قراءة قانونية في نص المادة 52 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، بعد إعلان الإمارات دولة (معادية)
✍️ : احمد التجاني دلدوم الختيم _
مستشار قانوني
?جاء بيان مجلس الأمن والدفاع بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة دولة معادية ، ليضع آلاف المواطنين السودانيين المقيمين والعاملين في تلك الدولة أمام واقع قانوني جديد ومعقد ، لاسيما في ظل تداول نص المادة (52) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، التي تجرم العمل أو التعامل مع دولة يعلن السودان عداءه لها.
?وبرغم أن من صميم سيادة الدولة أن تدير علاقاتها الدولية وفقا” لما تقتضيه المصلحة العليا التي تعتقد انها سليمة ، فإن انعكاسات هذا الإعلان تستدعي مسألة قانونية دقيقة جدا تأخذ في الاعتبار حقوق الأفراد ومراكزهم القانونية وواقعهم المعيشي ، خصوصاً في أزمنة الحرب والانهيار الشامل .
?وتبعاً لذلك ، تبرز تساؤلات مشروعة تتعلق بأثر هذا الإعلان على وضع المواطنين السودانيين المقيمين في الدولة المعنية :
1. هل يواجه العامل السوداني الذي يسعى لكسب عيشه ويعول أسرته، تهديداً بالملاحقة أو العقوبة استناداً إلى المادة 52 من القانون الجنائي لسنة 1991م ؟
2. هل يعتبر استمرار وجوده في تلك الدولة مخالفة قانونية تستدعي المسآلة ؟
3. وهل تتحمل الدولة مسؤولية إيضاح مصير هؤلاء المواطنين؟
4. وكيف يوازن القانون بين مبدأ السيادة وواجب حماية المواطنين في الخارج؟
5. وما مصير السودانيين الذين فروا إلى هناك بسبب ظروف الحرب وظلوا مقيمين تحت أوضاع إنسانية استثنائية ، لا خيار لهم فيها ولا بديل عنها في الوقت الحالي علي اقل تقدير ؟
?إن نص المادة (52) من القانون الجنائي، وإن كان يمنح الدولة سلاحاً تشريعياً ضد من يتعامل مع دولة معادية، إلا أن تفعيله رهين بتحقق عنصرين جوهريين :
أولاً : صدور إعلان رسمي وموثق قانوناً من جهة الاختصاص باعتبار دولة ما “عدوة”، إذ لا يكفي فيه مجرد البيان السياسي أو التوصيف الإعلامي .
ثانياً : أن يكون التعامل قد تم دون إذن ، وأن يأخذ صورة من الصور الواردة في النص (خدمة – معاملة تجارية – تعامل مباشر).
?ومن دون صدور إعلان موثق مصحوب بتدابير تنفيذية واضحة ، لا يمكن تحميل المواطن تبعة قانونية لم يبلغ بها رسمياً،
لا سيما إذا كان مقامه أو عمله في تلك الدولة قد سبق القرار ولم يكن قائماً على نية سياسية أو عدائية وإنما من اجل لقمة العيش الحلال .
?وتزداد خطورة المآلات إذا علمنا أن آلاف المواطنين موجودون في تلك الدولة تحت مظلة (إقامة الكوارث) أي أنهم لم يغادروها طوعاً بل هرباً من جحيم الحرب، وبدافع إنساني في المقام الاول لا بدافع سياسي ، فهل يطلب من هؤلاء أن يغادروا فجأة بلا مأوى بديل؟
وهل من العدل مساءلتهم على وضع لم يكن لهم فيه خيار؟
?إن القراءة العادلة لنص المادة (52) تقتضي أن تُضبط حدودها الزمنية والمكانية ، وأن يراعى فيها التدرج في التفعيل عبر سياسات انتقالية تضمن أمن الدولة دون أن تزهق حقوق الأفراد .
?الحلول المنطقية :
1. توضيح رسمي من وزارة العدل أو جهة الاختصاص يبين نطاق تطبيق المادة (52) وحدودها الزمنية ، ويؤكد أن المواطنين المقيمين في الدولة المعنية غير مشمولين بالمساءلة طالما لم يصدر إعلان رسمي مفصل بشأن التنفيذ .
2. فترة سماح انتقالية في حال صدور إعلان معاداة صريح لاحقا ، تمنح فيها للمواطنين فرصة تسوية أوضاعهم القانونية والمالية والأسرية .
3. قيام آلية قانونية للاستثناء تتيح التقدم بطلبات إذن خاصة تتيح للمواطنين استكمال أعمالهم دون ملاحقة قانونية .
4. تفعيل قنوات تواصل قانونية مع السودانيين بالخارج عبر منصات رسمية ، تقدم التوجيهات القانونية وتحمي المواطن من التضليل والإشاعات.
?اخيرا” :
سيادة القانون لا تعني تجريد القانون من العدالة ، ولا ينبغي أن يكون النص سيفا مسلطاً على رقاب البسطاء ، بل الأصل أن يكون القانون حارساً للحقوق ، لا مقصلة لها ، خاصة عندما يتعلق الأمر بأبناء الوطن الذين حملوا همومه بعيداً وساهموا في نهوضه برغم الغياب .
?خروج :
قناعتي ان التعويل ليس على صرامة النص، بل على حكمة تنزيله ، إذ أن القانون حين يفعل بغير رحمة يفقد جوهره الأخلاقي ويهدد الصلة بين المواطن ودولته ، والسيادة الحقة لا تكون خصماً على الكرامة بل ضامنة لها .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ?
ahdal5029@gmail.com