بكم لسان ينطق هذا المؤتمر الشعبي؟ … بقلم: محمد وقيع الله

 وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها

  waqialla1234@yahoo.com   

لهذا الحزب الموصوف بالمؤتمر الشعبي ألسنة عدة تنطق في وقت واحد باتجاهات متضاربة. وما منها إلا لسان مريب مجاف للمصداقية، مناف للمبدئية والوطنية بكل معنى من معانيها. تأملت وتأمل غيري في محتوى هذه التصريحات الثلاثة الأخيرة، التي أفضى بها بعض كبار زعماء هذا الحزب المارق، ابتدرها زعيمهم، حسن الترابي، بقوله المنكر في تأييد دعاوى المدعي الصهيوني لويس أوكامبو، عن محاكمة زعيم الأمة المشير البشير. أنت الخصم والحَكم وشاهد الزور: وهذا الزعيم (الشعبي) الترابي يعترف له الجميع، بأنه عالم قانوني ضليع، تتجاوز معرفته ظواهر نصوص القوانين، لتنقذ إلى بواطنها، وتدرك أغوارها، وتستشف مقاصدها، وتقدر فلسفاتها الكلية، وموحياتها العقلية والوجودية. وهو بالتالي أول من يرجى منه أن يراعي مبادئ العدالة وموجباتها، ويقضي بالعدل ولو على خصومه. ولكنه لما كان، من الناحية الأخرى، سياسيا جريحا، إصابته جاءت في صميم القلب، فإنه قد أهدر معرفته تلك الفذة بدقائق القانون، ومبادئ العدالة الطبيعية، والدينية، وتجرد حتى من أبسط أسس الموضوعية ولوازم الحيطة والحياد.وبذلك أعلن عن نيته ورغبته في أن يكون شاهد زور، في محكمة الزور، التي يريد المحافظون الجدد والصهاينة أن ينصبوها، للنصب على بلادنا، وابتزاز زعيمها المشير البشير وأعوانه من حكام الإنقاذ المجاهدين. وقد استنكر كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ووطنية وكرامة وعنفوان، هذا الإعلان الخسيس، الذي عبر به زعيم الشعبي، عن موقف انتهازي ضيق كريه لا شهامة فيه ولا مروءة ولا تقوى ولا حياء.وتمادى هذا الشخص فلم يسكت بعد ذلك، مع أنه كان خليقا به أن يسكت ويتربص حتى يستدعيه الصهاينة، ليأتي فيدلي بشهادة الزور المطلوبة منه. ولكن قلبه المتضرِّم بالضغينة والحنق، لم يهدأ ولم يقر. ولذلك ما عتَّم أن عاد، فلبس لبوس الناصح الأمين الحادب، وهو لباس زور أيضا، ونادى على زعيم الأمة البشير لكي يقبل طوعا أو كرها بحكم طغاة لاهاي.ولم يكتف حسن الترابي بذلك وحسب، بل وأعلن عن نتيجة الحكم المعد سلفا، وهو حكم الإدانة على المتهم الذي لم يمثل بعد أمام المحكمة، ولن يمثل أمامها أبدا بحول الله تعالى وطوله وعونه، فقال حسن الترابي عن الزعيم البشير إنه قد ارتكب فعلا جرائم حرب، وإنه مسؤول عن الفظائع التي وقعت منذ عام 2003 م في إقليم دار فور. وردد حسن الترابي ما سمعه من أوكامبو أو ما أملاه عليه فقال إنه ينبغي على البشير أن يتحمل المسؤولية السياسية عما يحدث في دارفور أيا كان سواء أكان تهجيرا للسكان أو حرقا للقرى أو عمليات اغتصاب تتم في إطار منهج متبع.
وهكذا أعلن حسن الترابي، نيابة عن هيئة المحكمة، غير الموقرة، حكم إدانتها على المتهم البرئ الشريف المستهدف من أعداء الإسلام، الرئيس عمر البشير، ثم تطوع بعد ذلك بإسداء النصح إليه بأن يسارع فيسلم نفسه حتى يطبق عليه حكم الجور المبني على شهادة زور.
استخفاف بالعقوبات ثم خوف منها:ولم يعدم هذا القانوني الناصح المريب أن يفتعل الحيثيات المبهمة، التي يقوي بها موقفه المتهالك، فأعلن أن مسارعة البشير بتسليم نفسه للاهاي ستقي السودان من وطأة عقوبات دولية ستطبق عليه حال عصيانه لأمر الاستدعاء. وهنا نسي حسن الترابي ما قدمت يداه، وما أكثر ما أصبح ينسى، ويتناسى ما قدمت يداه، فقد نسي وتناسى أنه كان من أكثر الناس، في عهد تمكنه في الحكم، استهانة بأمر العقوبات الدولية، التي لم يتوقف فرضها على السودان، منذ أوائل أيام الإنقاذ، وكم له في التخفيف من شأن هذه العقوبات، والاستخفاف بها، من تصريحات إن غابت عن ذاكرته أبرزناها له موثقة أوثق توثيق.فوجئوا بالاعتقال:هذه التصريحات التي حالفها الخذلان، وجلبت على الناس الغثيان، قادت صاحبها أخيرا إلى السجن. ومهما بررت الحكومة أمر اعتقالها له، فقد كنت أتمنى أن تبقيه حرا طليقا، حتى يهذي بمزيد من مثل هذه التصريحات، التي تضر به، وبحزبه، ولا تضر الناس شيئا.ويبدو أن قادة ما يسمى بحزب المؤتمر الشعبي أنفسهم قد فوجئوا باعتقال زعيمهم، ولذا حاول النائب (الداخلي) لزعيم الحزب، الأستاذ عبد الله حسن أحمد، وهو أقل الزعماء الثلاثة تطرفا، ولكن مشكلته أنه من أكثرهم تبعية للترابي وانسياقا معه، أن يخفف من وقع تصريحات الترابي، ويطمس بعض معالم دلالتها الفاقعة، وأثرها السالب على الحزب. وأجهد نفسه في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية بتاريخ 18 يناير 2009م دلأدلىأن يوجه تصريحات الترابي وجهة أخرى محتملة ومقبولة ومستساغة لدى الرأي العام، فزعم:” أن الترابي الترابي لم يدع البشير لتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية، وأكد أن البشير مسؤول مسؤولية سياسية عما جرى ويجري في دارفور سياسيا وليس جنائيا”. وأن هنالك فرق بين الأمرين.هذا التدخل غير الموفق من نائب الترابي (الداخلي) في تصويب كلام رئيسه، وتوجيهه نحو غاية مباينة، لم ينفع شيئا ولم يقنع أحدا، بسبب ارتباط التصريحات الأصلية التي أدلى بها الترابي، مباشرة بالموضوع القضائي المثار، وهو موضوع  التهم المختلقة، وبلاغ الاستدعاء الكيدي، المقدم من مدعي ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية، والذي طلب الترابي صراحة من زعيم الأمة البشير بأن يستجيب له ويلبيه!وقد كان من الواضح جدا لكل من سمع تلك تصريحات الترابي تلك أنها تتضمن إدانة قضائية، لا سياسية فقط، لزعيم الأمة البشير. وليس صحيحا ما زعمه النائب (الداخلي) الذي حاول أن يستدرك مغبة هذه التصريحات، ويبعد عنها الوجه القضائي.أشد الناس عداوة:ثم ما كاد هذا النائب (الداخلي) يفرغ من محاولته لتفريغ تصريحات الترابي من شحنتها الأصلية، حتى برز النائب (الخارجي) لزعيم الحزب، الدكتور علي الحاج، وهو أكثر النائبين تطرفا، وأشد الناس عداوة، فأدلى بتصريحات صاخبة إلى صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 25 يناير 2009م، جاء مضمونها ملخصا في عنوانها العريض القائل: يجب على البشير تسليم نفسه للمحكمة طوعا واختيارا لتجنب الإهانة.  وما عناه علي الحاج هو أن زعيم البلاد سيتعرض إلى الخطف بواسطة عصابات هذه المحكمة الدولية التي حاولت من قبل أن تختطف من قبل الوزير هارون وهو بصدد السفر لأداء فريضة الحج. ومن عبرة هذه المحاولة الإرهابية (الفاشلة) لاختطاف الطائرة المقلة للوزير هارون، يقول علي الحاج إن على المشير البشير أن يسلم نفسه طوعا للمحكمة، بدلا من أن يختطف ويهان، فهذا هو ضرب الحِكم والمواعظ والنصائح التي يتبرع بها خلعاء الحركة الإسلامية المحبطون ويسدونها إلى جمع مجاهديها الصناديد الصامدين.وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل:وانطلاقا من نزعته التهييجية المتطرفة بث النائب (الخارجي) لزعيم الحزب في ثنايا تصريحاته إلى (الشرق الأوسط) رسالة تحريض وجهها إلى الحركة الشعبية، والأحزاب المعارضة المشاركة في السلطة، وإلى الجيش والشرطة، تقول:” الآن بقينا في مشكلة حقيقية هي موضوع المحكمة، إما البلاد وإما شخص البشير، وليس الرئاسة، ولابد أن تكون هذه المسألة واضحة، لا يكون فيها خلط … لأن القرار الذي صدر للمحكمة هو من مجلس الأمن، وتحت البند السابع، البند السابع يجيز استخدام القوة “. وهكذا بدا لعلي الحاج أن مجلس الأمن الدولي، هو الذي يسير أمر الكون بأكمله، وأنه سلطة القضاء والقدر النافذ الذي لا يرد، وأن حكمه فينا ماض لا محالة ولا محيص. ألا فليعلم الدكتور علي الحاج، إن كان لم يعلم بعد، أنا قوم مؤمنون بالله الواحد الأحد القهار، إيمانا لا يتزعزع ولا يتضعضع قط. ألا فليعلم هذا الدكتور الناصح غير المؤتمن، أنا رادون عليه نصيحته نصيحة الإرجاف والتخذيل والتهويش والتخويف المحض، فهي من قبيل نصح من نصحوا المؤمنين الصادقين من قبل قائلين :” إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم”. فما زادهم ذلك تخذيل المبطلين إلا إيمانا وتسليما وتوكلا على الله تعالى فهو نعم المولى ونعم النصير.( وفي الأسبوع القادم، نتحدث، بإذن الله، عن البواعث الحقيقية لهذه التصريحات، ونتعرف على المزيد من عجائب من جماعة لن ينجح أحد.)   

شاهد أيضاً

مرآة ذهنيتي على بندقية الوطن: الجيش السوداني في معادلة الشرق الأوسط

زهير عثمان zuhair.osman@aol.com هذه مقاربة فيها الكثير من الخيال المجنون، الذي ساقني إليه التأمل العميق …