إصلاح نظام الانتخابات في السودان: الحلقة الخامسة: بعض التدابير المهمة المستوعبة للحالة السودانية
advosami@hotmail.com
إن عملية ممارسة الانتخابات العامة في السودان، لا سيما في الفترة اللآحقة لتوقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005، قد شابها العديد من التوتر و عدم الاستقرار، المصحوب بعدم الثقة و التشكيك. و من المهم في إطار التفكير طويل المدى، من أجل تأسيس ممارسة إنتخابية راشدة، أن يتم إستيعاب الظروف المحيطة بصورة شاملة، و أن تحرص المفوضية القومية للانتخابات على بناء تجربة جديدة، مستفيدة من التجارب المحيطة في إفريقيا و المنطقة العربية. و فيما يلي نتناول بعض المحاور التي تعد مركز إهتمام الاحزاب السياسية و نشطاء المجتمع المدني.
أولاً: إجراءات لضمان حق النازحين في التصويت:
تكتسب شريحة النازحين أهمية خاصة، لاهمية إدراجها في عملية بناء السلام في السودان. و تيسير مشاركة النازحين في الانتخابات القومية، يساعد في توسيع نطاق المشاركة في الانتخابات، فضلاً على أن الحق في المشاركة في الانتخابات العامة مكفول للجميع دون تمييز، فالموطنون كلهم سواء ( المادة 7-1 من الدستور)، و النصوص الدستورية جاءت الى الوجود تلبية لإلتزامات و تعهدات دولية وثيقة الصلة بحقوق الإنسان، منها ما إنعكس مباشرة فيما عرف لآحقاً "بالمبادئ التوجيهية بشأن التشرد الداخلي لسنة 1998"، و الوثائق التي صدرت بموجبها. و تهدف المبادئ التوجيهية إلى تناول الإحتياجات المحددة للمشردين داخلياً في جميع أنحاء العالم بتعيين الحقوق و الضمانات ذات الصلة بحمايتها. و هذه المبادئ مستوحاة من القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان و القانون الإنساتي الدولي.
نص المبدأ التوجيهي (1) من المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي لسنة 1998، على أن:
"يتمتع المشردون داخلياً في بلدهم، على قدم المساواة التامة، بنفس ما يتمتع به الأشخاص الآخرون من حقوق و حريات بموجب القانون الدولي و المحلي. و يجب ألا يميز ضد هؤلاء الأشخاص في التمتع بأي من هذه الحقوق و الحريات بدعوى إنهم مشردون داخلياً".
و نص المبدأ التوجيهي 22(د) بشأن النزوح الداخلي يؤكد أن:
"حق التصويت والمشاركة في الشؤون الحكومية والعامة ، بما في ذلك الحق في الحصول على الوسائل اللازمة لممارسة هذا الحق."
النصين، أعلاه سعيا إلى جعل حق التصويت و المشاركة في الحياة السياسية ،حق للنازح مثلما هو حق لكافة المواطنين من غير النازحين، و برغم وضوح النص ، إلا إنه يفتقر إلى الآليات القانونية الداعمة لتنفيذه على أرض الواقع بحيوية و فعالية، إذ لا توجد إلى يومنا هذا سياسية عالمية مقبولة، أو تطبييقات عملية تحمى حق النازحين داخلياً في التصويت.
و من ضمن التدابير التي يجب مراعاتها، لتحقيق اكبر ينبغي إعتماد تدابير وآليات تشريعية و إدارية و فنية خاصة، تستوعب المعيقات الناجمة عن ظروف النزوح، و تسهم في كفالة ظروف أفضل لمساهمة النازحين في الإنتخابات. من بين تلك التدابير و الآليات:
- إعتماد تدابير خاصة في تنظيم و إدارة إجراءات السجل الإنتخابي الخاص بالنازحين سواء كانوا في أماكن حضرية أو ريفية أو في مخيمات.
- وضع إستثناء على المدة الزمنية المتعلقة بشرط الإقامة في المنطقة الإنتخابية بحيث جعلها في أقل الحدود، بحيث تضمن مشاركة عدد أكبر من النازحين، وأن لا تكون ظروف النزوح سبباً لحرمانهم من حقوقهم الإنتخابية.
- إعتماد دور جوهري للنازحين في إدارة الإنتخابات، و ذلك بإشراكهم في اللجان الإنتخابية داخل معسكرات النزوح، لا سيما قيادلت الأدارة المحلية داخل المعسكر و الزعماء الروحيين و شيوخ و رؤساء القبائل و العشائر.
- إعتماد وسائل خاصة في إجراءات التثبت و التحقق من الشخصية، خاصة في حالة ضياع المستندات و الوثائق الشخصية للنازح (مثل جوازات السفر و بطاقات التعريف الشخصية و شهادات الميلاد و شهادات الزواج)، و من بين تلك الوسائل الإستعانة بالادارة التقليدية أو قيادات المجتمع المحلي لإثبات الهوية).
- التأكد من أن للنازحين من الرجال و النساء حقوق متساوية في الحصول على الوثائق اللازمة. و بذل عناية خاصة بالمسنين و العجزة لتزويدهم بالوثائق المطلوبة للمشاركة في العملية الانتخابية.
- توفير خدمات الترجمة باللغات المحلية لكافة الإجراءات الإنتخابية قبل و أثناء سريان العملية الإنتخابية.
- توفير آلية مساعدة إنتخابية محايدة للناخب النازح ، على أن تستوعب هذه المساعدة الظروف المرتبطة بالفقر و الأمية و إختلاف اللغة/ اللهجة و ضياع المستندات الثبوتية.
ثانياً: حساب/عد و فرز الاصوات:
أيَّاً كانت الطريقة أو الصيغة أو النظام الانتخابي المستخدم، فمن الضروري التخطيط بعناية لإجراءات وآليات الفرز وتدريب الموظفين. إنَّ كل عيب في حساب الأصوات ونقل النتائج بصورة سريعة، شفَّافة ودقيقة، من شأنه أن يزعزع ثقة الجمهور بالانتخابات و يحثّ المرشّحين والأحزاب السياسية على التشكيك في النتائج. لقد عكست التجربة الكينية، لا سيما في انتخابات 2007 و 2013 و أخيرا في إنتخابات أغسطس 2017، حيث اندلعت اعمال العنف و الفوضي عقب البدء في عمليات الفرز و التي كانت محاصرة بالتشكيك و فقدان الثقة. لذا من المهم الاعتبار من تلك التجارب و محاولة تجنب حدوثها في السودان.
لضمان ثقة الجمهور في الاجراءات الانتخابية، لا بدّ من إدراج بعض المبادىء الأساسية في آليات فرز الأصوات واجراءاته، ولكي يُعد الفرز عادلاً، يجب أن تكون هذه المبادىء معلومة بنشرها للكافة و مقبولة من جميع المشاركين. فيما يلي مبادئ لابد من مراعاتها، بالنص عليها في القانون و اللوائح المنظمة لاعمال المفوضية:
الاحترافيَّة: من المهم على أعضاء المفوضية إظهار قدر عالي من الحرفية، و التي تتمظهر من خلال الاستقلالية و المعرفة العميقة، و مهارات التواصل مع اصحاب المصلحة بما فيهم المواطنين. إن إفتقار طاقم المفوضية للاحترافية يساعد في انتقاد المفوضية و إجراءاتها، و يسهل على المفسدين ان يتلاعبوا باجراءات الفرز و العد و حصر النتائج. التدريب الملائم للموظفين وجدّية اضطلاع هؤلاء بمسؤولياتهم هي التي تحدّد صحّة الفرز و نتائج الانتخابات.
الشفافيَّة: من المهم عمل التدابير المناسبة التي تضمن حصول كل الاطراف المعنية للمعلومات و بسهولة و يسر و بدون اية تعقيدات إجرائية او فرض رسوم. و هذا يتطلب أن يُسمح لمندوبي الأحزاب السياسية حضور عمليات العد و الفرز أو المشاركة فيها. كذلك، ينبغي أن يتمتَّع المراقبون المحليّون والدوليّون بالحقوق نفسها.
السلامة: إن الانتخابات القومية، هي من أكثر العمليات السياسية عرضة للتلاعب، فبجانب اجراءات الشفافية، لضمان النزاهة، في عمليات الفرز و العد للاصوات، يقتضي وضع تدابير صارمة و معلن عنها من البداية تخص تأمين سلامة بطاقات الاقتراع والصناديق، منذ بدء التصويت حتى نهاية الفرز. و على المفوضية ان تكون لجان يشترك فيها كل الاطراف المعنية، وعلى المسؤولين عن الاقتراع والفرز، ومندوبي الأحزاب والمرشَّحين، أن يراقبوا على الدوام، وبانتباه، صناديق الاقتراع والبطاقات، وأن يرافقوها عند نقلها من مكان إلى آخر. ويجب أن تُنقل البطاقات داخل حاويات او صناديق مرقمة بارقام متسلسلة.
السرعة في فرز الاصوات و نشر النتائج: دائماً ما تمر الإنتخابات العامة بظروف فيها توتر و ضغط نفسي و إنتشار الدعاية الضارة و ظهور التعصب السياسي و الاجتماعي و الديني. فبالتالي من المهم الاسراع في اجراءات الفرز و تدقيق الاصوات و بالتالي الاسراع في إعلام المواطنين بالنتائج. إنَّ كل تأخير في فرز الأصوات وفي نشر النتائج الأولية يهدّد نزاهة العملية ويزعزع ثقة الناخبين.
ويتـعـيَّن على مفوضية الانتخابات أن تخطّط بدقّة لجميع مراحل عملية الفرز لإتاحة النشر الفوري للنتائج ، أو على الأقل بغية التقدير بواقعية في أيّ وقت يمكن أن تُنشر النتائج، بالنظر إلى وسائل النقل والاتصال المتاحة.
ثالثاً: تعيين مواقع الفرز:
لهذا الامر علاقة وثيقة بمسائل الشفافية و سلامة و تأمين النتيجة النهائية من الاساليب الفاسدة و التلاعب، مما يسهم في التشكيك في الاجراءات و يغذي التوتر و انتشار العنف. و في هذا الامر، تختلف النظم الانتخابية في العالم في شأن إجراءات فرز و عد الاصوات، و في ذلك ظهرت تجربتين فيما يخص تحديد مواقع فرز و عد الاصوات:
- الأولى: تقوم بفرز و عد الاصوات داخل مراكز الاقتراع بحضور كافة الجهات المعنية بمراقبة الانتخابات بما في ذلك الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و الاعلام.
- الثانية: تقوم على تجميع كل الصناديق في مركز او مراكز معدودة خاصة بالفرز و العد و حصر النتائج النهائية.
و إذا تحرت المفوضية من خلال لوائحها السرعة و الدقة و الشفافية، يكون الفرز في مكاتب الاقتراع هو الأسرع إجرائياً، و أجدى و أوفر مالياً و إدارياً. وهكذا تُنشر النتائج الأولية بصورة أسرع منها حين يكون الفرز مركزياً. فهذه الطريقة تستعين بعددٍ أقلّ من الموظفين وتستلزم تحضيرات لوجستية أقلّ تعقيداً. هناك جانب آخر ذو طابع شعبي و نفسي، ألا وهو أن الناخبين يحضرون عمليات الفرز و يراقبونها، و بالتالي يعرفون نتائج إقتراعهم، لا سيما أن هناك العديد من الحقائق تكون متوفرة لهم، مثل عدد الناخبين في المنطقة الانتخابية.
هناك عدد من المحاذير و المخاوف التي ترتبط بمسألة فرز الاصوات في مراكز الاقتراع، و لكن تلك المخاوف في مجملها ذات طبيعة امنية ، و ليست متصلة بشفافية و نزاهة الانتخابات.
بحسب طبيعة السودان و إنتشار الدوائر الانتخابية في مناطق بعيدة عن المركز، و بعض الطرق المؤدية الى تلك المناطق الانتخابية غير ممهدة و تكتنفها العديد من المخاطر الامنية لذذا فان عملية الفرز و العد اللامركزي للاصوات الانتخابية هي الانسب مع ظروف السودان.
و بحسب قانون الانتخابات الجزائري الصادر في أغسطس 2016، تكون عملية افرز الاصوات في مراكز الاقتراع و بحضور المراقبين و المرشحين و الاعلام و نشطاء حقوق الانسان. تسليم، بصفة تلقائية، نسخة طبق الأصل لمحضر الفرز. وفور إعداد محضر الفرز، يقوم رئيس مكتب الاقتراع بتسليم نسخة طبق الأصل من المحضر إلى كل واحد من ممثلي المترشحين قبل مغادرة مكتب الاقتراع. كما يتم تسليم نسخة طبق الأصل إلى منسق اللجنة لمراقبة الانتخابات.
التعداد السكاني:
ترتبط الانتخابات بشكل مباشر بمسألة التعداد السكاني. و قد قام السودان بإجراء آخر التعداد السكاني الخامس، في مايو 2008م ، و الذي كان وقتها جزءً من تعهدات إتفاقية السلام الشامل، إذ تنص المادة (1-8-9) على تسري النسب المخصصة في إقتسام الثروة و السلطة الواردة و المتفق عليها في الاتفاقيَّة مؤقتة، على أن يتم تأكيدها أو تعديلها على أساس نتائج التعداد السكاني. و قد واجهت نتائج التعداد السكاني الخامس العديد من الانتقادات من المكونات السياسية.
من المتفق عليه، أن المفوضية القومية للإنتخابات تعتمد بشكل أساسي على نتائج التعداد السكاني الواردة من المجلس القومي للإحصاء السكاني في تحديد الدوائر الانتخابية و في التسجيل، لذا من المهم ان يكون لدي المفوضية القومية للانتخابات، و قبل الشروع في اية انتخابات العامة، تقرير بالتعداد السكاني متفق عليه و يستوعب المستجدات و التغيرات المرتبطة بحركة السكان و النزوح و الهجرة و المواليد الوفيات. صارت عملية الاحصاء السكاني في الدول المتقدمة أكثر سهولة و يسر، لا سيما بعد ان صارت التكنلوجيا جزء من اجراءات حصر الوفيات و المواليد، و مازالت مسألة الاحصاء الالكتروني في السودان تحتاج الى وقت حتى تشمل كل مناطق السودان، لذا مازالت الحاجة قائمة بمواصلة اجراءات الاحصاء السكاني بالطريقة القديمة بالاضافة الى تشجيع المواطنين على التسجيل الالكتروني.
و لإضفاء المصداقية في الانتخابات القومية، من المهم أن ينص قانون الانتخابات على أحكام تضمن حصول المفوضية على تعداد سكاني واقعي، و أن يكون لها أن تتقدم للمجلس القومي للسكان و لرئاسة الجمهورية بطلب تقديم سجلات مستحدثة للتعداد السكاني لشعب السودان. و المهم الإنتباه إلى أن عملية الاحصاء السكاني تتطلب أيضاً، الالتزام بإجراءات الشفافية و النزاهة و الحرفية، لما للاحصاء من تأثيرات واضحة في مسألة الانتخابات القومية، و لما لها صلة كبيرة بالتسجيل الانتخابي، و ترسيم الدوائر الانتخابية.
لقد تناولنا من خلال خمسة حلقات أهم الموضوعات المتصلة باصلاح نظام الانتخابات وفق متطلبات التحول الديمقراطي في السودان، و بناء سلام شامل و تنمية مستدامة. لقد اشارت تلك الحلقات في كل جوانبها، الى العديد من التوصيات بقصد اصلاح قانون الانتخابات لسنة 2008 بما يتوافق مع المعايير الدولية، و دستور السودان، و كذلك بما يستوعب الظروف السياسية و الاجتماعية السودانية. ان السودان يمر بمرحلة معقدة في تاريخه السياسي و من الممكن للنظام الانتخابي – ضمن تدابير أخرى – ان يلعب دور مهم في تعزيز الوحدة الوطنية و بناء السلام و التوافق السياسي.
و لكن في خاتمة القول من المهم الاشارة إلى أن أي تعديلات قانون الانتخابات – و إن كانت متوافقة مع المعايير الدولية -، فانها لن تخدم الغرض الذي من أجله تم إجراء التعديلات، طالما تمت بمعزل عن الاصلاحات في القوانين الاخرى المتصلة بفضاء الحريات.