جنوب السودان .. مابين عفوية هتاف العودة لحضن الوطن ومابين إستراتيجية انشاء دولة كونفيدرالية لدول القرن الافريقي … بقلم: عاطف عمر محمد صالح

 


 

 

 


salihatif@hotmail.com
هتف الحاضرون في قاعة الصداقة ظهر يوم 17 أغسطس 2019 عندما اعتلى الفريق سيلفا كير المنصة رئيس دولة جنوب السودان الشقيقة لإلقاء كلمته هتفوا ( الليلة ما بنرجع إلا الجنوب يرجع ) ...
هو هتاف عاطفي حميم في النظرة العاطفية له وربما نشاركهم ذات العاطفة لكن السياسة في لؤمها لا تجري على العاطفة – وحدها – بل تتقاطع معها – مع العاطفة – تتقاطع المصالح والإقتصاد والإجتماع ....
لن أستغرب إن إستهجنت حكومة جنوب السودان أو بعض شعبها هذا الهتاف ، فقرار ( الإنفصال ) قد أتى بأغلبية فاقت ال 98 % من شعب جنوب السودان ، بل إن كثير من إخواننا الجنوبيين لا تعجبهم كلمة ( إنفصال ) هذه وينظرون على ما تم في العام 2011 على أنه ( إستقلال ) ، و بالطبع لا أحد يستطيع أن يلومهم ، فأستاذي في كلية الهندسة الدكتور لام أكول قد أبت عليه نفسه ذات صراحة إلا أن يكشف لنا جانباً من شخصية الدكتور جون قرنق ظل معظمنا مؤمناً بنقيضها ، فقد أورد د. لام أكول حديث د. جون قرنق ( الوحدوي الأكبر ) مخاطباً أهله أهل الجنوب بقوله
" أنا والذين أنضموا إليَّ في الأحراش وحاربوا لأكثر من 20 عاماً قد أحضرنا لكم اتفاقية السلام الشامل على طبق من ذهب، وبذلك تكون مهمتنا قد انتهت. الآن دوركم وخاصة أولئك الذين لم يجدوا الفرصة لكي يمارسوا حياة الأحراش. عندما يأتي الزمن للتصويت فى الاستفتاء تكون تلك فرصتكم الذهبية لتقرروا مصيركم . هل تريدون أن تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلدكم؟، هذا خياركم بالكامل."
ومهما يكن من الأمر فقد كان قدرا أن يسير سوداننا في اتجاه عكس عقارب ساعة الزمن وينفصل جنوب السودان مكوناً دولته المستقلة الشقيقة .
العقود الماضية من عمر الزمان كانت عقود اتجاه العالم للفظ الكيانات الصغرى وتكوين الكيانات الكبرى ، ولعلها إحدى إشارات التاريخ الذكية أن هذه الكيانات الكبرى قد تكونت من دول راسخة اقتصاديا ومستقرة سياسيا ، فتكون كذلك وبالنظرة السطحية العجلى لا تحتاج لتقوي نفسها بكيان أكبر ، فقد شهد العالم نشأة مجلس التعاون الخليجي وشهد نشأة الاتحاد الأوربي ونشأة الاتحاد الأفريقي
أما نحن في السودان فقد سرنا في اتجاه هو عكس هذا الاتجاه تماما رغم هشاشة اقتصادنا ورغم تعثرنا السياسي ورغم عدم مواجهتنا لأنفسنا بسؤال الهوية وهو السؤال المفصلي .
سرنا درب الانفصال الأليم فذهب جنوب السودان ذلك الجزء العزيز من الوطن وفي الأفق المنظور القريب تهديدات حقيقية بانفصال أجزاء عزيزة أخرى.
الواقع يقول أن الإنفصال / الإستقلال قد أضعف الدولتين ضعفاً يا ينكره إلا مكابر ، وفي ذات الوقت فإن إرجاع الساعة للوراء وكأن شيء لم يحدث هو مغالطة للواقع والتاريخ ، فليس ثمة شعب على وجه الأرض قد عاد من تلقاء نفسه لما إعتقد ( 98 % ) من مجموعه أنه إستعمار يستوجب إستقلالاً أو هو العيش في دولة تقعده في مقاعد مواطني الدرجة الثانية . لذلك توجب علينا النظر من خارج الصندوق لنستبصر إن كان في الأفق ثمة حلول تحافظ على الجوهر وتحافظ على المظهر وتحافظ على ماء الوجه .
الذي اراه صدقا هو أن يتم حسم سودانوية الهوية كمنطلق أساسي ، فنحن شعب متفرد في سودانويته ، وقوتنا الحقيقية في هذا التنوع الذي يريد البعض أن يجعله مصدر ضعف ، ثم العمل على إنشاء دولة كونفيدرالية لدول القرن الافريقي تضم مبدئيا دول السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وارتريا ( على أن ينظر لاحقا النظر في امكانية ضم باقي دول القرن الافريقي ) ....
لن يخفى على عاقل فرص التكامل الاقتصادي بين مكونات هذه الدولة الكونفدرالية الوليدة من حيث الثروات الطبيعية داخل الأرض و الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية ومصادر المياه وتوليد الكهرباء والثقل السياسي والموارد البشرية المؤهلة والوسيطة والماهرة وغير الماهرة .
هو اقتراب أراه ضرورة تقترب من الواجب يؤمن استقرارا اقتصاديا سياسيا ووجدانيا على كافة الأصعدة الرسمية والشعبية فقد دللت كل المشاهد والممارسات والمواقف على توحد المزاج الشعبي بين شعوب هذه الدولة الوليدة ....
هو اقتراب يجسد عبقرية المكان من حيث الموقع المتميز للدولة المبتغاة وعبقرية الزمان من حيث اختيار اللحظة الأكثر مناسبة من حيث انضجت التجارب الذاتية للدول الحالية انضجت هذه الدول بسلاسل امتحانات كثيفة النتائج ....

 

آراء