الاعتداء على 9 طويلة هل تحول إلى عُرف مجتمعي شائع؟

 


 

 

المناظر الدامية لهؤلاء اللصوص التي تجتاح منصات الفيسبوك والواتساب هذه الإيام، حيث تنهال عليهم العصي والحجارة من كل حدب وصوب أضحت حوادث يومية توثقها كاميرات المراقبة المنتشرة حيث يتم إشباعهم ضرباً وركلاً ورفساً. فيديو يظهر أحدهم يتم جلده وإدخاله في جوال أُحكم إغلاقه في محاولة من المواطنين لرميه في قاع النيل! وفيديو آخر للص تم إحراق دراجته البخارية واشبع جلداً ثم أخذ في محاولة ليلقى به في النار المشتعلة لحرقه وهو حي! وفيديو أخر يوثق إحراق حي سكني (بالكدرو) عقب حادثة سطو وقتل المواطن (خاطر جلي) على يد أحد عناصر تسعة طويلة قِيل أنه ينتمي لهذا الحي الذي تسكنه أقلية نازحة من دولة جنوب السودان حيث جرى إحراق مئات المنازل ! كما أن عشرات الفيديوهات توثق تعرض اشخاص للسرقة على يد تسعة طويلة المنتشرة كأسراب الجراد تحت تهديد - السكاكين والسواطير والأسلحة - نهاراً في ظل غياب سلطة الدول، كلها مشاهد لا تبقى في النهاية سوى فصول قصيرة لانتقام المواطنين من اللصوص، مستندين في ذلك إلى أعراف شعبية لا تتسامح أبدًا مع من يسطو على ملك الغير.
سيولة أمنية!!
أعراف تطبيق القانون بالأيادي ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عقود مضت، ففي كثير من المناطق السودانية، بمجرّد ما يصرخ أحدهم “حرامي” في سوق شعبي مكتظ حتى تنطلق الأيادي في الضرب والجرح أحيانًا دون أن تسأل حتى عن حقيقة الوضع، وكثيرًا ما لا يتم تسليم اللص إلى الشرطة إلّا بعد نيله أصنافاً من التعنيف تجعله غير قادر على الحركة، وأحيانًا لولا تدخل وحدات الشرطة لوصل التعنيف إلى القتل. وإن كان القانون السوداني يجرّم تدخل المواطنين لإحقاق الحق بأيديهم، كما أن دعوات الحقوقيين دوماً تؤكد على ضرورة ترك العقاب حصرياً بيد القضاء. فإنه في الجانب الآخر، يضطر المواطنين نتيجة لعدم فعالية المنظومة الأمنية والحقوقية وتخليها عن القيام بمسؤولياتها في إيقاف مثل هذه الظواهر المخزية أو لتقاعسهم تحت دعاوى ,,دي المدنية الدايرنها،،؟ بالإضافة إلى قلة الحضور الأمني في كثير من المناطق الطرفية، الي جانب شعور الضحايا بأن ليس هناك عدالة ناجزة؟ بالإضافة إلى إهتزاز ثقة الكثيرين في الشرطة حينما شاهدوا عناصرها ينهبون هواتف ومقتنيات المارة علناَ في رابعة النهار عقب كل موكب! حوادث وثقتها كاميرات الصحافة المحلية وقنوات العالم ولم يرى المواطن إي مساءلة أو تحقيق شفاف في مثل هذه الحوداث، كما أن بعض المقبوض عليهم اتضح تبعيتهم لجهات أمنية وميليشيات شبه نظامية أمر ساهم في“إضعاف وتغويض هيبة الدولة” وهذاما يفسر انتشار ظاهرة تسعة طويلة بهذه الوتيرة وأن اللصوص لم يعودوا يُقيمون وزنًا لعناصر الشرطة والجهات الأمنية، مدركين أنها لم تفعل لهم شيء. وهنا السؤال هل عجزت الدولة عن مواجعة الصوص؟ كما أن السجون احيانا لم تعد مكان يحرم اللص من الحرية بل أصبح للأسف الشديد مكانا مفضلاً لا يكاد يخرج منه اللص حتى يعود إليه، إنه مدرسة يتم تكوين اللصوص فيها بدرجة متميزة، هذه السجون نما الي علمنا بوجود كل شي فيها (حسب الدفع) يوجد فيها كل شيء مخدرات، متابعة الأفلام، استخدام التلفونات شراء باقات الأنترنت كل شيء كل شيء؛ لقد وصلت السيولة الامنية للاسف الشديد إلى الحضيض واللصوص والمجرمين في تكاثر.
رسالة في بريد المجرمين!!
اتساع رقعة جرائم السرقة خاصة تلك التي تنفذ تحت التهديد بالأسلحة والسكاكين والسواطير او استخدام الأسلحة النارية بدأ من المسدس مروراً بالكلاشنكوف في ظل انتشار السلاح الناري وإن بعض الجناة لا يتوانون عن استخدام العنف في ترهيب أو قتل الضحايا، وصلت حدّ اقتحام مجموعات منظمة للمنازل و المحلات التجارية، جعلت الكثير من المواطنين اتباع مثل هذه الأعراف لحماية أملاكهم من السرقة، وأحيانًا حتى لحماية أرواحهم وممتلكاتهم. والمعروف في نظام الدولة الحديثة، فإن الدولة هي الجهة الوحيدة التي تحتكر العنف وتمارسه طبقًا للقانون، كما أن تحليلي الشخصي لتنامي ظاهرة الاعتداء وتعذيب اللصوص تسعة طويلة “يجب قراءتها على أنها شكل من أشكال الاحتجاج على التقصير الأمني الذي يطال بعض المناطق، وعلى التوزيع غير العادل للأمن”، بمعنى أن رسالة الحماية الذاتية تبعث إلى عنوانين: المجرمين من جهة، والجهات المسؤولة عن توفير الأمن.
رفض الممارسات البربرية !!
مع انتشار التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية وتراكم الوعي الحقوقي أضحى الكثير من الناس ينتبهون لمساوئ هذه الظاهرة خاصة وأنها “قد تصل إلى إزهاق الأرواح، كما أن الاتهامات بالسرقة قد تصل حد تصفية الحسابات، إذ يمكن تعنيف شخص بتهمة السرقة وهو لم يسرق شيئا، بما أن مجرد توجيه الاتهام به في سوق شعبي يكلّفه الضرب والجرح”. أن الأخطر هو أن الثقافة الاجتماعية السائدة التي تشجع مثل هذه الأعراف، تكبر مع المواطن منذ صغره، إذ يتربى على أخذ “حقه” بيده دون أن يقيم وزنًا للقانون. وفي حالة وفاة اللّص يكون الجرم الذي ارتكبه المواطنون أكبر وأقبح من الجنحة التي ارتكبها اللّص، فهو في النهاية مارس السّرقة ولم يمارس القتل! تشجيع الظاهرة سيقود المجتمع إلى سباق تسلح من أجل الحماية الذاتية وهو أمر بالغ الخطورة والعنف لا يولد إلا العنف في بلد يقف على فوهة بركان سياسي واجتماعي على أعتاب الإنفجار أقرب من أي وقت مضى !! ثقافة الاعتداء لا يمكن قبولها في ظل الدولة الحديثة وعقب أعظم ثورة سلمية في القرن العشرين أسقطت أعتى النظم الدكتاتورية في المنطقة. رأينا كيف جرى تطبيق سيادة حكم القانون على دهاقنة النظام البائد من المتهمين بالسرقة واللصوصية وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية على نحو ثلاثة عقود الى الأجهزة العدلية وقدموا إلي محاكمات بتمثيل قانوني كامل وهم يتلقون أفضل المعاملة الانسانية وتحرتم كرامتهم الآدمية بينما يتم معاملة صغار اللصوص بالضرب والصلب وحشر الشطة في مؤخراتهم أو محاولة حرقهم وهم أحياء! هذه الممارسات الوحشية إذا سمح لها بالإستمرار فهي تعكس عن ,,مجتمع كامل استسلم للبربرية،،.
بواعث اقتصادية:
لسوء الحظ، لا ينجح الكثير من الناس في الحصول على فرص عمل بسبب ارتفاع معدل البطالة، وقلة الفرص المتاحة في ظل ارتفاع زيادة تكاليف المعيشة والحياة الصعبة الباهظة التكلفة فضلاً عن السياسات الاقتصادية الحكومية غير الودودة مع الطبقات الضعيفة والفقيرة تركت هؤلاء الغلابة والمهمشين القادم جلهم من مناطق الحرب ليعيشوا حياة بائسة نفسيا واجتماعياً بأطراف العاصمة سياسات ساهمت وتساهم في ارتفاع معدلات الجريمة بما فيها ظاهرة تسعة طويلة والقتل والاحتيال والرشى.
أصل التسمية:
تعود التسمية إلى افتراضات منها أن استخدام عناصر تسعة طويلة للمواتر في حركتهم وذلك على شكل الرقم 9 حيث يبدأ الحركة في شكل مستقيم فيها يتم الكشف عن الضحية المفترضة ويحددها ومن ثم يقوم بالدوران والعودة بنفس طريق الشكل المستقيم للإنقضاض على الضحية كما أن البعض نسب تسميتها إلى لعبة (الوست) التي يمارسها أربعة أشخاص ينقسمون إلى فريقين في كل منهما لاعبان، ومَن يختار الرقم 9 يشكِّل خطورة على خصمه أو يأخذ (سيك) وهي أقسى مراتب الهزيمة بأن يخرج من اللعبة بدون أي.

abuhreira@kacesudan.org

 

آراء