مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان: مشروع الجزيرة نموذجاً
صديق عبد الهادي
1 June, 2017
1 June, 2017
مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة/
تُعنى هذه الورقة بواحدة من اهم القضايا التي تواجه الوطن، وذلك ما لها من إرتباطٍ وثيق بحياة الناس، وبإستقرارهم إقتصاديأ وإجتماعياً وسياسياً، بل وبمسألة وجودهم في المكان الأول. إنها قضية الأرض في عموم السودان، ولكن بتركيزٍ خاص على قضية الأرض في مشروع الجزيرة، وذلك لما لها من تاريخ معروف وواضح، هذا من جانب، واما من الجانب الآخر فهو ان مشروع الجزيرة يمثل، وبكل المقاييس، ركناً اساساً في وجود القطاع الحديث الذي انبنى عليه الاقتصاد السوداني، وفي مسيرته كذلك. والاهم من ذلك ان في مسيرة المشروع وتطوره كان ان لعبت القوانين المنظمة له، ومنذ إنشائه، دوراً كبيراً في ترسيخ تلك المسيرة وفي دفع ذلك التطور.
هناك حقيقة تاريخية أصبحت تتكشف امام العالم وبشكل اكثر وضوح، وفي كل يوم، فلابد لنا من وضعها والإشارة اليها بدءاً، ونحن نتناول قضايا الارض في السودان. وتلك الحقيقة هي بروز الظاهرة العالمية التي أضحت معروفة بظاهرة "الإستيلاء على الأرض" (Land Grabbing). وهي ظاهرة لم تعد محل اهتمام الإقتصاديين لوحدهم، وانما كذلك إسترعتْ إنتباه قادة الرأي في العالم والمدافعين عن حقوق الانسان، بشكلٍ عام، وعن حقوق المواطنيين الأصليين في إمتلاك أرضهم، بشكلٍ خاص، "إنه، وبناءاً على ما اورده البنك الدولي ان هناك 464 مشروعاً لاجل الاستيلاء على الارض بدأ تنفيذها فيما بين 2008 و2009، وان 22 مليون هكتار (اي ما يعادل 54 مليون فدان _ الكاتب) قد تمّ الإستيلاء عليها فيما بين 2010 و2011 لوحدها. إن اهم سبب من واء التكالب على الارض هو محاولة السماسرة العالميين تامين الغذاء اللازم للاقطار ذات الكثافة السكانية العالية، والتي تُوَاجَهُ بمواسم زراعية متذبذبة وغير طبيعية (مثل الصين، الهند وكوريا الجنوبية). فهذا التكالب والاستيلاء المسعور على الأرض تمّ بشكل واضح في سبعة دول افريقية حيث ان سعر الهكتار الواحد كان بأقل من دولار (اي ان الفدان باقل من نصف دولار – الكاتب)." (روس، اليكساندر، إسترداد الأرض،اوكلاند، آي كى للنشر، 2014، ص 9-10.)
في ضوء هذه الحقيقة ياتي تناولنا لقضية "مشاكل ملكية واستخدام الأراضي الزراعية في السودان". وهي حقيقة مخيفة، ولكن، وبقدر ما انها تزيد من تعقيد تلك المشاكل، إلا انها تحفز وتعطي دافعاً حقيقياً لاجل التصدي المسئول، ومن ثم لبذل المساهمة التي لا غنى عنها لاجل حلحلة تلك المشاكل.
إمتلاك الأرض وتمليكها، أضحى محل إهتمام عالمي/
يكاد ان يكون هناك اتفاق عام بين كل المدارس الفكرية سوى كانت الإقتصادية او غيرها،بان احد العوامل المزكية للحروب المنتشرة حول العالم، هو عامل امتلاك الأرض وتملكيها، بل وهو يمثل العامل الأهم. وقد اصبح هذا الامر محل الإهتمام والبحث والدراسة ليس من قبل البحاثة الأفراد وإنما من قبل الهيئات الدولية كذلك، وحيث توصلت جل تلك البحوث والدراسات إلى نفس النتيجة. وفي هذا المقام نود ان نشير إلى بعض الامثلة التي توكد ما ذهبنا اليه في شأن الصلة بين مشاكل ملكية الارض وإشتعال الحروب.
ففي افغانستان، مثلاً، وهي اكثر الدول معاناة بسبب حروبها الاهلية الطويلة، وضح ان ازدياد التناحر على ملكية الارض اصبح يحمل وجهين حيث يدخل كعامل في تزكية الحروب واستمرارها، من جهة، ويقف كذلك كنتيجة مترتبة على إتساعها من الجانب الآخر. وفي هذا الصدد أشار مسئول البرامج في المعهد الأمريكي للسلام، بارماك باجواك إلى أنه ،"سيكون هذا هو الصراع الكبير المقبل في أفغانستان. ويشكل هذا الأمر خطراً كبيراً، لأن الصراع سيشمل جميع أنحاء البلاد، وسيكون حقاً خارج نطاق السيطرة." (موقع منظمة إرين في 10 سبتمبر 2013).
وفي الحقيقة، ان الشيئ الذي فاقم من امر الوضع في افغانستان هو وجود عاملين آخرين خطرين، هما، الاول تكاثر وانتشار "مافيا الأراضي"، والثاني، هو إنتشار السلاح. فهذان العاملان يمثلان ظاهرة طاغية الوجود في كل الدول التي تعاني من عدم الإستقرار نتاج الحروب الاهلية، وهي حالة تنطبق تماماً على ما يجري الأن في السودان.
وفي هذا الإتجاه من طرح الأمثلة الحية بصدد مشاكل الأرض، تقف منطقة جبال النوبة كواحد من تلك الأمثلة، حيث الصراع حول الأرض بين السكان الأصليين كطرف، ومجموعة المستثمرين الوافدين تحت حماية حكومات المركز كطرف آخر. وفي ذلك كمنتْ وتكمنُ جذور الغبن الذي لم تكن الحروب الدائرة ولعقودٍ في المنطقة إن هي إلا مظهره الجلي، " توجد حوالى ( 200 ) مشروعاً للزراعة الآلية تمت مراجعتها بمنطقة هبيلا ، والتى أنشئت بتمويل من البنك الدولى ويدعمها البنك الزراعى التابع للدولة ، ولقد منحت الحكومة عقود إيجار أربع مشاريع تعاونية محلية ، وأربع مشاريع لتجار محليين .. ومنح مشروع إيجار واحد لمجموعة من تجار هبيلا ، أما البقية والتى تبلغ ( 191 ) مشروعاً لقد منحت لأفراد من غير أهل منطقة جبال النوبة ، معظمهم من تجار وموظفين حكوميين وجنرالات متقاعدين من القوات النظامية من شمال السودان والجزيرة."(آدم جمال أحمد، ملكية الارض وانفجار النزاع في جبال النوبة، موقع حركة العدل والمساواة، 31يوليو 2010).
إن الانسان في جبال النوبة، كشان كل الشعوب الأصيلة، لا ينفصل عن الأرض وهو ملتصق بها دون إنفصام، فلذلك ما يحكم العلاقة بينه وبينها تقاليد وأعراف تليدة، ضاربة في التاريخ. إن الأرض في جبال النوبة معلوم إستخدامها وملكيتها إمتداداً من سفح الجبل إلى حدود المجموعات الاخرى، وذلك من جبلٍ إلى جبل. وقد يحس الباحث ثقل الغبن الذي يحط على مواطني الجبال وهم يرون أرضهم تُهدى وتُباع وتُشترى، ليس لهم، وإن كانوا يُحرِّمون ذلك على انفسهم، وإنما للآخرين، "فالشاهد أن الأرض الطينية في عرف تقلي وعموم أهل الجبال لا تُباع ولا تُشترى. فهي تُعتبر امٌ محرمٌ أكل ثمنها. بإعتقاد أن الإنسان خلق من طينة الأرض. لذلك جاء تقديسها عند مواطن الجبال. فلم يرد عبر تاريخ تقلي أن احداً ملك أرضاً بإستثناء أبناء الملوك عند زيانة شعر احد منهم وقت الصغر فتسمى أرضاً باسمه. فالارض الطينية ملك القبيلة ينظم إستعمالها شيوخ محددون مأذون لهم دون سواهم بالتصرف في الارض وفق تدابير من رئاسة المملكة". (محمد مريود محمد علي، مملكة تقلي التاريخ والثورات، ونظم الإدارة والحكم، حصاد للطباعة والنشر، توزيع مكتبة مروي، بدون تاريخ).
فلذلك لن يمر السلام إلا عبر الأرض ووفق تأكيد حق ملكيتها وبحرية إستعمالها بواسطة أهلها الحقيقيين.
وليس الامر باقل منه في دارفور. إن الارض هي محور التغيرات التي انتظمت كامل المنطقة. إتسم الوضع الجديد بإستغلال النفوذ وبالقمع وبالفساد المرتبط بجشع الإستثمار، والذي من نتائجه المباشرة إستعار الحرب، " إن الأراضي كانت تستخدم في السابق لغرضين الأول للسكن، والثاني للإكتفاء الذاتي من الزراعة، والمستفيد الاول هو المواطن، ولكن مع بداية نظام الانقاذ دخلت أغراض الإستثمار في الغابات والمزارع ولحق بها التنقيب العشوائي والنفط ولكن السلطات أدخلت الإستثمار عبر شركات أجنبية تستفيد من الأراضي وتُصدر الناتج، فتحول مالك الاراض إلى مستخدم وليس مالك". (د. جمعة كندة، تحقيق قامت به شبكة عاين بعنوان، "نزاع الاراضي في السودان: دارفور … نزع الاراضي وتغيير التركيبة السكانية"، 23 فبراير 2016"). والمفجع أنه لم يتوقف الامر عند حد ان يبقى الملاك الحقيقيين أجراء، وإنما تمت عملية إحلال او بمعنى اكثر دقة عملية إستيطان، وليزج على إثرها بالسكان الإصليين في معسكراتٍ للجوء داخل أراضيهم!. وهنا نقف جميعاً لنشهد تكراراً مأساوياً لفصولٍ بائسةٍ من التاريخ الانساني، عموماً.
نشر البنك الدولي في عام 2010 واحدة من اوسع دراساته حول حقوق ملكية الأرض. وقد جاءت إشارة بالغة الأهمية في العرض لتلك الدراسة تقول بــــــ "أنه مع ارتفاع أسعار الأغذية والوقود الذي يخلق حوافز لشراء الأراضي على نطاق واسع في شتى أنحاء العالم، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن تعمل الحكومات والمجتمع الدولي لحماية حقوق ملكية الأراضي للسكان المحليين."(حقوق ملكية الأراضي مفتاح للاستثمارات السليمة، موقع البنك الدولي، الشبكة العنكبوتية، بتاريخ 8سبتمبر 2010). هذا يوكد بعضاً مما ذكرناه عاليه حول اهم الاسباب التي تكمن وراء اندياح ظاهرة "الإستيلاء على الارض" للحد الذي كاد فيه ذلك الإندياح ان يغطي كل اطراف المعمورة. كما وانه في نفس الوقت يشير إلى مسئولية الدول فيما يتعلق بضرورة حماية حق ملكية الارض بالنسبة للمواطنين. وقد وردت في الدراسة إشارة اخرى ذات مغزى تخص امر ملكية الاراضي في السودان، وهو موضوع ورقتنا هذه، حيث قالتْ،" وفي الواقع، فإن بعض المستثمرين في أفريقيا يبدون أكثر اهتماما بالمضاربة على رفع أسعار الأراضي من اهتمامهم بزراعة المحاصيل، وهم لا يزرعون بشكل كامل الأراضي التي تَملَكُوها. فعلى سبيل المثال، في السودان، حيث يشكو كثير من المزارعين المحليين من فقدان حقوق ملكية أراضيهم".
ولكن، لا اكثر وضوحاً حول قضية ملكية الارض ووجوب حمايتها، باعتبار انها تقع ضمن مسئوليات الدول، لا اوضح مما ورد في اعلان الامم المتحدة حول "حقوق السكان الاصليين" (Declaration on the Rights of Indigenous People),(DRIP)، والمجاز في 13 سبتمبر 2007، حيث جاء في المادة (8)(2) ما يلي/
"على الدول ان تقوم بتوفير الآليات الكفيلة بالحماية، وبتدارك:
ب/ أي فعل يكون الهدف منه او الغرض تجريدهم من ملكية اراضيهم، ومناطقهم او مواردهم".
ان هذا الاعلان الذي توافقت عليه الامم املته ضرورة التصدي لظاهرة الهجوم الفالت على حقوق ملكية الاراضي، والذي اصبحت تعاني منه، وبشكل اساس، مجتمعات الشعوب الاصيل ة في كل انحاء العالم. وهو امر يرتبط ولحدٍ كبير بضعف تطور تلك المجتمعات مع تركيز الهيمنة والقرار في ايدي قوى إجتماعية غاشمة، إذا كان ذلك على المستوى المحلي في الدول نفسها او على المستوى العالمي. إنه ومما لا شك فيه ان ما سلف سرده يؤكد، وللاسف الشديد، الحقيقة المرعبة بانه، وفي ظل العولمة الجارفة، قد تمّ إلحاق "الارض" وكمورد نادر بالسوق الرأسمالي العالمي، وقد تم بذلك عملياً تحويلها الى سلعة تستلزم المنافسة، وتغري بالحصول عليها!.
إنه وعلى ضوء هذه الخلفية نحاول معالجة قضية الأرض في السودان وفي مشروع الجزيرة على وجه التحديد.
الأرض وملكيتها في السودان/
كانت ملكبة الأرض في السودان ملكية عامة، مشاعية بين السكان الاصليين، إذا كان ذلك في دارفور او بين المجموعات النوبية في شمال السودان او في الوسط في مناطق الجبال او المناطق الأخرى، وذلك بالطبع قبل ظهور الدولة، ولو بشكلها البدائي، كتطور طبيعي في تاريخ السودان، وكتعبير عن التمايز الإجتماعي الناتج عن ذلك التطور. ولكن نقطة التحول المهمة في تاريخ ملكية الأرض هو ان نحا شكل الملكية منحاً حاسماً مع ظهور الدولة الحديثة، أي بعد ان انتظمته القوانيين التي انتجتها تلك الدولة الحديثة، والتي استعانت في إستكمال دورها بالتقاليد والاعراف التي صاغتها تلك المجتمعات لتنظيم حياتها، ولتنظيم علاقتها بارضها عبر مراحل تاريخية ضاربة في القدم.
إننا ولاجل الإقتراب من غرض هذه الورقة نرى ان ننظر إلى قضية الارض في السودان من اكثر جوانبها اهمية من الناحية الإقتصادية، اي من ناحية توظيفها كموضوع للانتاج الزراعي. وذلك بالقطع من منطلق ان القطاع الزراعي يمثل الركيزة لاقتصاد البلاد، حيث نجد ان الزراعة ظلتْ تساهم باكثر من 45% من الناتج القومي الإجمالي، وتساهم باكثر من 90% من الصادرات.(موقع بنك السودان ووزارة الزراعة )، وذلك إلى وقتٍ قريب قبل ان يصبح معدل نموه سالباً، إذ تدهور نصيب القطاع الزراعي في الناتج المحلي ليصل إلى 32% فقط، (موقع وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي، العرض الإقتصادي للعام 2014). وذلك بالقطع يرجع لاسباب كثيرة والتي من ضمنها، كما هو معلوم، المعضلات المتعلقة بقضايا الارض!.
فبالإضافة إلي ما ذكرناه، يعمل بالقطاع الزراعي اكثر من 75,7% من القوى العاملة. كما وأنه يمثل القاسم المشترك بين كل القطاعات الاقتصادية الأخرى، من صناعة وتجارة وبنوك ونقل...الخ.
ولإعطاء صورة اكثر دقة عن القطاع الزراعي في السودان بشقيه النباتي والحيواني، وكلاهما متأثران بقضية ملكية الارض ومشاكلها، تشير التقديرات إلى ان المساحة الصالحة للزراعة في السودان بعد الانفصال حوالي 60 مليون هكتار اي ما يعادل 144 مليون فدان، والمساحة المستغلة منها حوالي 28 مليون فدان، أي ما يعادل 13.50% من مساحة الارض الصالحة للزراعة. وتاريخياً تنتظم الاراضي الزراعية ثلاثة نظم للزراعة، وهي، أولاً/ الري المنتظم ويغطي حوالي 3.3 مليون فدان تقريباً، وثانياً/ النظام المطري الآلي ومساحته تقدر بحوالي 9.9 مليون فدان تقريباً، وثالثاً وأخيراً/ النظام المطري التقليدي ويغطي مساحة وقدرها 14.8 مليون فداناً بالتقريب.(*)
وعلى ضوء هذا الواقع نأتي لننظر لاراضي مشروع الجزيرة والمناقل. يحتوي المشروع على مساحة قدرها 2,2 مليون فداناً. وقد اخذ المشروع 97 عاماً بالتمام والكمال ليصل إلى هذه المساحة، وهي سنوات امتدت منذ السنة التجريبية الأولى
للمشروع بمنطقة طيبة الشيخ عبد الباقي في العام 1911، حيث بدأ المشروع بــــ250 فداناً فقط، وليصل إلى مساحته الحالية في العام 2008، (د. سلمان محمد أحمد، أراضي مشروع الجزيرة بين الملكية والحيازة والنزع، موقع الراكوبة).
عليه، فإن نسبة مساحة المشروع (2,2 مليون فدان) إلى مساحة قطاع الري المنتظم (3.3 مليون فدان)، تساوي 66,67%، اي ثلثيه. فهذه النسبة او السمة، إذا صح لنا القول، هي العامل الاساس في تفاقم مشاكل مشروع الجزيرة، إذ انها وبشكل واضح، ظلتْ تمثل الدافع وراء محاولات إعادة صياغة الملكية بالنسبة لأراضيه!. وهي محاولات بدأ التفكير فيها بعد فترة وجيزة من انتهاء عقد الشركة الزراعية (1950)، والتي حل محلها "مجلس إدارة مشروع الجزيرة". وبالتحديد نجد أن محاولات التمهيد للخصخصة بدأت العام 1960 من قبل البنك الدولي، وبواسطة لجنته التي عُرِفتْ في تاريخ المشروع بـ"لجنة ريتس".
وهنا يتبادر السؤال، ولما السعي لاعادة صياغة ملكية الأرض في المشروع، ومحاولة مصادرة حق ملكيتها من اصحابها، إذا كان إغراءاً او قهراً، وبنص القانون في الحالتين؟!.
إن واحدة من الاجابات على هذا السؤال، والمرتبطة بالحقيقة التي ذكرناها اعلاه حول حجم المشروع المغري، حين مقارنته بالنسبة للقطاع المروي عموماً، كان ان اوردناها في مقام آخر، حيث تقول، "فهذا مشروع جاهز وبنياته التحتية الاساسية لا تحتاج سوى بضع ملايين من الدولارات لتعود لفعاليتها وسابق كفاءتها، فإذا كان الامر كذلك فلِمَ المخاطرة في مناطق زراعية اخرى؟!"، هذا بالإضافة إلى حقيقة في غاية الاهمية، وهي توفر طريقة الري الإنسيابي غير المكلفة، وذلك مما يساعد على تخفيض تكلفة الانتاج، وكما كان حادث بالفعل منذ قيام المشروع. ففي ذلك توسيع اكيد لهامش الربح. عليه فهذه هي الاجابة المباشرة، ودونما مواراة!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) هذه الأرقام تم التوصل اليها نتيجة تعديل حسابي (Calculation Adjustment) أجريناه على ضوء الارقام الواردة في موقع وزارة الزراعة، قبل الإنفصال، وعلى اساس النسبة 69.8%.
ملكية الارض في مشروع الجزيرة والمناقل/
إن قضية ملكية الأرض في مشروع الجزيرة والمناقل تمثل واحدة من الحالات النادرة، ليس بالنسبة لقضايا الارض في السودان وانما على مستوى العالم. فهي حالة نادرة، حيث تتوزع ملكية الأرض فيه بين ارضٍ مملوكة ملكاً حراً للأهالي، وقدرها 900,000 (تسعمائة الف فداناً)، وتمثل 41% من ارض المشروع، وارض مملوكة ملكية عامة، اي تملكها الدولة، وقدرها 1,300,000 (مليون وثلاثمائة الف فدان)، وتمثل 59% من أرض المشروع. وأما من حيث أن الأرض وسيلةٌ للانتاج، اي حواشات، ففيها مزارعون يملكون ملكاً حراً، ومزارعون يملكون ملك منفعة، وكلاهما يعتبر مستأجر (Tennent)، وفقاً لقوانيين المشروع، ثم هناك الدولة المالكة للمشروع بحكم ما تملكه وبحكم ما قامت بإيجاره إيجاراً قسرياً من اصحاب الملك الحر، وأعطته للذين لا يملكون ارضاً، أي أعطته لهم كملك منفعة. وحتى اصحاب الملك الحر ينقسمون إلى فئتين، فئة تقيم بالمشروع ويسكنون فيه، وفئة اخرى يملكون ارضاً بالمشروع ولكن لا يقيمون في منطقة الجزيرة، ومن امثال ذلك عدد من الاقباط السودانيين، (إبراهيم علي إبراهيم، لجوانب القانونية لمشكلة الأراضي بمشروع الجزيرة، موقع الإقتصادي السودان www.sudaneseeconomist.com).
وقد يكون من المفيد ان نشير أيضاً إلى ان مساحة الملك الحر، ومن حيث توزعيها الجغرافي، يقع منها 410 الف فدان في منطقة الجزيرة الأم، اي 45.6%، و490 الف فدان منها في منطقة إمتداد المناقل، اي 54.4% (راجع د. سلمان م. أ. سلمان، سابق). هذا هو التركيب العضوي لارض مشروع الجزيرة من حيث ملكيتها وجغرافيتها والإنتفاع بها. ولكن لنأتي لملكيتها وهذا هو الأهم.
سننظر لقضية ملكية ارض مشروع الجزيرة من ثلاث منطلقات. اولاً/ من منطلق قوانين الأرض في السودان، وثانياً/ من منطلق تقارير اللجان التي حاولت ان تعالج مشكلة الارض في مشروع الجزيرة بشكلٍ خاص، ثم ثالثاً وأخيراً/ من خلال القوانين الخاصة بمشروع الجزيرة والخاصة بتنظيم العمل وبعلاقات الانتاج والشراكة فيه.
بخصوص قوانين الأرض، إن اول قانون خاص بالأراضي في السودان صدر في العام 1899، ووفقاً له تم ولاول مرة تسجيل الاراضي للافراد، " بعد ذلك صدرت عدة قوانين بلغت ثلاثة عشر قانونا للأراضي أهمها: قانون ملكية الأراضي لسنة 1905 وقانون تسجيل الحجج لسنة 1907 ثم قانون تحديد الأراضي غير المشغولة ومساحتها لسنة 1922، ثم أخيرا قانون تسوية وتسجيل الأراضي لسنة 1925 والذي يعتبر أهم القوانين المتعلقة بتسجيل الأراضي والتعامل فيها. عملت جملة هذه القوانين على مسح الأراضي، وتسجيلها، ووضع الضوابط الخاصة بالتصرف في الأراضي سواء بالبيع أو الهبة أو الميراث أو غيرها، حيث اشترط التسجيل كشرط للتصرف في الأرض."(إبراهيم علي إبراهيم، لجوانب القانونية لمشكلة الأراضي بمشروع الجزيرة، موقع الإقتصادي السودان www.sudaneseeconomist.com)
في العام 1927 صدر القانون المعروف بـــــــ"قانون اراضي الجزيرة للعام 1927"، ومن اهم ما جاء في هذا القانون هو موضوع ما عُرف بالإيجار القسري للارض من الملاك، حيث نصت المادة (8) منه على:
" (1) يجب أن تستأجر الأرض التي تنزع بموجب أحكام هذا القانون في أول الأمر لفترة لا تزيد على أربعين سنة تحسب من اليوم الذي حصل فيه الإعلان الوارد في المادة 5، ومع ذلك يكون للحكومة الحق في أن تستأجر الأرض بصفة مؤقتة لأغراض تتعلق بالمشروع لأي مدة من السنوات تقل عن الأربعين سنة يقررها المحافظ.
(2) يكون للحكومة الحق في أي وقت خلال المدة التي تكون الأرض فيها أو خلال أي امتداد لتلك المدة بمقتضى أحكام المادة 15 أن تشتري أية أرض مضمنة في أي إعلان صدر بموجب أحكام المادة (5) إذا كانت الأرض مطلوبة أو قد تطلب لعمل أية تشييدات أو مبانٍ دائمة أو لتأسيس حقل تقاوي أو حقل أبحاث أو لغرض عام آخر يتعلق بالمشروع.
(3) يجوز للحكومة عند انقضاء مدة استئجار الأرض أو عند انقضاء أي امتداد لتلك المدة أن تخصص أية أرض تقع داخل المنطقة المروية ولم يتم شراؤها وفقاً لأحكام البند (2) لخدمة المشروع والصالح العام، لمالكي الأراضي التي تقع داخل المساحة المروية إذا كانت تلك الأرض مما لا يراد ريها بل هي مطلوبة أو قد تطلب لعمل التشييدات أو مباني دائمة أو لأي غرض آخر لازم للمشروع ويجوز للحكومة أن تعلن أن ملكية تلك الأراضي ستؤول للحكومة تبعاً لذلك ويتحمل التعويض عن تلك الأراضي جميع ملاك الأراضي الواقعة في المنطقة المذكورة بنسبة مساحة الأرض التي يملكها كل منهم".
ففي مقارنة ذلك بماورد في قانون مشروع الجزيرة لعام 2005، والذي ادى عملياً لتعقيد مشاكل ملكية الارض، نجد، اي في قانون 2005 تهديداً غير مسبوق لمبدأ الملكية الخاصة. وهو ما يتناقض ومبدأ "الخصخصة" الذي يقول به النظام الحالي، والذي قصد به ان تؤول ملكية الارض لمؤسسات الرأسمال الطفيلية المحلية والعالمية. وحيث ورد في المادة 16-1 منه:
16"ـ (1) تعتبر جميع الحواشات المخصصة للمزارعين بالمشـروع قبل صدور هذا القانون كما لو تم تمليكها بموجب أحكام هذا القانون".
وذلك تمهيداً لتضمين النص الذي بموجبه يتم الإستيلاء على أرض المشروع من باب منح حق التصرف في الملكية، حيث جاء النص في المادة 17-1:
" التصرف في الحواشة:
17ـ (1) مع مراعاة أحكام البند (5) (ج) من المادة 16 يجوز للمزارع المالك التصرف فى الحواشة بالبيع أو الرهن أو التنازل وفق الموجهات التي يضعها المجلس".
وبالطبع، يجيئ كل ذلك مقروناً بشروط التمويل المجحفة والظالمة من البنوك والمصارف الإسلامية، التي لا تجعل خياراً آخر للمالك غير ان يتنازل عن ملكيته تحت شرط الرهن!، "فلقد كان ان وصل سعر الفائدة التي طبقتها البنوك على قروض المزارعين في مشروع الجزيرة إلى 54%"!،(دراسات تحالف المزارعين، اورده صديق عبد الهادي، مشروع الجزيرة وبؤس الحركة الإسلامية، 2016 ص 136). وقد كان على العكس من ذلك تماماً ما تضمنه قانون 1927، وهو قانون المستعمر، حيث ورد في المادة 13 منه:
"بطلان بعض المعاملات:
13- (1) كل بيع أو نقل أو تحويل أو أي تصرف آخر في المحصول المزروع أو الذي قصدت زراعته على الأرض المضمنة في إجارة زراعية أو في إيراد ذلك المحصول وكل رهن أو حق ينشئه المزارع و المستأجر باعتبار أنه مضمون أو يراد ضمانه بالمحصول المذكور أو بإيراده يكون باطلاً بطلاناً مطلقاُ ولا أثر له إذا حصل أو أنشئ بدون موافقة الحكومة كتابة.
(2) كل تعاقد يكون المزارع المستأجر طرفاً فيه ويكون بمقتضاه ملزماً أو يمكن أن يكون ملزماً بدفع أي مبلغ من المال يحسب بالإسناد الصريح أو الضمني إلى قيمة أي محصول مزروع أو يراد زرعه على الأرض المضمنة في إجارة زراعية يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا أثر له إذا أبرم ذلك العقد بدون موفقة الحكومة كتابة".
ويتضح من النص ان في ذلك ليس منع للمرابين من السطو على جهد المزارعين وحسب وانما فيه صيانة وحفاظ على ملكية الارض ضمناً. بل والاكثر من ذلك ان قانون 1927 وضع الضمانات لبقاء ملكية الأرض، اي الحواشة، داخل الاسرة الواحدة، وهو ما نصت عليه المادة (16) منه.
ومن جهة ثانية ولخصوصية حالة ملكية الأرض في مشروع الجزيرة، جاء استثناءٌ خاصٌ في "قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930"، حيث نصت المادة (32) على الآتي:
"لا يفسر هذا القانون على انه يغير او يعدل احكام قانون ارض الجزيرة لسنة 1927 فيما يتعلق بنزع ملكية الأرض بموجب أحكام هذا القانون".
هذا هو الارث القانوني المتعلق بملكية الارض في مشروع الجزيرة، والذي نرى أنه ليس من العقل ولا من العدل بمكان إسقاطه جملة وتفصيلاً.
ومن منطلق تقارير اللجان التي تناولت البحث في قضايا المشروع بشكل عام، نستخلص وقوفها عند مسالة ملكية الارض كإحدى اهم المسائل. ومن ابرز اللجان هي لجنة البنك الدولي، والمعروفة رسمياً باسم "بعثة دراسة الجزيرة"، “Gezira Study Mission” ، ولكنها في ادب الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة فقد اندرجت وعُرِفت بـ"لجنة ريتس". إنتبهت هذه اللجنة لمشكلة الارض وإيجارها في المشروع، وجاء تنبيهها حول ذلك الامر مبكراً، اي في اكتوبر 1966. رأت اللجنة بان يتم تجديد عقد إيجار الأرض لمدة اربعين عاماً أخرى. وورد في تقريرها ما نصه:
“The mission suggests that since, in a number of cases, this period has now elapsed, it would be wise for the government to take action to officially renew the lease for another period of say, 40 years, in order to avoid any confusion or future contestations”(Report P. 58)
وترجمته المباشرة هي،
"تقترح البعثة، وطالما ان هناك عدة حالات، لانتهاء هذه المدة، بانه من الأعقل للحكومة ان تتخذ خطوة رسمية لتجديد الإيجار لمدة 40 سنة أخرى، وذلك تجنباً لأي تعقيداتٍ او مواجهاتٍ مستقبلية" (تقرير البعثة ص 58).
والان، يحدث بالضبط ما نبهت اليه تلك البعثة او اللجنة. لانه وبعدم قيام الحكومة آنذاك، والحكومات التي اعقبتها، بخطوة تجديد عقد الايجار مع الملاك كان ان اضعفت الثقة بينها والملاك، مما اضطرَّ بعد ذلك كل الحكومات لمحاولة معالجة المشكلة بطرقٍ اصبحت تهدد حق الملكية للارض!. وقد جاءت الترجمة الحقيقية لذلك منعكسة في صدور قانون 2005!.
أما اللجنة المهمة الثانية، فهي اللجنة التي تتبع لوزارة الزراعة والغابات، والمعروفة بـ "لجنة معالجة أيجار أراضي مشروع الجزيرة". وهي من اكثر اللجان التي خاطبت جذر المشاكل المتعلقة بملكية الأرض في الجزيرة. وذلك لانها إطلعتْ على عمل جملة لجان، تصدت من قبل وبالتحديد لمشاكل الأرض وايجارها في المشروع، وذلك مثل "لجنة مراجعة فئة الايجار للاراضي المؤجرة من قبل الدولة بمشروع الجزيرة، مايو 1991"، و "لجنة إعادة النظر ومراجعة فئة الإيجار للاراضي المؤجرة من قبل الدولة بمشروع الجزيرة، ديسمبر 1999"، وكذلك "مذكرة رئيس الإدارة القانونية بمشروع الجزيرة حول أراضي الملك الحر داخل مشروع الجزيرة، 15 سبتمبر 2002". وقد كانت اهم توصية تقدمت بها، هي "6. ضرورة الحفاظ على وحدة اراضي المشروع وذلك للاهمية الاستراتيجية للمشروع كوحدة بكل ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".(تقرير اللجنة ص 6). كما وانها، أي نفس اللجنة، تبنت نزع الأراضي على ضوء قانو نزع الاراضي لعام 1930، وذلك بعد أن يتم الغاء المادة (32) من ذلك القانون، والخاصة باستثناء اراضي مشروع الجزيرة.
إن آخر لجنة تصدت لقضية الأرض في مشروع الجزيرة هي لجنة "مراجعة الأداء بمشروع الجزيرة"، تحت رئاسة د. تاج السر مصطفى. تبنت هذه اللجنة ما جاء به قانون 2005 حول الأراضي في مشروع الجزيرة. لا غرو، فرئيس هذه اللجنة كان رئيساً للجنة تكونت في عام 1998 وكان ان تقدمت بتوصية شهيرة لخصخصة مشروع الجزيرة. شكل تقرير تلك اللجنة الارضية الصلبة التي انبنى عليها تقرير لجنة البنك الدولي والمعروف بـ"السودان وخيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة،27 اكتوبر 2000"، (Sudan, Options for the Sustainable Development of the Gezira Scheme, October 27, 2000) ، والذي على ضوئه صدر قانون 2005. وهو القانون، الذي وفي تصديه ومعالجته لقضية الأرض في مشروع الجزيرة فتح الباب علي اسوأ الإحتمالات، والتي تتمثل في أن تؤول ملكية الارض في مشروع الجزيرة للرأسمال والمؤسسات المشبوهة، ليست المحلية لوحدها وانما العالمية العابرة للامم.
هناك ملاحظة مهمة حول ملكية الارض في مشروع الجزيرة لابد من إدراجها. إن نسبة إمتلاك الأرض بين النساء في السودان تصل في متوسطها إلى 13%،(عواطف عقيد، ملكية الأرض وختان البنات من ابرز مشاكل المرأة في السودان، عرض مونيكا هوغن، موقع قنطرة، 03/03/2005). إن تدني نسبة ملكية النساء للأرض يمثل ظاهرة عامة في البلدان المتخلفة خاصة في افريقيا. ففي مشروع الجزيرة يوجد 17,500 مزارعة من جملة 125 الف مزارع، أي بنسبة تصل الى 14%. قد لا يكون هناك فرق كبير في النسبة، ولكن الاختلاف النوعي ياتي من جوانب أخرى مهمة، وهي اولاً أن هولاء النساء يعتبرن عضوات في اكبر نقابة وتنظيم ديمقراطي في السودان، اي في اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، ثم ثانياً ليس فقط بإعتبار الدور الذي لعبه الإتحاد وانما بإعتبار الدور الذي قام به مشروع الجزيرة في دفع مسيرة الاقتصاد السودان لعقود، وكن النساء كمالكات للارض منتجات وفاعلات في صياغة ذلك الدور.
خلاصات الورقة/
1/ ملكية الأرض في عموم السودان تمثل عاملاً اساساً في تأجيج الصراع الاجتماعي وفي نشوب الحروب، وبالتالي عاملاً في عدم الإستقرار، مما يهدد الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي للسودان، بل ووجوده ككيان ودولة.
2/ إن قضية الأرض في مشروع الجزيرة والمناقل، إن كان إيجارها او ملكيتها، تمثل مهدداً حقيقياً، وبذات المستوى المذكور عاليه، فهي تحتاج لمعالجة عاجلة وجادة.
إقتراحات في سبيل المعالجة/
1/ الإتفاق حول مبدأ ان المشروع يمثل وحدة إقتصادية وإجتماعية وتنموية واحدة، وغير قابلة للتجزأة.
2/ مطالب ملاك الأراضي هي مطالب مشروعة، يجب مواجهتها بكل صدق دونما تذاكي وتحايل من قبل الدولة.
3/ ان تقوم الدولة بدورها كمالكة وراعية للمشروع، والبعد عن تسييس قضاياه وعدم تجييرها في خدمة اجندة الدولة السياسية.
4/ الإشراك الحقيقي للمزارعين، ملاك وغير ملاك، في أيجاد الحلول لقضايا الأرض، وذلك عبر ممثليهم الحقيقين الذين يتم إختيارهم ديمقراطياً.
الخاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة/
إن المعالجات التي تمت بخصوص مشاكل ملكية الأرض في مشروع الجزيرة حتى الآن، وإلى حدٍ كبير، لم تكن في مستوى الخطورة التي تشكلها هذه القضية. إن مشاكل ملكية الأرض في الجزيرة تمثل، ودونما تضخيم، قنبلة موقوتة تهدد ليس الجانب الاقتصادي للمشروع لوحده، وانما تهدد وجود التماسك والتساكن الاجتماعي ، وفي نهاية المطاف تهدد كذلك وجود الانسان في هذه المنطقة، التي يرجع تاريخ السلام الاجتماعي فيها إلى القرن الخامس عشر، اي إلى ما قبل بدايات الظهور الأول لدولة الفونج.