من بطون كتب
sanhooryazeem@hotmail.com
منبر بنيان – مقالات من بطون كتب
أولًا: مقدمة
يُعد التأمين أحد الأعمدة الرئيسة في الاقتصاد الحديث، إذ يوفر آلية لتوزيع المخاطر وتحقيق الاستقرار المالي للأفراد والمؤسسات. غير أن الدول النامية، رغم إدراكها لأهمية هذا القطاع، ما زالت تعاني من ضعف شديد في انتشار التأمين وتنوعه. ويرجع ذلك إلى مزيج من العوامل الثقافية، والتشريعية، والمؤسسية، التي أعاقت تطوره وجعلته حكرًا على قطاعات محدودة.
ثانيًا: ملامح واقع التأمين في الدول النامية
في معظم البلدان العربية والإفريقية، لا تتجاوز نسبة انتشار التأمين 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بأكثر من 7% في الدول المتقدمة.
وهذا الضعف لا يعني فقط قلة الوعي التأميني بين المواطنين، بل أيضًا محدودية الثقة في المؤسسات، وغياب التشريعات الجاذبة لرأس المال التأميني.
من أبرز السمات:
- هيمنة التأمين الإجباري (السيارات والمركبات)، بينما يظل التأمين الصحي أو الزراعي أو الحرفي في حدوده الدنيا.
- ضعف شركات التأمين المحلية، واعتمادها على إعادة التأمين في الخارج، ما يجعل جزءًا كبيرًا من الأقساط يخرج من الاقتصاد الوطني.
- غياب الابتكار التأميني، مثل التأمين متناهي الصغر أو التأمين الزراعي الموجه للفقراء.
ثالثًا: الجذور الثقافية والاجتماعية للمشكلة
يرتبط ضعف التأمين في الدول النامية بعمق في البنية الثقافية والاجتماعية.
فالكثير من المجتمعات التقليدية ترى أن “القدر وحده هو الضامن”، مما يولّد نوعًا من التصادم بين العقيدة والآلية التأمينية، خاصة في المجتمعات الإسلامية التي ما زالت تتحفظ على التأمين التجاري لأسباب فقهية.
كما أن انخفاض مستويات التعليم المالي وعدم الثقة في المؤسسات الخاصة يعمّق من عزوف الأفراد عن الانخراط في المنظومة التأمينية.
رابعًا: الجوانب التشريعية والتنظيمية
القوانين التأمينية في كثير من الدول النامية ما زالت قائمة على نُظُم قديمة لا تراعي تطور سوق المخاطر ولا تضمن حماية كافية للمستهلك.
كما أن ضعف الرقابة المالية يجعل بعض الشركات تعمل دون التزام صارم بمعايير الشفافية أو العدالة في العقود، ما أدى إلى شيوع الانطباع بأن عقود التأمين عقود إذعان، لا توازن فيها بين الطرفين.
خامسًا: دراسات حالة
- السودان:
رغم التجربة المميزة في التأمين التكافلي، إلا أن الحرب الأخيرة أدت إلى انهيار البنية التحتية المالية، فتراجعت الأقساط التأمينية وتقلصت قدرة الشركات على السداد. كما أثّرت الهجرة الواسعة للمؤمنين والكوادر على استقرار القطاع.
- مصر:
شهدت السوق التأمينية نموًا نسبيًا في مجالات التأمين الصحي والمصرفي، إلا أن الوعي العام ما زال ضعيفًا، خاصة في الريف والمناطق غير الرسمية.
- نيجيريا:
تمثل تجربة نيجيريا حالة نموذجية في التحديات؛ حيث يقف الفساد الإداري وضعف الرقابة حائلًا دون ازدهار التأمين رغم ضخامة السوق.
سادسًا: نحو إصلاح شامل
إن إصلاح قطاع التأمين في الدول النامية يتطلب رؤية متكاملة تشمل:
- إدخال التربية التأمينية في المناهج الدراسية والإعلام.
- تحفيز الابتكار التأميني، خاصة التأمين الزراعي والصحي للفئات الهشة.
- سن تشريعات جديدة توازن بين مصالح المؤمن والمؤمَّن له.
- تعزيز الشفافية والثقة عبر رقابة حكومية مستقلة وتفعيل دور البنوك المركزية في الإشراف على التأمين.
سابعًا: خاتمة
التأمين في الدول النامية ليس مجرد خدمة مالية بل أداة تنموية تمكّن المجتمعات من تجاوز الصدمات الاقتصادية.
وإذا لم يُربط التأمين بالثقافة والتعليم والتنمية، سيظل قطاعًا نخبويًا بعيدًا عن دوره الحقيقي في تحقيق الاستقرار الشامل.
إن بناء الثقة، وتحديث القوانين، وتوسيع الوعي، تمثل مفاتيح النهوض بقطاع التأمين، ليصبح أحد محركات التنمية المستدامة في عالم الجنوب.
المراجع والمصادر:
- Swiss Re Institute (2022). World Insurance Report: Global Trends and Emerging Markets.
- UNCTAD (2020). Insurance and Development in Emerging Economies
- Alhabshi, S. O. (2018). Islamic Insurance (Takaful): Concepts and Challenges. Kuala Lumpur: IIUM Press.
- OECD (2021). The Role of Insurance in Economic Development.
- البنك الدولي (2023). تقرير تطوير القطاع المالي في إفريقيا جنوب الصحراء.
- هيئة الرقابة على التأمين – مصر (2022). تقرير سوق التأمين المصري السنوي.
عبد العظيم الريح مدثر
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم