المِلْكِيّة – يا تري هل نحن فى إستعمار جديد؟؟؟
صورة وصوت “توثيقية " وقعت حقيقية علي أرض الواقع المتصحر المغبر، وصلتني هذا الصباح ، وكما يقول أهلنا في الأرياف " طار لها صوابي" من شدة الدهشة ومن شدة الإشمئزاز والشعور بأسىً وخوف ليس فقط على ذلك الطفل الغرير بل على وطن بأكمله يعيش الضياع . بلد يعجز النور أن يجد فيه منفذاً لينير ظلامه الدامس لأن أبوابه للأسف موصدة.
المقطع المتداول يجب أن يصل بعينه ويسرعة إلي راعي الرعية " فكلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم" وراعي التعليم وراعي الصحة وراعي القانون وحقوق الإنسان خاصة الطفل وإلى مندوب منظمة اليونيسيف في المنطقة و إلى راعى الشؤن الدينية وأئمة المساجد. إنه يصور طفلاً عبارة عن عظام يكسوها جلد وسروال وفانيلة متسخان يكسوان عورة جسمه النحيل. الجلد "مبرقع"كجلد الزرافة من هول وجراء الضرب الوحشي بالصوت العنج من قبل شيخ خلوة متوحش لم يطرق قلبه شيء من الحب والشفقة أو الرحمة على الحيوان ناهيك الإنسان الذى كرمه الله، فكلنا حيوان .
الكلمات تخرج من فمه خجولة متعثرة متكسرة لا تناسب عمره القياسي لأن سوء المعاملة من قهر وسوء تغذية قد أثرت علي نفسية الطفل البريئة وعلي الذاكرة والنطق الصحيح . فالخوف والجوع ونقص إحتياجات الإنسان من الغذاء الصحيح من بروتتين وفيتامينات وعناصر كيمائية عضوية وطبيعية إنها تقع علي صحته كمن حكم عليه بالإعدام البطيء ، لا فرق. والهول الأكبر عزيزي القاريء أن ذلك الطفل البريء المغلوب على حاله قد تسورت كلتا رجليه عنوة "بحجول" أو الأحرى درقات حديدية غليظة ثقيلة الوزن وقال قد أطبقها على رجليه "خاله" وقام بضم رجليه النحيلتين بسلسلة حديدية قوية قصيرة " جنزير" وأسلمه لشيخ خلوة بشرق النيل. هكذا فعل ذلك الخال العجيب ليتعلم الطفل "العلم"!. ثم ماذا بعد؟. قال الطفل: " هربت من الخلوة لأنني أريد أن أتعلم كغيري في مدرسة فهربت من الخلوة التي لا أريدها ولم أجد فيها سوي الضرب المبرح والجوع حيث نطعم فقط كسرة تعوم في الماء المطعم بملح الطعام فقط كما يعانى أيضاً وزملاؤه من القيود الحديدية التي تكبلهم حتى لا يهربون . قال إنهم يسمون هذه القيود بالملكية!. أردف أن أحد أقربائه ساعده بعد ان "شرد" بفك الجنزير وقال له أركض وفتش عن شخص " حداد ؟"يستطيع كسر تلك الأطواق الحديدية الغليظة القوية. إنه الآن هارب من أهله وكالمستجير من الرمضاء بالنار فقد صار هائماً بلا معين له ولا مأوي!. ماذا سيكون مصيره. لعل الذى صور المشهد قد قام بالواجب نحو ذلك الطفل. أرجو ذلك " فمن رأى منكم منكراً فليغيره".
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من هول تلك الجريمة وسوء المعاملة. العين تدمع والقلب يتفطر حزناً عليك يا طفلاً جميلاً بريئاً لا أعرفك ولعلك يتيماً قسى عليك الزمن وخالك وشيخ الخلوة الجاهل فنهروك وقهروك وضربوك وهكذا هم يقتلون فيك كل فرصة أمل وتأمل لمستقبل تحلم به ، حرموك من السير فى طريقه كغيرك من أبناء جيرانك او أقربائك الذين حظوا بمن يوجههم الوجهة الصحيحة ، فالأم أو الأب الجاهل يضرون أبناءهم في حيث يظنون أن شيئاً ما فيه نفعهم .من المسؤل من كل ذلك ونحن في زمن العالم يخطط فيه للهجرة من الأرض إلى السكن على الأقمار الدائرة فى أعلي السماء ؟ السؤال : مسؤلية من رعاية هؤلاء الشباب وهم في الحقيقة عماد مستقبل وتقدم السودان كله. هم الكنز الحقيقى الواعد في عالم يحترم الفرد ويعد له المناخ المناسب لكى ينمو عوده ويقوي صحيحاً معافاً . للأسف الوطن يتراجع مقارنة بما يدور حوله وعالمياً ، ويرزح في عمق جهل واستعمار في جلباب مستوطن ومظهر لحية مسلم تلك التي صارت الآن موضة عالمية لا تدل على كمال التدين أو صفاء النية أو حسن السلوك " وبحكم مهنتي وتعاملي اليومي مع البشر وما تخفيه السُتُر ، أسأل مجرب!". إنه لأقبح مشهد وواقع أن ترى مثل تلك الوجوه الماكرة المتوحشة تقتات فساداً بل لحوم البشر علي هذه الأرض التي هي من صنع الله وملكاً لله ومرجعها إلى الله وما كل الملك إلافقط لله رب العالمين.
من ضمن قوانين حقوق الإنسان العالمية المعروفة لدينا منها لوائح طبية تحتم علينا كأطباء وممرضين أن نقرع الجرس وإتخاذ ما يلزم فى حالة " مجرد شعرة شك ما" فى أن المريض " طفلاً كان أم بالغاً أم شيخاً" قد تعرض إلى أي نوع من العنف " النفسي أو الجسدي أو حتي الإهمال من الإعتناء بنظافته وغذائه ... إلخ". فالاطفال وكبار السن وذوي العاهات والتخلف الذهني والإحتياجات الخاصة كلهم معرضون لذلك، يعنى (vulnerable )وهذا قد يحصل فى أرقي بلاد الدنيا والمجتمعات ، وإن قل ، لكن لتلك البلاد قوانين صارمة تعاقب الجناة حق عقاب كما لتلك البلاد خدمات تؤديها لمواطنيها لأنها من صلب واجب الدولة نحو حقوق مواطنيها دافعي الضرائب. عندما كنت طبيب إمتياز كانت توجد في السودان مؤسسة الرعاية الإجتماعية تتولي مثل تلك المشاكل فهل لا تزال موجودة؟ وهل تطورت إلي مستوى وإمكانيات متوفرة لها كي تعالج مشاكل شريحة الأطفال الذين يجهل اهلهم كيف يوجهونهم بسهولة إلى الطريق السليم إلى ما يضمن لهم مستقبلاً مشرقاً. أيضاً يجب على كل شيخ خلوة أن يحمل شهادة رخصة تدريس بعد أن يتخرج من دورة يتلقي فيها دروس ونصائح من علماء دين أكفاء وأطباء أطفال وأطباء نفسانيين وأخصائيين في علم النفس وتربية الطفل كما يجب أن يكون هناك جهة تقوم بزيارات تفتيشية مفاجئة لتلك الخلاوي وتتحقق من حسن إدارتها وسلوك القائمين عليها. شيوخ الخلاوي أيام زمان كانوا من أهل العلم والصلاح.
.
في طفولتنا حكي لنا الأجداد كيف عانوا الأمرين من قبضة المستعمر وكيف شاهدوا الناس يباعون عبيداً فى وضح النهار مقيدون بالجنازير وكيف قسراً يدفعون الضريبة عن كل ما يرزقهم الله به حتى وإن كان ذاك من ناتج نخلة واحدة. اليوم السودانيون داخل الوطن وخارجه يدفعون دم قلوبهم من الضرائب والدمغات وغيرها والخدمات المرجوة والمنوطة من قبل الدولة "حقاً للمواطن" من تعليم وصحة صارت صفر اً على الشمال، فهل نحن يا تري أحراراً أم لا نزال فى إستعمار فى شكل جلباب جديد لونه؟
ليت سودنايل كانت تسمح بنقل مقطع ذلك الطفل الذي يقطع مشهده وكلامه نياط القلوب وبالتأكيد كمثله يوجد كثيرون يهيمون علي وجوههم في الصحاري والوديان والجبال في دارفور وجبال النوبة وكردفان وشمال وشرق السودان. إنه وباء إحتماعى خطير إن لم يدرس ويعالج فوراً فالفاتحة على روحك ياوطن " عنوان قصديدة جديدة لأخى وزميلي بروف معز بخيت، له التحية".
drabdelmoneim@yahoo.com