انتشال أم نشل بلاد السودان
بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
عانت بلاد السودان كثيراً و طويلاً و ما زالت تعاني من: الديكتاتوريات و الطغيان و العنصرية و القبلية و الجهوية و الجهل و التخلف و الفقر ، و قد قادت تلك المعاناة الطويلة إلى التخلف التنموي و التدني في مستوى المعيشة و نوعية التعليم و الصحة و خدمات أخرى و ربما إنعدامها في أرجاءٍ كثيرةٍ من بلاد السودان ، و علت أصواتٌ تشير إلى غياب العدالة في التنمية و توزيع و إقتسام السلطة و الثروة ، و تحدثت عن التفاوت الملحوظ في التنمية بين جهات و مكونات القومية السودانية ، و تولد شعور بالغبن و الإحساس (بالتهميش) ، في هذا المناخ تكاثرت و تناسلت و انتشرت الحركات ”السياسية“ المدنية و المسلحة التي تدعي أنها حريصة علي (تحرير) بلاد السودان و (انتشاله) من كآفة أشكال المعاناة و النهوض به من وهدته ، و أنها تسعى إلى نشر الحرية و العدل و المساواة و الأمن و تفعيل التنمية في ربوعه حتى تكون الرفاهية.
إزدحمت و تكدست ساحات السياسة و العمل العام في بلاد السودان بأحزاب و حركات و تنظيمات لها أهداف (مختلفة) لكنها جميعاً قد إتفقت على الرغبة الملحة (الطمع) في تولي أمر السلطة و إدارة دواليب الدولة لرفع المعاناة و (انتشال) السودان من وهدته و تحقيق الرفاهية ، و قد أدت هذه الكثرة الغير مسبوقة إلى إرباكٍ عظيم ، و يبدوا أن مجرد التفكير في حصر الأحزاب و الحركات و التنظيمات السودانية يورث الإعياء و الإحباط بسبب أعدادها الفائقة و مسمياتها المتشابهة ، كما أن أي محاولة لحصرها أو إحصاءها ربما تكون مستحيلة لأن هذه الأحزاب و الحركات و المنظمات ما فتئت تتوالد ، و يبدوا أنها ولود و ليس لديها رغبة في إستخدام ما ينظم خصوبتها و تكاثرها ، و ما يلي محاولة لرسم ملامح تعطي فكرة عما في الساحات من جهات لها رغبة في السلطة و الحكم:
- الكيزان و مخلفات الكيزان
- القوات النظامية (المعروفة) كالجيش و الشرطة و الأمن
- القوات الغير نظامية و المليشيات
- الأرزقية من مدعي ”الإستقلالية“ من الذين تعاملوا مع كل الأنظمة التي توالت على السلطة فى بلاد السودان منذ الإستقلال
- الأحزاب الطائفية
- الأحزاب غير الطائفية:
- الأحزاب اليسارية
- الأحزاب ذات التوجه الأعرابي
- الأحزاب الأخرى
- النقابات المهنية
- الإدارات الأهلية
- الجماعات الإسلامية السنية و الصوفية و ربما الشيعية
- الحركة الشعبية لتحرير السودان و ما توالد منها من حركات (عقار/عرمان/الحلو) و حركات أخرى ما زالت تتناسل
- حركات تحرير السودان الدارفورية ، و قيل أن إحصاء و حصر هذه الحركات قد توقف دون المئة أو نحوها ، و من هذه الحركات للمثال و ليس الحصر:
- حركات التحرير
- حركات العدالة
- حركات العدل
- حركات المساواة
- حركات الخلاص
- حركات الوطنية
- حركات القومية
- حركات القوى
- حركات الإصلاح
- حركات الثورية
- حركات الشعبية
- حركات الديمقراطية
- حركات متحدة
- حركات موحدة
- حركات تغيير
- حركات متحالفة
- حركات دارفورية جديدة في علم الغيب
- حركات تحرير الشرق
- أصحاب المسارات
- أهل العمم و الشال و العصاية و المركوب من ماسحي الجوخ من غير الكيزان
- أصدقاء السفارات الأجنبية
- أحزاب و حركات و مسارات و جماعات و منظمات و أفراد ينتظرون في رحم الغيب
ملاحظات:
١- أسماء الحركات الدارفورية تتراوح ما بين التحرير و العدالة و المساواة و الإصلاح في ثنائيات و ثلاثيات مع تقديم أو تأخير هذا الإسم أو تلك الصفة أو بإضافة إسم ذلك القائد المنشق أو أي رفيق آخر كما في حالة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال و حركات دارفور ، هذا (الثراء) في المسميات يوحي أن أجزاء عديدة من بلاد السودان ما زالت تحت نير الإستعمار و الطغيان و الظلم و الفقر و الجهل
٢- (منسوبو) هذه الأحزاب و المؤسسات و النقابات و الحركات و الجماعات و الهيئات من السودانيين (و ربما جنسيات أخرى) يطمحون جميعهم في أن يحكموا بلاد السودان في آن واحد!!! ، و مما لا شك فيه فإن هذا الطموح و الإصرار على الحكم و المناصب يربك المواطن السوداني إرباكاً عظيماً كما أنه بغير شك سوف يرهق البند الأول من ميزانية بلاد السودان المنهكة كثيراً
٣- تدعي كل هذه المجموعات أن لها ”الخبرة العملية“ و ”المقدرة التنظيمية“ و ”الجدارة المهنية“ التي تؤهلها لتولي السلطة ، لكن يبدوا أن هذه المصطلحات لها تعريفات مختلفة عند المجموعات المختلفة و ذلك بسبب إختلاف (المراجع) ، فبينما تعتقد الأحزاب السياسية الطائفية و العقائدية و (جبهات) أخرى أن تفسير المصطلحات يعني سابق تجاربهم في الحكم و السياسة المحلية و الإقليمية و ربما الدولية و مؤهلات منتسبيها خصوصاً الذين يتولون دفة القيادة فيها ، مع الإدعاء أنهم قد إكتسبوا (المهارات) الكافية و تراكمت لديهم الوسائل و الأدوات (التنظيمية) و (المعرفية) التي تجعلهم قادرين على حشد الدعم الشعبي ”لبرامجهم“ و كذلك تنفيذها ، و على الجانب الآخر تفسر الجماعات المسلحة ذات المصطلحات على أنها (القوة الفيزيائية) و (الجاهزية العسكرية) القادرة على حشد/حشر (السند القبلي/الجهوي) ، بينما يرى مراقبون أن ما يجمع كل هؤلاء الفرقاء هو المطامع الشخصية و الوهم ، فليس هنالك تنظيمات ذات مؤسسات و دساتير و لوائح و لا برامج بل هنالك فوضى من أفراد و مطامع شخصية و سلاح و محاور تمول
٤- أغلب هذه المجموعات ، أو ربما جميعها ، يدعون الإيمان بالحرية و الديمقراطية و التعددية و العدالة لكنهم و إذا ما إختلفوا داخل تنظيماتهم و أحزابهم و حركاتهم ”الديمقراطية“ و جآءت رؤاهم مخالفة لرأي الأغلبية هجروا الديمقراطية و الحوار و نبذوهما و لجأوا إلى الإحتراب بدلاً عن الحوار و إلى الإنشقاقات و تكوين الفصائل الجديدة التي يبدوا أن لا نهاية لتكاثرها
٥- جميع الأحزاب و الحركات و الهيئات يدعون أن لهم برامج صممت (لإنتشال) بلاد السودان من وهدتها و إستثمار ثرواتها الضخمة لرفاهية المواطن ، لكن يبدوا أن بعضاً أو ربما كثيراً من (منسوبي) تلك الأحزاب و الحركات و آخرين من مدعي السياسة قد فسروا و فهموا أن كلمة (إنتشل) تعني (نشل) ، و كان الإختلاف و الخلط بذات النهج كما كان مع مفهوم الكفاح (المسلح) حين ظن الكثيرون من (المقاتلين) و (المجاهدين) أنه يعني الكفاح (المصلح) الذي يفضي إلى الإمتيازات الشخصية و (تصليح) الحال ، هذه الإجتهادات في التفسيرات أدت إلى تنوع غير مسبوق في محاولات (نشل) بلاد السودان!!!
الحل:
ثورةٌ يأخذ قادتها (من الشباب) بزمام المبادرة و ناصية الأمور و يشرعون في الإصلاح (بأيادي من حديد)
ثورةٌ تخاطب أساليب الحكم و أدواته بمنظور الواقع السوداني
ثورةٌ الأولوية فيها للعمل الجماهيري المباشر الذي يتناول المشاكل المحلية و يجد لها الحلول
ثورةٌ تُفَعِّلْ القوانين و اللوائح و النظم التي تيسر العمل و الحياة
ثورةٌ تُفَعِّلْ العدالة و القضاء و تحارب الفساد
ثورةٌ تُفَعِّلْ الإنفتاح و الشفافية و تمليك الحقائق
... كل ذلك و بما يتناسب و يتلآءم و يتوأم مع بيئة و كريم تقاليد و عادات و معتقدات بلاد السودان
... و مع العلم أنه سيكون رهقٌ و نصبٌ لكن الصبر جميل و (ما فيش حلاوة من غير نار? )
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
FAISAL M S BASAMA
fbasama@gmail.com