ان لم يكن المنظم الأساسي لاضرابات السكة الحديد قائداً لأكثر قطاعات العمال تطرفاً وعنفاً.
-شارك في أحداث شغب عمالية 1947م ونظم وقاد مظاهرة تحولت الى أحداث شغب خطيرة يوم 14/4/1948م. حكم بالسجن لمدة عامين والغرامة عشرة جنيهات, خفضت لاحقاً الى 18 شهراً.
-فصل من الخدمة الحكومية بمجلس محاسبة يوم 25/5/1948م أصبح بعد خروجه من السجن نشطاً جداً في الدوائر العمالية وتم تعيينه "ضابطاً أول لاتحاد عمال السكة حديد المقترح قيد الإنشاء".
-معروف كشيوعي متطرف ومدافع عن أساليب العنف والتخريب. سيكون له تأثير عظيم على اتحاد عمال السكة حديد أو الاتحادات ويمتلك كل مقومات الخطورة.
-يسكن عطبرة ولكنه يسافر متنقلاً في السودان بكثرة مكان الاقامة حين يكون بالعاصمة المثلثة جزيرة توتي.
(المصدر: موقع ام درمان – شبكة عبدالخالق – حسن ساتي)
تحويل عطبرة الصناعية الى جبيت
"نضال الطبقة العاملة بقيادة الشفيع وقاسم أمين وعملهم الدؤوب لتوعية العمال وتنظيمهم لنيل حقوقهم أثار حفيظة المستعمر وتم اعتقال قاسم أمين وحوكم بالسجن. وتصدى اتحاد مدرسة عطبرة الصناعية لهذا الحكم ونظم مظاهرة كبرى جابت أنحاء المدينة احتجاجاً على سجن قاسم أمين, فصدر قرار بإغلاق المدرسة وتحويلها الى مدينة جبيت حتى تكون بعيدة عن ورش وتجمعات العمال وتم فصل أعضاء الاتحاد" (توثيق سهير عبدالعزيز للمهندس أديب جندي – الميدان).
نقد: قاسم أخطأ في أيام الاختفاء
"سؤال: ذكرت قاسم أمين.. بمناسبة قاسم أمين قيل أنه تعرض لعمليات اغتيال معنوي؟
جواب: صمت فترة ثم قال: قاسم كان رئيس الحزب وهو عضو لجنة مركزية وعضو مكتب سياسي وهو قيادي مميز وله قدرات ولكنه اخطأ في أيام الاختفاء وكان الرأي الغالب بدلاً أن يخرج للعلن أن يذهب الى خارج البلاد وهذا ما حدث. وفي الخارج حصل على كورسات وتأهيل مفيد بالنسبة له. وقبل 19 يوليو حضر وشارك في التحضير للمؤتمر العام للحزب وتولى لجنة الكادر. قاسم له نشاط مهم في الحركة العمالية العالمية فقد كان سكرتيراً لاتحاد النسيج العالمي.
سؤال: كان ذلك ابعاداً له بسبب صراعات التنافس بينه وعبدالخالق؟
جواب: هذا غير صحيح فقبل 19 يوليو حضر قاسم للسودان وشارك في التحضير للمؤتمر العام وتولى لجنة الكادر, ما زحلقو لأن قاسم ما الزول البزحلقو هو اخطأ واعترف بخطئه. كان ذلك قبل اكتوبر بفترة وجيزة. وتم قرار سفره للخارج بموافقته والتي بدونها ما كان سيحدث ذلك. فقد خرج عبر افريقيا الوسطى وبعد اكتوبر عاد مرة اخرى وقضى أياماً بالسودان.
(راجع: حكاوي المخابيء وأحاديث العلن – الرأي العام 7/4/2007م)
محجوب عثمان: لفقوا له اتهاماً
"قاسم أمين وهو رجل مؤسس وكان رئيساً للجنة المركزية. حدث له تآمر داخلي ولفقوا له اتهاماً أخلاقياً. فقد زعم احدهم ان قاسم راوده عن نفسه – وانتصرت المؤامرة, وكان بطلها محمد أحمد سليمان. ونجح في أن يتخذ قرار بإبعاده من السودان وبالفعل ذهب الى الاتحاد السوفيتي الى منطقة البحر الأسود منفياً.
لم يرفت من الحزب ولكن عزل من اللجنة المركزية وأبلغ السوفيت بذلك. وهم احترموه جداً وجاءوا به من المدينة التي نفى اليها وعملوا منه سكرتيراً لنقابات النسيج باتحاد النقابات العالمي. وثبت بأنه ظلم وقررت اللجنة المركزية إعادة حقوقه الأدبية كاملة والاعتذار عما سبق.
وقناعتي للتاريخ ان المفكر الأول بالحزب الشيوعي السوداني هو الشهيد عبدالخالق. قناعتي ان المفكر الثاني هو قاسم أمين بعد عبدالخالق مباشرة. وكانوا يقولون عنه "قاسم أمين أسد العرين" لأنه مؤسس لنقابة السكة حديد في الأربعينات إلا أنه ظلم"
(محجوب عثمان – عضو اللجنة المركزية – توثيق عادل حسون نشر بصحيفة الأخبار 22 يونيو 2010م قبل انتقاله والقيادات الأخرى رحمهم الله)
ترتيبات عبدالخالق التنظيمية المتوقعة
"منذ يوم 22 يوليو كان عبدالخالق مدركاً أن اعتقاله يعني قتله لذلك كانت أمنيته الوحيدة أن يمد الله في أيامه لاسبوع واحد فقط. بالطبع لانجاز مهمات حزبية مؤكداً أنها ذات علاقة بالقيادات الحزبية. وتوقيت الحركة الذي قرره عضوان بالمكتب السياسي من خلف ظهر الجميع و"تأديب نقد" حسب افادة شاهد حي يرزق.
وأفادت سعاد ابراهيم أحمد بأن عبدالخالق ربما يكون قد رتب بعض الأمور التنظيمية ومن بينها مسألة القيادة. فقد كان يكن احترامًا عميقاً وثيقة في شخصية قاسم أمين. ومن الممكن أن يكون قد أشار الى ذلك في تلك الرسالة.
وقاسم أمين الذي قال عنه نقد انه أخطأ واعترف بخطئه أيام العصر الذهبي للآلة الجهنمية أو كما جاء.
وهنا تتفق سعاد مع حكاية "تأديب نقد" ولكن هل من المعقول ان يكون كل ذلك مجرد خيال؟ تتخيل سعاد ترتيبات تفترض أن عبدالخالق اقترحها وهي لم تطلع على الوثيقة كما قالت؟ وما الذي دفعها لذلك الخيال؟
(راجع: رد الكاتب على نقد بصحيفة الرأي العام 24 يونيو 2007م)
وأنظر: حوار سارة ضيف الله مع سعاد ابراهيم أحمد (صحيفة الجريدة السودانية 24 يونيو 2012م)
س: تحدث السكرتير الجديد "الخطيب" عن الوصية أو مذكرات عبدالخالق أما حان الوقت لأن يفرج الحزب عنها؟
ج: لقد ضاعت "ما ضاعت" لم نرها وهي ليست وصية هي مذكرات كتبها قبل اعدامه.. وتم تسليمها للحزب وبعد سبع سنوات قالوا ان تلك الوثائق قد ضاعت والشخص الذي استلمها مات وهو طه الكد.
س: بحكم علاقتك الوثيقة بعبدالخالق ماهي توقعاتك لما كتب فيها؟
ج: لا يوجد معنى للتخرصات لكنني متأكدة من أن له رأي في من يأتي سكرتيراً للحزب في خطة الحزب بعد الردة.
اجراء تغيير جذري
دورة اللجنة المركزية مارس 1969م دعت الى:
"اجراء تغيير جذري في قيادة الحزب. لأن الثورة الوطنية خطت خطوات الى الامام نحو التحامها بالثورة الاجتماعية. وان الوجهة التي يتم بها إعادة تركيب القيادة أساسها بروز تيارات فكرية للبرجوازية الصغيرة الباحثة عن بديل للماركسية وللحزب الشيوعي مما يجعل أسس الوحدة في الحزب تنتقل الى مرحلة أعلى الى القضايا النظرية للثورة".
أرادوا كسره وكأنهم سيحطمون الحزب في شخصه
× قاسم من مؤسسي الحركة السودانية للتحرر الوطني وهيئة شئون العمال, وباختياره ضابطاً أول للنقابة بعد فصله من السكة حديد تم التأسيس للمبدأ (الفصل من العمل لا يعني الفصل من النقابة).
× نفذ قرار الحزب بعودة القيادات الشيوعية من الخارج تحت شعار "سنعود حتى لو علقوا المشانق في مطار الخرطوم) واعتقل من المطار في اغسطس 1974م وتم ترحيله الى سجن الأبيض حتى مايو 1978م حيث اطلق سراحه بسبب المرض (كتب ثلاثة كراسات داخل السجن وتنبأ بالزلزال الذي ضرب الاتحاد السوفيتي السابق. سلمت للحزب عن طريق ممرض – صلة المعتقلين بالحزب – ولا أحد يعرف عنها شيئاً..
× سافر للعلاج وعاد للسودان ومرة أخرى اعتقل وأصيب بالشلل في سبتمبر 1979م داخل السجن وظل بدون علاج عدة أيام..
× بعد تدهور أوضاعه الصحية أضطرت السلطة لنقله للمستشفى العسكري وهو تحت العلاج جرت عدة محاولات لإعادته للسجن وبعد ان ساءت صحته أكثر أطلق سراحه تفادياً لموته داخل السجن..
× سافر الى الخارج للعلاج وفي براغ أجريت له عدة عمليات جراحية حتى انتقل في 5 فبراير 1980م ورافق جثمانه الطالب في براغ وقتها عمر الدوش.
× "قاسم أمين كان شجاعاً كل حياته ولصموده في مواجهة التعذيب كانوا يريدون كسره وكأنهم سيحطمون الحزب الشيوعي في شخصه (شوقي بدري 5 مايو 2009- سودانايل).
بيان النقابات وموكب التشييع
ما بين تلقي نبأ وفاة قاسم ووصول الجثمان أربعة أيام كافية لاتخاذ الترتيبات اللازمة. والتي كانت أبرزها في جبهة العاملين والنقابات تحت قيادة "لجنة المنطقة الصناعية بحري" وكانت الواجبات:
1-بيان جماهيري للعمال والشعب يمجد دور قاسم كأحد المؤسسين وتحميل السلطة مسئولية وفاته بالاعتقالات الدائمة وإهمال علاجه.. الى آخره..
2-يصدر البيان من النقابة العامة لموظفي الغزل والنسيج والملبوسات والبلاستيك "قطاع خاص" وتتبع فيه الاجراءات النقابية.
3-التنسيق مع "مدينة بحري" لتنظيم موكب التشييع وشعاراته.
أجازت النقابة العامة المقترح من خلال اجتماع طاريء للسكرتارية والذي قرر:
1-تكليف عمر عدلان المك بكتابة البيان وعرضه على السكرتارية قبل الطبع.
2-وصول البيان لجماهير العاملين عبر منشآت النقابة العامة في الخرطوم وبحري وام درمان.
3-أن يتولى النقابي/ أنس عوض جبارة التوزيع للمدن الأخرى/ مدني/ الحصاحيصا/ بورتسودان.
4-ابلاغ أعضاء اللجنة المركزية بقرارات السكرتارية واذا تم التحقيق معهم من قبل جهاز الأمن عليهم الرد بأنهم ينفذون قرارات السكرتارية "وفعلاً تمن استدعاء أعضاء من اللجنة المركزية منهم: عوض عبدالله هلال وحسن عبدالحميد".
5-وصدر البيان بعنوان "الاستشهاد وسيلة المناضلين الشرفاء".
صباح يوم التشييع اعتقل كاتب المقال بتهمة كتابة بيان تحريضي يحمل السلطة موت قاسم وانه مسئول جنائياً عن كل نتائج الشغب التي يمكن أن تحدث. وتم اعتقال عدد من النقابيين بعد موكب التشييع: أحمد عبدالعزيز آدم/ عمر عدلان المك/ أنس عوض جبارة. وقام وفد من النقابة العامة بمقابلة المسئولين في جهاز الأمن "فاروق المفتي/ الرشيد" مطالباً باطلاق سراح المعتقلين. وقد برر جهاز الأمن الاعتقالات بأن بيان النقابة العامة انما هو "بيان الحزب الشيوعي" حيث لم يصدر الحزب بياناً باسمه! وتم اعتقال بشرى الصايم بعد اللقاء. وخلال اسبوع اطلق سراح جميع المعتقلين باستثناء عمر عدلان المك حيث اطلق سراحه بعد شهر, وقد أقر بكتابة البيان تنفيذاً لقرار قيادة النقابة.
وعلمت من السر النجيب وزملاء آخرين ان قيادات حزبية رفضت مبدأ اصدار بيان أو موكب تشييع "أن يدفن سكيتي" وتحرك الموكب من حلة حمد بالخرطوم بحري واتجه نحو جامع بحري الكبير ومنها الى المقابر. ومن الوقائع:
× مشاركة أعداد كبيرة من العمال والمواطنين من مختلف الاتجاهات في ذلك الموكب المهيب..
× مشاركة النساء لأول مرة في موكب تشييع..
× مخاطبة محجوب عثمان "عضو اللجنة المركزية" للموكب بعد التشييع باسم الحزب "المحظور قانوناً" ومعلوم ان محجوب قضى عامين مع قاسم في سجن الأبيض.
× الحقيقة ان كاتب المقال وعمر عدلان وعباس علي "المعلم" تعاونوا معاً في ذلك البيان..
× الحقيقة انه لم يصدر بيان من "مركز الحزب" ولا قيادة "الخرطوم" ولا مدينة بحري! (يبدو انهم اكتفوا بالميدان السرية"!
ونسجل في نهاية الجزء من العرض: ان صحيفة "نجوم وكواكب" التي رأس ادارتها المناضل النعمان حسن "كاتب سلسلة مايو الشاهد والضحية" هي الوحيدة التي نعت قاسم في صفحة كاملة وبصورة على امتدادها..
وبعد 36 سنة: مع المؤتمر السادس ردد الشباب:
ماشين في السكة نمد في سيرتك للجايين
شايفنك ماشي تسد وردية ياقاسم أمين
تسد وردية يا قاسم أمين
تسد وردية يا قاسم أمين
نشرت بصحيفه الجريده ١٤/نوفمبر

 

آراء