أين الاموال المستردة؟

 


 

 

قضت لجنة ازالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو اكثر من عام، وهي تتحفنا عبر منبرها الراتب المنعقد في بهيج الليالي بارقام مهولة من الاموال المستردة، وفي ذات المنحى تضاربت الاختصاصات بين اللجنة ووزارة المالية فيما يتعلق بحقيقة ايداع المال في خزينة الدولة من عدمه، ما اشعل فتيل الازمة بين وزير المالية ورموز التفكيك، انتهت بتصريح الأول بأنه لم ير فلساً واحداً من هذه الاموال، وبعد ان اعياه النضال ادلى بحديث استسلامي جاء فيه أنه غير مسؤول عن مآلات هذه الاموال المشكوك في استردادها، لقد وجدت هذه اللجنة التفكيكية تعاطفاً جماهيرياً منقطع النظير من الشعب الفرح المسرور بالتغيير وزوال الدكتاتور، وامسى من الصعب أن يتقدم بانتقادها صحفي او مواطن عادي، فاكتست بثوب من القداسة واعتبرناها الصرخة الوحيدة التي ايقظت الناس بوادي الصمت واخرجت اثقال انفسهم المحتقنة بالغضب المشروع والمستحق تجاه البائدين وظلمهم، فصار رموزها ابطالاً في نظر الشعب المطحون بطاحونة الفقر، لكن هنالك ثمة اسئلة تأبى الا وأن تفرض نفسها بقوة نتيجة لطول امد عمل اللجنة بدون ان يرى المغبونون طحيناً.
لماذا لم تسهم الأموال المستردة في حل ازمة واحدة من الازمات الممسكة برقاب المساكين؟، كل الوزارات والمؤسسات والدوائر المعنية بتقديم خدمات الكهرباء والماء والوقود والدواء والخبز والمواصلات، لم يطالها ثواب من افضال هذه الأموال المستردة، اين ذهبت هذه الملايين من الدولارات؟، وما تلك الجهة الأخرى غير وزارة المالية التي اعلن رائدها برائته من مال التفكيك المشكوك في تحصيله؟، اخبرونا يا ساداتنا الاجلاء لأننا نستشرف عهد (الحرية والسلام والعدالة)، حدثونا عن الاجراءات المالية والمحاسبية المتبعة لايداع هذه الثروات خزينة البلاد؟، اوضحوا لنا، هل هنالك شعبة للمراجعة الداخلية بلجنتكم الموقرة تقوم بواجبها المهني والحيادي في ضبط حركة الاموال وتتبع مسارها والتأكد من التزامها بمعايير النظام المحاسبي؟، اذا لم يكن هنالك قسم للمراجعة الداخلية فهذا يعني أن اللجنة بها قصور اداري، فبحكم أنها موكول اليها استرداد الثروات السيادية المختلسة وجب عليها وعلى الحكومة أن تضبط عملها بضوابط المراجعة القانونية، ولابد أن يكون هنالك تنسيق بينها وبين كل من وزارة المالية وبنك السودان والنيابة العامة.
الاستاذ وجدي صالح القانوني الضليع يدلي بتصريحات على الهواء حول الارقام المبيّنة لقيمة الاموال المستردة – اصول ونقد – تضعه امام مسؤولية مباشرة لو قدر الله وحدث ما لا يحمد عقباه، المؤتمرات الصحفية المسجلة والموثقة هي دليل الاثبات القاطع المؤكد على أن اللجنة التفكيكية قد حصلت على هذه المبالغ، السؤال: ما هو موقف رموز اللجنة من تصريحات وزير المالية حينما اوضح أن مليماً واحداً لم يعبر باب وزارته، ثم اخيراً وبعد أن قنع من الخير الذي يمكن أن يأتيه من اللجنة، قالها صراحة انه غير مسؤول عن هذه الأموال، فعندما تختلف اللجنة والوزارة اعلم أن هنالك أزمة عميقة سوف تبين خطوطها قريباً، ومن المظاهر السالبة لسلوك رموز اللجنة انهم زجوا بانفسهم في معارك شخصية مع بعض منسوبي النظام البائد، الذين هددوا بكشف المستور الفاضح لتعاملاتهم التجارية السابقة مع الممسكين بمفتاح الاقتصاد والجهاز الاستخباري البائد الذي كان يدير النشاط الاقتصادي ابان عهد الدكتاتور.
على لجنة ازالة التمكين أن تضع الكرة على ارضية ملعب وزارة المالية وبنك السودان وديوان المراجع العام والنيابة العامة، والا سوف تجد نفسها مضطرة وبعد فوات الاوان لأن تلملم اوراقها وتدخل في صراع مع الجهات العدلية ودوائر الرقابة المحاسبية، فهي الآن في غنى عن كل هذا اذا ما سلكت طريق الشفافية وملّكت من يهمهم الامر سندات ايداع المال المسترد لجهات الاختصاص، والداعي لذلك شيء واحد هو ان المال قيمة مادية لا تثبته التصريحات الكلامية في وسائل الاعلام، كمن يصيح وسط السوق ويعلن عن انه اوفى بدينه تجاه الدائن وهو لا يملك سند استلام ممهور باسم الدائن، في هذه الحالة لا يجدي الصياح ولا الحديث المعسول، المواطنون الكرام يسمعون من افواه الناطقين باسم اللجنة عن ان هنالك اطنان من الجنيهات الذهبية والقناطير المقنطرة من الفضة قد استردت، لكن حالهم يغني عن سؤالهم عندما لا يستطيعون تجديد اوراقهم الثبوتية وحينما لا يضيء التيار الكهربائي بيوتهم المظلمة، على الرغم من انعقاد المؤتمرات الصحفية التي تحدثهم عن اموالهم المستردة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
29 اغسطس 2021

 

آراء