كتب " نعيم شُقير " في سفره " جغرافية وتاريخ السودان " عند مطلع القرن العشرين ، أن نساء أم درمان قد نظمنَّ أغنية ،بعد فرار " الخليفة عبدالله " نهاراً من معركة كرري ، أو حين " عرَّت ".تقول بعض كلماتها:( ود تورشين شرد ورقدو الملازمية ) . ولا ندري ماذا سوف يحدث لحكم خليفة المهدي " تو" ، حين يُنزَع الملك ، ويأتي أوان الحساب الدنيوي الصعب !.
(1)
نعم ...لا يعرف الواحد منا ، كيف يعيد التاريخ نفسه ، ولو بصورة جديدة . أطلّت علينا في حاضر بؤس الدهر ، وظُلامته ، بل وظلامه الدامس منذ قدوم " المهدية تو" علينا ليلاً في 1989، كما مرت " مايو تو " من قبلها. كانت الحياة رغم سوآتها الكثيرة ، أكثر رحابة من حاضرنا. صرنا ومن دون كل الأمم والشعوب ، نفرح و نرقص على ذكرى ماضينا ، ونتخفف من ظلال البؤس الذي يدور من حولنا، ونتخيّل أن ماضينا أقل إيلاماً، فمن يأتي إلى السلطة ، لا يقدم عملاً وتطويراً ، بل يؤخر أو يهدم . فمعول الهدم سيد الأغراض .
الناظر للأحداث الجسام التي مرت بالدنيا ، يعجب من سُلطة تقف مع انقلاب حدث ضد "غورباتشوف " ، رغم أنها بشرت بأن " أمريكا روسيا" قد دنا عذابهما !. والولايات المتحدة التي كانت العدو الأول ، ولكن وبعد حين : صار التقرب إليها من المقدسات ، فخسفت العصابة بكل تُراث ماضيها ، الذي جاءوا به ليكون البديل للحاضر . وجاءوا بمنهاج " الخلافة " وأمامة المسلمين التي يرغبون أن تملأ جور العالم وتحوله بقدرة التنظيم إلى نعيم الدنيا!.
(2)
لن نعجب ، بل نبتئس كثيراً، من مُرّ شكوى أهلنا الطيبين . وهم يستجدون إحساس من لم يدخل العقل الرشيد إلى صناديقهم التي يحملونها بين أكتافهم . تطاولت العُصبة في البنيان ، وبدأوا يقدمون الدعم للتنظيم الدولى الذي أسهم في نجاح انقلابهم منذ ساعة الصفر.حين كان يستتر أفراد التنظيم ليلاً من السادسة مساء إلى السادسة صباح اليوم التالي ، في حين يقوم الإرهابيون الذين قدموا السودان لحماية الإنقلاب بوردية الليل، فيخلد أبطال التنظيم الإخواني السوداني لنوم العافية! . ويصبحون، ويقولون في أنفسهم " أصبحنا وأصبح المُلك لنا" . يحملون السياط يلهبون بها ظهور الجميع . كل لياليهم ، هي ليالي " السكاكين الطويلة " . فقد وُلدت دولة للإرهابيين السُنة في السودان، ويتعين أن تظل ، وكل التضحيات تهون ، هكذا سولت لهم نفوسهم المريضة.
استخدموا منهاج "الشاطر " المصري ، من أجل التمكين . جاءوا بكل سجلاتهم لعضوية الإخوان المسلمين منذ مراحل الدراسة المتوسطة المُدونة في سجلاتهم الرقمية، وإلى تاريخ قيام " المهدية تو" . من كان معهم فهم أهل الدار، والمؤلفة قلوبهم بنعيم السلطة وفعل ما يشاءون ، بل ابتدعوا الجُزر المعزولة لأصحاب السلطان ، فأصبح الجميع يتمتع الواحد منهم بصلاحيات لا سقف لها . يفعلون أي شيء في الناس والحجر والأرض والشجر ولا يحاسبهم أحد ، ومنْ يسأل يقولون له " هي لله" . تكالبت ذئاب العُصبة، لكلٍ نهجه وسلوكه ومذهبه ومراجعه. فُتح الباب للتجريب على مصراعيه ، فالعقول فارغة إلا من شعار " الإسلام هو الحل" !.
انتقلوا من الفقر المُدقع إلى الغنى المُستفز . ومن حياة التقشُف إلى زينة الحياة الدُنيا : ذهباً وفضة ونساء يتباهون بهنَّ . وبدأوا حياة الدِعة والنعيم ، فالوطن هو أرض مُباحة لكل قطيع ذئاب التنظيم، ما تحت الأرض ومافوقها. وأبناء وبنات التنظيم لهم كل شيء : و يتسلحوا بالتدريب على السلاح والأمن وطاعة أولي الأمر في كل شيء ، المكره والمنشط .
(3)
انتقوا من الأحاديث النبوية التي تغيّرت عبر فقهاء التاريخ ، وموالاتهم أهل السلطان ، حتى صاروا يُضاهون عمل السلطان بالقرآن . وقدموه عليه . بأسهم شديد ضد الآخر و يمتاز باللؤم والقسوة . وأكبر مصائبهم الحسد ، وهي خصلة مفتوحة على تاريخ الطويل مع الفقر عندما يتآخى مع الحقد ، فهما تميمة الكيمائي المزدوج الذي ينتج الشخصية السيكوباتية ، غير القابلة للعلاج . يريدون أن يغيروا واقعهم البائس بواقع جديد، يجلبون شياه الدولة ،بلا إحساس بوزر أو تأنيب ضمير ويذبحونها ، ويفرقون الفيأ بينهم ، ولايخافون لومة في الفساد لائم! .
كَّونوا " جامعة " ليشربوا من معينها حتى الثُمالة ، فحملت لهم الدراسات العليا وشهادات التعليم العالي على صحائف دانية قطوفها بلا تعب أو مشقّة . كل شيء مُباح ، وشرطه ألا يشغل أذهانهم شاغل . فما يشغل الذهن عندهم ، يقولون " النار أولى به "، والفكر لديهم نافذة يدخل منها الشيطان. استبدلوا كل شيء بالذي يعتقدون أنه " المنقذ من الضلال " . وقفوا عند " الفن والموسيقى " ، وانتظروا الفتوى التي لا تأتي أبداً . أغلقوا " معهد الموسيقى والمسرح " ، وانتظروا القرار : أهي بدعة حميدة أم هي رِجس من عمل الشيطان ؟!.
أفتاهم صاحب الفُتيا ، أنها متنوعة الأهواء ، من أراد شرورها فهي مُنقادة وبهيمة ذلول . ومن أراد خيرها فسيجد ضالته إن شاء الله !.وبعد ذلك أنتج موسيقيوهم : ( اقبل على دربنا إن كنتَ ظمآنا ). وكذلك البث التلفزيوني ، أهو صور مُتحركة تتحدث و تُضاهي خلق الله ، أم هي بدعة حسنة تنشر رأي التنظيم ، وتُحيي سننه؟! كان التجريب ، بدعة حسنة ، وبدأوا " إختراع العجلة " من جديد، كأنهم قد جاءوا بالمُعجزات . وكرهوا الأغيار ، واستدّلوا بأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، وأن قتالهم هو المقدّم. أما الكفار ، فكان التغني بهلاكهم أفضل " تقية" !.
(4)
قدْ يسأل سائل ، لمَ لم ينقضى دهرهم، فلا يزالون مُتشبثين بالسلطان ، حتى بلغوا من العُمر أرذله؟ . فالطائفية هي الصورة الناعمة من مجدهم ، هؤلاء باللين وهم بالقوة ، ويحتاجون تأديب أهلها حتى يلجمهم الحوار ، فيقبلوا على الفتات وهم صاغرين . أما بقية المعارضين في الإعلام المفتوح على السماوات ، فيصدق عليهم المثل الغريب: " الكلب ينبح والجمل ماشي ".
قال قائلهم ، بفصل " جنوب السودان " ، وعلل أحد قادتهم ، بأن السرطان إن أصيب به المرء في يده فليقطعها . نحن نعرف سرطان يتبع الغُدد ، ولا نعرف سرطان اليد والذراع !. والجنوب في نظرهم سرطان يتعين بتره ، أو هكذا قال " الخال الرئاسي " !. وتأزمت الدنيا من حولهم . أغرى بتر الجنوب جهات أخرى بالنهوض بالأرياف لتبني ذات القضية . واعتدنا شرور نيران الأرياف ، وظلت الحروب تطأ كل شيء. فوضى ضاربة أطنابها. ووجدنا شعار " هيمنة الوسط وتهميش الأرياف " له طعم آخر في لغة أهل السلاح.
إن عصير الهوان عسير على المذاق ، فخرجت " المحكمة الدولية " في نظرهم من كل قيد، تطلُب المزيد من عُصبة أهل السلطان . وتداعت طموحاتهم إلى " حوزة " الدفاع المستميت عن الروح ، وصار التمسك بالسلطة " تقيَّة " المتشكك في عدالة الدُنيا . استنفروا رجال المحاماة الضليعين في "بيروت" ، ليكونوا بُدلاء عن المجرمين في ساحة العدالة الدولية ، فقد اعتقدوا أنهم يشترون منْ يريدون بالمال . وباءت المحاولة بالفشل الذريع ، فقد كانوا يأملون أن يتم الأمر من وراء ظهر رئيسهم ، ولكن المُتخص طلب مقابلة الرئيس شخصياً ومناقشة التفاصيل معه. رفضوا وانتهى الأمر.
(5)
تفكك التنظيم إلى فئات وتقسيمات وتشكيلات عديدة .لكل جماعة جهاز أمنها الخاص، وبئر يستقون منها ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وخالية من الضرائب والمكوس والجبايات ودمغة الشهيد. نعم هي لله ، وللسلطة وللجاه ، يفعلون كل مُباح ، لأن الله يحسبونه شريكاً يقتسم معهم كأنه وليٌ حميم . له ما لهم وعليه ما عليهم، هكذا حسبوا المولى تعالت عزته عن التشبيه !. ولكن عند الجَّد، يقولون إنها " ابتلاءات "!. فهم يسرقون مال الزكاة ، ويقولون هو مال فرضته العقيدة ، وهو من أصول الدّين !. منْ يسرق منهم ويسترد المال يقولون له : أنت أفلحتْ، فاذهب في فتوى " التحللُ" ، فقطع اليد هي عقوبة الفقير الذي لا سلطة تحميه ، ولا حسبٌ تنظيمي ولا نُصرة إلا لأهل الفساد.
(6)
الجيش الشعبي، وقوات الدعم السريع ، هي البدائل للقوات المسلحة النظامية التي تحمي أي دولة، هكذا قال كبيرهم الذي علمهم السحر. فصارت الرُتب العسكرية على قفا من يحمل !. قيل إن البروفيسور الطبيب الراحل " صالح ياسين " قد عمل مديراً لجامعة " الرباط " فترة من الزمن، وعرض عليه كبيرهم ، وزير الداخلية منصب " فريق ". استغرب البروفيسور العرض، لأنه لا يعرف ما الغرض من الرُتبة العسكرية، فالمناصب يحتاجها من يتقيد بالتراتب العسكري والأقدمية ، الأمر والطاعة ! . وجدوا أن الأمر عسير عليهم قبوله ، فعزلوه من منصب مدير الجامعة . وخلت الساحة للعبث الأكاديمي !.وبهذه المناسبة فإن اسم الجامعة ، من رباط الخيل الذي تُرهبون به عدو الله!. هكذا يذهبون بالتأصيل حتى مقلب القمامة!.
(7)
جاء "المفاعل النووي الروسي "، كطفرة فوق أنقاض المقولة الراسخة عندهم : " الرد في السد " ، ولكنها حيرة شديدة فهي مخرج ومطب في ذات الوقت، لأن التأهيل البشري أهم عامل في وجود وتسيير المفاعل ، والأمان النووي هام للغاية و له وسائله وتقنياته، وهي بالفعل بعيدة عن أذهان أشياخهم الذين تخصصوا في التيمُم وغُسل الجنابة واستراتيجية التعبُد!. والأمان هو من أهم عناصر ديمومة المفاعل، وهي كلمة صغيرة ولكنها شبكة إجراءات معقدة. ولا تفقه العُصبة شيئاً في العلم ، فقد شهدنا " شوربة الطرق " : وهي مرق الأسفلت فوق 30 سنتمتر من الأرض بعد دكها ، ثم إلى الإفتتاح: حضور الرئيس ، والرقص وأصابع " السبابة " تُكبر .وبعد أقل من عام تظهر العيوب !.
لقد أفشل المصريون اقتراح " قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر " ، فعرضوا مطاراتهم المُهيئة لشراكة " الروس " ،دون الحاجة إلى تأسيس بنية تحتية على أرضٍ خلاء. ففشل موضوع حماية السلطة ، كانوا يرغبون حماية " الروس "، تماماً كما صار لقاعدة "طرطوس "، التي اضطرت "الروس" لحماية " الأسد ".
(8)
جاء" أوردوغان "من تركيا وحمل معه تاريخ " التركية السابقة " في السودان. وقف المُهللون من أذناب النظام السوداني ، لعله يكون هناك قطع أرض مُتبقية بعد النهب الصيني الشرِه للمقايضة مع تركيا !. وخطرت لهم " سواكن " !. هؤلاء جربوا كل شيء ، من أجل البقاء في السلطة ،وكما قال قائلهم : " سوف نسلمها عيسى بن مريم قرب مجيء الساعة ! "
قال رمز سلطتهم لقد خسرنا أكثر من 500 مليار دولار من أثر 20 سنة من الحصار الأمريكي . لا أعرف كيف يحسبون ؟! فجميعهم لا يعرفون لغة الأرقام ، وعهدناهم يقولون " عدد مُقدر " خوفاً من الأرقام . ولا أحد يحاسبهم ، والحديث منشور ومنثور في الهواء الطلق واللقاءات الجماهيرية التي تهتم بتحشيد الجماهير بواسطة المال . ونحن نسأل : من الذي تسبب في الحصار 20 عاماً منذ 1997 ؟! . أليس من العدالة تقديم من تسبب في هذه الكارثة للعدالة ، أم أن " ملابسه شرعية " ، تمنعه من الدخول في حظيرة " النظام العام "!.
(9)
ترشيح الرئاسة السودانية لانتخابات 2020 . قال قائدهم إنه لا ينوي الترشُح لإنتخابات الرئاسة عام 2020 . ولم يقُل " إن شاء الله " !، ربما نسي ، ولا تثريب من السهو والغلط . وقال لاحقاً إنه سوف يدعم " أيلا" إن ترشح للرئاسة !. فماذا بقي للنائب الأول ؟!. قال بعض شباب حزبهم ، بأنهم سيدافعون عن ترشيح رئيسهم بالسلاح !. ونحن نسأل : " ألم يجمعوا السلاح " ؟! . ونسأل أنفسنا : أهناك انتخابات وشفافية ، ولجنة انتخابات شفافة وعادلة وحيادية ؟!
(10)
يتحدثون عن صداقة " تشاد " و" أثيوبيا " ، ولا يتحدثون عن الملايين الذين استوطنوا السودان بدون مشروعية .دخلوا وتوطنوا وطال بقاءهم ، اختلط الحابل بالنابل . والسودان هو الدولة الوحيدة في هذا العالم التي يدخلها البشر من شرق إفريقيا وغرب إفريقيا و " الروهينغا " وغيرهم ، ولا أحد يسأل! . يعملون ويسترزقون ، ويتجنسون ويصعدون إلى مراتب السلطة. فوضى ضاربة أطنابها ، وأمن الدولة موجه فقط للباس النسائي ، وفرقعة الدعوات الصباحية في " الوات ساب " !.