في السودان ، من الصعوبة بمكان أن تقف موقفا حرا عندما تدخل عالم السياسة ، فهناك استقطاب مهين جدا وحجر لحرية الفكر ، وحرية الفرد ، وهضم مهين جدا للأرادة الفردية وللحق العام والوطني والخاص. 'اللوبيات" التي ننتقدها في امريكا، ونمقتها ، والتي تهضم احيانا حقوق العالم كله ، وتوجه سياسات امريكا الإدارية والاقتصادية ، داخليا ونحو العالم، توجد عندنا "لوبيات"، اخطر منها وأكثر ايلاما ، واكثر هضما لحقوقنا في السودان ، هنالك لوبيات في التجارة في اسواقنا ، وفي اتحاداتنا ، ونقاباتنا ، ولوبيات في مؤسساتنا كلها من قمة الدولة الى أخمص المعارضة ، لوبيات في الجيش ، وفي الامن ، وفي الجامعات، وفي الاحزاب، لوبيات تقتات على فكرنا وعلى ايدلوجياتنا على مذاهبنا وعلى دماء وطننا ، ونحن شعب "لوبي" المزاج ، لا نستطيع ان ننتج فكرا أحاديا ذاتيا حرا وطليقا، لا ينتكل على فكر لوبي وتوجهات لوبي ، فكر لا يسلم من السلب والاستلاب والتوجيه ، والتشويه و الأدلجة والتدجين ، إلا من رحم الله منا. الحريات هي اكثر مسلوباتنا ، في أسرنا وفي شوارعنا ، وفي كل مجتمعنا ، لا نستطيع ان نتنفس هواءا حرا طليقا ولا نستطيع ان نتحدث ملء أفواهنا ولا أن نفرغ كل ما في أجوافنا ، حقا ، أو نقدا ، او إشادة او إجادة ، إلا وانبرت لك نوابح وجراء تلك اللوبيات يسومونك سوء العذاب، يدوخونك ويحقنونك ، ويخدرون افكارك بل ويرعبونك ويعادونك ويصنفونك ، ويهينون كرامتك ويستحيون إنسانيتك ويهتكون عرض افكارك ليجهضوها ، لتلوذ بالصمت ، لا بل يتتبعونك ويرصدونك بعيونهم التي تسهر لحماية تلك اللوبيات والشخصيات التي تبيع وتشتري في انسانيتنا وفي كرامتنا وفي حريتنا . لم نعتد في السودان ان نجهر بالقول وبالحق في العراء، لأنا في مكوناتنا وجيناتنا ، عوامل الخوف من الاخر ، وخسارة الاخر، وفي وجداننا مزروعة مخافات العواقب ، وفي أثرنا وتاريخنا تكسرت فينا اجنحة الحرية بفعل دوائر التاريخ علينا ، الاستعمار وجيرة السوء ، والتربية الاجتماعية والتعليمة السالبة المتحورة في الذات ، والتربية "البروس" التي لا تعرف حقا جماعي ولا وطني ، لا يعرف كثير منا حقوقه وحدوده وحدود حريته وحدود ملكه وانانيته ، لذلك نخاف من قول الحق المجرد . يعتقد بعض المغفلين من ذوي الفكر المعطوب ، وممن اصابهم وآبل صفعات تراجي ، يمنة ويسرى في مقتل ، يعتقدون انها سقطت بين كوكبين ، وخطين متوازيين ، وانها تحارب اليوم ، هذا ، وتخسر غدا نده وضده ، وبصورة هوجاء ومجنونة "فقط كما يظنون " وانها ليست لها منهج ولا خط ولا موجهات ، لا، والف لا ، هذه المرأة الحديدة التي تبذ بعض الناس بذا ، لها ادبها وادبياتها ايضا ولها ذوقها واحلامها الوطنية النبيلة ، تحلم ان يكون لها وطن معافى من الفساد ، والمفسدين ، لا يحارب الفساد فقط ، انما لا يصنعه ولا يربيه ولا يستزرعه ، ولا يتفنن في انواعه ، وطن معافى من ادارة تعتقد ان السودان ضيعتها الخاصة تفعل به ما تريد كما تشاء ، وتحلم بمعارضة ناصحة وطنية لا تعارض فقط للغل السياسي ولحرب الند ، تخيف الشعب منها وتتوعد الوطن بالسبور ، و سوء العذاب ، وتحلم ببذل الحقوق والحرية الايجابية ، لكل الناس بكل سحناتهم ، وكل المناطق، وكل الجهات ، حرية كاملة لوطن استلب بين فكي كماشة وحرب حكومة ومعارضة ، وتحلم ان يكون وطنا حقيقيا كان رائد للامم وصانع حضارات ايام كانت الناس تتوسد التراب وتأكل على القحاف ، وان يواكب وان يتطور مثله مثل اي بلد لم يقعده الاحتراب والفساد واللوبيات. تراجي ومن خلال علاقتنا الفكرية معها في العام والخاص ورغم اننا نختلف كثيرا في بعض الامور ، وفي زلقات لسانها احيانا ، الا ان لها خطا خاصا يشبه تراجي فقط ، خطا لا يرتكز على احترام العقود والصداقات والمصالح متى ما خرج الطرف الاخر ونقض العهود والعقود ، وأساء للوطن وللمواطن ، ولا يرتكز ولا يثبت على المصالح الذاتية ، مما يعتقد بعض المغرضون المشوشون ، عديمي النخوة والضمير ممن يتكالب عليها هذه الايام ، انها وقفت مع هذا من أجل منصب ، وحاربت هذا من أجل مال ، ومالت لهذا من اجل قبيلة او عنصر وتركت ذاك لأنه لا يتماشى مع هواها وانانيتها، وهذا هو الفاقد العام عندنا ، والذي نفتقد ، كثير منا يفتقد الخلوص من الأنا والتجرد ن الانانية والغرض ، وفواقدنا غير هذا كثيرة ، نحن نميل لمجاملة الافراد واللوبيات ، ونرتعد من حربهم احيانا ، بل بعضنا يؤله الناس والمواقف حتى لو كانت على باطل ، وكثير من يحيد الحق ويستمريء الذل والهوان ، وننسى الوطن كثيرا لنرضي الذات والعباد ولو كانوا على باطل ، والظاهرة تراجي ، تتحرك من نفس ، معاييرهل خير الوطن ، اينما كان وكيفما كان لا تخشى في الله لومة لائم. ولو كنت مكان تراجي ، أملك نواصي الجهر بالحق إذن لترفعت من التجريح المباشر والنزول لمستوى التسفيه الشخصي ، ولجهرت بما اريد واترك للاخر عندي بقية من ربما ، ولي عنده مقعد في طاولة الحوار ، حتى اصلحه واصحح مساره ، ولأخترت كلماتي ونضدتها تنضيظا ، لأن فيها كثير من الحق ، والحق يدمغ لوحده ، ولإجتنبت التسرع احيانا في الحكم وفي النشر ولما دخلت في معمعة التفاصيل الكثيرة التي تضيع المعاني الكلية التي إن بانت ، تصلح لخطاب قائد ورائد في امته فيه أميز صفات القوة والدفاع عن حقوق الوطن كافة ، بأرضه ومناطقه وكل قبائله ، ولما تنزلت لمستوى الطعن والهمز والغمز بالالقاب العامة ، ولما استخدمت مصطلحات ركبتها وصنعتها وروجت لها نفس اللوبيات والمؤدلجون يمينا ويسارا ، ولأخذت خطا بينا وقويا له ايضا تحفظاته في اختيار النبرات والتعابير... التي تحجب الحق الذي تحمل هذه الوطنية المتفردة ، واعتقد ان هذا ما ينقص الظاهرة تراجي لأن تكون قائد المرحلة وواحدة من رواد الحرية الفكرية، وثائرة ضد الاستلاب الفكري والعنصري والسياسي والاقتصادي والانساني الذي نعانيه في السودان. كثير من الناس ،افراد ، وجماعات "لوبيات" ، تترصد هذه الايام السيدة القائدة من نوع خاص تراجي ، وهي تغص بالغصص في حلوقها ، وبالحقد وبالغبن لتكسر مجاديف تراجي ولتكسر عظامها ، حتى تصمت وتنزوي ، لكني اعتقد جازما ان هذه التراجي سوف لن تموت موت الجبناء على اسرة موثرة في صقيع كندا ، وانها ان ماتت فآنها سوف لنت تموت مقتولة في ظهرها لنبالهم ، لكنها ستموت واقفة ، هاتفة جاهرة بالحق ، لا تخشى هذا ولا تجامل هذا ولا تبيع نفسها ولا مواقغها ولا شرفها الوطني كما يفعل الكثير منا ، ممن يظنون ان لقمة عيشهم وارزقاهم ستنقطع من الله بفعل بشر ، والذين يخشون الناس ، ولا يخشون الله ، وسوف لن تموت بغبن المغتبنين ، لكنها ان ماتت فيستموت ايضا من خساسة المغتنين على حسابنا وعلى حقوقنا وعلى نهب وطننا ، وإن ارادت تراجي ان تخوض مع الخائضين وتوغل مع الواغلين في دماء الوطن ، لقلب لها المتنفذون في الدولة والمعارضون ايضا، لقلبوا لها الأخشبين ذهبا ، ويخسأ من يقول انها تأبت وتعالت عن الصغار لأنها لم تجد ما تريد من مال او سلطة او جاه. لله درك يا تراجي ، سيري وعين الله ترعاك ، فقط عدلي من فلتات اللسان ، وتجريح الذوق العام حتى تنتقصي من رسالتك العظيمة.