* يرى د. صبري:"أن الله تعالى هوالمالك الحقيقي للمال"، "وأن الجماعة هي المستخلفة – أصلا- في الانتفاع به"، "أما الفرد فوكيل عنها في الانتفاع به على وجه لايتناقض مع مصلحتها"، ونحن نختلف مع د. صبري في ما قال، فالقرآن نسب المال - أيضاً - لأصحابه: "خذ من أموالهم صدقة"، والآية "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"، لا تخاطب الجماعة وحدها، وانما تخاطب الأفراد أصحاب المال أيضاً، وليس للجماعة تقييد اصحاب المال في انفاقه، والفرد ليس وكيلاً عنها في انفاق ماله، إلا بالمعروف!، أما حديث صبري عن "سيطرة الشعب على وسائل الإنتاج، والتخطيط الاقتصادي، والملكية ألعامة لوسائل الإنتاج الاساسية"، فهي مفاهيم ظهرت مع ظهور الآلة، ولم تكن حاضرة آنذاك، في القرن السابع الميلادي، أوان نزول الشريعة، وأوان ادارة الأفراد لأموالهم!، واستنكر د. صبري إعتبار الأستاذ "محمود" للآية القرآنية "...ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو..." آية أصل يُبنى عليها النظام الاشتراكي المرتقب، ونورد له من التراث ما يشير إلى مكان الآية في الماضي: قال القرطبي (في تفسير الآية القرآنية: "...ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو"): "أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة، هذا أولى ما قيل في تأويل الآية، وهو معنى قول الحسن وقتادة وعطاءٍ والسدي والقرظي محمد بن كعب وابن أبي ليلى وغيرهم، قالوا: العفو ما فضل عن العيال؛ ونحوه عن ابن عباس. وقال مجاهد: صدقة عن ظهر غنى،(في الهامش: قال ابن الأثير: "والظهر قد يزاد في مثل هذا اشباعاً للكلام وتمكيناً؛ كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال") وكذا قال عليه السلام: "خير الصدقة ما أنفقت عن غنى" وفي حديث آخر "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". وقال قيس بن سعد: هذه الزكاة المفروضة. وقال جمهور العلماء: بل هي نفقات التطوع. وقيل: هي منسوخة. وقال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوماً وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها. وقال قوم: هي محكمة، وفي المال حق سوى الزكاة. والظاهر يدل على القول الأول." (المصدر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – الجزء الثالث – الطبعة الثالثة – عن طبعة دار الكتب المصرية – تفسير الآية 219 البقرة – صفحة 61 و62). السياسة بين التراث والمعاصرة * يقول د. صبري أيضاً: "ليس ثمة تناقض "مطلق" بين الإسلام ومفهوم الديموقراطية"، ونقول له: كيف تسنى له هذا القول، طالما أنه لا يوافق على تطوير التشريع الاسلامي؟!، ويوافق على بقاء الشريعة حاكمة كما هي بـ"شوراها"، والشورى تختلف عن الديمقراطية شكلاً ومضموناً، فالشورى حكم الفرد الرشيد، على الأمة القاصرة، يعلمهم ويدرجهم، وهي في نظر جمهور المسلمين "مُعْلِمَة" وليست "مُلْزِمَة"، والآية تقول: "وشاورهم في الأمر، فاذا عزمت فتوكل على الله"، وأعطت النبي (صلى الله عليه وسلم) وحده العزم،والمضي في ما يرى أنه الحق، والديمقراطية هي رأي "الأغلبية" مع مراعاة حقوق الأقلية!، ولو كانت الجماعة مستخلفة في أمر الحاكمية التي هي لله أصالة، كما يقول د. صبري، ومن حق الجماعة أن تعين الحاكم (الذي هو وكيل عنها ونائب لها)وتراقبه، وتعزله، فلماذا عجزت عن عزل سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) والذي قال: "والله لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله"، من ما أدى لقتله، وظهور الفتنة الكبرى في تاريخ الاسلام؟!، والشورى تواجه اشكالية، ثبت عملياً، وخاصة في السودان، أنها مشكلة متجذرة، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) من حقه إن عزم أن يمضي في عزيمته، فإن أخطأ صححه الوحي، فمن بعد انتقال النبي من حقه أن يشاورنا، وإن رأي رأيه يمضي فيه؟!، وعملياً فقد خالف "المرحوم" أبوزيد محمد همزة، من جماعة أنصار السنة في السودان، "المرحوم" الهدية وهو الرئيس الفعلي للجماعة آنذاك، حين قرر الهدية المشاركة السياسية مع الانقاذ، فاختلف معه أبوزيد من ما قاد إلى قسمة التنظيم!، وموقف آخر حين خالف الترابي البشير الذي ارتضاه الترابي في مقام الرئاسة، في أحداث الانقسام الكبير في 1999 وانشق التنظيم إلى وطني وشعبي بسبب المخالفة، ومازالت راسخة في ذهني ملاحقة الخال الرئاسي الطيب مصطفي للبشير في مؤتمره الصحفي الذي عقده آنذاك لشرح اجراءاته الاستثنائية: "الشورى ملزمة واللا معلمة؟، الشورى ملزمة واللا معلمة؟"، يريد أنها "معلمة" وعلى الترابي أن ينصاع لأمر الشورى الرامية في كفة البشير آنذاك!.. وحدة الأديان من وحدة الديان *عند الأستاذ محمود أن الأديان نشأت في الأرض، وألمت بها أسباب السماء فهذبتها وشذبتها، وكما أشار د. صبري: "بدأ ظهور هذه الفكرة الواحدة في الوثنيات البدائيةالمتفرقة، ثم أخذت تتقلب في مراقي التطور حتى ظهرت الوثنيات المتقدمة، وأطرد بها التقدم حتى ظهرت صور ديانات التوحيد الكتابية، بظهور اليهودية وظهور (كلمة "ظهور" نسيها د. صبري في نقله) النصرانية، ثم توج ذلك ببعث محمد!، وبإنزال القرآن الكريم، وهذه الفكرة الواحدة ذات شكل هرمي، قاعدته أحط الوثنيات التعدديات وأكثره اتعديداً، وقمته عند الله حيث الوحدة المطلقة، والاختلاف كما هو واضح بين القاعدة والقمة، اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع" (الرسالة الثانية من الاسلام – الطبعة الخامسة – صفحة 100)، والسؤال الذي يواجه صبري، الذي يقرر أن التصورالاسلامي للأديان السماوية: أن مصدرها هو الله، فهل معنى ذلك أن الوثنيات التعدديات ليست صادرة من الله؟، فإن نفى، وقع في الشرك من حيث لا يدري، إذ لا يدخل في ملك الله إلا ما يريد!، وإن ايجاباً، اتفق معنا، واطراداً على منوال السؤال السابق؛ هل الكفر دخل إلى الوجود بإرادة الله، أم لا؟!، "إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم"!.. * كنا تساءلنا: من أين أتت ظاهرة "اللاعنف" للمهاتما غاندي وهو "الهندوسي"؟،ولماذا كان البوذيون مسالمين؟،وهي ديانات وثنية؟!، ونقول: " لعل عقيدة "الآهيمسا" من أبرز مساهمات الهندوسية في ثقافة الهند وأكثرها تميّزًا... ومفهوم أهيمسا ahimsā (أ: أداة نفي، وهيمسا: أذى) عند غاندي، هو أساس قانون الحياة كونه يحمي الوجود عبر كفّ الأذى عن كلّ الكائنات ونشر الرحمة و المحبة، بل إنّ حماية البيئة الطبيعية والعناية بالحيوان وسائر مكونات الكون تدخل في هذا المفهوم أيضًا، إنها وحدة مسؤولية الكائنات الانسانية تجاه الكائنات الأخرى والكون. وحده اللاعنف، بنظر غاندي، قادر على استعادة الحقيقة. وقد كتب بهذا الصدد: "ساتياغراها ليس العصيان المدني حصرًا، بل سعي هادئ لا يقاوَم إلى الحقيقة." التطور في الفكر الجمهوري * قال الأستاذ محمود أن الوجود كله؛ سماواته وأراضينه، وحجره ومدره، ونباته وحيوانه، وبشره، هو الانسان في صورة من الصور، بينها اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع، إذ يمتنع اختلاف النوع في الوجود، وهذا القول بهذه الكيفية لم يداعب خيال دارون ومن لف لفه، يقول تعالى: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرارٍ مكين"، هذا بشأن الانسان، ثم نكتشف أن النبات، والحيوان، يحملان نطفهما في قرار مكين، مثلنا، فهل خلقا من طين أم لا؟!، وما هي اجابته عن التساؤل القرآني: "هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا"؟!، والبداهة تقول: نعم، ذلك قبل دخول العقل المميز له عن باقي المخلوقات، فأين كان قبل ذلك؟!، حرِّك عقلك شوية يا صبري، أو آتنا بما يعارض اجابتنا!!..