البرهان وحميدتي بقايا وشوشة كيزان
طاهر عمر
29 September, 2021
29 September, 2021
في مقال سابق أيام انتصار الثورة المجيدة قلت بأن البرهان سيخدم ثورة ديسمبر المجيدة و هو صاغر لأنه لم يكن غير تربية كيزانية لا يدخر غير منحط الفكر من بقايا عهود غابت فيها أفكار نخب لها القدرة على التنبؤ و بالمناسبة غفلة النخب السودانية و طيشها هو السبب الاول لضياع ثلاثة عقود و هي عمر حكم الانقاذ كثمرة مرة للحركة الاسلامية السودانية. كان من الممكن أن يتفادى السودانيون حقبة حكم الاسلاميين و هي حقبة ثلاثة عقود توضح لك كيف تمر الشعوب بفترة انحطاط و لا يعكس مستوى انحطاط الشعب السوداني غير تلك الثلاثة عقود التي سيطر فيها وحل الفكر الديني و زاد الموقف تعقيد بأن من كان يجلس في صفوف المعارضة من أحزاب كحزب الامة و حزب الاتحادي أي أن كل من الامام و مولانا و حزب الاستاذ أي حزب النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية هي بدورها لا تعكس إلا الوجه الآخر لعملة لحظة انحطاط الفكر و هي لحظات يكون فيها الفكر و النخب خارج التاريخ.
و هذا ما يدخل السودان دوما في متاهات يصعب الخروج منها و أنظر الآن كيف إلتقت أهداف الحزب الشيوعي السوداني و دعوته الى إسقاط حكومة ثورة ديسمبر المجيدة انها دعوة لم يلتقي معه فيها إلا فلول نظام الكيزان و ها هي تتطابق مع نية البرهان و حميدتي على انقلابهم الفاشل و السؤال لماذا تتطابق أهداف أتباع الحزب الشيوعي في اسقاط حكومة الثورة؟ لأنهم يرتكزون على فكر من يكون على حافة الخروج من التاريخ و هذا شأن المثقف التراجيدي الذي يجسده الشيوعي السوداني و السبب لأن أفكارهم التي تسيطر عليهم قد أسسوها على أفكار قد فارقته نخب ورثة فكر الأنوار و هي الشعوب الحية منذ ثلاثينيات القرن المنصرم لحظة قيام مؤتمر الخريجيين و كانوا نخب لا تختلف عن نخب اليوم بأنها نخب غير مواكبة لتطور الفكر في العالم.
ما زالت أحزاب وحل الفكر الديني تعتقد في دولة الارادة الالهية و هي أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و السلفيين و في الشق الآخر نجد نسخة الشيوعية السودانية التي يقودها المثقف التراجيدي الذي يعرف بأن أفكاره لا يمكن تحقيقها على الاطلاق و هو ينادي بنهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و هيهات لأننا نحن في زمن فكر يتحدث عن الشرط الانساني و هذا ما غاب عن أفق نخبنا السودانية و أحزابها الغائصة في الوحل الديني. ما يجب أن ننبه له النخب هو أن النخب السودانية و منذ ثلاثينيات القرن المنصرم لم تكن يوما واحد على مستوى نخب العالم فهي دوما لاحقة للأحداث مثلا اليوم كل العالم يتحدث عن الديمقراطية و يقصد بها الديمقراطية الليبرالية و نمط الانتاج الرأسمالي و هنا في السودان نجد المثقف التراجيدي في صفوف الحزب الشيوعي السوداني يتحدث عن ديمقراطية لا ترتكز على نمط الانتاج الرأسمالي و من هنا نجدهم يفارقون خط الشرط الانساني و هذا هو الباب الذي من خلاله يدخل المغامرون أمثال البرهان و حميدتي فاذا كانت النخب السودانية على مستوى نخب العالم الحي من أين للبرهان و حميدتي أن يجد مدخل للحديث عل قضايا فكرية عجزت عنها نخب السودان بسبب مستواها المتدني مقارنة مع نخب العالم الحي و لكن انخفاض مستوى النخب السودانية يتيح الفرصة لذوي المستوى المتدني من الفكر أمثال البرهان و حميدتي بأن يكون له باع في الفكر و هيهات وكل السبب لأن النخب السودانية تظن بأن كل من هب و دب يستطيع أن يدلو بدلوه لذلك نجد من بين النخب السودانية و هي في اعتقادها بان الدبلوماسيين و رجال الدين و العسكر و المؤرخيين اتباع المنهجية التاريخية يجلسون في صفوف كبار المفكريين و هيهات.
و من هنا يتطفل كل من البرهان و حميدتي على ساحة الفكر و هم يظنون بأن العسكر كثر منهم مقبولون من بين النخب السودانية كما يتطفل رجال الدين على الفكر في السودان و كذلك الدبلوماسيين و يشكلون مجموعة كبيرة وسط نخب السودان التي ما زالت لاحقة للأحداث في مسارح الفكر. تدني مستوى النخب السودانية فيما يتعلق بالفكر يجعلهم دوما لاحقين للأحداث و اللاحق للأحداث يلهث دوما دون أن يحقق ما ينفع الناس و دليلنا على ذلك فشل النخب السودانية في تحقيق التحول الديمقراطي في أعقاب كل من ثورتي اكتوبر و ابريل و هاهم بنفس أحزابهم أحزاب وحل الفكر الديني و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية يريدون أن يخنقوا أنفاس ثورة ديسمبر المجيدة باتاحة الفرصة للمغامرين أمثال البرهان و حميدتي.
و من هنا نقول للنخب الفاشلة أن من يقوم بالتغيير هو الشعب و هو فوق السلطة و فوق كل حزب توهم أتباعه أنهم فوق النقد و على النخب ان تفارق دور المثقف التراجيدي الذي لا يجيد غير الاحتفال بالثورات الفاشلة كاحتفال النخب السودانية بثورة اكتوبر كل عام لا سبب إلا لتأبيد دورهم الذي يظنون أنه سيفضي بهم الى نهاية التاريخ و نهاية انتهاء الصراع الطبقي و هيهات. و عليه نقول للنخب الفاشلة أتباع أحزاب وحل الفكر الديني من أحزاب طائفية و حركات اسلامية و سلفيين و أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية بسبب تدني مستوى فكركم أتحتم الفرصة للحركة الاسلامية السودانية لثلاثة عقود مثلت انحطاط الفكر في السودان و لو كنتم مواكبين للفكر في العالم لما استطاع الكيزان قفل الطريق أمام الشعب السوداني باللحاق بمواكب البشرية في ازدهارها المادي و بالمناسبة هناك نخب حتى من دول ارتضينا أن نكون تخوم لهم قد نبّهوا بفكر جيد و اذا كانت نخب السودان على مستواهم لما استطاعت الحركة الاسلامية أن تنجح في انقلابها على الديمقراطية و لكن لأن مستوى النخب السودانية كان متدني استطاعت الحركة الاسلامية الآتية من خارج التاريخ أن تسوقهم على مدى ثلاثة عقود و بالمناسبة هناك من المفكريين من قال بأن الحركات الاسلامية فقاقيع لا يمكن أن تزدهر و تحكم إلا في وسط شعوب تمر بمرحلة انحطاط و تعيش في لحظة تتأهب فيها مجتمعاتها للخروج من التاريخ و صدق من قال و ها هي الأحداث تشهدكم على فشل الاسلاميين في مصر رغم أن السيسي يسير باتجاه تأسيس نظام تسلطي و هاهم قد فشلوا في تونس بسبب عشرية الغنوشي و ها هو يشاهد تحطم حزبة حركة النهضة بالانشقاقات و الآن يفشل حزب الاخوان المسلميين في المغرب و ينهزموا في الانتخابات هزيمة ليس لها مثيل و تعتبر مؤشر على وهم النخب.
و بالمناسبة اذا كانت النخب على مستوى عالي من الفكر لما كانت هناك فرصة لحشود الاسلاميين في العالم العربي و الاسلامي و هي حشود قد بدأت و هي تتلهف لميراث حقبة جمال عبد الناصر و حشوده الفاشلة في تأسيس قيم الجمهورية القائمة على حقوق الانسان و هذا ما فشلت أيضا النخب السودانية في تأسيسه في مكتبة الفكر السوداني لذلك طيلة حقبة السبيعنيات و حتى اللحظة لا تجد غير سيطرة فكر الامام الصادق المهدي و محاوراته الفاشلة لتمرير وحل الفكر الديني و تجد في المقابل انكار أتباع الحزب الشيوعي السوداني بأن لا طريق للخروج باتجاه الديمقراطية بغير ترسيخ نمط الانتاج الرأسمالي و أن مسألة فكرة التاريخ و العقل في كل الهيغلية و الماركسية لم تنتج غير فكر لاهوتي غائي ديني لا يختلف عن فكر أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و ما زال الشيوعي السوداني لا يؤمن بأن الديمقراطية ذات علاقة طردية مع الرأسمالية و ذات علاقة عكسية مع الماركسية و ما زالوا لا يعيرون اهتمام لفكرة الشرط الانساني في افتراضه لعقلانية و أخلاقية الفرد و لم يتيحوا لنفسهم الفرصة بأن معادلة الحرية و العدالة هي التي تضبط علاقة الفرد في صراعه بمجتمعه و هي روح الفكر الليبرالي و قلب الليبرالية الحديثة و من محاسن الصدف بأن شعار ثورة ديسمبر كان تجسيد لروح الفكر الليبرالية و نبض الليبرالية الحديثة التي لم يرى أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية ملامح فكرها حتى اللحظة بسبب ركونهم في زمنهم القديم الذي لم يبارح نقدهم لحقبة الليبرالية التقليدية و قد جعلهم يلتقون مع الفلول في هدفهم و هو اسقاط حكومة ثورة ديسمبر المجيدة و ها هم يلتقون مع رغبة المغامرين في اسقاط حكومة الثورة في محاولة انقلابهم على حكومة الثورة من أمثال البرهان و حميدي في الزوبعة الأخيرة.
نقول للنخب السودانية أخرجوا من متدني مستوى فكركم الموروث من زمن مؤتمر الخريجيين و منذ قيام الأحزاب السودانية التي قد قامت على مستوى فكر كان بعيد عن مستوى فكر فلسفة التاريخ الحديثة التي لا يقترب من مستواها غير الذي يدرك بأن الشرط الانساني و نمط الانتاج الرأسمالي و زمن الفرد و العقل و الحرية هو زمن علاقة الديمقراطية في علاقتها الطردية مع الرأسمالية و فكر الليبرالية الحديثة و هذا يحتاج لفكر جديد يؤسس لأحزاب مفارقة و غير متفقة مع أفكار وحل الفكر الديني أي أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و نسخة الشيوعية السودانية كدين بشري فاشل أفشل من الأديان نفسها كجالب لسلام العالم و ليعلم الجميع بأن الديمقراطية اليوم و حتى في المجتمعات الحية في مرحلة ديمقراطية ضد الديمقراطية و هذه لحظات تحتاج لمفكريين و مراكز بحوث لا يقودها أتباع أحزاب وحل الفكر الديني من أحزاب الطائفية و السلفيين و الحركة الاسلامية السودانية و لا أتباع الحزب الشيوعي السوداني بنسخته غير القادرة على إعادة اكتشاف غرامشي و أصدقاء الحزب الشيوعي.
نحن في زمن ديمقراطية ضد الديمقراطية و تحتاج لفكر جديد لا ينتجه من أفنوا عمرهم في الشلليات و الاخوانيات و المجاملات نحتاج فكر يعالج زمن ديمقراطية ضد الديمقراطية و يقطع الطريق أمام المغامريين أمثال البراهان و حميدي لأنهم لا يمثلون غير حثالة النخب السودانية الفاشلة و لك أن تتخيل أن طيش النخب الفاشلة يريدون أن تتقدمهم حثالتهم و اللوم و العيب لمن أعطاهم الفرصة و أقصد كل من العسكري البرهان و نصف الأمي حميدتي. نحن في زمن يحتاج للدقة في اختيار الفكر المناسب لمرحلة التحول الديمقراطي في السودان في ظل عودة السودان لحضن المجتمع الدولي في زمن يمثل زمن ديمقراطية ضد الديمقراطية و هي لحظة أزمة تمر بها حتى الشعوب الحية و تحتاج لترتيب البيت من الداخل كما رأينا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و ها هو بايدن يريد بان يعود الى لحظة تتشابه مع أفكار أفكار الكينزية و هي تجسيد لفكرة التدخل الحكومي من أجل ترسيخ فكرة الاستهلاك المستقل عن الدخل و هو ما يهتم بالمعادلات السلوكية التي تجسد عقلانية و أخلاقية الفرد و هذا فكر غاب عن مكتبتنا السودانية.
taheromer86@yahoo.com