التحالفات الاقتصاديَّة والسياسيَّة في إفريقيا.. ما لها وما عليها (1 من 2)

 


 

 

 

shurkiano@yahoo.co.uk

مقدِّمة

شهدت القارة الإفريقيَّة تحالفات اقتصاديَّة وعسكريَّة – ثنائيَّة أو ثلاثيَّة أو أكثر في الحقب الماضية، وذلك في سبيل تعزيز مقوماتها التجاريَّة والدِّفاع عن أوطانها ضد أعداء من خارج حدودها أو في بعض الحالات ضد شعوبها. فعلى سبيل المثال كانت هناك تجربة التحالف الثلاثي بين ليبيا ومصر والسُّودان العام 1973م، والتوقيع على منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي بين مصر والسُّودان في شباط (فبراير) 1974م في الإسكندريَّة، وميثاق التكامل بين البلدين في الخرطوم في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1982م لتحقيق شعارات جوفاء مثل "المصير المشترك لشعب وادي النيل"، وميثاق الإخاء بين مصر والسُّودان العام 1987م، ومحاولة الاندماج بين ليبيا والسُّودان العام 1993م. وبما أنَّ هذه التحالفات الاقتصاديَّة قد ألغت الرسوم الجمركيَّة، وساعدت على ازدهار التجارة بين الدول الأعضاء، غير أنَّها قد وجدت كثراً من الانتقادات ووُصفت بأنَّها اتفاقات رسميَّة خدمت الجهات الحكوميَّة أكثر من مواطني بلدانها، أي أنَّها معاهدات ومواثيق فوقيَّة رأسيَّة لم يستفد منها مواطنو الدول المعنية إلا لماماً.
ومع تأسيس بعض المنظَّمات الإقليميَّة بات بعض التجمعات المجاورة ذات الأهداف الاقتصاديَّة والسياسيَّة والعسكريَّة المشابهة ينظر إليها بعين الغيرة والحسد، وبخاصة بعد تعثُّر قيام السوق العربيَّة المشتركة الموعودة منذ العام 1945م. فحينما قطعت السوق الأوربيَّة المتوسطيَّة شمال المتوسط شوطاً أبعد من غيرها في منطقة المغرب العربي نظر الأوربيُّون إلى هذه المنطقة على أساس أنَّها منطقة تمثِّل ظهر أوربا لا يفرِّطون فيها قيد أنملة.(1) ولعلَّ فرنسا – على وجه الخصوص – هي الدولة الأوربيَّة، التي ظلَّت أثناء استعمارها لشمال إفريقيا وما بعد الحقبة الاستعماريَّة تتبنَّى سياسات احتوائيَّة معتبرة هذا الإقليم الإفريقي جزءً لا يتجزأ من فرنسا الأم، إذ فصله عنها البحر الأبيض المتوسط، الذي هو في نهاية الأمر معلم طبيعي لا سياسي. إذ ظلَّت هذه الفهوم سائدة وسط النخب السياسيَّة الحاكمة في باريس ردحاً من الزمان، مما أخَّرت استقلال الجزائر حتى استأسد شعبها كالأسود الضارية واستشهد منه ما يقارب المليون شهيد في ملحمة وطنيَّة عظيمة، وأمست الجزائر تُعرَف بأرض المليون شهيد من جراء دماء الشهداء التي روت الأرض.
عليه، نجد أنَّ معاهدة الدِّفاع المشترك العام 1976م بين السُّودان ومصر قد أدَّت إلى استياء عارم وسط قادة الجيش، مما أدَّى إلى إقالة 17 ضابطاً رفيعاً من مناصبهم في شباط (فبراير) 1978م بسبب معارضتهم لسياسات الرئيس نميري الخارجيَّة والداخليَّة؛ منهم على سبيل المثال – لا حصريَّاً – الجنرال عبد الله محمد عثمان قائد حرس الحدود وسكرتير حركة الضباط الأحرار، والجنرال خالد الأمين الحاج – المفتش-العام للقوات المسلَّحة، والعقيد خالد حسن عباس، وهو الذي كان قد لعب دوراً رئيساً في انقلاب أيار (مايو) 1969م، وأتى بالرئيس جعفر محمد نميري إلى السلطة.(2) ففي كانون الثاني (يناير) 1979م قدَّم ثمانية من النواب الجنوبيين احتجاجاً عند رئيس المؤتمر البرلماني السُّوداني-المصري المشترك مطالبين بالاستفتاء حول الاتحاد المقترح بين البلدين.
إذ زعم موقعو المذكرة بأنَّهم يتحدَّثون باسم 60 عضواً برلمانيَّاً آخرين، وشجبوا طموحات مصر في الاتحاد مع السُّودان بأنَّها آمال إمبرياليَّة، ورفضوا هذا الأمر لأنَّهم أحسوا بأنَّه قد يجعل مصر الدولة المتقدِّمة صناعيَّاً التي قد تقذف بسلعها في السُّودان. أفلن سيؤثر هذا سلباً على المصانع المحليَّة؟ هكذا تساءل الأعضاء البرلمانيُّون الجنوبيُّون! ثمَّ دعموا رؤيتهم بتجربة مصر الفاشلة في الوحدة مع سوريا العام 1958م، والتي خلقت الجمهوريَّة العربيَّة المتَّحدة، ولقد انهارت تلك الوحدة بعد ثلاث سنوات لاحقة في شجار مرير حول السلطة بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والحزب الاشتراكي السوري. ثمَّ ذكر النواب المحتجون – فيما ذكروا – التجربة المخففة مع ليبيا العام 1973م، وحذَّروا بأنَّ السُّودان لسوف يتم حكمه بتعرضه لنظام التعدُّديَّة الحزبيَّة القائم حينئذٍ في القاهرة. وكان أكثر ما أثار غيظهم، وأيقظ غضبهم، الالتحام الثقافي بين البلدين، والذي وصفوه بالاستفزاز، وإنَّه لسوف يسيء إلى الدستور، وذلك لأنَّ الجنسيَّة المشتركة لسوف تجعل السُّودان مستودعاً فيه تلقي مصر ذات النمو السكاني المتزايد بفائضها من السكان. ثمَّ عبس النواب الجنوبيُّون وتولوا عن فكرة وحدة المناهج الدراسيَّة. وإذا كان في الأمر بد فينبغي أن يأتي هذا الاتحاد الدراسي بعد أن يتم تكامل المناهج التعليميَّة بين الشمال والجنوب وليس قبل ذلك.(3)
كما لا تغيب عن البال الحساسيَّة التأريخيَّة المعقَّدة التي ترسَّبت في نفوس السُّودانيين منذ الغزو التركي-المصري للسُّودان، ولئن أرَّخ لهذه الحساسيَّة كتَّاب آخرون بأنَّها نشأت منذ سقوط الدولة المهديَّة على أيدي الاستعمار البريطاني-المصري العام 1898م. فمنذئذٍ كانت مصر تعتبر السُّودان امتداداً بشريَّاً – الرِّق في أسوأ حالاته – وتأريخيَّاً واقتصاديَّاً لها. ومن هنا يقول قائل: "إذ لم تعد سياستها تجاه السُّودان تعبِّر عن علاقات طبيعيَّة بين شعبين شقيقين (...)، بل علاقة حاكم بمحكوم، لا علاقة تفاعل."(4) حتى الإسلاميين السُّودانيين، الذين يعتبرون أنفسهم رافداً من روافد الحركة الإسلاميَّة في مصر أو أشبالهم، قد تنبَّهوا إلى تلك الخلفيَّة التأريخيَّة، والتي أثَّرت في سوء العلاقة بين الحركتين الإسلاميَّتين (السُّودانيَّة والمصريَّة). فها هي مصر تحث على المركزيَّة المصريَّة العربيَّة، والسُّودان يجنح إلى المحليَّة والإفريقيَّة. هذا ما وصفه بعض مؤرخي السًّودان ب"ضرورة التحرُّر من المصفاة المصريَّة في مجال الفكر، والمظلة المصريَّة في مجال السياسة."(5) ثم كان هذا ما دفع الإسلاميين السُّودانيين من عدم الانصياع والطاعة الكاملة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي هو تصاعد إسلاموي مصري، وشدَّدوا على التنسيق المرن في القضايا العامة والاحتفاظ بالخصوصيَّة المحليَّة والموروث السياسي والتأريخي للسُّودان.

المجتمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إيكواس)

المجتمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (The Economic Community of West African States – ECOWAS)، المعروف اختصاراً ب"إيكواس"، هو منظمة دوليَّة مكوَّنة من 15 دولة، وهي معنيَّة بتطوير الاقتصاد في منطقة الغرب الإفريقي. فقد تأسَّس هذا التجمع في 28 أيار (مايو) 1975م في أعقاب التوقيع على معاهدة لاغوس.(6)
والجدير بالذكر أنَّ واحداً من المهام التي قام بها المجتمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا هو القيام بمهمة حفظ السَّلام في ليبيريا بعد أن تقدَّمت الولايات المتحدة الأميريكيَّة بمشروع قرار لمجلس الأمن، وتمَّت الموافقة عليه تحت البند السابع الذي يخوِّل لها استخدام القوة لو لزم الأمر، وكان أغلب قوات "إيكواس" من نيجيريا، وتحمَّلت الأمم المتحدة بعض تكاليف هذه القوات النيجيريَّة العام 2003م. ويعد دور "الإيكواس" في حل الأزمة الليبيريَّة، التي امتدَّت منذ اندلاع الحرب الأهليَّة في هذا البلد العام 1990م، التجربة الأولى في مجال التدخُّل العسكري المباشر في حل الأزمات. وبالطبع، لم يكن هذا بالأمر السهل الهيِّن. فبعد فشل لجنة الوساطة التي شكَّلها "الإيكواس" في أعمال القمة الرَّقم 13 للمنظَّمة، والتي عقدت في جامبيا في أيار (مايو) 1999م اتُّخذ قرار بإرسال قوة عسكريَّة قوامها 3.000 جنديَّاً وسرعان ما ارتفع تعدادها إلى 7.000 عسكريَّاً من عشر دول. إذ تسمَّى قوة حفظ السَّلام التابعة لهذا المجتمع الاقتصادي بمجموعة "الإيكواس للمراقبة"، وتُعرف اختصاراً ب"إيكوموج" (The Economic Community of West African States Monitoring Group – ECOMOG). وبعد تدخُّل المجموعة في ليبيريا سرعان ما ظهر مدى تأثير العوامل الجيوثقافيَّة (الدول الناطقة بالإنكليزيَّة ضد أخرى ناطقة بالفرنسيَّة)، فضلاً عن المصالح السياسيَّة المتعارضة من مؤيِّدين للنِّظام في منروفيا (أي في نيجيريا وتوجو) ومعارضين له (في كل من السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو). علاوة على دورها في ليبيريا، نجد أنَّ هذه المجموعة قد لعبت دوراً هاماً في سيراليون وجامبيا أخيراً. إذ دخلت قوات "الإيكوموج" جامبيا في إطار عمليَّة لإجبار رئيس البلاد يحيى جامع على التنحِّي من السلطة لمرشح المعارضة الفائز آدما بارو في الانتخابات التي جرت في البلاد في كانون الثاني (يناير) 2017م.

المجموعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا

المجموعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا، المعروفة اختصاراً ب"إيكاس" من حروفها الأبجديَّة الإنكليزيَّة (Economic Community of Central African States – ECCAS) هي منظمة دوليَّة تأسَّست بهدف التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة لأقطار وسط إفريقيا، ومن أجل إنشاء هياكل إقليميَّة التي قد تؤدِّي تدريجيَّاً إلى سوق مشتركة. وقد انطلقت المجموعة إيَّاها اعتماداً على خطة عمل لاغوس في نيسان (أبريل) 1980م. ففي اجتماع قمة عُقِد في كانون الأول (ديسمبر) 1981م اتفق قادة جمارك دول وسط إفريقيا والاتحاد الاقتصادي مبدئيَّاً على تكوين تجمُّع اقتصادي أوسع لأقطار وسط إفريقيا. إزاء ذلك تمَّ تأسيس "إيكاس" في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1983م إثر قرار القمة الإفريقيَّة لتطوير التعاون الاقتصادي والإقليمي لدول وسط إفريقيا، وذلك بهدف تحقيق الذاتيَّة الجمعيَّة، ورفع مستوى المعيشة لسكانه، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي من خلال التعاون والوئام. والدول الأعضاء في هذه المجموعة الاقتصاديَّة هي بوروندي ورواندا وجمهوريَّة الكونغو الدِّيمقراطيَّة (زائير سابقاً) وساو تومي وبرينسبي، بينما أمست أنجولا مراقبة حتى العام 1999م، ومنذئذٍ أمست عضواً كاملاً.
فقد بدأ "إيكاس" يباشر عمله العام 1985م، لكنه بات خاملاً لعدة سنوات نسبة للصعوبات الماليَّة حيث أخفقت الدول الأعضاء في تسديد مساهماتها النقديَّة تارة، ونشوب النِّزاع المسلَّح في منطقة البحيرات العظمي طوراً آخر. كانت الحرب الأهليَّة في جمهوريَّة الكونغو الدِّيمقراطيَّة قد فرَّقت بين أعضاء المجموعة، حيث حاربت رواندا وأنجولا في اتجاهين مضادين: الأولى ضد نظام موبوتو في كنشاسا، والثانية مع النظام.
وفي القمة الاستثنائيَّة الثانية ل"إيكاس"، التي ترأسها الرئيس البوروندي بيير بويويا والتي عُقدت في العاصمة الجابونيَّة ليبرفيل في 6 شباط (فبراير) 1998م، عقد رؤساء الدول والحكومات، الذين حضروا هذا الاجتماع، العزم على إحياء المنظمة وتفعيلها. ففي تلك القمة أشار رئيس وزراء أنجولا إلى أنَّ دولته لسوف تصبح عضواً كامل العضويَّة وملتزماً بقرارات المجموعة، وكذلك أقرَّت القمة ميزانيَّة قدرها 10 مليون فرنك فرنسي للعام 1998م، وطلبت من السكرتاريَّة أن تتحصَّل على المساعدة من المفوضيَّة الاقتصاديَّة الإفريقيَّة التابعة للأمم المتَّحدة لتقييم النشاطات العمليَّة للسكرتاريَّة، والمساهمات الماليَّة للدول الأعضاء، ورواتب ومخصصات السكرتاريَّة، والعمل على الإعداد لعقد اجتماع فوق العادة لمجلس الوزراء في أسرع فرصة ممكنة لتقييم توصيات المفوضيَّة الاقتصاديَّة الإفريقيَّة التابعة للأمم المتَّحدة ريثما يرسم المجلس اقتراحات للبناء الإداري الجديد للسكرتاريَّة، ومراجعة المساهمات المفروضة على كل الدول الأعضاء. وكذلك وصَّى المجلس الدول الأعضاء في الإقليم أن تسارع في إيجاد حلولاً نهائيَّة وسلميَّة لمشكلاتها السياسيَّة. وكذلك توسَّل رئيس المؤتمر – بيير بويويا – إلى الدول الأعضاء في المساعدة في الرفع الكامل للحظر الاقتصادي المفروض على دولته بوروندي.
وفي أثناء تنصيب الرئيس الجابوني عمر بونقو في 21 كانون الثاني (يناير) 1999م عقد رؤساء "إيكاس" قمة مصغَّرة لمناقشة المشكلات التي تواجه المجموعة، ولخلق منصب النائب الثالث ليكون من نصيب أنجولا. أما القمة العاديَّة العاشرة، والتي عُقدت في مالابو في حزيران (يونيو) 2002م، فقد قرَّرت تبنِّي بروتوكول لإنشاء شبكة البرلمانيين لدول وسط إفريقيا، ومجلس السَّلام والأمن في وسط إفريقيا بما فيه مفوضيَّة الدِّفاع والأمن، وقوة متعدِّدة الجنسيَّات لأقطار وسط إفريقيا، وآلية للإنذار المبكِّر لدول وسط إفريقيا. أما القمة العاديَّة الحادية عشر لرؤساء الدول والحكومات المكوِّنة ل"إيكاس"، والتي عُقدت في العاصمة الكونغوليَّة – برازافيل – خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2004م فقد اعتمدت الحلف الأمني المشترك لأقطار وسط إفريقيا، وتبنَّت الإعلان بتطبيق مبادرة "النيباد" في وسط إفريقيا، وكذلك تطبيق المساواة في الجندر.
فبرغم من كل هذه الأجهزة التشريعيَّة والسياسيَّة والأمنيَّة والعسكريَّة إلا أنَّ المجموعة قد أخفقت في أشدَّ ما يكون الإخفاق في حل مشكل الحرب الأهليَّة في رواندا العام 1994م وما صاحبها من مجازر ارتكبها الهوتو ضد أثنيَّة التوتسي والهوتو المعتدلين، والحروب الأهليَّة في جمهوريَّة الكونغو الدِّيمقراطيَّة، والحرب الأهليَّة في جمهوريَّة إفريقيا الوسطى، التي اندلعت في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2012م (حتى اليوم) بين تحالف المتمرِّدين ال"سيليكا" والقوات الحكوميَّة، مما أدَّى إلى تدخل القوات الفرنسيَّة تحت مظلة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة. ففي آذار (مارس) 2013م خُلِع رئيس جمهوريَّة إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي وهو مسيحي من الرئاسة بواسطة المتمرِّدين ال"سيليكا" المسلمين، وأصبح قائد تحالف المتمرِّدين ميشيل جوقوديا أول مسلم يحكم البلاد. وعلى إثر ذلك قامت ميليشيات أنتي-بالاكا – والتي تعني "مكافحة المنجل" أو "مكافحة السيف" في لغات سانغو وأمانجدا المحليَّة – المسيحيَّة بمجازر عديدة للمدنيين المسلمين بما فيهم الأطفال، وأجبرت عدداً من هؤلاء المسلمين إلى اعتناق المسيحيَّة أو الفرار خارج البلاد.
وكذلك فشلت المجموعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا في إيجاد تسوية للصِّراع السياسي الذي نشب في بوروندي. ففي 25 نيسان (أبريل) 2015م أعلن الحزب الحاكم ترشيح الرئيس بيير نكورونزيزا لفترة رئاسيَّة ثالثة في الانتخابات الرئاسيَّة العام نفسه، وذلك بعد أن حاول تعديل الدستور خصيصاً لهذا الغرض. وقد أعقبت هذا الإعلان احتجاجات شعبيَّة واسعة من قبل المعارضة تمَّ على إثرها حدوث انقلاب فاشل في 13 أيار (مايو) ضد الرئيس نكورونزيزا حين كان هو الآخر يشارك في مؤتمر طارئ في تنزانيا لمناقشة الأوضاع السياسيَّة المترديَّة في بلده. وبحلول 11 كانون الأول (ديسمبر) لقي حوالي 90 شخصاً مصرعهم في هجمات على أهداف حكوميَّة. والجدير بالذكر أنَّ في الحرب الأهليَّة البورونديَّة التي استمرَّت في الفترة ما بين (1993-2005م) قُتِل ما يُقدَّر ب 300.000 شخصاً.

الهيئة الحكوميَّة للتنمية ومكافحة التصحُّر (إيقاد)

تأسست منظَّمة الهيئة الحكوميَّة للتنمية ومكافحة التصحُّر المعروفة باسم "إيقاد" – من الألفاظ الإنكليزيَّة (Inter-Governmental Authority on Drought and Development – IGADD) - العام 1987م بمبادرة من السُّودان لمساعدة الدُّول الأعضاء في مكافحة الجفاف والتصحُّر، وتقديم الاستشارات الفنيَّة في مجال درء الكوارث واستشعارها عن بعد (Early warning).(7) وفي حين لاحق أسقطت الهيئة كلمة التصحر لتكتفي بالتنمية (Inter-Governmental Authority on Development – IGAD). وتضم هذه المنظمة كلاً من السُّودان وأثيوبيا وجيبوتي وأوغندا وتنزانيا وكينيا والصومال إضافة إلى إريتريا، التي انضمَّت إليها بعد استقلالها عن إثيوبيا العام 1993م، وتتخذ المنظمة جيبوتي مقراً لها.
وفي سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، التي كانت الهدف الأساس من إنشاء هذه المنظَّمة، وسط الدول الأعضاء كان لا بدَّ لها أن تسعى أولاً إلى تحقيق السَّلام والاستقرار والأمن في الدول الأعضاء. فبعد فشل المبادرات السَّابقة لإحلال السَّلام في السُّودان، هيئويَّة كانت أم فرديَّة، انعقدت قمة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومحاربة الجفاف في مطلع تشرين الثَّاني (نوفمبر) 1993م في العاصمة الأوغنديَّة – كمبالا - وأبدت رغبتها في التَّوسط لحل الأزمة السُّودانيَّة، وذلك بعد أن طلب الرئيس السُّوداني عمر البشير – في هذا الاجتماع - أن يستعمل رؤساء دول الإيقاد مساعيهم الحميدة لحل النزاع بين الحكومة السُّودانيَّة من جهة، والحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان من جهة أخري. وقد قبل الرؤساء الدعوة، وشكَّلوا من بينهم لجنة رباعيَّة (تضم كينيا وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا) للقيام بهذا العمل. وفي خلال اجتماع وزراء خارجيَّة منظمة الإيقاد مع وفدي الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشعبيَّة في نيروبي كشفت المنظمة عن إعلان المبادئ في يوم 20 أيار (مايو) 1994م ليشكل الأساس لحل النِّزاع في السُّودان. ومن ثمَّ عُقِدت عدة جولات حول مفاوضات السَّلام في السُّودان بين طرفي النِّزاع، تحت مظلة هذه المنظمة وباسم مبادرة الإيقاد.(8) ولكيما تبقى مبادرة الإيقاد حية تشكَّلت في وقت لاحق مجموعة أصدقاء الإيقاد من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، النرويج، كندا، إيطاليا، هولندا، وسويسرا من أجل دفع هذه المبادرة إلى الأمام وتفعيلها.
وأخيراً تكلَّلت مساعى "الإيقاد" بالنجاح وتمَّ التوقيع على اتفاقيَّة السَّلام الشامل في نيروبي في 9 كانون الثاني (يناير) 2005م. وفي سبيل إعادة التوطين والتأهيل والتعمير وترميم البنى التحتيَّة عقد المانحون من 60 دولة مؤتمراً في العاصمة النرويجيَّة أوسلو، ووعدوا بمنح السُّودان 4.5 بليون دولار حتى يعيد البلد عافيته بعد 22 عاماً من الحرب الأهليَّة، التي راح ضحيتها أكثر من مليوني شخص وشرَّدت أكثر من 4 مليون آخرين. إذ طلب السُّودان والأمم المتَّحدة 3.6 بليون دولاراً للإغاثة للفترة ما بين (2005-2007م)، حيث قالت الأمم المتَّحدة إنَّها في حاجة إلى بليون دولار للعام 2005م في سبيل الإغاثة العاجلة. أما السُّودان فقد طلب بمفرده 2.6 بليون دولاراً لعامين ونصف العام ابتداءً من تموز (يوليو) 2005م. وفي هذا المؤتمر وعدت الولايات المتَّحدة الأميريكيَّة – كما جاء على لسان نائب وزير الخارجيَّة روبرت زوليك – بمنح 1.7 بليون دولار لتوطيد اتفاقيَّة السَّلام الشَّامل بين شمال وجنوب السُّودان، ودعم التحرُّكات التي كانت تجري لإنهاء الصِّراع في إقليم دارفور في غرب السُّودان. وقد اشترط روبرت زوليك بأنَّ على حكومة الخرطوم أن تسعى بصورة أكثر جديَّة لوقف إغارات الميليشيات العربيَّة على المواطنين في هذا الإقليم الغربي من السُّودان. ففي حال الإخفاق في كبح جنوحها إلى الاستعداء، فإنَّ حكومة الولايات المتَّحدة لا تستطيع دعم اتفاق الشمال والجنوب بشكل كلي، ويمكن أن ينغمس السُّودان مرة أخرى في الوحل.
وفي إطار وعود الإغاثة الضخمة وعدت المفوضيَّة الأوربيَّة بما يقارب 765 مليون دولاراً، وبريطانيا ب545 مليون دولار، والنرويج ب250 مليون دولار، وهولندا ب220 مليون دولار.(9)
فقد وضع الاتحاد الأوربي خطة لمحاربة الفقر في إفريقيا؛ إذ حثت مفوضيَّة التنمية والإغاثة في الاتحاد الأوربي الدول الأعضاء على زيادة الإنفاق على الإغاثة إلى نسبة 0.51% من دخل الإنتاج القومي (Gross national product) بحلول العام 2010م كخطوة نحو وعودها بإنفاق 0.7% بحلول العام 2015م.

مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبيَّة

إنَّ مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبيَّة لهي منظمة دوليَّة تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصاديَّة في إفريقيا الجنوبيَّة بعد تعويضها عن مؤتمر التنسيق لتنمية إفريقيا الجنوبيَّة. فقد ظلَّت المجموعة المعروفة اختصاراً ب"سادك" من حروفه الإنكليزيَّة (Southern African Development Community – SADC) في الوجود منذ العام 1980م حينما تمَّ تأسيسها كحلف غير ذي سبك من تسع دول هي: أنجولا وليسوتو ومالاوي وموزمبيق وسوازيلاند وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي وناميبيا، وهي دول تتمتَّع بحكم الأغلبيَّة في الجنوب الإفريقي، وذلك تحت مسمَّى مؤتمر التنسيق لتنمية إفريقيا الجنوبيَّة (The Southern African Development and Coordination Conference – SADCC). إذ جاء تأسيس هذا المؤتمر التنسيقي في لوساكا – حاضرة زامبيا – في الفاتح من نيسان (أبريل) 1980م، وذلك بعد إعلان لوساكا تحت شعار "الجنوب الإفريقي – نحو تحرير الاقتصاد" من أجل تنسيق المشاريع التنمويَّة في سبيل الحد من الاعتماد الاقتصادي على حكومة جمهوريَّة جنوب إفريقيا العنصريَّة آنذاك.
أما تحويل المجموعة من منظمة تنسيقيَّة إلى تنمويَّة فقد جاء ذلك في 17 آب (أغسطس) 1992م في العاصمة الناميبيَّة وندهوك بعد التوقيع على الإعلان والمعاهدة في قمة رؤساء الدول والحكومات، ومن ثمَّ تحصَّلت المجموعة على الصبغة القانونيَّة، وأمست الدول الأعضاء فيها 15 دولة.(10) وتحت شعار "نحو مستقبل مشترك" تقوم هذه المجموعة على التكامل الإقليمي، والسعي إلى محاربة الفقر وسط دولها من خلال التنمية الاقتصاديَّة والتجارة، ومكافحة البطالة، والإنفاق على الاستثمار، وتدريب الكوادر البشريَّة، وتمويل المشاريع التنمويَّة، وصيانة وحفظ الأمن.
مهما يكن من شيء، فإنَّ إفريقيا لفي حاجة إلى التحديث، ليس على المستوى المركزي، ولكن في المجال الرِّيفي، وهذا يعني – بالضررة الملحة وليست المرجئة – التحديث في أربعة جوانب رئيسة هي: التحديث الصِّناعي والزِّراعي والرَّعوي والبشري. بيد أنَّ السؤال الذي يمكن طرحه هو ما هي الحوافز التي يتحتَّم علينا استخدامها لنجعل هذه التحديثات واقعاً معاشاً؟
في إفريقيا يستوجب الالتفات إلى الإرث الإفريقي القديم، وكيف كان الأفارقة يديرون علائقهم التجاريَّة والاستثماريَّة، وذلك قبل عهدي الاستعمار والحكومات الوطنيَّة التي أعقبت أو ورثت الاستعمار، ولكن ينبغي أن يتم تفسير هذا الإرث التليد وفق متطلَّبات العصر، ويتم تحويله إلى فكر لتوليد حركة سياسيَّة. بيد أنَّ التقليد الأعمى للإرث الماضوي غير كافٍ، وكذلك التجديف الأعمى إلى المستقبل. فالأول – بهذا الاتِّباع العمي – باالكاد لا يخاطب مشكلات العصر، والثاني لا يستطيع أن يحرِّك الجماهير، لأنَّه يتم عرضه بلغة غريبة عن تلك التي يفهمونها كما ألفوها. فالمطلوب، إذاً، هو استصلاح الماضي وربطه بمستجدات الحاضر في شكل حزب ثوري يستطيع أن يبتكر ثقافة وطنيَّة، بحيث يمكن تغيير أنماط السلوك الجمعي. فإذا اعتمد المجتمع كل الاعتماد على حياته على قيم مستوردة من الخارج، فإنَّ هذا الاعتماد الثقافي قد يجلب معه الاعتماد الاقتصادي والسياسي معاً. وقد أشار إلى هذه النقطة بقوَّة الاقتصادي المصري جلال أمين في كتابه "محنة الاقتصاد والثقافة في مصر"، وهو الكتاب الذي فيه حاول الأستاذ أمين البحث عن أصل العلائق بين الانفتاح وأزمة الثقافة.
إذاً، علينا أن نستخدم قيمنا الاجتماعيَّة والتأريخيَّة في عالم جديد متغيِّر، حيث الميزة الأساس هي الإطار والمستوى وسرعة التغيير. فهناك كثر من التحدَّيات التي تأخذ أشكالاً عدَّة منها: عدم المساواة والتغيُّرات المناخيَّة، والفقر والأميَّة والمرض وفرص العمالة عند الشباب الذين يبحثون عن العمل ويكدُّون في تأمين مستقبلهم في الحياة، وتعديل المقرَّرات الدراسيَّة لكيما تتناسب مع الحاضر وتعد الأجيال للمستقبل. وعلينا كذلك أن نبحث عن الوسائل الأكثر فعاليَّة في استخدام الصحافة وأجهزة التواصل الاجتماعي ومصادر المعلومات الجديدة لتعزيز وتقوية السياسات، وتقديم المبادرات المفتوحة للساسة وصنَّاع القرار، حيث أنَّ هذه المعلومات توفِّر للناس المعلومات التي تلهمهم في إنتاج أشياء لم تكن في الحسبان. إذ أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد غيَّرت مسار حيواتنا، ومنحت الناس منابراً جديدة. وينبغي علينا كذلك أن نكون منفتحين لاستقبال الأفكار الجديدة، والابتكارات الحديثة. فلعلَّ سوق الأفكار الجديدة كبيرة ومتيسِّرة أكثر من أي وقت مضى في التأريخ. ولكي نجعل هذا الحدث أو الأحداث ممكناً أو ممكنة يستوجب علينا الانفتاح على العالم، والانفتاح على الحوارات الأخرى. ففي بعض الأوقات يكون الأمر محبطاً، غير أنَّ التقدُّم يحدث فقط من خلال التَّسوية والعمل سويَّاً مع الآخرين، حتى إذا كان هؤلاء الآخرون لا يحملون أفكاراً سياسيَّة متماهية معنا.
والزمان مناسب أكثر من أي وقت مضى لحشد الجهود لإحياء التعاون في دول شرق إفريقيا، وذلك لأنَّ الطبقة الوسطى أخذت تنبثق في شكل الصنَّاع والتجَّار وكبار المزارعين، والذين جلهم يفهمون الحاجة إلى الأسواق الضخمة في الإقليم وفي العالم، فضلاً عن السوق المحليَّة الصغيرة. وعلى ساسة هذه الدول وصنَّاع القرار فيها أن لا يعتمدوا في أكثر ما يكون الاعتماد على الإغاثة الغربيَّة، ولكن عليهم الاعتماد على الاستثمارات الاقتصاديَّة والتجارة والسياحة وبناء الكوادر البشريَّة، وربما على قروض مسهَّلة (Soft loans) لبناء وإعادة تعمير البنى التحتيَّة.

منظَّمة التجارة لدول شرق وجنوب إفريقيا (كوميسا)

في العام 1993م أُنشأت السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا المعروفة ب "كوميسا" (Common Market for Eastern and Southern Africa – COMESA) خلفاً لمنظمة التجارة التفضيلية (Preferential Trade Area) التي ظهرت للوجود هي الأخرى العام 1981م. وتضم "الكوميسا" في عضويتها 19 دولة من دول القرن الإفريقي وشمال إفريقيا والمحيط الهندي والبحيرات العظمى والجنوب الإفريقي وإفريقيا الوسطى.(11) فقد انضمَّت مصر إليها بصفة رسميَّة في 6 حزيران (يونيو) 1999م بعد إقرار توصية المجلس الوزاري التي صدرت بالإجماع في تشرين الثاني (نوفمبر) 1997م. كان أول طلب مصري قُدِّم إلى المجموعة للحصول على عضويتها العام 1993م، لكنه لم يلق قبولاً واعترضت عليه بعض الدول، لوجود خلافات سياسيَّة وقتها مع القاهرة. وكان يتعيَّن، كي يأخذ طلب الانضمام الضوء الأخضر، موافقة جميع الدول الأعضاء عليه بالإجماع. وكانت الدولة التي اعترضت عليه هي السُّودان، لوجود توتر في العلاقات بين البلدين.
مهما يكن من شأن، فماذا تبغي القاهرة في لهاثها وراء الدور التجاري والسياسي في القارة؟ تقف نهاية الشراكة في أسواق شرق أوربا والانهيار البطيء لعملية السَّلام في الشرق الأوسط وراء أسباب التفاف مصر حول الأندية الإفريقيَّة. وكذلك ينبغي أن لا يغيب على البال أنَّ هرولة مصر نحو دول شرق إفريقيا ما هي إلا مسعى منها لتأمين مصالحها في منابع مياه النيل. إذ تحاول مصر أن تضمن أنَّ مساعي دول المنبع في استغلال حصصها من مياه النيل لتوفير حوائج مواطنيها في المشاريع المرويَّة وتوليد الطاقة الكهربائيَّة والاستخدامات الأخرى أن لا تعوق حاجة مصر من المياه للأغراض نفسها وحسب الاتفاقات الثنائيَّة مع السُّودان، والتي أمست اتفاقات دوليَّة. كما إنَّها رغبت، من هذا الالتفاف، في تقوية العلاقات التجارية والنفوذ السياسي في القارة، لكي تستخدمهما ككرت مساومة لتعزيز موقفها كممثل لإفريقيا حالما توافق الأمم المتَّحدة على خلق مقاعد لمجلس الأمن الدائم على أساس إقليمي. وقد سعت القاهرة من قبل للانضمام إلى اتحاد دول شمال إفريقيا المعروفة ب"اتحاد المغرب العربي" الذي يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وتعتبر السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا واحداً من أكبر التجمعات الإفريقيَّة، وهي خطوة هامة في اتجاه خروج إفريقيا الغنيَّة بإمكاناتها وثرواتها ومواردها الطبيعيَّة من فقرها إلى رحاب مستقبل أفضل، ومعدلات نمو أعلى، وتقدُّم اقتصادي ملموس. إذ تبلغ مساحة دوله ال 19 الجغرافية 22 بليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها 288 مليون نسمة. برغم من ذلك شهدت المنظَّمة مغادرة بعض الدول في الفترة ما بين (1997-2007م) وهي: ليسوتو وموزمبيق وتنزانيا وناميبيا وأنجولا.
وتقوم فلسفة "الكوميسا" على إزالة الحواجز الجمركيَّة والقانونيَّة والمؤسسيَّة، بل وإزالة الوسطاء في استيراد المواد الخام، ثمَّ تصنيعها خارج القارة وإعدادها للتصدير. كان حجم التجارة البينيَّة 832 مليون دولار العام 1985م، ثم ارتفعت الى ثلاثة أضعاف وبلغت 2.5 مليار دولار فى العام 1996م، بما يعني أنَّ معدل نموها يزيد على 11% سنوياً، وكان من المتوقع أن يصل حجم التجارة 4 بليون دولار بحلول سنة 2000م عندما تُلغى الحواجز الجمركيَّة نهائيَّاً. وفي العام 1998م كان يقدر حجم الناتج الإجمالى لهذه الدول مجتمعة ب85 بليون دولار وحجم صادراتها ب12 بليون دولار، وحجم وارداتها ب 15 بليون دولار – بما يعنى أنَّ حجم الصادرات كان يُقدَّر بثلاثة أرباع حجم الواردات، وتعكس هذه التقديرات نمواً مضطرداً فى اقتصادياتها. وباتت أرقام المعاملات التجارية بين مصر وهذه الدول الأعضاء فى تجمع "الكوميسا" تشير إلى أنَّ مصر كانت تستورد ما يقدر ب 568 مليون دولار، في حين أنَّها كانت تصدر لها ما قيمته 147 مليون دولار فقط. وهذا يعني ضآلة حجم المعاملات التجارية، برغم مما تتمتَّع به مصر من منتجات عديدة وكذلك حجم الأسواق الواعدة في هذه الدول.
ومقر منظمة "الكوميسا" هو مدينة (لوساكا) عاصمة زامبيا، وتشمل "الكوميسا" ويشرف على أداء مهامها عدة هيئات وأفرع حيث تضم هيئة رؤساء الدول والحكومات الأعضاء بها، وكذلك المجلس الوزاري ولجنة محافظي البنوك المركزيَّة واللجنة الحكوميَّة والفنيَّة، والسكرتاريَّة الدَّائمة، وكذلك اللجنة الاستشاريَّة. وللمنظمة محكمة تضطلع بالفصل في النِّزاعات الاقتصاديَّة التي قد تنشأ بين دولها.(12) وقد حدَّدت المعاهدة المنشئة لهذه المنظمة الأهداف التَّالية:(13)
(1) تحقيق النمو والتنمية المستدامين للدول الأعضاء من خلال تحقيق تنمية أكثر توازناً وانسجاماً لهياكل الإنتاج والتسويق.
(2) تعزيز التنمية المشتركة في كافة مجالات النشاط الاقتصادي، وتبنِّي سياسات وبرامج اقتصاديَّة مشتركة، ورفع مستوى معيشة شعوب الدول الأعضاء.
(3) التَّعاون في خلق بيئة مواتية للاستثمارات المحليَّة وعبر الحدود، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، بما في ذلك البحث العلمي ومواءمة العلم والتكنولوجيا من أجل التنمية.
(4) التَّعاون في توثيق العلاقات بين السوق المشتركة وباقي دول ومناطق العالم، وتبنِّي مواقف مشتركة في المحافل الدوليَّة.
(5) الإسهام في تحقيق أهداف الجماعة الاقتصاديَّة الإفريقيَّة.
(6) إقامة منطقة تجارة حرة تكفل حريَّة حركة السلع والخدمات المنتجة داخل "الكوميسا"، وإزالة كافة الحواجز الجمركيَّة بحلول العام 2000م.
(7) إقامة إتحاد جمركي، وذلك بتطبيق تعريفة خارجيَّة موحدة على كافة السلع والخدمات المستوردة من الدول غير الأعضاء إلى داخل المجموعة وذلك بحلول العام 2004م.
(8) ضمان حرية حركة رأس المال والاستثمارات من خلال إتباع سياسات مشتركة تستهدف خلق بيئة مواتية للاستثمار داخل دول المجموعة.
(9) الإنشاء التدريجي لاتحاد مدفوعات ينتهي بإقامة وحدة نقديَّة وعملة موحَّدة.
(10) اعتماد ترتيبات مشتركة للتأشيرات تتيح فرصة انتقال الأفراد، وحق تأسيس الشركات والإقامة فيما بين الدول الأعضاء.
ومن المزايا التي تتيحها المنظَّمة:
(1) وجود سوق أكثر منافسة واتساعاً وانسجاماً تجعل من أسواق عشرين دولة عضواً سوقاً داخليَّة موحَّدة.
(2) إتاحة فرص إنتاجيَّة صناعيَّة ومنافسة مفتوحة تشجع على إنتاج سلع عالية الجودة تؤدِّي إلى زيادة التجارة البينيَّة.
(3) تحقيق إنتاج زراعي متزايد وأمن غذائي مطلوب، وذلك من خلال إمكانيَّة تحويل المواد الغذائيَّة الخام والمنتجات الزراعيَّة إلى سلع زراعيَّة مصنَّعة ذات قيمة مضافة بنسب أعلى تنتقل بحريَّة بين الدول الأعضاء، وتحدُّ من الاستيراد المتزايد الذي يُجلب من خارج دول التجمُّع.
(4) زيادة استغلال الموارد المعدنيَّة والتعدينيَّة وتصنيعها، حيث تملك دول "الكوميسا" ثروات معدنيَّة هائلة لم يتم استغلالها مثل: الكروم والذهب والزنك والنحاس والرصاص والنيكل والمغنيسيوم واليورانيوم والمنجنيز والأحجار الكريمة والبترول.
(5) إتباع سياسات نقديَّة وبنكيَّة وماليَّة أكثر تنسيقاً من خلال التعاون بين دول المجموعة في المجالات النقديَّة والماليَّة وإنشاء عملة موحَّدة على المدى الطويل.
(6) إنشاء بنية قويَّة للنقل والاتِّصالات لتسهيل عمليَّة الاندماج وتسيير انتقال السلع والخدمات بين الدول الأعضاء.
على أيَّة حال، تعتبر منظمة "الكوميسا" أكبر تجمع اقتصادي وأكثرها فعاليَّة في القارة الإفريقيَّة بفضل نجاحه في تطبيق بعض الإجراءات العمليَّة على طريق بلوغ هدفها بتحقيق تكامل إقليمي من خلال تطوير التجارة بين الدول الأعضاء ودمج أسواقها. وتمكَّنت المنظمة على مدى السنوات الماضية من تقديم شبكة واسعة من البرامج الإقليميَّة التي تستهدف تمكين الدول الأعضاء من تحقيق انتعاش ونمو اقتصادي قوي ومستمر، وساعدها على ذلك امتلاكها لمؤسسات ماليَّة متخصصة مثل بنك التجارة والتنمية لشرق وجنوب إفريقيا. وبرغم من اعترافها بأهميَّة السَّلام والاستقرار كشرطين مسبقين لتحقيق نمو اقتصادي دائم وتكامل إقليمي، غير أنَّ "الكوميسا" تتجنَّب التورُّط في حل الصِّراعات داخل الدول الأعضاء أو تلك التي تنشب بين هذه الدول. إذ ينبع هذا القرار من منطلق تركيز جهود "الكوميسا" على تنفيذ برامجها التنمويَّة، ويذهب المتحمِّسون لأهميَّة إقامة تكتلات اقتصاديَّة في القارة الإفريقيَّة إلى أنَّ دفع عجلة التنمية في إفريقيا وإقامة تجمعات اقتصاديَّة ترتبط الدول الأعضاء فيها بمصالح مشتركة هو في حد ذاته أكبر مساهمة يمكن تقديمها لنزع فتيل النِّزاعات والتوتُّرات المحليَّة والإقليميَّة في القارة السُّوداء.(14)

 

آراء