التقرير السياسي لحشد الوحدوي – أغسطس ٢٠١٩

 


 

 

 

 

الحزب الإشتراكي الديمقراطي الوحدوي // حشد الوحدوي

======================
تقرير من المكتب السياسي إلى هيئة القيادة الجماعية

التاريخ: 15 أغسطس 2019م

أولا: تمهيد ومدخل عام

إن حزبنا كان وما يزال يؤمن بأهمية وحتمية وحدة الهدف والمصير لكل القوى السياسية التي تؤمن بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة والسلام والسلم الإجتماعي والمساواة في كل أوجهها، ونبذ العنصرية والإستعلاء من أجل تمتين الوحدة الوطنية السودانية القائمة على أسس العدالة والمساوة وحقوق الإنسان، لذلك فلقد كان الحزب دائما في قلب النضال منذ تأسيسه ولم يتراجع أبدا عن دعم عملية التغيير الشاملة، ولم يمنعه أو يلهيه ترغيب أو إرهاب عن مناهضة نظام الحركة الإسلامية حتى سقوط رأسه في الحادي عشر من أبريل 2019م.

كما إن حزبنا كان وما يزال يتبنى سياسة أهمية إنسجام التاكتيك السياسي مع الإستراتيجية العامة، وعدم التعارض معها في أي مرحلة من مراحل النضال المستمر من أجل تحقيق الأهداف المعلنة، عليه فلقد كنا دائما نحذر من الحلول الزائفة ومن إتباع البراقماتية المفرطة، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة المكيافلي بكل ما يحمل في جوهره من إنهزامية وإنتهازية وخداع.
إلتزاما بأهداف ومبادئ الحزب، فلقد أعلن المكتب السياسي منذ اليوم الأول لسقوط المخلوع عمر البشير، بأن الثورة ما زالت في بداياتها، وإن المجلس العسكري الأول والثاني، لم يكن تسلمهما للسلطة إنحيازا للثورة، أو حماية لها، وإنما كان إنقلابا داخل النظام الحاكم واستبدالا لحاكم أوحد باللجنة الأمنية السابقة التي تحولت إلى مجلس كامل يحمل كل جينات الشمولية والديكتاتورية والفساد، ولقد كان حشد الوحدوي من أوائل الأحزاب السياسية التي نادت بمواصلة العصيان المدني والإضراب السياسي والإعتصام في الساحات والميادين لحين إسقاط المجلس العسكري، وتسليم الأمر لسلطة مدنية كاملة الدسم.

ولقد كان رأي المكتب السياسي منذ البدء عدم التفاوض مع الحكام الإنقلابيين إلا لتسهيل عملية نقل السلطة للمدنيين بطريقة حضارية، سلمية وسلسة، ولقد إعترض مناديب الحزب في قوى الإجماع الوطني وقوى إعلان الحرية والتغيير في كل مراحل التفاوض على التنازلات الخطيرة التي قدمها مفواضي (ق ح ت) للمجلس العسكري الإنقلابي، والتي تفاقمت وأدت إلى إتفاق سياسي معيب، وبالتالي وثيقة دستورية مليئة بالثغرات والعيوب والقنابل السياسية والقانونية المؤقتة.
ولقد توج المكتب السياسي هذا الموقف الثابت الرافض للتنازلات الضارة بأهداف ومبادئ الثورة برفضه للإتفاق السياسي الذي أعلن عنه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير فجر الجمعة 5 يوليو، وذلك عبر بيانه الصادر بتاريخ السابع من يوليو 2019م، حتى قبل التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى.

أخيرا، يتقدم المكتب السياسي لهيئتكم الموقرة بهذا التقرير، لدراسته وأتخاذ القرار النهائي لموقف الحزب من السلطة الانتقالية القادمة، وما إذا كان سيعلن الحزب عدم مشاركته في مستويات السلطة القادمة حسب مواثيق قوى الحرية والتغيير المعلنة، أو إعلان المشاركة، واضعين في الحسبان جدوى كل خيار وسلبياته وإيجابياته.
مع العلم أن المكتب السياسي قد عقد إجتماعا طارئا واستثنائيا بتاريخ الثلاثاء الموافق 6 أغسطس 2019م، تمت فيه دراسة الإتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، والأداء التنظيمي والسياسي داخل تحالف قوى الإجماع الوطني وقوى إعلان الحرية والتغيير، وكانت نتيجة الإجتماع هي هذا التقرير السياسي الشامل، ومعه توصيات الإجتماع.

ثانيا: الإتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الإنتقالية

جاء الإتفاق السياسي بين قوى الحرية والتغييروالمجلس العسكري، والذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى بتاريخ الآربعاء 17 يوليو 2019م، كنتيجة منطقية لسلسلة التنازلات التي ظل يقدمها مفاوضي الحرية والتغيير للمجلس العسكري، والتي ازدادت بعد الجريمة البشعة والمجذرة الجماعية التي ارتكبتها القوات التابعة للمجلس العسكري الحاكم في عملية فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019م (29 رمضان 1440هـ)، والجريمة التي سبقتها بشارع النيل بالخرطوم في الثامن من رمضان، وكل هذه الجرائم ظلت حتى يومنا هذا مدونة ضد مجهول ولم يتم محاسبة مرتكبيها والذين هم معروفون بالضرورة حتى الآن.

يبرر مفاوضي الحرية والتغيير أسباب هذه التنازلات بمبررات واهية وغير مقبولة ، مثل : السياسة فن الممكن، وما لا تناله كله لا تتركه جله، بالاضافة إلى مبررات إنهزامية أخرى تتحدث عن أننا نتنازل من أجل حقن إهراق مزيد من الدماء، وتسريع عملية إنتقال السلطة لإراحة الثوار من العنت والإرهاق، وكأن الثوار قد إشتكوا لهم أو طلبوا منهم هذه التنازلات الخطيرة. عليه فإن مآخذنا على الاتفاق السياسي تتمثل في الآتي:

1- أول هذه التنازلات كانت قد بدأت قبل الوصول إلى الإتفاق السياسي، وهو القبول بتحويل عملية التفاوض لتقتصر فقط على تسهيل عملية تسليم السلطة مدنية كاملة غير منقوصة وذهاب العسكر إلى ثكناتهم، تحويل ذلك إلى حوار ومساومة ومحاصصة لمقاسمة السلطة مع أعضاء المجلس العسكري، والتي انتهت بإقرار معادلة 5+5+1 ، وإعطاء الفترة الزمنية الأولى من الفترة الإنتقالية والتي مدتها 21 شهرا لتكون من نصيب المكون العسكري في مجلس السيادة برئاسة البرهان وحميدتي نائبا له. وتم إقرارها بالاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه:(الفصل الثاني / المادتين (5) و(6) من الاتفاق السياسي).

2- في المادة (10) من الفصل الثاني أعطى الإتفاق السياسي بطريقة مبطنة وغير مباشرة حق الفيتو (النقض) للمكون العسكري في مجلس السيادة في عملية إختيار الوزراء الذين يختارهم رئيس الوزراء من قائمة تقدمها الحرية والتغيير، وذلك بإدخال كلمة (بالتشاور) المبهمة. كما أصرت المادة على إدخال كلمة (مستقلة) على شرط الكفاءة في اختيار الوزراء.

3- أجل الإتفاق السياسي حسب المادة (16) / الفصل الثالث تكوين المجلس التشريعي لمدة تسعين يوما لأسباب غير معلومة، كما أنه ومن خلال المواد (13) و (14) و (15) من نفس الفصل قد جعل نسبة ال67%-33% تكون قابلة للنقاش بعد تشكيل مجلسي السيادة والوزراء، وأصبح أمر إجازتها والعمل بها في كف عفريت اللجنة الأمنية.

4- أغفل الاتفاق السياسي من خلال المادة (19) الفصل الخامس/ مهام المرحلة الإنتقالية كل ما هو متفق عليه في إعلان قوى الحرية والتغيير والتي تم الإشارة إليها بخجل في ديباجة الإتفاق بالفقرة الأخيرة بالصفحة الأولى.

5- أعطى الإتفاق السياسي الحق للمجلس العسكري ممثلا في رئيسه عبد الفتاح البرهان في إصدار الوثيقة الدستورية التي سوف تحكم الفترة الإنتقالية في مرسوم بتوقيعه وخاتم المجلس العسكري، وهذا يتعارض أولا مع مفهوم الدولة المدنية المبتغاة، وثانيا سيمثل مأزقا قانونيا في المستقبل إذا ما ظهرت الحاجة إلى عمل أي تعديلات في الوثيقة بواسطة المجلس التشريعي الإنتقالي.

6- أخيرا ومن القنابل الموقوتة والتي سوف تتفجر عند تنفيذ هذا الاتفاق السياسي المعيب بالنسبة للثورة والثوار، هي مسألة العضو الحادي عشر في مجلس السيادة، والذي سيتم تعيينه بالتوافق بين العسكر وقوى الحرية والتغيير حسب المادة (5)/ الفصل الثاني. كل المؤشرات، ومن الخبرة التي إكتسبناها بمتابعتنا لسير المفاوضات وطبيعة المجلس العسكري الحاكم؛ تؤكد أن العسكر لن يفرطوا في هذا العضو الحادي عشر وسيأتي حسب رغبتهم إن كان مدنيا أصيلا أو عسكريا بالمعاش، ولقد تبرع مفاوضيننا الكرام وقدموا فتوى مجانية لأعضاء المجلس العسكري تقول أن أي عسكري بالمعاش يعتبر مدنيا، ولا مانع من قبوله لملء مقعد العضو الحادي عشر بمجلس السيادة، وعليه ستكون الغلبة البسيطة دائما للمكون العسكري بالمجلس السيادي، على الرغم من أن أخذ الرأي يتم بأغلبية الثلثين، ولكن هذه النسبة هي واحدة من التنازلات المعيبة التي قدمها المفاوضون وذلك بالتخلي عن شرط الأغلبية المدنية في مجلس السيادة.

ثالثا: الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية لعام 2019

معلوم أن ما بني على باطل فهو باطل، فالدساتير بطبيعة الحال هي الترجمة القانونية للتوافقات السياسية والمجتمعية، ويطلق في العادة على أي دستور إسم العقد الإجتماعي، عليه فإن الوثيقة الدستورية التي نحن بصددها هنا هي ترجمة قانونية ودستورية للإتفاق السياسي المعيوب الذي أبنا وجهة نظرنا فيه سابقا، وهو من منطلق مبدئي غير مقبول ولا يؤسس لسلطة إنتقالية مدنية حقيقية، ولا يهيئ المناخ السياسي والقانوني لإقتلاع نظام الحركة الإسلامية من جذوره كما هو متفق عليه في إعلان قوى الحرية والتغيير، ولن يساعد في إنهاء سيطرة الدولة العميقة التي خلفها نظام الجبهة الإسلامية في الإقتصاد والخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية والأمنية والإعلام ومجال التربية والتعليم والثقافة، وإننا بصدد تبيان ذلك بشيئ من التفصيل في هذا التقرير.

عموما، وإذا نحن تغاضينا عن سلبيات الإتفاق السياسي التي بنيت عليها هذه الوثيقة الدستورية، فيمكننا القول بكل صدق إن بقية الوثيقة تعتبر جيدة إلى حد ما، من ناحية قانون دستوري، خاصة وإنها ثبتت (وثيقة الحقوق) التي من شأنها أن تساعد على البدء في عملية التحول الديمقراطي وترسيخ دولة القانون، وذلك إذا ما تم إحترام الموجهات الدستورية التي بها، وإذا لم يلحق بها ما لحق بدستور 2005 الإنتقالي الذي نتج عن إتفاقية نيفاشا للسلام الشاملة، فلقد تم خرقه منذ اليوم الأول للفترة الإنتقالية التي إمتدت لفترة ستة سنوات من 2005 وحتى 2011، ومن خرقه كان هو النظام نفسه الذي يعتبر المجلس العسكري الحالي هو وريثه الشرعي، والإمتداد الطبيعي له من كل النواحي.

إننا في المكتب السياسي بعد دراسة ومناقشة الوثيقة الدستورية ، آثرنا عدم التعمق شديدا في نقدها من الناحية القانونية، على أساس إنها تعتبر إمتداد وترجمة، كما ذكرنا سابقا، لإتفاق سياسي قائم على تنازلات أساسية ضربت أهداف ومبادئ ثورة ديسمبر المجيدة في مقتل، ولكننا فيما يلي سنشير بإختصار لبعض مآخذنا على الوثيقة الدستورية من ناحية سياسية بحتة:-

1- أول سلبيات هذه الوثيقة إنها قد ذكرت في الفقرة الثانية من الديباجة : ( إيمانا بوحدة التراب السوداني وبالسيادة الوطنية، والتزاما بأهداف إعلان الحرية والتغيير المتوافق عليها بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ... إلخ.) وهذا شيئ يعتبر نص لذر الرماد في العيون وللإستهلاك السياسي فقط لا غير، وذلك بسبب أنه أولا ؛ إن المجلس العسكري رفض التوقيع على إعلان الحرية والتغيير عندما طلب منه ذلك بعد مطالبته بأن يعامل كشريك في الثورة. وثانيا؛ فإن الاتفاق السياسي الذي بنيت عليه هذه الوثيقة الدستورية يعتبر بكامله إنحرافا حادا عن إعلان الحرية والتغيير، ومناقضا لها تماما من الأساس.

2- من أخطر الأشياء التي تعرضت لها الوثيقة الدستورية هو تقنين وجود المليشيات الموازية للمؤسسة العسكرية المعترف بها، والمتمثلة في قوات الدعم السريع وغيرها، والتي لها تاريخ أسود في إنتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة للجرائم التي أرتكبت في مجذرة فض أعتصام القيادة العامة وجرائم أخرى موثقة ومعلومة للجميع. جاء هذا في الفصل الرابع المادة (10)/(1): حيث ذكرت المادة أن مجلس السيادة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى ...إلخ.

3- كان من الطبيعي أن تقنن الوثيقة الدستورية ما اتفق عليه في الإتفاق السياسي كما قلنا، فلقد ثبتت معادلة 5+5+1 في تكوين مجلس السيادة، بالاضافة إلى مسألة حق المجلس العسكري في النقض فيما يختص بالعضو الحادي عشر، بالإضافة إلى إعطاء المكون العسكري ميزة أن يكون على رأس مجلس السيادة للفترة الأولى من الفترة الإنتقالية والممتدة لإحدى وعشرين شهرا، كل ذلك كان مناقضا تماما لمطالبات الحرية والتغيير بأن يكون للمدنيين الأغلبية في مجلس السيادة مع الحق في رئاسة مجلس السيادة في الفترة الأولى من الفترة الإنتقالية: الفصل الرابع – المادتين (10)/(2) و (10)/(3).

4- الفصل الرابع- المادة (11)/(1)/(ط): هذه المادة أشارت إلى ما يسمى ب(مجلس الأمن والدفاع)، وذلك بأن من صلاحيات مجلس السيادة "إعلان الحرب بناءا على توصية من مجلس الأمن والدفاع" ثم تحدثت عن تكوينه من: مجلس السيادة، رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الداخلية، وزير الخارجية، وزير العدل، وزير المالية، القائد العام للقوات المسلحة، النائب العام، والمدير العام لجهاز المخابرات العامة. مآخذنا على هذه المادة هي كما يلي:

- هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها ما يسمى بمجلس الأمن والدفاع، ولم تتم الإشارة إليه لا في الإتفاق السياسي ولا في أي مادة أخرى في الوثيقة الدستورية، وهو مجلس غير متفق عليه، ولا أحد يعرف طبيعته ولا حدود صلاحياته ولا طريقة عمله.

- على الرغم من وجود رئيس الوزراء وعدد من الوزراء السياديين في هذا المجلس ولكنه سحب إحدى الصلاحيات الحساسة من أعلى جهاز تنفيذي في الدولة، وهو مجلس الوزراء حسب النظام البرلماني، وهي إعلان الحرب.

5- الفصل الرابع- المادة (11)/(3): هذه المادة بالذات تمثل الإثبات الحقيقي لعدم (مدنية) مجلس السيادة والذي هو حسب هذه الوثيقة : هو رأس الدولة، ورمز سيادتها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ..إلخ(المادة (10)/(1)) وذلك بتثبيت نصاب إصدار القرارات بالتوافق أو (بأغلبية ثلثي أعضائه) في حالة عدم التوافق، بدلا عن الأغلبية البسيطة والتي كانت ستحافظ إلى حد كبير على الطبيعة المدنية لمجلس السيادة، وسيصبح الأمر أكثر سوءا إذا ما أعطت اللائحة التي سيتم إصدارها لأعمال المجلس، صوتا مرجحا لرئيس المجلس.

6- من الأخطاء الفنية التي وقعت فيها الوثيقة الدستورية، ولا نعلم هل ذلك كان مقصودا أم سهوا !! هي الإشارة إلى منصب في الجيش غير موجود في الوقت الحالي وهو : منصب (القائد العام للقوات المسلحة)، فالمعلوم إن أعلى رتبة في الجيش حاليا بعد (القائد الأعلى) هي رتبة (رئيس هيئة الأركان). المادة (11)/(1)/(ط) والمادة (13)/(2) والمادة (34)/(1).

7- تتماهى الوثيقة الدستورية في سلب السمات المدنية من مجلس الوزراء، وذلك بإعطاء المكون العسكري في مجلس السيادة الحق في ترشيح وزيري الدفاع والداخلية. المادة (14)/(1).

8- على الرغم من أن الوثيقة قد أقرت مبدأ الحصانة الإجرائية والتي تنفي الحصانة المطلقة لشاغلي الوظائف الدستورية، ولكنها جاءت وأخذت بالشمال ما أقرته باليمين، حيث أجازت أن ينظم القانون أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن فيها: المادة (20)/(2). وهذه ثغرة بائنة تجعلنا نتوقع أسوأ الممارسات عند تنفيذ أحكام هذه المادة.

9- حددت الوثيقة في المادتين (22) و (27) نص قسم رئيس وأعضاء مجالس السيادة والوزراء والتشريعي، وكان من الواضح أن القسم ذو صبغة إسلامية بحتة ، ولم تحدد نصا آخر لقسم لغير المسلمين.

10- المادة (24)/(4) حددت آلية إختيار بديلا لرئيس الوزراء حين خلو منصبه بسبب (الوفاة أو العجز) فقط ولم تشير إلى الأسباب الأخرى التي يمكن أن يخلو بها المنصب والمذكورة في المادة (13)/(1). وهذه تعتبر ثغرة واضحة قد يستقلها العسكر في حالة خلو منصب رئيس الوزراء لأسباب أخرى غير الوفاة أو العجز.

11- لم تحدد الوثيقة الجهة التي ستقوم بتشكيل وتعيين مجلس القضاء العالي، على الرغم من أن هذا المجلس قد تم ذكره في موقعين : المادة (11)/(1)/(هـ) والمادة (28)/(1).

12- مرة أخرى أغفلت الوثيقة تحديد الجهة التي ستقوم بتشكيل وتعيين المحكمة الدستورية : المادة (30).

13- رغم المطالبات الشعبية والسياسية بحسم مسألة المليشيات الموازية للقوات المسلحة، وفي مقدمتها قوات الدعم السريع، إلا أن الوثيقة الدستورية قد قامت بإعطاء الشرعية والمشروعية لهذه القوات بذكرها صراحة وجعلها تابعة (للقائد العام للقوات المسلحة) المادة (34) / (1) و(2).

14- وقعت الوثيقة في نفس الخطأ الذي وقع فيه المشرعون في دستور 2005 الإنتقالي، وذلك في كثير من مواد وثيقة الحقوق، بأن ذيلت عدد من مواد الحقوق بعبارة (إلا بقانون) أو (حسبما ينظمه القانون) وهذه من الثغرات التي قد تعرقل عملية التحول الديمقراطي وتفتح شهية الذين يميلون إلى الشمولية وتقييد الحريات.

15- المادة (29)/(4): نصت على أن يكون رئيس القضاء هو نفسه رئيسا للمحكمة العليا القومية، وهذا الأمر يحتاج لمراجعة، حرصا على أن تكون هنالك جهة عليا منفصلة ومستقلة تشرف على، وتراجع أعمال المحكمة العيا.

رابعا: الخاتمة :-

في الإجتماع الاستثنائي للمكتب السياسي لحشد الوحدوي، الذي انعقد بتاريخ 6 أغسطس 2019م، تمت مناقشة كل الجوانب السلبية والإيجابية في وثيقتي الإتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، كما تمت مناقشة الأداء السياسي والتنظيمي داخل تحالف قوى الإجماع الوطني وقوى إعلان الحرية والتغيير، ولقد خرج الإجتماع بالخلاصة الآتية:

(أ) إن الثورة السودانية مستمرة ولن تتوقف إلا بعد الوصول إلى كل أهدافها غير منقوصة، وإن الشارع السوداني أصبح أكثر وعيا بحقوقه ولن يفرط فيها مرة أخرى، وستظل الجماهير هي الحامية الحقيقية لمكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة.

(ب) إن الإتفاق السياسي وما نتج عنه من وثيقة دستورية لا يلبيان كل طموح السودانيين في الحكم المدني الديمقراطي الصافي على المدى القريب، عليه فإن الصراع السياسي سيستمر حتى بعد تكوين السلطة (العسكرمدنية) القادمة.

(ج) بعد إسقاط المخلوع عمر البشير في 11 أبريل 2019م حدث تصدع واضح داخل تحالف قوى الإجماع الوطني ، وهو التحالف السياسي الذي كان يمثل قبل ذلك رأس الرمح في مشروع إسقاط نظام الحركة الإسلامية من جذوره ورفض أي حوار غير منتج أو أي تنازلات تمس المبادئ والأهداف العامة للثورة السودانية وعملية التغيير الشاملة.

(د) قوى إعلان الحرية والتغيير، تحالف عريض يضم كيانات كثيرة تمتد من أقصى تيارات اليسار إلى أقصى اليمين، ولقد تكون على عجل ، لذلك كان من الطبيعي ظهور خلافات وتباينات أثناء عملية قيادة الثورة، مما نتج عنه هذا الاستقطاب الحاد في مدى قبول ما توصلت إليه الأطراف من أتفاق سياسي وإعلان دستوري حاكم للفترة الإنتقالية.

(ح) مسألة الحرب والسلام في السودان هي مفتاح الحل في الأزمة السودانية الشاملة، لذلك فلن يكون هنالك إستقرار أو نجاح كامل لثورة السودان إلا بمخاطبة هذا الملف بكل الجدية والمسئولية الوطنية العالية ، مع نفض الغبار عن كل المسائل المسكوت عنها في ما يختص بالحكم والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والحريات العامة وعلاقة الدين بالدولة والسياسة، وتحجيم النزعات الإستعلائية والعنصرية.

(خ) في تاريخ السودان الحديث ؛ لقد جربت القوى السياسية الإنخراط في العملية السياسية الناتجة عن إتفاق سياسي لم يكن مرضيا مائة بالمائة، ومثالا لذلك إنخراط كل القوى السياسية المعارضة في العملية السياسية بعد إتفاقية نيفاشا للسلام الشاملة خلال الفترة الإنتقالية من 2005 وحتى 2011 على الرغم من أنها كانت اتفاقية ثنائية، وظل النظام الشمولي قابعا على رأس الدولة بعد تطبيق الإتفاقية، وكانت النتيجة إنفصال جنوب السودان، وفشل عملية التحول الديمقراطي واستمرار الحرب، وكان ذلك لأسباب عدة منها عدم حراسة الشارع لذلك الإتفاق، لأنه كان مغيبا تماما ولم يكن شريكا في ما جرى.

(ذ) الإلتزام بالمواثيق والإتفاقات والتفاهمات وسط القوى السياسية المختلفة يجب أن يكون هو النبراس الهادي، وهو المفتاح الناجع للقيادة الرشيدة والمتجردة والمخلصة لثورة السودان المجيدة، ولكن للأسف الشديد تمت تجاوزات كثيرة في هذا الصدد من النواحي التنظيمية والسياسية داخل تحالفات قوى الإجماع الوطني وقوى الحرية والتغيير، ولكن هذا لا ينفي إن تحالف (قوى إعلان الحرية والتغيير) ما زال مؤهلا لقيادة الثورة السودانية والوصول بها إلى نهاياتها المرجوة خلال الفترة الإنتقالية، وليس هنالك بديل آخر غير إستمرار هذا التحالف والحرص على وحدته وتجاوز السلبيات وتصحيح الأخطاء التنظيمية والسياسية، وهذا ينطبق أيضا على تحالف قوى الإجماع الوطني.

خامسا: توصيات المكتب السياسي:-

1/ إنطلاقا من مسؤلية الحزب الوطنية والثورية ؛ يوصي المكتب السياسي بعدم الإنسحاب من المشهد السياسي بسبب الموقف السلبي للحزب من الإتفاق السياسي والوثيقة الدستورية الذين أبرما بين المجلس العسكري الحاكم وقوى إعلان الحرية والتغيير، مع التأكيد على المواصلة في إعلان وتوضيح آراء ومواقف الحزب السياسية بكل شفافية ووضوح، وتنوير الرأي العام أول بأول عن مجريات الساحة السياسية ، ومواصلة نهجنا في النقد البناء وعدم تخوين الآخرين وترقية الأداء الإعلامي للحزب وعلاقاته العامة والإجتماعية.

2/ عطفا على نفس المنطلق أعلاه يوصي المكتب السياسي بمواصلة عضويته وأنشطته بتحالف قوى الإجماع الوطني وبالتالي قوى إعلان الحرية والتغيير على الرغم من ما تم توضيحه من سلبيات وأخطاء صاحبت آداء هذه التحالفات السياسية والتنظيمية، مع متابعة عملية الإصلاح من الداخل ومتابعة رد قوى الإجماع الوطني على المذكرة الداخلية التي قدمت من الحزب للتحالف بتاريخ 6 يوليو 2019م.

3/ بعد الإطلاع على ملاحظات اللجنة السياسية الثلاثية المصغرة لهذا الغرض، يوصي المكتب السياسي بمواصلة المشاركة في العملية السياسية بصفته المستقلة ما أمكن ذلك من غير خرق أي من ثوابت العمل الجبهوي، ومن خلال وجوده التنظيمي داخل قوى الإجماع الوطني وقوى إعلان الحرية والتغيير.

4/ على الرغم من ما أعلناه من رأي سلبي في الإتفاقات التي أبرمت، ولكن ليس من الحكمة في هذه المرحلة الحرجة أن يقف الحزب موقف المتفرج والناقد فقط خارج إطار المؤسسات الإنتقالية التي سيتم تكوينها، عليه فإن المكتب السياسي يوصي بالمشاركة في مؤسسات السلطة الإنتقالية القادمة، وخاصة مؤسسة المجلس التشريعي الإنتقالي والمفوضيات المختلفة، وذلك حسب أسس المشاركة المتفق عليها داخل قوى إعلان الحرية والتغيير.

5/ أخيرا ؛ يوصي المكتب السياسي بمواصلة العمل على التواجد وسط الجماهير وتعبئة الشارع لمواصلة حماية الثورة السودانية من الإختطاف والإجهاض ومراقبة السلطة الإنتقالية القادمة، وذلك بالوجود المتواصل بين الجماهير عبر لجان الأحياء والمدن ولجان الإنتفاضة والمقاومة، والعمل على تقوية الوجود الجماهيري للحزب في الأقاليم، وترقية علاقته مع السودانيين والسودانيات بالخارج في بلاد الغربة والمهجر.

المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الديمقراطي الوحدوي

(حشد الوحدوي)

الخرطوم بحري في يوم الخميس الموافق 15 أغسطس 2019م

////////////////////

 

آراء