تعليم كبار نساء الريف: تجربة في أم جر .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

Adult Education amongst Country Women: An Experiment at Umm Gerr
G. E. Richards جي. أم. ريتشاردس
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة لمقال صغير بقلم جي. أم. ريتشارد عن تجربة أجريت عام 1945م لتعليم كبار النساء في جزيرة أم جر. نشر المقال عام 1948م في الجزء الثاني من العدد التاسع والعشرين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات".
لم أعثر على أي نبذة عن كاتبة المقال في أي مصدر ورقي أو إسفيري.
المترجم
***** ***** ***** *****
تقع جزيرة أم جر في النيل الأبيض، على بعد نحو 145 ميلا جنوب الخرطوم. ويوجد فيها مشروع زراعي كبير يروى بالمِضخّات، كانت إحدى أهدافه توفير سبل عيش مختلفة لعدد من رجال القبائل شبه الرحل الذين غمرت الآن مياه بحيرة سد جبل الأولياء أرض مراعيهم. وكان قسم تعليم الكبار بمعهد بخت الرضا قد تصدى للمساعدة في حل المشاكل التي نتجت عن توطين أولئك الرحل في المنطقة في سنوات الحرب العالمية الثانية. ورغم أن نتيجة تلك المحاولات كانت جيدة، إلا أنها ظهرت ببطء شديد.
ونحاول هنا أن نرصد العمل الذي أنجز في مجال تعليم النساء.
كنت قد شاركت ست دار الجلال في بدء العمل في مجال تعليم النساء في سبتمبر من عام 1945م. وست دار الجلال هي مدرسة مؤهلة، وتعمل أيضا كقابلة في المنطقة. وبدأنا العمل بزيارة 12 من الـ 19قرية الموجودة في الجزيرة، وكانت تلك القرى التي زرناها تقع في منطقة المشروع الزراعي. وكان الأهالي قد بنوا لهم بيوتا طينية في تلك المنطقة التي استقروا فيها، بأكثر مما فعل سكان القرى (السبعة) التي لم نزرها، حيث يعيش فيها السكان في أكواخ عشبية أو خيام، وما يزاولون يعدون في الغالب من "العرب شبه الرحل".
الدروس الأولى
كنت أنا وست دار الجلال نعقد اجتماعا مع النساء في أي زيارة لنا في القرية بأكثر البيوت ملائمة للاجتماع. وكان ذلك البيت هو في العادة بيت الشيخ أو مرشد القرية. وكان هدفنا الأساسي هو التعرف على النساء، وأن يتعرفن علينا، وأن نفهم بصور أفضل أحوالهن وطرق عيشهن ومعتقداهن وعاداتهن. وكان من المهم أيضا سماع مشاكلهن واحتياجاتهن العاجلة بصورة مباشرة. وكانت أولى مطالب معظم النساء هي تعليمهن الخِيَاطَة. فطلبنا منهن إما جلب المواد اللازمة لذلك (مثل الإبر والقماش) بأنفسهن، أو شرائها منا، وبعد ذلك سنقوم بمساعدتهن في خياطة الأقمشة المطرزة، والملاءات، والطواقي، والثياب، وفي بعض الحالات خياطة بعض أنواع الملابس الأخرى.
وبعد أسابيع قليلة بدأ 80% من النساء اللواتي شهدن اجتماعاتنا في تعلم الخياطة. وأصررنا على الأخريات أن يجلبن معهن مواد الأشغال اليدوية مثل السعف والصوف اللازم لعمل البروش والبُسُط، حتى لا تظل أي امرأة بدون عمل في غضون ساعات الاجتماعات. وحرصنا في تلك الاجتماعات على مواصلة النقاش حول ضرورة الاهتمام بالنظافة، ومسببات الأمراض الشائعة، وطرق علاجها والوقاية منها، إضافة للاهتمام بالتغذية واختيار وطهي المواد الغذائية. وتطرقنا أيضا إلى أهمية التعليم المدرسي، والاستفادة من خدمات الشفخانات والقابلات (المدربات).
وتواصلت تلك الاجتماعات بصورة منتظمة لمدة 18 شهرا. وماذا كانت النتائج؟ لقد حدث تحسن ملحوظ في النظافة الشخصية عند أولئك النسوة اللواتي شهدن اجتماعاتنا. وأنعكس ذلك أيضا على مستوى النظافة في بيوتهن. ومن خلال تلك الاجتماعات المنزلية، قمنا بتشجيع النسوة ليشعرن بالفخر من منظرهن الشخصي، ومن مستوى نظافة بيوتهن. واستجبن بصورة إيجابية لذلك التشجيع. وبدا أننا كنا في بداية الطريق الصحيح، وكان علينا تطوير ما بدأناه من عمل.
المرحلة الثانية من العمل
تحاشينا التوسع في مجال وإطار كل اجتماع، فلم يكن باستطاعتنا قضاء الوقت الكافي في كل قرية نزورها، والملل والرتابة التي تصيب المرء من تكرار كل درس 12 مرة متتالية كانت فوق الاحتمال. لذا اخترنا أربع قرى وجدنا أن نسائها كن أكثر تقدما من غيرهن. وخططنا لأن نقضي ثلاثة أيام شهريا في كل قرية، حيث نقضي مع النساء الساعات من التاسعة صباحا إلى ما بعد الغداء. وكان في كل فصل حوالي 15 امرأة نختارهن من بين كل نساء القرية المختارة، وبعض القرى المجاورة. وقسمنا عمل الفصل على النحو التالي:
1. شغل الإبرة / التطريز. كانت نساء القرى حتى تلك المرحلة قد اعتدن فقط على خياطة حاشية (hemming) الثياب والتطريز. كنا قد فرغنا من كل عمليات القطع والرَص، وكان علينا تعليم النساء أن يقمن بذلك العمل بأنفسهن. وكانت تلك هي المرة الأولي التي تمسك فيها أولئك النسوة بمقص وقلم رصاص. وكان تعليمهن أمرا سهلا، فهن سريعات التعلم. وكان أول نوع من الملابس يقمن بخياطته هي مَرْيَلَة (apron). وقامت كل واحدة منهن لاحقا بارتداء الَمرْيَلَة التي خاطتها أثناء حصة الطبخ. وبعد ذلك تعلمن خياطة لباسٌ نِسْوِيٌّ تَحْتَانِيّ وتنورة وفستان. ودفعت كل امرأة ثمن الأقمشة التي استخدمتها.
2. فن الطبخ. كانت الغذاء الرئيس عند السكان في الجزيرة هو "اللقمة"(عصيدة الدخن) أو "الكسرة" بملاح الروب أو "أم رقيقة". وكانت تزرع في الجزيرة أنواعا مختلفة من الخضروات والسلطات. وكان كثير من المزارعين يمتلكون مساحة من الأراضي الزراعية يخصصونها لزراعة تلك الخضروات. لذا كان من الضروري والعاجل تعليم النساء كيفية استخدام تلك الخضروات والسلطات. وكانت حصة الطبخ هي تحضير وجبة الغداء. وكان علينا التركيز على تنويع الأغذية، وعلى أهمية النظافة في أثناء عملية تحضير الطعام. وقمنا بمراقبتهن بدقة وهن ينظفن الأطباق والقدور والمقالي وغير ذلك من الأواني. وقمنا بتعليم النساء 27 نوعا من الأطباق (من بينها 3 أنواع من الحلويات). ودفعت كل امرأة قرشا واحدا نظير كل وجبة. وتناوبن في إحضار الكسرة لتناولها مع الأطباق التي أعددنها. وتم تمويل بقية التكاليف من منحة من ميزانية المناطق الريفية، ومنحة صغيرة أخرى من "صندوق رعاية المزارعين".
النتائج
لقد فرغنا للتو من سلسلة من تلك الحصص التي استغرقت فترة امتدت لـ 18 شهرا كاملا. لقد أثبتت حماسة النساء اللواتي شاركن في تلك الحصص أنهن قد استفدن بالفعل منها، وتعلمن كثيرا من الأشياء المفيدة لهن. وأثبت لنا ذلك أننا نسير على الطريق الصحيح. وأتانا الدليل القاطع على أن هؤلاء النسوة قد شرعن بالفعل في تطبيق ما تعلمنه في تلك الحصص في منازلهن من بُعُولَتِهِنَّ، الذين لاحظوا بالطبع تحسنا مستمرا في الوجبات الغذائية، وفي مستوى نظافة النساء في بيوتهن. وكانت من الأدلة غير المباشرة على نجاح ما قمنا به من إرشاد لهن هو تفضيل الحوامل للولادة على يد قابلات حكوميات (متدربات)، ومن ارتياد الشفخانات أو الذهاب لمستشفى الدويم، وإرسال الأطفال إلى المدارس، واستخدام مياه الآبار في القرى، والاستفادة من كل الخدمات الاجتماعية المقدمة لمصلحتهن.
الخطط المستقبلية
لقد ظللنا نعمل في أوساط النساء، وافتتحنا الكثير من مدارس البنات منذ سبع سنوات. ولكن ماذا عن ذلك القطاع المهمل من السكان بين عمر 14 يوم إلى سن دخول المدرسة؟ لقد عينت الحكومة الآنسة هيجن (وهي زائرة صحية مؤهلة) في يناير الماضي لتقوم بتقديم النصائح للسكان بخصوص رعاية الأطفال، وعمل الخطط اللازمة لذلك. وما زالت إلى الآن تقضي جل وقتها في التعرف على نساء أم جر، وستعمل مع ست أم الحسن حتى إبريل القادم على برنامج يركز على صحة ورعاية الطفل. ويؤمل أن تشارك ست أم الحسن في برنامج لمحو أمية النساء، وفي حملة لذلك الغرض تبدأ بمشاركتها في فصول تدريسية للنساء اللواتي صرن مستعدات للتعليم.
وفي يوم 24 سبتمبر سأقوم مع ست دار الجلال ببدء دورة تدريسية للمدربات السودانيات اللواتي سيعملن في مجال إرشاد وتعليم الكبار في مناطق أخرى. وستستغرق تلك الدورة ثلاثة أشهر، وستشترك فيها أربع نساء، تم اختيارهن من بين المدرسات اللواتي لهن اهتمام خاص ورغبة أكيدة في العمل في أوساط المجتمعات الريفية.


alibadreldin@hotmail.com
//////////////////////
/////////////////
/////////////////

 

آراء