-1- عندما ابلغت بأنه يطلبني للقائه بمسجده .. منيت نفسي بحوار غير مسبوق مع رجل متفرد في مجاهداته وانجازاته ، وكنت آنذاك اصدر مجلة القوم وصحيفة النهار اليومية ..لكنه فاجأني .. ابتدرني بصوته الهامس : اطلب منكم زواج كريمتكم من تلميذنا هذا .!. واشار اليه وكان جالسا في ركن من الغرفة وشبح ابتسامة على شفتيه ،ولمحته وعرفته واجبته بدون تردد .. ياشيخنا هي ابنتكم ولك ما تشاء .!.وتأكدت لاحقا ان الشاب وابنتى كانا على علم باني لن ارفض للشيخ طلبا !.. وتمت مراسيم الزواج واحتفالته في مسجده وكنت على سفر خارج السودان .. وبعد عام (نور بيتنا ) اول احفادي ، وحمل اسمه مع لقبه : (الشيخ دفع الله )... وكانت هديتي لحفيدي كتابي : (كان أمة من الناس).. الرجال الذي بنى 400 مسجدا... الشيخ دفع الله الصايم (ديمه)... وأشرح لحفيدى من اين جاء اسمه : وأقرأ له : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 ) ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *) (الحج:40-). ويتميز السودانيون، دون غيرهم بمثل هذه الاسماء ، ومنها وقيع الله ، ودخيل الله ، حبيب الله ، وداعة الله ، حواية الله ،حوى النبى ، حوى الرسول، جاه الرسول ، حسب الرسول، والبقيع والسهوة ومدينة والحرم ومكة وزمزم , ام سور، ام قلة ، الشباك ، الخ .. -2- وكيف تسنى لرجل واحد تشييد وافتتاح اربعمائة مسجدا وارفق بها مدارس وخلاوى القرآن الكريم و"تكايا " الطعام للطلاب والفقراء وابناء السبيل، ومع كل هذا الجهد كان الرجل قائما ليله صائما لاكثر من ثلثي عمره الذى امتد 75 عاما ، امضى خمسين عاما منها في صوم متصل ماعدا الأعياد وحالات المرض .! لم يهتف بحنجرة قوية الأحناك : هي لله هي لله لا لسلطة ولا لجاه لا لدينا قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده او ترق منا الدماء .. كل الدماء ! ومن اين له المال ليبني ويشيد كل هذه المساجد والزوايا والخلاوى ..؟ دنيا لا يملكها من يملكها.. أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر من لم يأخذ منها ماتعطيه على استحياء والغافل من ظن الأشياء هى الأشياء ! الرجل لم يصرخ ويتشنج ليأخذ بعكازه لضرب الفنان عثمان حسين لأنه تغنى : الجنه ياغرامى قربك الدنيا تحلالى جنبك حبيبي خلقونى احبك وخلقوك عشان تهوانى وبسببها تمت مراجعة كل الموروث من الغناء السودانى عام 1992وتم رسميا حظر 90 اغنية بزعم انها تبتعد عن عبادة الله ، وتدعو لتعظيم مخلوقاته ! -3- يحكي الشيخ ادريس عبد السلام من الذين رافقوا الشيخ دفع الله الصائم منذ صباه ولم يفترقا الا بالموت .. كان الشيخ دفع الله يزوره في بيته بامدرمان ، ثم خرجا معا وسارا قليلا في شارع البوستة الذى كان في ذروة ازدحامه .. ومرا بالقرب من مقهى كان بداخله مطرب ناشىء ، يقف على منضدة وهو يغنى (المطرب كان الفنان الكبير ابراهيم الكاشف في بداية حياته الفنية )، كانت هناك اعداد كبيرة تقف امام المقهى وهى تستمع لهذا الصوت الجهورى الذي كان يردد :( سألت الله اشوفوا مرة ) ! وعندما صافحت هذه الكلمات اذني الشيخ دفع الله كان لها وقع مختلف ، فاضت به وجدا وهياما ، فصاح صيحة عظيمة ارتج لها المكان ، وطغت علي صوت الكاشف .. وذهل المارة وتوقفت حركة الشارع تماما وتلفت المستمعون ورأوا مشهدا مهيبا .. الشيخ دفع الله مغشيا عليه ، ورفيقه الشيخ ادريس في حيرة فهو الوحيد الذى يعرف ما حدث ! والمواقف تتشابه في تأويل شيوخ الصوفية لكلمات الأغانى ،بعيدا عن التزمت وسخف المتنطعيين من تجار الدين ، مثل مشهد الشيخ قريب الله مع الفنان عبد الكريم كرومة الذي كان يغنى : (ياليل ابقالي شاهد .. على نار شوقي وجنوني ..ياليل) .وتملك الوجد الشيخ العابد ..وكذلك حكاية الشيخ العليش مع الفنان ابراهيم عوض ، عندما كان يغنى (والا جنني وغير حالي ) ! وفقادن الوعى للفنان خضر بشير عندما يغنى الأوصفوك ( انوارو ضاوية من غير سلوك ) ! والأمثلة كثيرة وليس هنا مكانها ..-1- -4-
الرجل لم يكتف لبناء هذه المساجد بالدعاء وحث الخيرين ، ولا كشوفات وقوائم المتبرعين ، بل كان في مقدمة فرق البناء من تلاميذه الذين دربهم على هذه الصنعة ، وكان عندما يتم اختيار مكان المسجد يؤسس اولا خلوة بالقرب من المكان لتكون مركز الانطلاق لاعداد كل متطلبات البناء من اعداد (الطوب ) ونجارة الشبابيك والابواب الخ .. وأكمل الشيخ دفع الله في حياته بناء وتأسيس 400 مسجدا الي جانب خلاوى القرآن ..قوائم هذه المساجد واماكنها في كتابنا ( كان أمة من الناس ... الرجل الذى بنى 400 مسجدا .. الشيخ دفع الله الصائم ) وكذلك على موقع www.alqoum.com 1كتاب كان امة من الناس yahyaalawad@gmail.com