اتفاق جوبا للسلام .. لم ولن يجلب سلاما؟

 


 

 

اقتنع العقلاء أنّ اتفاق للسلام تم توقيعه للإلهاء السياسي والاستهلاك الوظيفي، ولا شأن له بالسلام بمعنى حقن دماء المكونات المتصارعة في هوامش البلاد، ووقف الاقتتال المجاني في عموم دارفور وغربه على وجه الخصوص، تكررت المواجهات الدموية، وفي كل مرة تشتد ضراوة لدرجة يُخيل للمتابع أنّ النازحين بتلك البقاع المكلومة، لم يتبقَ منهم أحد على قيد الحياة، أو يصمد بها معسكر لم يحرق بعد.
توالت الوعود من قبل قيادات سيادية، بخصوص تكوين قوات أمنية خاصة لحسم المواجهات القبلية، وتكررت تأكيدات حاكم الإقليم بوضع حدٍ لسفك الدماء، وزمجر ولاة الولايات، وكشروا عن أنيابهم في وجوه النافخين في نيران القتل والحرق، ولكن الأيام أثبتت أنهم جميعاً عاجزون عن صنع السلام، وأنّ اتفاق جوبا لا يساوي المداد الذي كتب به، وأنّ الوضع في دارفور تحديدا بعد توقيعه، إن لم يزداد سوءاً، فلم يتحسن قيد أنمله، فما معنى التمسك بمثل هذا الاتفاق "الفشنق"؟
قيادات الجبهة الثورة الذين باعوا القضية، وقايضوا المحاسبية وتسليم المجرمين للجنائية، بالمناصب الدستورية، لماذا يتباكون الآن على تردي الأوضاع الأمنية في الإقليم؟ فمن المعلوم بديهاً من أمن العقاب أساء التصرف، والرسالة التي وصلت للقتلة المتعطشون للدماء، أنّ أجندة "تحت التربيزة" تعني ضمنياً الحكم مقابل الأرواح والدماء، والمناصب مقابل الصمت، فهل أدرك أصحاب الأجندة الخفية أيّ ورطة هم فيها بسبب اتفاق جوبا التآمري؟
اتفاق جوبا لن ينفذ في شقه الأمني، لتضارب المقاصد، وعدم اعتداد أطراف الصراع بمحتوياته المعلنة، ولبعد الشُقة بين أصحاب المصلحة، وطالبي الوظائف ولانعدام التمويل لتنفيذ الترتيبات الأمنية، فمن المكابرة التمسك به أو المحاججة بقدسيته.
ما ظل يتكرر مؤخراً في غرب دارفور من تسريع وتيرة المواجهات القبلية، وتوّرط قوات شبه حكومية نظامية، وفصائل تابعة للحركات المسلحة، لم يحدث طيلة تاريخ هذه المعضلة الدموية، ولا يساور أحد الشك في تورط السلطات الإنقلابية في تأجيج نيران هذه المواجهات لذات الدافع الذي ظلت هذه السلطات تتفرج على أنشطة 9 طويلة في معظم مدن السودان، وإذا كان اتفاق جوبا للسلام، قد أججّ الانقسام في الشرق وصبّ الجاز على حرائق الغرب، فلماذا يتمسك به الموقعون عليه إن كانوا يتحلون بذرة مسئولية!
ليس هنالك حل، سوى مطالبة المدنيين العزّل، المجتمع الدولي الشروع الفوري في تأسيس قوة دولية ثانية وإرسالها لحمايتهم، وإنقاذهم من موجة الإبادة الجماعية الثانية، فالتأويل على حلول السلطات الانقلابية بات ضربٌ من الحمق الشبيه بالاستجارة من الرمضاء النار.
إن كان هنالك من يهمه أرواح ودماء الأهالي الأبرياء في غرب دارفور عليه البحث عن حلول خارج الصندوق من الآن، وألاّ ينتظر جولة المواجهات القادمة، وعليه ألاّ يتوقع أنّ يكون الذين يتاجرون بهذه القضية جزءاً من حلولها، سيما الذين قبضوا الثمن وليسوا على استعداد للتنازل عنه.
ليس هنالك أمل في تنفيذ بنود اتفاق جوبا للسلام على وهنها، لأنّ الموقعين عليه غدروا بالشعب، وتآمروا على ثورته، وخابوا في كسب ثقة أصحاب المصلحة، المغيبين من الأصل، وما لم تُبنى الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتثق هذه الأطراف في حيادية السلطات الرسمية وحسن نواياها، فإنّ النيران لن تتوقف، وأنّ الدماء لن تحقن، والآن وبسبب هذا الاتفاق المشؤوم، باتت الثقة بين الأطراف أندر من لبن الطير.
طال ما أنّ آليات وقيادات اتفاق جوبا غير قادرين على ضرب الأيادي التي تعمل "مديدة حرّقتني" بين الأطراف المتناحرة، وعاجزون عن ردع حمّالات حطب الحروب، فإن المزيد من الأرواح ستزهق، وأنّ الغزير من الدماء المجانية ستراق. وطالما أنّ الثقل والعمق المركزي إن لم يكن مستفيداً من حربات الهامش، فلن يكن متضرراً منها، فإنّ الأوضاع الأمنية في غرب دارفور ستتفاقم، وأنّ المواجهات القبيلة ستشتد عوارها.
اتفاق جوبا للسلام سلّم إقليم دارفور "صُرة في خيط" إلى حاكم إقليم وولاة ولايات، وليس لدى أحدٍ منهم مؤهل لتولي السلطة، سوى أنهم حملة سلاح؟ وهم جميعا أعجز من أن يحلوا مشكلة حِلة وادعة، ناهيك عن إقليم مضطرب بحجم دولة، ليحرروا السلطات المركزية وبقية رفاقهم من المسئولية الأخلاقية عن دماء أهالي دارفور، ليكتفوا بالمشاهدة المريبة، ويبدون أسفهم على الأحداث! ولأن الحاكمين أصبحوا جزءاً من الصراع، فالحل في رحيلهم جميعا.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء