المغتربون وظلم التأمين الاجتماعي

 


 

 

 

عرف السودان التأمين الاجتماعي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي بصدور قانون التأمينات الاجتماعية لسنة 1974م، وذلك استشعاراً بأهمية التأمين الاجتماعي الذى يمثل حماية للعاملين ضد المخاطر الاجتماعية، وهي تلك المخاطر التي لا يستطيع العامل مواجهتها لوحده، وغالباً يقسم مستوى هذه المخاطر الى مخاطر ناتجة عن تأدية العمل مثل الإصابات المباشرة سواءً التي سببت عجزاً كلياً مستديماً او عجزاً جزئياً، وغير المباشرة مثل الأمراض الناتجة عن العمل والمعروفة بأمراض المهنة؛ ومخاطر توصف بالعامة وليس لها علاقة مباشرة مثل المرض والشيخوخة والعجز والوفاة، ومعنى ذلك أن التأمين يوفر التعويض لصاحب الاصابة، والورثة، وتأمين معاش الشيخوخة، والتأمين ضد البطالة.

ولأهمية التأمين الاجتماعي يكون أمر إدارته تحت رعاية ومسئولية الدولة بل كل التشريعات حول العالم تقر بإلزاميته خاصة بالنسبة لمنتسبي القطاع الحكومي ومنتسبي القطاع الخاص داخل الدولة من ابناء الوطن وفي السودان اختيارياً للمغتربين؛ ويقوم نظام التأمين على اشتراكات العاملين ومساهمة الدولة على أن يتم استثمارها وتنميتها وتطويرها بما يحقق للمشتركين دخلاً ثابتاً عند حدوث الحالات التي اشرنا اليها. وهذا يحقق مستوى وضمان لمعيشة جيدة، اذا كانت قيمة العملة المحلية ثابته مقابل العملات الاجنبية، لمن فقد القدرة على الكسب والعمل ولو مؤقتاً.
ورغم صدور القانون في عام 1974م لم يرد فيه ذكر للعاملين بالخارج ربما لأن الاغتراب في ذلك الوقت كان قليلاً، ورغم ان القانون خضع لتعديلات عامي 1978م و1979م واصدر قانون جديد في عام 1991م هو قانون التأمين الاجتماعي لسنة 1991م لكن أيضا لم يرد فيه شيء عن شريحة المغتربين، لكن في ديسمبر من عام 1997م صدر قانون التأمين الاجتماعي على السودانيين العاملين بالخارج وبدأ العمل به اعتباراً من يناير 1998م، وكان هذا تطوراً تشريعياً ونوعياً مد المظلة التأمينية لتشمل العاملين السودانيين في دول المهجر المختلفة وذلك بصورة اختيارية، ولم يدخل تحت هذه المظلة سوى القليل جداً من المغتربين ولم اجد معلومات من خلال موقع الصندوق تعضد هذا الاعتقاد لأنه باختصار ليس هناك بيانات مالية منشورة على الموقع وهذا ضد الشفافية لأن وضع الصندوق المالي يهم المشتركين والراغبين في الدخول تحت مظلته التأمينية. وانبه هنا لأمر غاية في الغرابة ألا وهو ايقاف تسجيل شريحة العاملين في الخارج منذ 2006م بعد سنوات قليلة من اجازة قانون التأمين الاجتماعي على السودانيين العاملين بالخارج، دون ابداء اية أسباب رغم الكلام والدعوات الرنانة حول رد الدين لما ظل يقدمه المغترب السوداني من إسهام حقيقي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وضرورة الاعتراف بالجميل الذي يطوّق أعناق الدولة والمجتمع؛ في مخالفة واضحة للقانون بقرار فردى قيل انه اتخذ في عهد المدير السابق والاسبق ومصدر الغرابة في أنه كيف يتأتى لأى احد مخالفة القانون ويمر الأمر مرور الكرام، ونسأل هنا أيضا عن دور جهاز السودانيين العاملين بالخارج ولماذا تم السكوت عن الأمر مما تسبب في حرمان الكثيرين من الاشتراك وفوائده من الذين كانوا ينون الدخول تحت مظلة التأمين وهؤلاء الذين قضوا نحبهم والذين رجعوا الى السودان نهائياً، علماً بأن نسبة تخفيض المعاش تتم وفقاً للسن عند ترك الخدمة. لقد كان صمت الجهاز غريباً خلال الاربعة عشر سنة الماضية رغم انه من الملامح الاستراتيجية لسياسة الجهاز اعتماد سياسة مستدامة للهجرة والاغتراب، ورغم انك عندما تقرأ اغراض الجهاز تجد بأنه من المفترض عليه القيام بأعمال تنسيقية تشمل أجهزة الدولة، كما أن في مقر الجهاز توجد ادارة للتأمين الاجتماعي ليس للتبشير بالتأمين أو ادخال المزيد تحت مظلته لكن لرعاية الذين سجلوا قبل 2006م ولعمرى أن عددهم قليل جداً، والادارات الموجودة بالجهاز للأسف ينظر اليها المغترب كإدارات للجباية، تأشيرة خروج مربوطة بدفع الالتزامات ودفع رسوم استخراج الاعفاء من الخدمة وتحصيل الزكاة من المغترب؛ والمصفوفة الاخيرة تحدثت عن جذب مدخرات المغتربين ولم يفتح الله عليها بحرف واحد عن حماية العاملين بالخارج وتفعيل قانون 1997م والسؤال عن سبب تعليق العمل به. وجدير بالذكر هنا أن المادة التاسعة من قانون 2016م والخاصة بأعضاء مجلس الادارة، لم تضيف الامين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج ليكون عضواً في المجلس!.
من جانب آخر نجد أن اهتمامات الصندوق القومي للمعاشات والتأمينات الاجتماعية بالعاملين بالخارج تكاد تكون معدومة، وليس من اهتماماته ادخال شريحة العاملين في الخارج تحت مظلة التأمين، وحتى من خلال موقع الصندوق على شبكة المعلومات الدولية لم اجد اي اشارة للعاملين في الخارج سوى تلك الموجودة في القانون، واذا اخذنا مثلاً توصيات المؤتمر التنسيقي الرابع عشر في مايو 2015م نجدها خلت تماماً من ذكر جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، رغم أن التوصيات ذكر فيها انه لابد من انشاء شراكات فاعلة بين الصندوق واتحاد اصحاب العمل، واتحاد عام نقابات السودان في ضوء مذكرات تفاهم. ومن ناحية نشر الوعي التأميني لم يكن هناك دور للصندوق في نشر هذا الوعي وسط العاملين بالخارج ولا أذكر خلال عملي هنا في دولة قطر لمدة 23 سنة أن حضر وفد من الصندوق للقاء المغتربين والتبشير بالتأمين ومظلته وفوائده للمغترب، ان عدم الاهتمام بشريحة المغتربين يعتبر خللاً كبيراً جداً،؛ كذلك لم يقع في يدى خلال فترة اغترابي اي منشورات أو مطبوعات هنا عن انشطة الصندوق واهدافه وكيفية الانضمام اليه والفائدة التي تعود بالنفع على المغترب واسرته.
إن ايقاف تسجيل العاملين في الخارج تحت مظلة تأمين الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي والسكوت عنه يعد جريمة في حق ابناء الوطن من المغتربين العاملين في الخارج وينبغي محاسبة الاشخاص الذين تسببوا في ذلك من الناحية الاخلاقية والقانونية؛ فهل من مجيب ؟.


omarmahjoub@gmail.com

 

آراء