اقتلعوا الإمامة من عبد الحي!

 


 

 

 

mohamed@badawi.de
 نوستالجييو الإنقاذ
بالأمس التفّ حفنة من نوستالجيييّ الإنقاذ حول من توّجوه أميرا لهم: عبد الحي يوسف.  ماذا يعني أن ينادي عبد الحيّ يوسف بألفيّة نصرة الشريعة؟  هذا الشيخ – كما يعلم الكل – قد تنعّم طيلة العقود الثلاثة المنصرمة بخيرات الإنقاذ وكان من قارِعيّ الطبول ومكسري البارد لدى أمير المؤمنين، بشيرهم الذي علمهم السحر. لقد عُرف عنه يا سادتي أنه يمتلك أكثر من عشر فضائيات ومن النساء ما ينوء بعقد قرانه ذوو العصبة أولو القوة. لماذا قصد هذا الرجل أن يحشد تظاهرة جديدة لنصرة الشريعة بعد أن رشح السم نقوعاً في ثوب وزيرة الرياضية؟ ألأنه يتواجد الآن في لحظات الرمق الأخيرة، يلفظ السم والروح على حدّ سواء؟ أين كان عبد الحي هذا بربكم وأين كان هؤلاء، من ناصريه طوال الثلاثين سنة الماضية؟ لماذا لم يخرجوا جميعا لنصرة الشرع والعدل ونصرة أهل السودان في عهد فسد حكمه، وكسد عمله، وخسر فعله ذلك في كل أوراقه وعهوده؟ لماذا لم يصرخ الرجل مستجيرا من المنابر عندما سُجن أولادنا، ودُنست كراماتنا وقتلت فلذات أكبادنا وذبح خيرة أبناء السودان؟ لماذا لم يتفوّه ولو بكلمة واحدة تجاه عمر البشير في زياراته الكثيرة تحت نخيلات القصور الفارهة وبين ما لذ وطاب من أمواج المأكولات؟ لماذا لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في مجلس هيئة جهلاء السودان؟ لماذا لم يأمر المستوزرين والمستنفعين من أهل السلطان في عهد الجور الثلاثينيّ أن يتخلّوا عن فسقهم وفجورهم وانتهاكهم حرمات البلد؟ ألم يرَ بأمِّ عينيه الفساد والمفسدين من بينهم؟ ألم ير إرم ذات العماد مجسدة فيهم؟ لماذا لم ينتفض؟ لماذا لم يثُر؟ ألا يستحي أن يأتي بعد مرور ثلاثين عاما لينادي بنصرة الشريعة، بعد أن سخّر له البشير خير المنابر وأجمل المساجد وأفخم الڤلل التي وُهِب إيّاها ليسكن إليها؟ وهل الإسلام يحتاج لعبد الحي يوسف، وقال الله تعالى في كتابه: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون).
                                                                                                                                                                                                التجريم باسم الدين
 إن مشكلة السودان يا سادتي ليست مع اليساريين ولم يكن هؤلاء قد شكّلوا في يوم من الأيام معضلة أو احتباسا. لكن مشكلتنا مع الذين كسدت بضاعتهم وهم يعتقدون أنهم يحسون صنعا. بصريح القول، المشكلة مع تجّار الدين والأفاكين المنافقين، الذين ربّوا الدقون وأطلقوا اللحى وصارت هي زيهم الرسميّ. وللأسف يعتقد أهلنا البسطاء أنّ اللحيّة هي رمز للوقار وأن تلك الزبية التي نشأت من حكّ أبسطة المساجد من علامات الصلاح والتقوى. تعلمنا أن نحكم على البشر بالمظاهر الخادعة ولم نع يوما ما أن الآية التي تقول (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) تعني أن جباههم يوم القيامة يشع منها نور من أثر السجود. مع وضع خط تحت "يوم القيامة" (يعني ليس الآن يا سادتي).  بيد أنّ هذه اللعبة قد نفذت صلاحيتها الآن وقبل حول وخريف كما تنفذ صلاحيّة المعلبات الفاسدة. فلا رجعة إلى التباس المفاهيم ولا رجعة إلى ذُلٍّ ذاقه الشعب طوال الثلاثين سنة الماضية. فقد وعينا الدرس وجاري تطبيق الوصفة كما ينبغي!
 

رخصة الإمامة وارتياد المنابر
إنني أناشد من هذا المنبر السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك والسيد رئيس المجلس السياديّ عبد الفتاح البرهان ونائبه السيد محمد حمدان دلقو حميدتي أن يصلحوا حال المساجد وأن يوصدا الأبواب من دون تجّار الدين ومن دون أولئك الذين يبثّون الكراهيّة والبغضاء بين أبناء الأمّة الواحدة وفي صفوف أحفاد الوطن الذي لا زالت تنهش في جنباته ضباع الدين الزائف وارزقيته الفاتكة. ورسالتي موصولة للسيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف والذي أسعدني شخصيا بمواقفه الشجاعة والجريئة في نشر المحبة والسلام عندما نادى كل أبناء الوطن الذين أُبعدوا عنه ظلما وبهتانا بأن يعودوا أدراجهم لبناء سودان المحبة، بلد خير طيب المنبت ومترامي الأطراف يسع الجميع. لذا فينبغي عليه – وهذا رجاء وتوسل على شاكلة المملكة المغربية - أن تقنن قضايا الإمامة في المساجد وأن ترجأ حصريا لوزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف وأن تكون تحت إشراف معاليه، حتى توضع المساطر واللوائح القويمة لتصحيح المسار. ففي هذا الشأن يجب على المرشح من الأئمة أو الطالب الذي يريد إمامة المساجد، أن يكون مؤهلا أكاديميا أولا، ثمّ أخلاقيا ثانيا، وأن يعرف عن سيرته وخلقه حسن النيّة والسراط القويم ثالثا، حتى يتمكن من الحصول على "الرقم الوطني في السلام والمحبة" ومن ثمّة رخصة الإمامة لممارسة المهنة، كما هي الحال في دول فهمت التجربة ووعت الدرس، كالمغرب وتركيا، حتى تنقشع هذه السحابة السوداء عن سماء الوطن.
شعوبنا والانحطاط الفكريّ
يجب علينا أن نقف هنا وقفة صادقة مع أنفسنا فيما آل إليه حال الأمة العربية والإسلامية من انحطاط فكري ومعرفيّ في كل المجالات. بل ينبغي علينا أن نحدد مفهوم الاجتهاد في الفكر الإسلامي وكيفية الانتقال منه - بل وضرورة هذا الانتقال كما ذكر المفكر محمد أركون - إلى مرحلة نقد العقل الإسلامي ولا نقصد هنا التجربة الروحية للإسلام فهي تجربة عظمية بدون أدني شك. إن فكرة الصحوة الإسلامية المعاصرة والمنتشرة في كل أرجاء الوطن العربي تتلخص في انتشار التدين والتصوف وتعميم مبادئ الالتزام الديني بين الشباب. هذه صفات حسنه، يفتقد إليها عالم الغرب، إذ أنها تدعم العلاقة بين المخلوق وخالقه وبين العبد وربه ولكنها نائية وبعيدة في مضامينها عن عوامل القوة المادية التي يجسدها التقدم العلمي الحضاري ويلخصها الفكر الليبرالي بكل ما يتيحه من حرية للجميع بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق. فهذا نداء للأمّة إلى ربط التقوى بالعمل كما هو صريح في الدين الحنيف: الدين المعاملة، أي العمل، الاجتهاد والمثابرة. ومن أراد اللؤلؤ خاض البحار ومن رنا إلى النجاح سهر الليالي. فأعملوا لبناء سودان السلام ووطن المحبة الذي يسع كل الديانات والثقافات والأعراق. سودان حتما بدون كيزان! وتسقط ثالث ورابع#
 

 

آراء