الحكومة الثورية والحكومة الانتقالية
اسماعيل عبد الله
23 December, 2021
23 December, 2021
مرحلة الانتقال هي فترة لترتيب بيوت مؤسسات الدولة للوصول للانتخابات الحرة والنزيهة، واذا القينا بالنظرة الفاحصة على مرحلتي الانتقال اللتين اعقبتا اكتوبر ومايو، نصل لمحصلة واحدة مفادها أن الحكومتين الانتقاليتين في الفترتين لم يكتمل بنيانهما، والدليل على ذلك هو المخرجات الفطيرة لتلك الفترات الزمنية المعنية بالترتيب لصناعة مؤسسات قوية للدولة لا يطالها نفوذ الفرد ولا استحواذ الطائفة والحزب، ففي الحالتين لم يحصل الشعب على منجزات ثورتيه المجيدتين، لهزال الحكومات الانتقالية المؤقتة، فاذا كان الشعب قد ثار في وجه الحكم الطاغوتي الظالم والمتجبر، من أجل اهداف ثورية نبيلة لا تخازل ولا تنازل عنها، كيف يعمل نفس الثوار على البحث عن شخوص آخرين غيرهم ليأتوا ويقودوا حكومة ثورتهم؟، اليسوا هم الأحق بتسيير شئون دنياهم الجديدة؟ لقد اختلفت ثورة ديسمبر عن سابقتيها شكلاً ومضموناً، فهي الثورة الثالثة على نظام حكم دكتاتوري عسكري حزبي تستمر لمدة ثلاث سنوات، دون التوصل لحكومة ثورية كانت ام انتقالية مستقرة ومجمع عليها.
الثورة الصينية كرّست لحكم الحزب الواحد لكنها نقلت الصين لقمة الهرم الكروي الارضي – اقتصادياً وسياسياً، وثورات شعبية اخرى مثل الثورة الامريكية افضت لنظم حكم ديمقراطية، وبذلك تثبت لنا خلاصة تجارب الثورات الشعبية العالمية أن طريق تحقيق طموح الشعوب ليس طريقاً واحداً، والحكمة دائماً ما تكمن في الغاية الأسمى والهدف الأعلى وهو تحقيق رفاه الشعوب، وضمان حرياتها العامة والخاصة وبسط يد العدل بين مكوناتها الاجتماعية، وفي هذا الصدد رب بلد خليجي يرفل مواطنوه تحت نعيم المال والجاه، خير من بلد افريقي يعاني سكانه الفاقة والفقر وتتصارع حول سلطته مئات الاحزاب، ويسرق مخزونه الاستراتيجي امراء الحروب والاسر المسيطرة على رأس المال الوطني، فحوجة ثورة ديسمبر المجيدة للحكومة الثورية اكبر من حاجتها لحكومة انتقالية تعيد نفس الوجوه القديمة في لباس جديد (نبيذ قديم في قناني جديدة)، وهذه الثورة الديسمبرية المجيدة إن لم تحدث تغييراً جذرياً في تركيبة الاحزاب والحركات، يكون ابو زيدها (زيتها) لا راح ولا غزا ولا صب الزيت في نار الثورة.
الحكومة الثورية ضرورة عاجلة ينشدها ثوار ديسمبر، وهي حكومة شرعية تاخذ شرعيتها من شرعية الثورة التلقائية الظافرة ذات نفسها، لا مجال فيها للمزايدة من قبل الانتهازيين المهتمين بالوصول دون التأمل في الأصول، فالثورات لا تعرف المهادنة والمحاصصة والابتزاز والمداهنة والمساومة، بل يكون سيفها مسلطاً على رقاب الظلمة والمفسدين والمتذبذبين الرماديين، الذين يتجولون بين جماعة الحق وبطانة الباطل وليس لهم انتماء لمبدأ ولا اتباع لفكرة وليسوا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، والحكومة الثورية لا تحددها المواقيت الزمنية بقدرما هي رهينة بالتعريف الشائع لماهية الثورة: (ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير - لا تشترط سرعة التغيير - وفقا لأيدولوجية هذه الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار)، فبعد أن ينتزع الديسمبريون سلطتهم من يد الرماديين سيعلنونها حكومة ثورية سلمية بيضاء من غير سوء، لا تنتقم ولا تنفصم عن ضمير الشعب.
الفترات الانتقالية السابقة عهدناها مساحات للمناورة فيما بين حراس المعبد القديم، واستراحات للتشاور والتفاكر بينهم في كيفية وأد جنين الثورات الشعبية التلقائية غير الموالية للطائفة والحزب والحركة، فصوت الهتاف الهادر بالشارع تقابله اصوات خافضة هامسة داخل قاعات المفاوضات والمساومات الدائرة بين الانتهازيين والدكتاتوريين، هذا النشاز بين الصوتين هو اللعنة الملازمة لهزيمة كلمة الشعب منذ اكتوبر حتى ابريل، لذلك هذه الايام نلحظ فقدان الثقة البائن بين المتسلقين لقطار الثورة على حين غفلة من الثوار وبين الثوار، وعلى اثر ذلك جاءت الهبة الديسمبرية الثالثة قوية عاصفة وعاتية بعد أن هادن رئيس الوزراء، الرجل الذي جاء محمولاً على اكتاف الثائرين السائرين على طرقات وارصفة المدن الملونة بدم الشهيد عبّاس، فاذا كان لابد من حكومة انتقالية فعليها أن تخضع جميع الاحزاب والحركات لتعاليم كتاب الثورة ولتعليمات الثوار، وإلّا، فلتكن حكومة ثورية يقودها الثوار.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
23 ديسمبر 2021
//////////////////////
الثورة الصينية كرّست لحكم الحزب الواحد لكنها نقلت الصين لقمة الهرم الكروي الارضي – اقتصادياً وسياسياً، وثورات شعبية اخرى مثل الثورة الامريكية افضت لنظم حكم ديمقراطية، وبذلك تثبت لنا خلاصة تجارب الثورات الشعبية العالمية أن طريق تحقيق طموح الشعوب ليس طريقاً واحداً، والحكمة دائماً ما تكمن في الغاية الأسمى والهدف الأعلى وهو تحقيق رفاه الشعوب، وضمان حرياتها العامة والخاصة وبسط يد العدل بين مكوناتها الاجتماعية، وفي هذا الصدد رب بلد خليجي يرفل مواطنوه تحت نعيم المال والجاه، خير من بلد افريقي يعاني سكانه الفاقة والفقر وتتصارع حول سلطته مئات الاحزاب، ويسرق مخزونه الاستراتيجي امراء الحروب والاسر المسيطرة على رأس المال الوطني، فحوجة ثورة ديسمبر المجيدة للحكومة الثورية اكبر من حاجتها لحكومة انتقالية تعيد نفس الوجوه القديمة في لباس جديد (نبيذ قديم في قناني جديدة)، وهذه الثورة الديسمبرية المجيدة إن لم تحدث تغييراً جذرياً في تركيبة الاحزاب والحركات، يكون ابو زيدها (زيتها) لا راح ولا غزا ولا صب الزيت في نار الثورة.
الحكومة الثورية ضرورة عاجلة ينشدها ثوار ديسمبر، وهي حكومة شرعية تاخذ شرعيتها من شرعية الثورة التلقائية الظافرة ذات نفسها، لا مجال فيها للمزايدة من قبل الانتهازيين المهتمين بالوصول دون التأمل في الأصول، فالثورات لا تعرف المهادنة والمحاصصة والابتزاز والمداهنة والمساومة، بل يكون سيفها مسلطاً على رقاب الظلمة والمفسدين والمتذبذبين الرماديين، الذين يتجولون بين جماعة الحق وبطانة الباطل وليس لهم انتماء لمبدأ ولا اتباع لفكرة وليسوا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، والحكومة الثورية لا تحددها المواقيت الزمنية بقدرما هي رهينة بالتعريف الشائع لماهية الثورة: (ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير - لا تشترط سرعة التغيير - وفقا لأيدولوجية هذه الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار)، فبعد أن ينتزع الديسمبريون سلطتهم من يد الرماديين سيعلنونها حكومة ثورية سلمية بيضاء من غير سوء، لا تنتقم ولا تنفصم عن ضمير الشعب.
الفترات الانتقالية السابقة عهدناها مساحات للمناورة فيما بين حراس المعبد القديم، واستراحات للتشاور والتفاكر بينهم في كيفية وأد جنين الثورات الشعبية التلقائية غير الموالية للطائفة والحزب والحركة، فصوت الهتاف الهادر بالشارع تقابله اصوات خافضة هامسة داخل قاعات المفاوضات والمساومات الدائرة بين الانتهازيين والدكتاتوريين، هذا النشاز بين الصوتين هو اللعنة الملازمة لهزيمة كلمة الشعب منذ اكتوبر حتى ابريل، لذلك هذه الايام نلحظ فقدان الثقة البائن بين المتسلقين لقطار الثورة على حين غفلة من الثوار وبين الثوار، وعلى اثر ذلك جاءت الهبة الديسمبرية الثالثة قوية عاصفة وعاتية بعد أن هادن رئيس الوزراء، الرجل الذي جاء محمولاً على اكتاف الثائرين السائرين على طرقات وارصفة المدن الملونة بدم الشهيد عبّاس، فاذا كان لابد من حكومة انتقالية فعليها أن تخضع جميع الاحزاب والحركات لتعاليم كتاب الثورة ولتعليمات الثوار، وإلّا، فلتكن حكومة ثورية يقودها الثوار.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
23 ديسمبر 2021
//////////////////////