التفكير خارج الصندوق في مستقبل العسكر في السودان
عبدالكريم جبريل القوني
7 June, 2023
7 June, 2023
ابتلى الله السودان بحرب قال عنها البرهان رئيس مجلس السيادة و قائد الجيش أنها حرب عبثية و قال عنها محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة و قائد قوات الدعم السريع ان هذه حرب خاسرة و قال عنها الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس وزراء حكومة الانتقال لا رابح ولا منتصر في هذه الحرب. و ينادى الثوار و داعمى الثورة السودانية بالوقف الفوري لهذه الحرب اللعينة.
الغريب أن كيزان الحركة الإسلامية و فلول النظام السابق يزعمون أنها حرب الكرامة الوطنية و لابد للمواطنين أن يتسلحوا للوقوف مع قواتهم المسلحة.
لقد كان الغرض الأساسي من إعلان جدة الموقع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع فى مايو ٢٠٢٣ واتفاق الهدنة لمدة سبعة أيام المبرم بين الطرفين والذي تم تجديده لمدة خمسة أيام، توفير فرصة حقيقية للبدء في معالجة الكارثة الإنسانية التي تعصف بملايين السودانيين. رغم أن هدنة اتفاق جدة قلصت المواجهات العسكرية بين الطرفين إلا أن عدم الالتزام الكامل بها والخروقات دفع ثمنها المدنيون الأبرياء الذين تتفاقم معاناتهم يومياً بسبب استمرار العمليات العسكرية. و للتفكير لما بعد الحرب فإن القطاع الاوسع من الشعب السوداني وكياناته السياسية مطلبها جيش مهني واحد يضم كافة مجاميع القوات و الحركات المسلحة او تسريحها و أن يبتعد الجيش المهني كله عن النشاط السياسي والاقتصادي و يهتم بمهمته الأساسية و هي حراسة حدود الدولة السودانية و حراسة الدستور المرتقب.
نحن نعرف ان أعداد غفيرة في قيادات الجيش الحالية و معها قيادات جهاز الأمن و الشرطة تدين بالولاء لفلول النظام المباد ورغبتهم اكيدة في البقاء في الحكم باي شكل كان على الاقل في الفترة الانتقالية حتى يضمنوا وجودهم فيعودون للانقلاب على الحكم بعد الانتقال الديمقراطي. اذن نحن بحاجة ليس لتامين الفترة الانتقالية فحسب، بل النظر والبحث عما يؤمن الفترة الديمقراطية التي تلي مرحلة الانتقال ولا سبيل لذلك التامين الا بالاحتفاظ بقوة مسلحة مؤتمرة بأمر الحكم المدني تؤمن ظهره من الانقلابات. لأنه من المزعج أنه حتى جهاز الامن و جهاز الشرطة الحالي الذي يمثل في الاصل الذراع العسكري الذي يستند عليه الحكم المدني في انفاذ سياساته لم يعد مكان ثقة يمكن الاعتماد عليه من خلال تجربة السنوات الاربعة الماضية منذ نجاح الثورة.
و للعمل على ترتيبات ما بعد الحرب ، يجب ان نضع هذه الحقيقة نصب عينينا ، و نبني عليها الأفكار و الرؤى و المقترحات. لأنه اذا لم نتخلص من أدلجة الجيش و انحيازه السياسي و اذا لم نتخلص من امبراطورية الجيش المالية، فلن نحلم بجيش واحد محترف و لن نحلم بحكم مدني ديمقراطي. الاتفاق الاطاري يتفق مع قيادة الجيش الحالية التي تطالب بدمج الدعم السريع في الجيش واخضاع قيادته الي قيادة الجيش. الدعم السريع يبدى عدم ممانعة اولية من فكرة الدمج في الجيش، الا اذا كان ذلك وفق رؤية تحفظ لقيادته كينونتها. و لكن يبدو أن هناك قطاع كبير في الجيش ربما لا يرغب في دمج الدعم و انما يدعم خط تسريحه. فى اعتقادي ان عدم قبول الجيش لمقترح دمج الدعم السريع في الجيش بالمواصفات الاحترافية، و عدم قبولهم المتوقع بوجوده كقوة تتبع لرئيس الوزراء له علاقة بأن الجيش لا يقبل ان يكون بعيدا عن الحكم و عن السياسة و عن الامتيازات المالية. و هناك نقطة مهمة هي أن كيزان الحركة الاسلامية تبني كل آمالها بالعودة للسلطة عبر الحسم العسكري للصراع الجاري الآن بقيادة تنظيمها في الجيش و جيشها الموازي. و من هنا برز التعارض بينها و بين الدعم السريع، الذي احبط لها عدة محاولات انقلابية، اشهرها انقلاب هاشم عبد المطلب ، قائد هيئة اركان الجيش و انقلاب المدرعات بقيادة بكراوي.
تلك في تقديري نقاط النزاع البارزة التي فتحت ابواب هذا القتال المميت و التي يجب على ضوئها النظر في الحلول من قبل الأحزاب السياسية السودانية و الناشطين و الوسطاء في الداخل والخارج.
ولعل السؤال العملي الان هل يمكن وفق محددات النزاع أعلاه التفاكر في مسار او حل عملي اخر؟ على سبيل المثال ما الذي يحول دون قبول الدعم السريع بعددية وقوة نار محددة مقننة ومتفق عليها كقوة نظامية لا تتبع الجيش، ولكن تتبع لرئاسة الحكومة المدنية مثله مثل الشرطة او قوة شبيهة بتلك التي عرفت بهيئة العمليات؟ تبعية الدعم السريع لرئيس الوزراء المدني يحل العقدة التي تزعج قيادة الدعم من فكرة خضوع قيادته لقيادة الجيش وتعفي الجيش بدوره من عبء دمج الدعم الي قواته وتحصر المهام العسكرية للدعم في اطار التامين الداخلي و محاربة الاتجار بالبشر و الجريمة العابرة للحدود و ذلك بتكاليف و مسؤوليات يحددها له مجلس الوزراء. و هذه الفكرة تحجم طموحات قادة الجيش و الفلول في العودة الي الحكم من جهة وتمكن الحكومة المدنية من انفاذ سياساتها بشان ازالة التمكين من جهة أخرى. صحيح هنالك مآخذ تمس هرمية الدعم السريع ومنسوبيه من حيث ولائها لبيت واحد او اثنيات او مكون ثقافي بعينة هذه السلبيات التي تثير المخاوف يمكن اصلاحها بتقنين يرعى المصلحة القومية العامة وبأسلوب هادئ متدرج.
د عبدالكريم جبريل القوني
جوهانسبيرج
abdul.elgoni@gmail.com
الغريب أن كيزان الحركة الإسلامية و فلول النظام السابق يزعمون أنها حرب الكرامة الوطنية و لابد للمواطنين أن يتسلحوا للوقوف مع قواتهم المسلحة.
لقد كان الغرض الأساسي من إعلان جدة الموقع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع فى مايو ٢٠٢٣ واتفاق الهدنة لمدة سبعة أيام المبرم بين الطرفين والذي تم تجديده لمدة خمسة أيام، توفير فرصة حقيقية للبدء في معالجة الكارثة الإنسانية التي تعصف بملايين السودانيين. رغم أن هدنة اتفاق جدة قلصت المواجهات العسكرية بين الطرفين إلا أن عدم الالتزام الكامل بها والخروقات دفع ثمنها المدنيون الأبرياء الذين تتفاقم معاناتهم يومياً بسبب استمرار العمليات العسكرية. و للتفكير لما بعد الحرب فإن القطاع الاوسع من الشعب السوداني وكياناته السياسية مطلبها جيش مهني واحد يضم كافة مجاميع القوات و الحركات المسلحة او تسريحها و أن يبتعد الجيش المهني كله عن النشاط السياسي والاقتصادي و يهتم بمهمته الأساسية و هي حراسة حدود الدولة السودانية و حراسة الدستور المرتقب.
نحن نعرف ان أعداد غفيرة في قيادات الجيش الحالية و معها قيادات جهاز الأمن و الشرطة تدين بالولاء لفلول النظام المباد ورغبتهم اكيدة في البقاء في الحكم باي شكل كان على الاقل في الفترة الانتقالية حتى يضمنوا وجودهم فيعودون للانقلاب على الحكم بعد الانتقال الديمقراطي. اذن نحن بحاجة ليس لتامين الفترة الانتقالية فحسب، بل النظر والبحث عما يؤمن الفترة الديمقراطية التي تلي مرحلة الانتقال ولا سبيل لذلك التامين الا بالاحتفاظ بقوة مسلحة مؤتمرة بأمر الحكم المدني تؤمن ظهره من الانقلابات. لأنه من المزعج أنه حتى جهاز الامن و جهاز الشرطة الحالي الذي يمثل في الاصل الذراع العسكري الذي يستند عليه الحكم المدني في انفاذ سياساته لم يعد مكان ثقة يمكن الاعتماد عليه من خلال تجربة السنوات الاربعة الماضية منذ نجاح الثورة.
و للعمل على ترتيبات ما بعد الحرب ، يجب ان نضع هذه الحقيقة نصب عينينا ، و نبني عليها الأفكار و الرؤى و المقترحات. لأنه اذا لم نتخلص من أدلجة الجيش و انحيازه السياسي و اذا لم نتخلص من امبراطورية الجيش المالية، فلن نحلم بجيش واحد محترف و لن نحلم بحكم مدني ديمقراطي. الاتفاق الاطاري يتفق مع قيادة الجيش الحالية التي تطالب بدمج الدعم السريع في الجيش واخضاع قيادته الي قيادة الجيش. الدعم السريع يبدى عدم ممانعة اولية من فكرة الدمج في الجيش، الا اذا كان ذلك وفق رؤية تحفظ لقيادته كينونتها. و لكن يبدو أن هناك قطاع كبير في الجيش ربما لا يرغب في دمج الدعم و انما يدعم خط تسريحه. فى اعتقادي ان عدم قبول الجيش لمقترح دمج الدعم السريع في الجيش بالمواصفات الاحترافية، و عدم قبولهم المتوقع بوجوده كقوة تتبع لرئيس الوزراء له علاقة بأن الجيش لا يقبل ان يكون بعيدا عن الحكم و عن السياسة و عن الامتيازات المالية. و هناك نقطة مهمة هي أن كيزان الحركة الاسلامية تبني كل آمالها بالعودة للسلطة عبر الحسم العسكري للصراع الجاري الآن بقيادة تنظيمها في الجيش و جيشها الموازي. و من هنا برز التعارض بينها و بين الدعم السريع، الذي احبط لها عدة محاولات انقلابية، اشهرها انقلاب هاشم عبد المطلب ، قائد هيئة اركان الجيش و انقلاب المدرعات بقيادة بكراوي.
تلك في تقديري نقاط النزاع البارزة التي فتحت ابواب هذا القتال المميت و التي يجب على ضوئها النظر في الحلول من قبل الأحزاب السياسية السودانية و الناشطين و الوسطاء في الداخل والخارج.
ولعل السؤال العملي الان هل يمكن وفق محددات النزاع أعلاه التفاكر في مسار او حل عملي اخر؟ على سبيل المثال ما الذي يحول دون قبول الدعم السريع بعددية وقوة نار محددة مقننة ومتفق عليها كقوة نظامية لا تتبع الجيش، ولكن تتبع لرئاسة الحكومة المدنية مثله مثل الشرطة او قوة شبيهة بتلك التي عرفت بهيئة العمليات؟ تبعية الدعم السريع لرئيس الوزراء المدني يحل العقدة التي تزعج قيادة الدعم من فكرة خضوع قيادته لقيادة الجيش وتعفي الجيش بدوره من عبء دمج الدعم الي قواته وتحصر المهام العسكرية للدعم في اطار التامين الداخلي و محاربة الاتجار بالبشر و الجريمة العابرة للحدود و ذلك بتكاليف و مسؤوليات يحددها له مجلس الوزراء. و هذه الفكرة تحجم طموحات قادة الجيش و الفلول في العودة الي الحكم من جهة وتمكن الحكومة المدنية من انفاذ سياساتها بشان ازالة التمكين من جهة أخرى. صحيح هنالك مآخذ تمس هرمية الدعم السريع ومنسوبيه من حيث ولائها لبيت واحد او اثنيات او مكون ثقافي بعينة هذه السلبيات التي تثير المخاوف يمكن اصلاحها بتقنين يرعى المصلحة القومية العامة وبأسلوب هادئ متدرج.
د عبدالكريم جبريل القوني
جوهانسبيرج
abdul.elgoni@gmail.com