حديث رئيس الانقلاب في مصر ليس للنشر

 


 

 



تدخل الجيش في السياسية ليس في مصلحة الديمقراطية مهما كان الرأي ضد الأخوان


لعنة الإنقاذ تصيب أخوان مصر, و تطارد كل الحركات الإسلامية في المنطقة, عندما أعلن الفريق أول السيسي إمهال القوي السياسية في مصر 48 ساعة لكي تصل لتسوية في مشكلاتها, ذهب بعض الصحافيين إلي وزارة الدفاع لسماع تفاصيل أكثر, و لكن الفريق لم يلتقي بهم. و في انتظارهم في الاستقبال و بعد خروج السيسي ذهبوا إليه, وقال لهم ليس لدي حديث الآن يمكن أن أقوله, و بل هناك تعليق ليس للنشر, فقط هو بهدف فتح أفاقكم للتنبؤ بنتائج المستقبل, إن مصر لا يمكن أن تكون مثل دولة جارة لنا, حيث تحولت كل مؤسسات الدولة إلي منفعة حزب واحد, و حتى القوات المسلحة فيها و أجهزة الأمن و الشرطة فيها تحولت إلي مؤسسات حزبية و ليست قومية, هذا العمل لا يمكن القوات المسلحة في مصر أن تسمح أن يكون مهما كان.
إن تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان, هي تجربة تتخوف منها كل الشعوب التي تتطلع إلي الديمقراطية في المنطقة, و هي تجربة غير إنها فاشلة في تحقيق السلام و الاستقرار, قد أتضح إن هؤلاء الناس يمكن إن يقسموا بلادهم و يبيعونها فقط لكي يظلوا قابضين علي السلطة, و تصبح الدولة كلها تتحكم فيها قلة, و تمارس فيها كل أنواع الفساد و الإفساد, و كل ذلك في ظل شعارات إسلامية, ليس لها علاقة لا بالإسلام و لا بالواقع, هذه التجربة قد خلقت وعيا جماهيريا في المنطقة ضد برامج الحركات الإسلامية, و تجربة مصر أيضا هي مكملة للتجربة في السودان.
رغم إن الأخوان في مصر قد فارقوا الديمقراطية, و ذهبوا كما ذهب قبلهم أهل الإنقاذ في عملية التمكين, إلا أننا نقول بالفم المليان, إن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري ضد الشرعية, و تدخل الجيش في العمل السياسي لن يكون في مصلحة الديمقراطية, إن التجارب التاريخية للقوات المسلحة في كل أرجاء العالم تؤكد أنهم لن يكونوا نصراء للديمقراطية, و قبول القوي الديمقراطية و الليبرالية في مصر للانقلاب, تؤكد إن هذه القوة ما تزال بعيدة عن الشعارات الديمقراطية التي ترفعها, فالمبادئ لا تتجزأ, و كان وجود القوي الديمقراطية في الشارع و تظاهراتها كفيلة بعملية التغيير دون تدخل من المؤسسة العسكرية, فاستمرار الديمقراطية و ترسيخ مبادئها في المجتمع لا تكون بخرق الدستور و انتهاك الشرعية, أنما باحترام الدستور و الشرعية مهما كان الموقف من الأخوان المسلمين, و عدم احترامهم للديمقراطية و للقوي السياسية الأخرى.
فتدخل الجيش في مصر اليوم ضد الأخوان, و تجميد العمل بالدستور و خلع الرئيس المنتخب, بتبرير أنهم يريدون تطبيق خريطة طريق لتعديل الدستور و الاتفاق السياسي بين القوي السياسية, هو تبرير غير مقبول, و هذا التبرير سوف يستمر مرة و ثانية و ثالثة, فكلما وجد الجيش إن القوي التي وصلت السلطة لا تتماشي مع مزاجه يتدخل ضد الشرعية, و يجد قوي سياسية تؤيده و تقف معه, و تكون الديمقراطية لعبة في يد الجيش, كما إن الجيش يجب أن يكون خاضعا للسلطة السياسية في النظم الديمقراطية, و لكن تدخله في العملية السياسية و انتهاك الشرعية يجعل الديمقراطية لعبة في يد الجيش, و مؤسسات المجتمع المدني في مصر بعد الثورة أصبحت بالقوة بمكان, و خلقت توازن للقوة تستطيع أن تضغط أية سلطة مهما كانت قوة شعبيتها بأن لا تحييد عن المسار الديمقراطي, و هي بالفعل استطاعت أن تدخل الأخوان المسلمين في امتحان, حيث أدركوا أنهم لن يستطيعوا إن يحولوا الدولة إلي ضيعة لحزبهم كما فعل أتباعهم في السودان.
و القضية الأخرى هي رسالة موجهة إلي كل الحركات الإسلامية في المنطقة, إن الجماهير أصبحت واعية لممارساتهم و شعاراتهم التي لا علاقة لها بقضايا الديمقراطية, و أنهم لن يحكموا بمعزل عن موافقة القوي السياسية الأخرى, و لن تكون الدول ضياع لهم, فالتجربة السودانية قد أيقظت كل شعوب المنطقة من خطورة هؤلاء إلا شعب السودان, الذي ظل خانعا مستكينا لا يعرف كيف يتصرف رغم إن كل الشعوب من حوله انتفضت ضد الطغيان و الظلم, و ما يحدث في المنطقة من تصدي لبرامج الحركات الإسلامية و طريقتهم في الحكم التي ليس لها علاقة بالديمقراطية, هي رسالة أيضا لدولة قطر إذا كانت قد صرفت أموالها لمصلحة القوي الديمقراطية في تلك الدول كان أفضل لها, لأنها كانت تؤدي إلي توازن للقوة و نشر الوعي الديمقراطي في المجتمع, و هو السند الأساسي للعملية الديمقراطية, و لكنها قد انحازت إلي جانب الحركات الإسلامية دون القوي الأخرى, و هي تعرف أن هذه الحركات ما هي إلا الوجه الثاني لعملة الديكتاتورية و الفاشية, و سوف تستوعب دولة قطر بحكامها الجدد ما يحدث في المنطقة و تعيد ترتيب أوراقها من جديد.
رغم ما حدث في مصر  من انتهاك للشرعية و الدستور, و لكن سوف يجعل الأخوان يستوعبون الدرس, و يغيروا طريقة تفكيرهم كما دعاهم راشد الغنوشي في تونس, بأن يقدموا تنازلات من أجل الديمقراطية, و يعلموا إن الديمقراطية لا تقوم بالقطعيات أنما هي تقوم بالنسبية, و احترام للقوي السياسية الأخرى في المجتمع, و الديمقراطية ليست هي سلم فقط تصعد عليه القوي الإسلامية ثم ترمي به بعيدا, لكي تتحول الدولة لدولة حزب و تقسم ثروتها لأتباع الحزب و من يوالوهم, فالأخوان لا يستبعد أن يعودوا إلي السلطة  إذا جرت انتخابات في مصر مرة أخرى, و لكن ليس بالأغلبية التي يتحكمون فيها, و أنهم قد ضيعوا الفرص في تقديم تجربة جديدة تختلف عن تجربة الحكم الفاشلة في السودان و لكن أتضح إن العقلية واحدة لا تتغير و لا تتبدل, فهذه الحركات ما تزال تعتمد علي كتابات أبو أعلي المودودي " الدولة الإسلامية" و سيد قطب " معالم في الطريق" و هي كتب لا تعترف بالأخر و تعتقد إن نظم الحكم الديمقراطية هي نظم كفر.
إن ما يحدث في مصر, في المواجهة بين القوي الديمقراطية و الأخوان المسلمين, سوف يكون درسا لمصلحة الديمقراطية, و لكن تدخل الجيش ليس في مصلحة الديمقراطية, و مهما كان الصراع بين القوي السياسية هو في النهاية تراكم للخبرات و مفيد للثقافة الديمقراطية التي هي من الضعف بمكان, إن الصراع في مصر قد خلق قوي جديدة  لها طريقتها في التفكير تختلف عن القيادات التاريخية التي ظلت قابضة علي زمام الأحزاب, القضية المهمة الأخرى, إن المنظمات المدنية و حركة الشباب هي التي تقود عملية التغيير في مصر, و هي تقوم علي مبادئ ديمقراطية, الأمر الذي ينبئ مهما كانت التحديات, إن الديمقراطية سوف تنتصر في نهاية المطاف, و إن الحركات الإسلامية يجب عليها إعادة قراءة الواقع من جديد, و قراءة التحولات في المجتمع, و أن تقدم اجتهادات جديدة بعيدا عن الاجتهادات القديمة التي كانت تلاءم تلك المجتمعات تاريخيا,  و أننا سوف نقف مع التيارات الديمقراطية, و هذا موقف يتماشي منطقيا مع النظرة الكلية للإسلام و لا يتعارض معه إطلاقا, و الله الموفق.      

zainsalih abdelrahman [zainsalih@hotmail.com]

 

آراء