جيلي أنا.. ليس جيل البطولات!!

 


 

 

(نحن قاعدين خاتين يدنا فى الموية الباردة وننتقد ونحن السبب فى الفساد والفقر.. حين نموت سنسأل سؤالاً دقيقاً عن كل جائع وكل مشرد وكل ساقط في السلم التعليمي.. نحن مسؤولين أمام الله وليس الرئيس والوزراء وحدهم)
سعاد الفاتح البدوي نوفمبر 2014
(الأزمة خالقنها نحن لأنه ما بنفكر.. لو بنفكر كان شلنا كواريكنا وعصاياتنا ومشينا على البحر وأكلنا وأكلنا المعانا.. الشباب منافق.. الشباب والمرأة قاعدين ساي مافي إبداع.. مفروض يعدموا بتاعين الخرشة والأفيون والقاعدين نايمين)
سعاد الفاتح البدوي نوفمبر 2016

والحقيبة لها سحرها الخاص، بجمال معانيها وعمق دلالاتها ودقة وصفها، وشعراؤها لم يتركوا واردة في الكلمات إلا أتوا بها، وجمع من الشعراء والمغنين والملحنين أنتجوا أزهى آيات الغناء الحديث، ونفر منهم أفردوا للموسيقى حيِّزاً لم يكن لولاهم، والاستقلال صنعه من صدقوا ما عاهدوا عليه شعبهم، أما أكتوبر فهي أبهي عمل ثوري في التاريخ الحديث للبلاد، وأبريل حلم الجياع ، ونيفاشا هي المعجزة التي لم يأت بها الأوائل، وكُتَّاب، مفكرون، وقادة وسياسيون، أطباء، مهندسون ودبلوماسيين، صحفيون وتجار وإداريون وموظفون، وآخرين من دونهم الله يعلمهم.
هذا أيها السادة هو جيل البطولات المستجيش ضراوة ومصادمة، جيل لم يترك لنا ما نفعله، جيل صنع كل شئ حتى عيوبنا، وطفق بعضٌ منه يلعن اليوم الذي أتى بنا إلى هذه الدنيا، لا لشئ سوى أنه(هذا البعض) يظن وبعض الظن إثم، أننا فقط جيل البطالات والعطالات وليس جيل البطولات، نعم جيل البطالات الذي لا هم له سوى سندوتشات البيرقر مع الحسناوات، ولا هم لحسناواته سوى أن يراهم رفاقهم، ملكات جمال وأميرات دلال، والجامعات بالنسبة له ليست إلا كافيتريات لساعات اللقاء الطوال أو القصار، والسياسة آخر اهتماماته، والثقافة ترف فكرى، ولحظة في جلسات السمر مع الأصدقاء أعظم من أي زيارة عائلية، والسيجارة هي الملاذ الآمن، والدنيا كلها لا تساوى جناح ذبابة إلا في وجود الإنترنت.
هذا هو جيلي أنا، جيل ما بعد القطب الواحد، والجيل الذي رأى النور عندما توارت حدائق الحيوان، وسوق الزنك، والتعريفة والنميري، جيلي الذي لم يساوره شك في أن الأيام ليست دول، وأن ما هو موجود لابد أن يكون موجوداً، وما هو غير ذلك وجب أن يكون كذلك، لم يتسنَ لنا ولا يجب، أن نختار إلا ما اختاره لنا الذين أطلقوا الصرخة الأولى قبلنا، حتى طريقة ملبسنا لا تعجبهم، وكلامنا فيه (ميوعة)، وما يطربنا ليس إلا زعق بلا طائل، وقصص الغرام عندنا أكذوبة كبيرة، وشعرنا هو اللغو بعينه. أما هم، فلمبسهم تراث، وكلامهم حكمة، وطربهم شقشقة، وشعرهم ثروة.
ينسى هؤلاء أنهم سبب مآسينا، وأنهم عاشوا قبلنا في رغد وهناءة، لم يتلوث أكلهم بالسماد، ولم يختلط شرابهم بالصرف الصحي، تعلموا في مؤسسات لا تتكفف الجنيه، بل تجزل لهم العطاء المالي قبل الأكاديمي.
ينسون إن هذا الجيل ولد في أخر زاوية من حمى أوجاع مخاض العمر، ولم يدرس على يد مستر كوك وسستر ميري، وعاش في زمان رُفعت فيه المسؤولية حتى من الدولة، وأصبح فيه التعليم جزء من مشروع كبير يدار بعقلية نابليون، والصحة ليست صحيحة، والنظام فوضى والمشي في الأسواق بحساب، ينسون إن هذا الجيل جُرح قبل بداية المعركة، وقاوم بلا سلاح، ولكنه لم يستسلم وأصر على خوض الحرب ولكن بطريقته هو، يرث ما يريد أن يرثه، وأما الزبد فلن يتركه يذهب جفاء، بل سيلقيه في قرار مكين إلى غير رجعة.
يتذكرون فقط أننا عاطلون، ولكن لا يتذكرون سبب عطالتنا، يطلبون منا أن نعمل ويعجزون أن يعملوا على توفير العمل، يتهموننا بالنوم، ويعز عليهم أن يوقظوا زملائهم من السُبات العميق على الكراسي الوثيرة وتحت قبب البرلمانات المُكيَّفة.
طالبت إحداهن قبل أيام بقتل العاطلين عن العمل، ولا ندري إن كانت تعلم أو لا تعلم إن عدد العاطلين في هذا الجيل يفوق عدد الذين يعملون، وأن هناك من يحاول قتلهم فعلاً بخنق أحلامهم.. ولكننا كجيل، سنعيش رغم الداء كما قال الشابى، وسنُغنى لك يا وطني كما غنَى الخليل، كحريق المك في قلب الدخيل، مثلما غنّت مهيرة ومثلما أُستشهد في مدفعه عبدالفضيل، سنغنى ولكن بطريقتنا نحن، أصحاب الكلمة والأقلام منا، ورواد المقاهي، ولاعبي البلياردو، ومهندسي الكمبيوتر والمصورون، العاملون في المناطق النائية، الباحثون عن الحبيبة، والجالسون على الأرائك في الحدائق العامة يتسامرون، وفى قاعات الدرس وأركان النقاش، والباعة منا والزُرَّاع والصُنَّاع، الواقفون فى صفوف التوظيف، وشباب جيلي في كل شوارع بلادي، سنغنى لك يا وطني ليس على الطريقة التي يخططون، ولكن بطريقتنا نحن، والتي نظن أنها كم نسجت شالاً غطى هامتك العالية، في زمان تمددت فيه ليالي برد الشموليات القارص، لحين إشعار مسطور بدنو سلام واستقرار مشحون بالدفء والحرية.

baragnz@gmail.com

 

آراء