Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
1 – أديس ابابا 2 ؟
كان المفروض أن تنعقد الجولة الثانية من مفاوضات أديس ابابا ( أديس ابابا 2) بين وفد الرئيس سلفاكير ووفد الدكتور رياك مشار يوم الجمعة 7 فبراير 2014 ، للوصول إلى إتفاقية سلام شامل ، وتسوية سياسية كاملة بين الطرفين . ولكن تم تأجيل بدء الجولة الثانية ليوم الأثنين 10 فبراير ، وربما تم تأجيلها للمرة الثانية ولاجل غير مسمى ، لأسباب عدة . فقد إشترط وفد الدكتور رياك مشار للمشاركة في المفاوضات عدة شروط تعجيزية ، نذكر منها الشروط الآتية :
اولاً :
سماح كينيا للسيد دينق آلور وصحبه الستة مغادرة كينيا ( حيث يتم إعتقالهم بدلاُ من جوبا ) إلى أديس ابابا للمشاركة في المفاوضات ، الأمر الذي ترفضه السلطات الكينية ، حسب إتفاقها المسبق مع الرئيس سلفاكير .
ثانياُ :
أطلاق سراح الرئيس سلفاكير للسيد باقان أموم وصحبه الثلاثة المعتقلين في جوبا ، الِشرط الذي يرفضه الرئيس سلفاكير .
ثالثاً :
مغادرة الجيش اليوغندي أراضي دولة جنوب السودان ، الأمر الذي يرفضه الرئيس موسفيني .
وحتى لو بدأت المفاوضات ، فإن فرص نجاحها في عقد إتفاقية سلام شامل بين الطرفين ، تكاد تكون معدومة ، لعدة أسباب نذكر منها :
اولاً :
هدد جنرالات الجيش الأبيض والمليشيات النويراوية الأخرى الموالية للدكتور رياك مشار ( الجنرال قاتكوث ، الجنرال بيتر قاديت والجنرال كوانج من بين آخرين ) بإغتيال الدكتور رياك مشار ، إذا وقع وفده على إتفاقية سلام قبل إستقالة الرئيس سلفاكير وتنحيه عن الحكم . الشرط الذي يرفضه الرئيس سلفاكير ، يمكن إعتبار الدكتور رياك مشار رهينة في أيادي هؤلاء الجنرالات من أمراء الحرب !
ثانياً :
ميوعة الموقف الأمريكي ، وميوعة موقف مجلس الأمن والأتحاد الأفريقي ، وعدم ضغط هذه الكيانات الفاعلة على طرفي النزاع ، لا تُبشر بنجاح أديس ابابا 2 ؟
ثالثاً :
ضعف وساطة منظمة الإيقاد وعدم إمتلاكها لأي كروت ضغط على الطرفين .
رابعاً :
توازن قوى الطرفين في الميدان ، مما يستحيل معه قهر طرف للطرف الآخر عسكرياً .
ولكن وكما ذكرنا في مقالة سابقة ، الأمر يمكن حدوثه ، وكذلك عكسه تماماً ، في رمال الجنوب المتحركة
2 – الاخوة كارامازوف ؟
الإخوة كارامازوف هي رواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ( 1880 ) ، ومن روائع الأدب العالمي . تعالج الرواية ، ضمن أمور أخر ، الوحدة بين زملاء الكفاح الثوري أمام عدو مشترك قبل نجاح الثورة ، والعداوة بين الأخوة الأعداء المتشاكسين حول السلطة والثروة بعد نجاح الثورة ؟
أعد قراءة هذه الرواية الأيقونة لتفهم طبيعة الصراع بين الأخوة الأعداء في جنوب السودان ، ومآلاته !
3- منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية ؟
تقول منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية ( الأربعاء 5 فبراير 2014 ) العاملة في جنوب السودان :
+ إن 3 مليون و200 الف جنوبي يحتاجون لإغاثات ( طعام ، مياه نقية ، أدوية ، وخيام ) ليبقوا أحياء ، نتيجة مباشرة للأزمة التي بدأت يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 ؟ وأكدت المنظمة أن هؤلاء سوف يعتمدون على هذه الإغاثات الأجنبية لشهور قادمات ، حتى إذا عاد الهدؤ والإستقرار ، الأمر الذي لا يمكن ضمانه حالياً ، رغم توقيع إتفاقية وقف العدائيات .
+رغم توقيع إتفاقية وقف العدائيات ( أديس ابابا – الخميس 23 ديسمبر 2013 ) لم يرجع أي نازح أو لاجئ لقريته ، بل على العكس زادت معدلات النزوح واللجؤ مؤخراً ، خصوصاً في ولايات جونقلي والوحدة وأعالي النيل .
+ أقتحمت قوات جيش الحركة الشعبية والمليشيات المتحالفة مخازن الأمم المتحدة في الولايات الثلاثة ، وسرقت ما يفوق 5 الف طن من الإغاثات .
+ في قرية ليير ( مسقط راس الدكتور رياك مشار ) والقرى المجاورة في ولاية الوحدة ، أضطر موظفو منظمة أطباء بلا حدود للفرار إلى الغابة بعد أن أجتاح الجيش اليوغندي القرية ودمرها عن بكرة أبيها .
تبين الصورة أدناه صاروخ أطلقه الجيش اليوغندي على قرية ليير وبعض القطاطي المحروقة .
كما إشتكت منظمة اليونسف للطفولة إن قوات جيش الحركة الشعبية قد إقتحمت مخازنها في بور ( عاصمة ولاية جونقلي ) وسرقت إغاثات لما يفوق 200 الف نازح .
في هذا السياق ، ذكرت اليونسف إن من بين الإغاثات المسروقة … ( شنط ظهر ) لأطفال المدارس
نشرت مجلة تايم الأمريكية ( عدد يوم الأربعاء 5 فبراير 2014 ) صورة تُظهر جنود جيش الحركة الشعبية وكل واحد منهم قد أعتمر ( شنطة ظهر ) زرقاء من شنط اليونسف المسروقة ؟
سرقة بالمكشوف وعينك يا تاجر ؟
حقاً وصدقاً عائرة ، وأداها جنود جيش الحركة الشعبية سوط .
ترى الصورة المضحكة أدناه :
عندما يتناقش الخبراء حول مغازي وإشارات الصورة أعلاه ، وحول تعثُر جنوب السودان خلال فترة ما بعد الإنفصال ، فإن عوامل مشتركة ً يُشار اليها هي :
+ ضعف الحُكم ،
+ إنعدام الزعامة الموحدة والملهمة ،
+ إنعدام المؤسسات ،
+ تفشي الفساد ،
+ تنامي القبلية والعصبية ،
+ وضعف النظم التعليمية .
سوف يحتاج الجنوب لبعض الوقت ومساعدة المجتمع الدولي المُستدامه لمعالجة العوامل السلبية المذكورة أعلاه .
4 – تداعيات التدخل اليوغندي ؟
صدق السيد الإمام عندما قال إن اللجوء لقوات أجنبية محفوف بالمخاطر وأهمها:
+ أن لكل قوى أجنبية أجندة خاصة ، ولا تتدخل إكراماً لعيون البعض العسلية ، وإنما لتحقيق مصالحها الخاصة ؛
+ ولكل قوى أجنبية كذلك خصوم في المنطقة ، ما يعني أن تدخل دولة سوف يجر خصومها إلى الساحة لتصفية حساباتهم في أرض دولة الجنوب كما حدث في حرب البحيرات.
إذن التدخل اليوغندي في الجنوب ، رغم إنه تم بناءاًً على طلب الرئيس سلفاكير ، إلا إنه نذير شؤم ، وسوف يجلب في المدى الطويل من المفاسد لدولة جنوب السودان أكثر من جلبه للمنافع الآنية لشخص الرئيس سلفاكير .
في يوم الجمعة 27 ديسمبر 2013 ، بعد 12 يوم من بداية الأزمة ، عرض الرئيس سلفاكير وقف فوري لإطلاق النار ، ولكن الدكتور رياك مشار رفض العرض متعللاً بعدم وجود آلية لمراقبة وقف إطلاق النار من الطرفين ، وعدم ثقته في عرض الرئيس سلفاكير ، بل يقينه إن الرئيس سلفاكير يرواغ . ولكن السبب الحقيقي كان موقف قوات الدكتور رياك مشار الأقوى في الميدان ، وتقدمها نحو جوبا ، بعد سيطرتها على بانتيو وبور وآبار النفط في ولايتي الوحدة وأعالي النيل .
رفض الدكتور رياك مشار لوقف إطلاق النار وموقفه العسكري الأقوى ، دفع الرئيس سلفاكير لكي ينبرش أمام الرئيس موسفيني ويصرخ ( يا ابو مروووة … الحقني يا موسفيني ) ؟
كما ارسل الرئيس سلفاكير وزير خارجيته برسالة خاصة للرئيس البشير طالباً النجدة ( يوم الأحد 29 ديسمبر 203 ) ؟
بعدها دخل موسفيني حلبة الصراع بالعرض والطول ، وقلب موازين القوى في الميدان لصالح الرئيس سلفاكير في أقل من أسبوعين .
إنقلب الوضع ، وصار الرئيس سلفاكير في الموقف العسكري الأقوى ميدانياً بفضل الدعم اليوغندي الحاسم ، وطفق يماطل في أبرام إتفاقية وقف العدائيات ، وألغى إجتماع قمة دول الإيقاد التي كان مبرمجاً لها الإنعقاد في جوبا يوم الخميس 23 يناير 2014 ، حتى لا تناقش التدخل اليوغندي في الجنوب .
في هذا السياق ، أكد الدكتور رياك مشار أن وقف إطلاق النار الذي وقعه مع جوبا سيظل غير مكتمل ( ما لم تغادر كل القوات الأوغندية جنوب السودان إلى الأبد ) .
بات الأمر إنبراشة من الرئيس سلفاكير ، وخيانة لأبناء الوطن ، وانقياداً لغواياتٍ خنَّاسة توسوس من يوغندة لحرق أهل الجنوب وأرضه ليسود الشيطان اليوغندي ويرتع ، وليستمر الريس سلفاكير علي السلطة فوق جماجم النوير ، وتحت حماية الأجنبي ؟!
أن تعقب الجيش اليوغندي المستهدف لقبيلة النوير يفتح الباب على مصراعيه لتعميق الخندقة العرقية ، وتقود الى تَجَزُؤ الجيش الى أجزاء عرقية يقاتل بعضهم البعض في حرب أهلية … مما يعني نهاية التحول الديمقراطي في جنوب السودان !.
حذر المراقبون من أن التواجد اليوغندي إذا استمر ، فسيؤدي إلى إتحاد المعارضة المدنية والمسلحة ضد العدو الأجنبي المشترك ! وربما قاد إلى انشقاق مجموعات صغيرة من جيش الحركة الشعبية ضد المُستعمر اليوغندي . عندها سوف تبدأ حرب الجميع ضد الجميع ، وسوف يصير الجنوب إلى دولة فاشلة .
سوف يعقد التواجد اليوغندي الكثيف في دولة جنوب السودان أي محاولات لعقد إتفاقية سلام شامل ، وسوف تبدأ حرب العصابات والغوريلا ضد المُستعمر اليوغندي الغاشم ، وسوف يكرر التاريخ نفسه في شكل تراجيديا ، كما كررها في اليمن مع قوات عبدالناصر ، وفي فيتنام وافغانستان والعراق مع القوات الأمريكية الغازية .
ومع الوقت سوف يتم ( تطبيع ) أزمة الجنوب ، ويعتاد عليها المجتمع الدولي والإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد ،وتصير إلى صداع مزمن يتعايش معه الجميع ! وتستمر الحرب الأهلية سجالاً يحكمها ويطيل من أجلها توازن الضعف بين الطرفين . وتختفي فرص حسم الصراع عسكرياً أو سياسياً عبر المفاوضات ربما لسنوات قادمة .
يؤكد ذلك السيناريو تصرف إدارة أوباما التي أجلت رعاياها من الجنوب ً بما في ذلك بعثتها الدبلوماسية ، بمجرد بدء القتال ! ببساطة لأنها توقن ، وهي الأدرى ، بإزدياد التوتر والقتال , وإنعدام فرص التسوية السلمية السريعة, وعدم جدوى المفاوضات في ظل الشك القاتل بين الأطراف المتشاكسة ، خصوصاً وقد نجح الرئيس سلفاكير في حشد جميع أطياف المعارضة ضده ، وفي توحيد صفوف الدكتور رياك مشار وباقان أموم وربيكا قرنق ودينق آلور في جبهة واحدة ضده .
تبخر العطف الدولي تجاه الرئيس سلفاكير وصار معزولاً داخلياً ، وإقليمياً ، ودولياً . لم يجد الرئيس سلفاكير الشجاعة لكي يغادر جوبا لمدة يومين للمشاركة في أجتماعات قمة الأتحاد الأفريقي ( الخميس والجمعة 30 و31 يناير 2014 ) ، على أهمية هذا الإجتماع لبلده وله هو شخصياً .
هذه هي سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً .
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم