Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
مقدمة .
لا يملك الإنسان إلا الشعور بالإحباط والحزن وهو يتابع بقلق بالغ أحداث الجنوب التي تفجرت يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 ، ولا تزال نيرانها مشتعلة طيلة الأسبوعين المنصرمين .
يقولون إن صورة ربما أغنت في الشرح عن مئات الكلمات ؛ ونرفق صورة على الرابط أدناه تصور أطفال يلعبون في المياه الآسنة في مجرى صرف صحي في قاعدة من قواعد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام ( يونميس ) في جوبا . يشربون من مياهها الآسنة ، ويغتسلون ويغسلون ثيابهم ، ويتبرزون ، ويعملون عملاً دون ذلك فيها . وهم بعد من المحظوظين الذين فروا من جحيم جوبا ، إلى قواعد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جوبا وملكال وبور وبانتيو وغيرهم من المدن المنكوبة .
إذا كان هذا هو مصير المحظوظين ، فما بالك بغيرهم من البؤساء التعساء الذين لم ينجحوا في الوصول إلى قواعد اليونميس … مصيرهم الموت برصاص وسواطير وخناجر مليشيات وقوات الحركة الشعبية التابعة للرئيس سلفاكير والأخرى التي تتبع لخصمه الدكتور ريك مشار ؟
يمكنك رؤية الصورة على الرابط أدناه :
http://www.theguardian.com/world/picture/2013/dec/28/eyewitness-south-sudan
نحاول في النقاط أدناه إستعراض بعض ملابسات وتداعيات أحداث الجنوب :
اولاً :
إنحسار العطف الدولي ؟
كيفما إنتهى الصراع الثنائي حول السلطة بين الرئيس سلفاكير والدكتور ريك مشار ، فالثابت إن أحداث الجنوب الدامية قد أصابت العطف والتعاطف والدعم الدولي لدولة الجنوب في مقتل ؟ أصبح الرأي العام العالمي وبالتالي السياسيون من متخذي القرار في الغرب ينظرون بكثير من الإستهجان والغل والكراهية بل التقزز لقادة جنوب السودان ، في الحكومة وفي المعارضة ، الذين يقتلون مواطنيهم في حملات أبادة جماعية وعلى الهوية حصرياً ؟
في شوارع جوبا ، تسأل قوات التايقرز ( وهي مليشيات مسلحة تتبع للرئيس سلفاكير من شبان قبيلة الدينكا في ولايتي وارااب وشمال بحر الغزال ) ؛ تسال المواطن الجنوبي الماشي في الشارع لا يلوي على شئ :
ما أسمك ؟
وإذا كان أسمه يشئ بأنه من قبيلة النوير ( قبيلة الدكتور ريك مشار ) ، فنصيبه سوف يكون رصاصة في رأسه ، أو ساطور على عنقه ، أو خنجر في قلبه ؟ هكذا بكل بساطة وبكل دم بارد ؟
في أحياء جوبا التي تسكنها أغلبية من قبيلة النوير ، دهست دبابات جيش الحركة الشعبية ، عشوائياً ، قطاطي ومنازل المواطنيين وأصحابها بداخلها ومعهم أطفالهم وشيوخهم ، فمات الجميع تحت جنازير دبابات الرئيس سلفاكير ، وهم يولولون .
في أحياء جوبا المختلطة ، كان مع دبابات الرئيس سلفاكير مخبرون من الحي يدلون الدبابات على منازل المواطنين من قبيلة النوير ، فيتم دهسها وتدميرها وأصحابها بداخلها ، وكأنهم جرذان ؟
في جوبا مات سنبلة مئات من المواطنين المدنيين العزل من قبيلة النوير في يوم الأثنين 16 ديسمبر 2013 وما بعده ، عندما ظهر الرئيس سلفاكير بلباسه العسكري في مؤتمر صحفي يعلن الحرب على الدكتور ريك مشار وصحبه .
كانت تماسيح وأسماك بحر الجبل جد سعيدة وهي تلتهم جثامين القتلى من النوير التي قذفت بها اليها مليشيات الرئيس سلفاكير ؛ كما إكتشفت الأمم المتحدة قبراً جماعياً في جوبا تم دفن النوير فيه ؟
شاهد الرأي العام العالمي هذه الأحداث على شاشات التلفزيون في صوالينهم ، فإمتلأوا حنقاً وغضباً وغلاً وكراهية وتقززاً ضد قادة حكومة ومعارضة جنوب السودان .
تبخر العطف الدولي الذي أستولد دولة جنوب السودان ، وحل مكانه تقزز غليظ .
شارك مجلس الأمن بقضه وقضيضه ومثله معه من قادة الدول من رياح الدنيا الأربعة في الإحتفال بتوقيع إتفاقيةالسلام الشامل في نيروبي في يوم الأحد 9 يناير 2005 . وبعدها توالى الدعم الدولي المكثف على الدولة الوليدة ، خصوصاً من الولايات المتحدة .
أكلت نيران أحداث جوبا قرابين العطف الدولي ، وحلت مكانها اللعنات والإدانات والتقزز ؟ فبئيس المآل ؟
في مدينة اكوبو في ولاية جونقلي سمع شباب النوير بأحداث يوم الأثنين الدامي ضد أهلهم من النوير في جوبا ، فقامت مليشيات ( الجيش الأبيض ) النويرية ( يطلي عناصر الجيش الابيض أجسامهم بالرماد الأبيض لطرد الناموس ) بمطاردة المواطنين من قبيلة الدينكا ، الذين إلتجاوا لقاعدة قوات الامم المتحدة لحفظ السلام ( اليونميس ) . أجتاحت مليشيات الجيش الأبيض القاعدة وقتلت بدم بارد جميع الهاربين من قبيلة الدينكا ومعهم أثنين من قوات اليونميس . تكرر نفس المشهد الدامي بقتل المواطنين المدنيين العزل من قبيلة الدينكا في مدينة بور عاصمة ولاية جونقلي وفي مدينة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة .
هل قلت الوحدة ، يا هذا ؟
في الخرطوم وفي يوم عيد الميلاد الأربعاء 25 ديسمبر ، لم يشارك في القداس في الكنائس المواطنون من قبيلة الدينكا خوفاً من إنتقام النوير ضدهم ؟
تابع الرأي العام العالمي أحداث أكوبو وبور وبانتيو والقتل العشوائي على الهوية والقبيلة . أدان الراى العام العالمي وحشية وذئبية إنتقام مليشيات قبيلة النوير وجيشها الأبيض ضد المدنيين من قبيلة الدينكا .
كتب البرفسور اندرو ناستيوس ، المبعوث الأمريكي الرئاسي الخاص السابق لدولتي السودان ومهندس إنفصال الجنوب ، مقالة تسآل فيها عن كيفية إنقاذ الجنوبيين من أنفسهم ؟
بعد أن إختفت ( نشارة خشب ) الشمال ، تطاقش ( قزاز الجنوب ) ، وتكسر ؟
القى السفير برنستون ليمان ، المبعوث الأمريكي الرئاسي الخاص السابق لدولتي السودان ومهندس إنفصال ودعم دولة الجنوب ، باللائمة في أحداث الجنوب على الرئيس سلفاكير لأنه إستعمل ساطور الجزار بدلاُ من مشرط الجراح .
صبيحة الأثنين 16 ديسمبر 2013 ، أمتشق الرئيس سلفاكير سيوفه ، ولباسه العسكري ، وأعلن في مؤتمر صحفي محضور ، الحرب على الدكتور ريك مشار ، فاتحاً أبواب جهنم ليس فقط على الدكتور ريك مشار وصحبه السياسيين بل على كل قبيلة النوير شيباً وشباباً ، نساءاً واطفالاً ؟
أدان الممثل الهوليودي جورج كلووني ، صديق دولة الجنوب الأثير ، قادة الجنوب على الفظاعات الذئبية التي أرتكبوها بحق المدنيين العزل في وحشية غير مسبوقة .
أدانت صحيفة النيويورك في أفتتاحية غير عادية أحداث جوبا المأسوية ، وكذلك مجلة الايكونمست وبقية الصحف ووسائط الإعلام في كل الدول الصاحية وحتى النائمة منها ؛ الأمر الذي هيج الرأي العام العالمي ضد قادة الجنوب حكومة ومعارضة ؟
حتي الصومال دخلت في وساطة بين قادة الجنوب ، في إطار الإيقاد؟
من هو الخاسر في كل هذه الأحداث ومن هو الكسبان ؟
لا يوجد كسبان ؛ والكل خاسر … الرئيس سلفاكير وغريمه الدكتور ريك مشار ودولة ومجتمع وشعب جنوب السودان ؟
صارت دولة جنوب السودان تجسد أسوأ ما في الإنسان … تجسد الإبادات الجماعية العشوائية ، تجسد الجرائم ضد الإنسانية ، وتجسد جرائم الحرب .
الوضع في الجنوب مرشح ليزداد سؤاً ، بعد أن حشد الدكتور ريك مشار قواته ( الأحد 29 ديسمبر 2013 ) للهجوم على بور ، وإستعادتها من قوات الرئيس سلفاكير ، في لعبة بنق بونق كارثية … خصوصاً علي المدنيين العُزل من قبيلتي الدينكا والنوير ؟
لن يمر وقت طويل ، حتى تصدر محكمة الجنايات الدولية أوامر قبض ضد الرئيس سلفاكير والدكتور ريك مشار وجلاديهم من الذئاب في مليشيات التايقرز والجيش الأبيض التي ولغت في دماء الأبرياء من النوير والدينكا ، كما هدد بذلك الأمين العام للأمم المتحدة ؟
اؤلم يقل سبحانه وتعالي في الآية 36 في سورة القيامة :
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى؟
ثانياً :
أبيي ؟
لف النسيان مشكلة أبيي ، وصمت المزايدون والمهرجون الذين عقدوا الإستفتاء الأحادي ( يوم الخميس 31 أكتوبر 2013 ) لطرد قبيلة المسيرية من أبيي ، ومنعها من العبور بأبقارها إلى بحر العرب ، كما كانت تفعل منذ الأزل . وقف المجتمع الدولي والإتحاد الأفريقي مع قبيلة الدينكا ضد قبيلة المسيرية ، وقرر عقد الإستفتاء بمشاركة قبيلة الدينكا وحرمان قبيلة المسيرية من التصويت في الإستفتاء … أي ضم أبيي إلى دولة جنوب السودان .
في جوطة الإستفتاء قام شباب قبيلة الدينكا في أبيي بحرق دكاكين التجار الشماليين في سوق أبيي ، وطرد جميع الشماليين من قاطني أبيي خارجها .
ولم يقل المجتمع الدولي بغم .
كان المجتمع الدولي يتعاطف عميانا مع الدينكا الجنوبيين ( المضطهدين … بفتح الهاء ؟ ) وضد المسيرية الشماليين العرب المسلمين ( المضطهدين … بكسر الهاء ؟ ) ؟
سوف يكون المجتمع الدولي أكثر توازناً وعدلاً وتفهماً لقضية أبيي بعد حوادث جوبا ( الأحد 15 ديسمبر 2013 ) ؟
تم إعتقال السيد دينق آلور ، رئيس اللجنة العليا لإستفتاء أبيي ، مع عشرة آخرين من المتهمين بالتورط في حوادث جوبا . تم إطلاق سراح 8 من المعتقلين ،ولكن سوف يستمر إعتقال دينق آلور لمحاكمته في قضية جنائية ، بتهمة إختلاس 8 مليون دولار لتوريد خزائن وهمية لحكومة الجنوب عندما كان وزير شئون الرئاسة . أرجع السيد دينق آلور المبلغ المُختلس على دائر الدولار للخزينة العامة ، وإعترف بجرمه .
أحتفظ الرئيس سلفاكير بملف القضية ولم يُقدم السيد دينق آلور للمحاكمة لكي يشجع المختلسين الآخرين بأرجاع الأموال المختلسة والمنهوبة ( أكثر من 4 مليار دولار … الكترابة ؟ ) ولكي يستعمل الملف لإبتزاز السيد دينق آلور وتركيعه عند الحاجة .
ولكن فنجط السيد دينق آلور يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 ، فحق عليه العقاب .
نواصل …
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم