نحن والمرأة … هل الرجال كلهم قوامون على النساء؟
مفهومنا لكثير من الآيات والأحاديث النبوية في التعاملات الاجتماعية ، في حقوق المجتمع العام وفي حقوق الابناء والبنات وفي حقوق الأسرة وخصوصا الزوجات ، فيه كثير من فهم التربية الإجتماعية العرفية ، الخاطئة ، وفهم الصدفة ، وحكم الصدفة ، واحيانا الفهم لصالح بدعوى سمة الذكورية ، فقط ، وبدعوى الرجولة احيانا ، وبميزان فيه كثير من التطفيف لصالح الرجل ، فميزان ، الحقوق بين الرجل والمرأة ، فيه كثير من الجهل او التجاهل والأنا ، والبعد عن الدين وحدود الله العادل الرحيم ، وعلى ذلك يهضم كثير منا حق المخلوق الشريك الذي يسمى الزوجة خصوصا نحن المسلمون ، حينما نغيب او نغيب عن الله وعن احكام الله ، ونتواكل على أننا مسلمون وأن حساب الله وعقابه ، يغيب عنه ملف المرأة والزوجة والأولاد ، ونعتقد انه ملف معفي عنه الزوج مهما فعل ، بمغبة الفهم الخاطيء لعلاقتنا بأسرنا ، فلا انسانية نبقي ، ولا ربا نتقي.
(ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن "عوان عندكم" )، (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم )، (أوصيكم بالنساء خيرا )، كلمات نيرات ، قالهن رسول الرحمة ، الزوج المثال في الزوجية ، والقوامة والأبوة ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليضع بهن أساسا للرفق والعطف ومبدأ للسلام والود في الاسرة ، بداية بالترفق بالمرأة التي هي عماد الأسرة ، وطريقا للرحمة والتراحم معها ، وعبرها للأسرة فالمجتمع ،، وتنازلا وتواضعا لها ، وأكراما لها وليس خصما عليها كما فهم بعضنا نحن الرجال كلمة "عوان" ، وليس استغلالا لوضعها ، ولكن زرعا للرضى بين اعضاء الاسرة وتهيئة لأسرة سليمة في صحتها النفسية ، وفي كيناها ، وفي توجهها وفي قوامها ، قال صلى الله عليه وسلم تلك الجملة العجيبة الذهبية " إنهن عوان عندكم " والعوان ، هو الشخص الأقل درجة من لأسير المسترق المستسلم والمحبوس احيانا في سجن يسمى بيت الزوجة ، والمجبور احيانا على البقاء في ربقة ذلك الأسر والحبس والسجن ، قالها لأنه يعرف طبيعة المرأة وجبلتها ، ويعرف ما الذي يمكن ان يجعلها عوان ، لدرجة انها ترضى بالذل وبالهوان ، من كثير من ذوي اللؤم والجبروت منا ، ويعرف أن الذي جعلها كذلك ليس جنسها ولا تكوينها الفيزيائي ، الذي هو قدر الله ومشيئته لوظيفة الجنس من البشر الذي يسمى إمرأة ، وليست لأنها جاءت من كوكب آخر فقط ليمارس عليها الذل والتذلل بحكم انها زوجة او إمرأة ، وأن غيرها رجل ،قد اختار كل واحد منهما بنفسه ما يجب ان يكون ، رجلا او إمرأة ، ولا لأنها تستحق ان تكون " عوان " عند مخلوقات الله المسماة ، رجال ، إنما قالها لأنه يعرف أن بعضنا يمكن ان يفسروا عقد الزواج لصالحهم ، فيطبقوه بأنانية ووهم وظلم ، على مخلوق لطيف رقيق أنثوي الطباع ، ذلول لأبنائه ولزوجه ولأسرته .
المرأة (الزوجة) في حال الاسترقاق هذه والفهم الخاطيء لمصطلح "قوامة" ، كثيرا ما يسترقها صدقها في المودة والرحمة لأسرتها التي جعلها الله بين الزوجين حقا من حقوق تلك الأسرة ، به تنمو وبه تزدهر ، وكثيرا جدا ما تقنع المرأة من تلك الشراكة وحقوقها الشخصية فيها ، لكن يجبرها على البقاء ، عطفها على ابنائها وتسترقها نظرتها العاطفيه نحوهم ، وتستعبدها أمانيها بإمكان خلق جو السعادة يوما ما ، ويجبرها طبعها و طبيعتها التي تميل للسلام وأمومتها التي تميل للرحمة ، أن تتصبر وتتحمل وتتجمل لترضى بدرجة "العوان" لا لشيء ، أنما لفضيلة "من أجل أبنائي" ، ومن أجل "لعل وعسى الله ان يحدث بعد ذلك أمرا" ، ونحن نستغل ذلك لنرتع أكثر فيهن ، جبروتا وقسوة وتسلط وسيطرة زائدة ، ونفهم ذلك ونستقله أكثر على انه طبيعي وانها يجب ان تكون كذلك ، ونحن ندري أن الذي يحملها على البكاء عند السحور والبكور انما لأنها فقدت في نفسها رجلا ، رسمته فارسا يأتي من بين السحاب على صهوة حصان ابيض ، وفقدت في نفسها عائلا ، تخيلته ذلك الباب الذي فتحه الله وسخره لأسرتها ، وفقدت اداريا وفقد قيما ، وخسرت نفسيا هناء وسعادة تلك العشة الصغيرة التي كانت تحلم بها مرة في حياتها ، وتسودت في ناظريها تلك الايام الوردية التي كانت تقرأ عنها وترى الاخريات يتصنعن تلك السعادة ، حتى وقعت في شرك وبراثن "العوان والهوان والاستعباد " راضية رضاء المرغم وخادمة في بيتها وذليلة في مكان عز ، ومهضومة الحقوق في مكان كان يجب ان تترغد فيه ، وتتهنى لولا أن الله قد قسم لها عفريتا جاهلا في شكل رجل سماه الناس لها بعلا وقواما في الأسرة ، وكثير منا يفعل ذلك على ان هذه هي طبيعة الأشياء والأدوار في الحياة ، ولا يدري ان الحياة هي مقادمة ومسايرة ومعاونة على مشوار هو في حد ذاته عبء ، وبلاء وابتلاء ، لا يجد المرء فيه متنفسا وخلوة مع ربه ليعبده بما يستحق ، ولا يجد فيه متسعا من السعادة والهناء واستدامة الصحة والعافية ولا يجد فيه استراحة قصيرة من الهموم ، هموم الاسرة نفسها وهموم الابناء والعيش ومعمته ، وهموم الظلم والقهر الاجتماعي والسياسي والتسيدي ومشاغيل وتدخلات المجتمع ، هذه المجاميع من الهموم التي تخلق توترا في الاسرة قد يودي بكثير منها للشتات والتفتيت ، لا نجد فسحة من ذلك حتى ندرك ان مشوار الحياة هو مشوار لا نستحق فيه نحن الرجال " القوامة " إلا بعد ان نكون مؤهلين لأدارة اسرنا بالحق والسماحة والعدل والفضل وبالحكمة التي تخرجها من درك الإنشغال بالحياة وتوجهها لرب الحياة ، و الا ان نجد في انفسنا سعة من الصبر على ذواتنا وانفسنا الأمارة بالسوء وان نصبر ونتحمل المرأة نفسها والطفل والأسرة بما أعطانا الله من قوة وسمانا رجالا ، والا ان نجد في انفسنا اناة وفضلا وفهما وتقى نستحق به تلك القوامة والتتشريف بها ، وأدارك انها نوعا آخر من انواع الامتحان والابتلاء يجب ان نصبر عليه ونجتاوز به هذه الحياة بسلامة ، ومسؤولية تسجل لنا في حقائبنا وأكتافنا في رحلتنا لله ولقاءه، و ان نفهم انه لييس بدواعي الرجولة والذكورية وسرابية و"راجل البيت " أحيانا ، ان في بصمة سماتنا وصفاتنا ودمائنا هنالك صفة DNA خاصة وموجبة نستحق بها تلك القوامة ، ويميز الله بها نفس الرجل والمرأة وان يكون لكل واحد فيهما موقفا مختلفا مع الله يوم الحساب ، انما هي المساواة وعدل الله خينئذ ،فيجب ألا نفسر ما حبانا الله له كرجال قوامين على النساء على هوانا وجهلنا وعرفنا ، فالرجال مواقف والرجال أصناف وانواع في الفهم والرجولة نفسها هي تحمل محاص تلك القوامة وليست بالصرعى والغلبة والتعارك داخل البيوت ، والرجال أنفسهم درجات في تحمل ان يكون الواحد فيهم قائدا ورئيسا وإداريا في أسرته الصغيرة ، فإختر لنفسك ان تكون قائدا ورئيسا وملكا على قدر المقام ، وقدر التكليف ، فتهفو اليك النفوس وتأنس اليك الاوراح وينتهي اليك الحب وتستحق ان تكون ابا ورجلا.
القوامة نفسها قدر وإختيار رباني وليس خيار ، كما ان المرأة كونها مرأة والرجل رجل إنما هي خيار رباني ليس لنا فيه ناقة ولا جمل (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يك شيئا مذكورا )، )نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ولو شئنا بدلنا امثالهم تبديلا )، (وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون) هذه هي المشيئة ان يكون هو رجل وهي أمرأة ،وفي اختيار الله أن يجد بعض الرجال نفسه ، رجلا نفسه ، هكذا، وفجأة ، لا يعي ولا يستوعب معنى انه رجل ولا يدري ولا يفهم مقامه عند الله ولا يعرف قدر نفسه ومسؤوليته ، و بدون مشيئة له وأرادة ، يجد نفسه على رأس أسرة ، ما ، وقد وهبه الله ، شريكة و ملكة ، لم يفهم من وظيفتها ، الا انها ضعف وهوان فيتخذها عوان بما فهم ، فيمارس فيها أقسى انواع الاستهوان ، والغلبة والتسلط والتوجيه الاخرق ، وقد وجد نفسه فجأة ، ان الله قد رفده بالبنين فأنجب ، ولكنه لا يدرك ان هذه مشيئة الله في كونه ، وأنه فقط مسخر لينجب اذا أنعم عليه الله ، كما ينعم الله على البغال ايضا فتتكاثب في الغابات والفلوات ، ولكن البغال في اوقات كثيرة خير منه في انها تترك ابناءها ازواجها يأكلون من خشاش الارض ويتخيرون المراعي ،بلا تسلط وقدر ، تكون أعبد منه بلسان الحال ، وهو لا يترك زوجة او ابنا الا وشكمه بشكيمة الاوامر والنواهي البعيدة كل البعد عن نواهي واوامر الله ، فيخرج ابناء كالسائمة ايضا لأن ذاك الشبل من ذاك الاسد ، ولأن الذي يفقد الله في حياته وتربيته ويتخلق بالعرف وأحكام الصدفة والمجتمع العرفي ، فقط ، إنما يفقد خيرا كثيرا ، ويفقد البوصلة في إدارة اسرته ويفقدها التوجه الحق والتوجيه السليم في الحياة .
عندنا كثير ممن يفهم القوامة على انها حق من حقوق الزوج يستخدم شروطها وبنودها بما يروق له أمرا ونهيا وتجبرا وتحجرا وإرغاما على المرأة ، وبأنه بهذه الدرجة هو الآمر الناهي وصاب القول المتناهي في الحق ، ويعقد ان بكسبه للبيت وتوفير لقمة العيش والكساء والدواء إنما يسترق النساء والابناء ، ولا يدري المسكين ان الله قد جعل له أسرة وجعله بالقوامة بوابة وسخره لهذه العشة والبيت الذي يسمى أسرى وسخره لهذه المرأة التي أضعفتها طبيعة وظيفتها في الانجاب والرعاية والرضاعة ، فقدر الله له ان يكون بابا وبوابا وتكون هي بأنوثتها ورقتها ملكة في بيتها ، وزينة في خدرها وكساها بالرقة وبالجمال والعذوبة والانوثة بنفس ما كساه بالعضل والقوة والفتوة ، فالذي خلق قوة الجمال ورقة الوصال هو الذي خلق العضل والرجال من طين صلصال ، قسمه نصفين ، يتشاركا في فيما نسميه أسرة وحياة ، ويتقاسما ، قترها ووفرتها وخيرها وشرها وعذابها وجمالها معا لتحمل مسؤولية عظيمة هي "إدارة البيت وتنشئة الأطفال وتربيتهم وتوجيههم". فالقوامة لا تعطي أحد الرجل عصى ، وتعطي المرأة الوصى ، فكلنا مسؤولين وكلنا بشر.
وبعض الناس يعتقد ان عقد زواجه من إمرأة ، ما ، يتيح له ان يستبيح كرامتها ويهضم حقوقها فيعضلها ويظلمها ، فنرى فيما إن يتاح لنا رؤيته ، كثير من الرجال يتعامل مع زوجاتهم وكأنهن ملك خاص وكأنها قطعة تكمل ذلك الملك ، فيمارس عليها كل انواع الهضم والقهر والزجر والإستضعاف ، والمسكينة تصمت وترضخ وترضى راغمة ، وكثير من الرجال يعتقد أن بعقده بالزواج يعتقد ان بيته قد اكتمل بوجود شخص مهمته ورسالته هي الإنجاب ووظيفته النظافة والطهي وترتيب البيت ورعاية الاطفال والتوثير له واكمال متعته واسترضاءه واشباع شبغه ونزواته ، فيتصرف بالكثور في البيت إذا قال شيطن واذا قام تفرعن واذا نطق شنأ واذا دنا صبأ.
وفي حقوق الابناء ، هنالك هضم أخر وعضل اخر ، من بعضنا ، بدعوى الأبوة ، يعتقد كثير منا يضا ان كونه أبا (فقط)، أنما يستحق بذلك مكانة قدسية من ابنائه ومن زوجته ،ويستحق طاعة عمياء ، ربما يفترض انها يجب ان تكون قدسية وبرا فوق طاقة البشر ، وتجده يشد شعرة معاوية من ناحية واحد حتى تنقطع ، فيبتذل الحال وتحدث الخسارات ، فيا لضيق فهمنا بعضنا للدين وللأخلاق البشرية في حقوق الابناء والإماء ،
وكثير منا يحكم على ابنه ، طالما انه هو الذي ولده وانه رأى الحياة قبله ، أنه يفترض ان يكون اكثر منه عقلا وانبل منه فطرة واعظم منه فكرة واقرب منه لله ، ويظن بذلك أنه يملك الانفاس والأرزاق والأعمار ، فيمتن بها ، ولا يدري هذا ، أن الابوة ، والمجيء قبل وبعد ، انما هي تكليف بنعمة الله التي خولت له ان يكون هو الأب ، وانما هي أمانة الله حملت له ، وانما هذا عطاء الله أعطي احيانا لمن لا يستحق ، وكثير منا من يجبر ابناءه ويعضلهم بدواعي تلك المكانة الزائلة حتى يخرجوا عن طوعه ويخرجوا عن بيضة الأسرة وحياض المجتمع ويأبقوا عن طاعته وبره ويعصوا الله ، ولربما غفر الله لهم ذنب أب أجبرهم على الأبوق والمروق عن الطوع ، لكنا والله كثيرا ما وجدنا ان هناك أبناء او ابناء يستحقون ان يكون لهم شرف الأبوة عن ابيهم وشرف القيادة والقوامة على الاسرة منه.
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنهج الإسلام أرأف بالمراة من نفسها وقد وصفهن الله بالعوان ترفقا بهن وليس دعوة للعتو عليهن وعضلهن ، وما يقع من مغبة تحمل ذلك العوان انما يقع جزء كبير منه على اطفالنا وأبناءنا وبناتنا الذين يختار بعضهم جحيم بعض الأسر عن الأبوق والخروج والتحرر من الأفهام الخاطئة الظالمة والماحقة لبعضنا.
فأتقوا الله في النساء.
الرفيع بشير الشفيع
rafeibashir@gmail.com