الحمى الصفراء – المركز والهامش !

 


 

عدنان زاهر
22 November, 2012

 



الحمى الصفراء هى حمى نزفية تنتقل بواسطة الباعوض الحامل لها،و هى تدمر انسجة الجسم و خاصة الكبد و الكليتين،المرض يقضى على 50% من المصابين به ما لم يتلقوا العلاج المناسب.لا يوجد علاج يضمن الشفاء، لذلك التطعيم هو أهم التدابير الوقائية التى يمكن اتخاذها ضد الحمى الصفراء و من ثم مكافحة الباعوض.( مقتطفات من تقرير لمنطمة الصحة العالمية ).
ظهر المرض فى دارفور  قبل شهر،أصيب به حسب المصادر المتعددة 296 توفى منهم 72 شخصا ارتفع لاحقا الى مائة شخص، المرض ماضى فى الانتشار خاصة فى وسط و جنوب دارفور و بشكل خاص وسط القبائل الرحل.المنظمات العاملة فى دارفور،التنظيمات الدارفورية الشعبية كانت قد نبهت قبل عدة شهور عن مرض غامض يصيب المواطنين و يؤدى الى وفاتهم و لم يلتفت احدا للأمر. عند التأكد من المرض رفعت نفس المنظمات نداءات عاجلة و متكررة عن خطورة تفشى المرض المتمدد بسرعة و شراسة فى جميع أرجاء المنطقة و تاثيراته الآنية و اللاحقة على المواطنين فى بلد تمزقها الحروب منذ عدة سنوات و تنقصها البنية الصحية الاولية.
منذ ظهور المرض تعاملت معه السلطة المركزية فى الخرطوم و وزارة الصحة الاتحادية بتجاهل و تراخى يثير الدهشة،بل حاولت ضرب ستار من السرية عليه.عند انتشار خبر المرض – بالطبع الذى لا يمكن " دسه " -  أرسلت وزارة الصحة الاتحادية باستيحاء وفدا للتقصى و من ثم الفحص ليثبت أن ما هو منتشر و يفتك بالمواطنين هو مرض الحمى الصفراء.بالرغم من أن المعمل القومى فى الخرطوم و على لسان مدير الوبائيات الاتحادية بالانابة بالمعمل القومى صرح ان المرض هو الحمى الصفراء الا أن السلطات سلكت نفس منهج التراخى و التجاهل!
ثم ظهرت اصابة لمرض الحمى الصفراء فى الخرطوم قيل انها " وفدت " مع أحد القادمين الى الخرطوم، فقط فى هذه اللحظة بدأت وزارة الصحة الاتحادية مع التعامل بجدية مع المرض و ذلك بتطعيم الفئة المستهدفة فى العاصمة ( كما ذكرت ) ومن ثم الحديث بشكل علنى فى وسائط الاعلام المختلفة عن المرض و انها تسعى لتطعيم الأهالى فى دارفور، يرى الكثيرون انه وعد لن يحدث فى القريب العاجل و لن تفعله الا خوفا من الرأى العام العالمى!
المراقب المحايد أو حتى المهتم بالشأن العام السودانى يلاحظ قدرا من الفوراق و التمييز تجاه مكافحة المرض فى دارفور مقارنة مع ردود فعل السلطة تجاه نفس المرض فى الخرطوم!!.......تتمثل تلك الفوارق فى الاهتمام،السرعة و الجدية فى محاربة المرض فى الخرطوم ، ذلك السلوك يمكن أن يطلق عليه دون تحفظ تسييس الخدمات الضحية.
بالطبع لا اعتراض على الاجراءات المتخذة تجاه المرض فى العاصمة لانقاذ مواطنييه و خشية تفشى المرض بين المواطنين و لكن السؤال الذى يفرض نفسه  بقوة و بشكل مباشر دون " لولوة " لماذا لم تقم السلطة المركزية ووزارة السلطة الاتحادية بنفس الاجراءات و السرعة فى دارفور ؟!
الحديث عن الفوارق،التعامل و الاهتمام بين العاصمة و بعض الاقاليم،المركز و الهامش أصبح واقعا مريرا  بل تحول بمرور الوقت الى عاملا داميا وصل الى مرحلة رفع السلاح و المطالبة بتوزيع السلطة و الثروة- ذلك حق - والتى يدخل ضمنا فيها توازن الخدمات الاساسية.ليس من المنطق و لا العدل أن تكون هنالك تفرقة تجاه مرض يهدد الأمة بين افراد الوطن الواحد! و المفترض قانونا ان تكون " المواطنة " هى أساس التعامل و ليس الجهة أو العرق!
ان التعامل مع مرض الحمى فى اقليم دارفور ليس اهمالا و قصورا اداريا فقط و لكنه اهمالا فى التعامل مع انسان دارفور و الذى يمكن أن يصنف فى خانة التميز و ذلك يعنى فى فقه حقوق الانسان عدم المساواة فى الحقوق بين المواطنيين.
نحن حينما نتحدث عن العاصمة أو المركز نقصد السلطة السياسة التى تحكم بأسم الاسلام و هم منسوبى المؤتمر الوطنى و الاسلاميين المتعاونين معهم و منهجهم تجاه تطور الوطن و التعامل مع مشكلاته.اننا عندما نرفع الصوت عاليا محذرين من اهمال هذا المرض و التراخى فى محاربته نعلم انه سوف يهدد الانسان الدارفورى بشكل عام
بل نضيف ان المرض فى انتشاره سوف يهدد باقى السودان و حتى دول الجوار التى تدعم هذه السلطة.حكومة المؤتمر الوطنى بعنجهيتها و عدم سماع الرأى الآخر أدت الى ان ينفصل الجنوب عن السودان و هى الآن بممارستها نفس السياسات القديمة تسعى باصرار و مواظبة لفصل اجزاء أخرى وذلك ما نشاهد مقدماته الآن امام أعيننا.
السلطة تتجاهل المرض الذى يهدد الألاف فى دارفور بدعوى شح الامكانيات و تصرف فى سفه " البلايين " على مؤتمرها الاسلامى و ضيوفها، هى تفعل ذلك و مكافحة المرض فى دارفور يحتاج الى تسعة ملايين فقط!!  
يجب أن يبدأ فورا فى محاربة هذا المرض كما يجب أن تعلن المنطقة منطقة كوارث حتى تتدخل الامم المتحدة و المنظمات الانسانية فى مكافحة المرض.لسان الحال يقول عما يجرى فى دارفور ( ان من لم يمت بالقنابل المتساقطة من طائرات الانتنوف الحكومية سوف تفتك به الحمى الصفراء )!



Adnan Elsadati [elsadati2008@gmail.com]

 

آراء