حمدوك وقحت والتضليل الممنهج (1) بدايات التضليل للاختطاف الاقتصادي للثورة
د. عباس عبد الكريم
30 December, 2021
30 December, 2021
هذا هو المقال الاول من أربع مقالات تسعى الى الكشف عن وتوثيق التآمر الذي اتبعه حمدوك وجهات اتخاذ القرار فى قوى الحرية والتغيير (قحت) بالشراكة مع العسكر لاختطاف الثورة بغرض اجهاض مطالها الاقتصادية (و السياسية ايضا ، بالطبع ، وان كان تركيز هذه المقالات على الجوانب الاقتصادية) ، والسير فى طريق الارتهان الخارجى وسيطرة راس المال الطفيليى (المبنى على الفساد واستخدام السلطة) والكمبرادورى (العميل لراس المال الاجنبى).
--------------------------
1. الارتهان الخارجي وبدايات التضليل:
كان يمكن للحكومة المدنية من خلال الإرادة السياسية واستخدام الشرعية الثورية أن تستعيد السيطرة على الاقتصاد المخطوف من قبل لنظام اللصوصي السابق . كان بإمكان الحكومة أن تخطط ليس فقط لبرنامج استقرار الاقتصاد الكلي مع عدم وجود آثار سلبية على الفقراء، ولكن أيضاً الاستثمار في النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. كان يمكن أن تكون السيطرة على التجارة غير المشروعة وحدها (انظر تقرير النزاهة المالية العالمي،GFI ، 2020)، كافية للقضاء على العجز في ميزان المدفوعات وتمويل التنمية. لكن ، في المقابل، اختارت الحكومة تجاهل العمل مع الثوريين والوطنيين أصحاب المصلحة وسارت في طريق التبعية الخارجية، والتى في خلال عامين، أدّت إلى تدهور غير مسبوق في كل تاريخ السودان بعد الاستقلال، في مستوى المعيشة. وعلى عكس حملات التضليل الممنهج، ليس هنالك «أي ضوء في نهاية النفق». وفي نهاية النفق، إذا ما استمر نفس النهج الارتهاني المتبع حالياً، سيشهد السودان انهياراً اقتصادياً كاملاً مصحوباً بكل تبعاته الاجتماعية والسياسية.
ما بعد تكوين حكومة الفترة الانتقالية، طرح وزير المالية والتخطيط الاقتصادي عند تقديم ميزانية 2020 إطاراً عاماً لإجراءات اقتصادية تسعى لتأسيس نظاماً قائماً على الاقتصاد الليبرالي الجديد (القائم على الانفتاح غير المشروط على السوق العالمى وتقليص دور الدولة الاقتصادى(. ولم يتغير الوضع بعد التغيير الوزاري، حيث اتضح تماماً بأن الليبرالية الجديدة هي خيار الحكومة الانتقالية وإن كانت تواري هذا الخيار في عامها الأول، وصار في العام الثاني النهج المعلن والمعمول به تماماً حسب وصفه صندوق النقد الدولي.
2. حكومة ملكية اكثر من الملك:
فى نهاية 2019 ، طلبت السلطات برنامج مراقبة من صندوق النقد الدولي " للمساعدة في صياغة وتنفيذ إصلاحات شاملة" (IMF، 2020، ص 5). شكّل صندوق النقد الدولي فريقاً قدّم التوصية التالية: “السودان بحاجة ماسة إلى إعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتهيئة الظروف لتحقيق نمو شامل أقوى. وهذا يتطلب تحرير سعر الصرف، وتدابير خاصة بالإيرادات، والإلغاء التدريجي لدعم الوقود، على أن يتم ذلك بدعم من شبكة موسعة من الأمان الاجتماعي، للتخفيف من تأثير التعديل على الفئات الضعيفة من المجتمع. يجب أن تكون الإصلاحات متسلسلة بعناية، وأن تستند إلى الظروف بدلاً من أن تكون محدّدة زمنياً. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب وضع شبكة الأمان الاجتماعي الموسعة قبل تنفيذ إصلاحات الدعم التي يحتمل أن تكون مدمّرة. كذلك، يتطلب توحيد سعر الصرف عند مستوى مقاصة السوق المستدام، إدخال أدوات السياسة النقدية المناسبة وتعزيز مرونة النظام المصرفي في مواجهة مثل هذه التغييرات” (ص 9).
- وبعكس توصيات الصندوق ، بدات الحكومة فى رفع الدعم السلعى قبل وضع شبكة آمان اجتماعى ، وكذلك بدات فى تحرير سعر الصرف بدون وجود لادوات السياسات النقدية واصلاح النظام المصرفى. والاسراع فى تنفيذ الاجراءات دون توفر شروطها كان مرده سببان: اولا ، تقديم فروض الولاء والطاعة لراس المال العالمى واستجداء دعمه السياسى ، وثانيا ، استباق المؤتمر الاقتصادى الذى تم الاتفاق عليه كنوع من التمويه فى مقابل مقترحات للجنة الاقتصادية لقحت حيث كانت قيادة قحت تعمل بالتنسيق مع حمدوك من وراء ظهر اللجنة والتى كانت تعارض مقترحات ازالة الدعم وتحرير سعر الصرف دافعة بوجود العديد من مصادر الدخل الاخرى التى يمكن للحكومة الاستفادة منها للتخفيف من الاثار السلبية الناتجة من تدابير الاستقرار الاقتصادى. وهذه المصادر هي: "استرداد الأموال المسربة إلى الخارج، واستعادة ولاية وزارة المالية على الأموال العامة، والسيطرة الحكومية على الشركات التابعة للقطاع العسكري، ومراقبة إنتاج وتصدير الذهب وغيره من السلع الإستراتيجية" (Khalifa، 2020 ).
- يوم واحد فقط بعد انتهاء المؤتمر الاقتصادى ، والذي جاء بجملة توصيات لا تتفق مع التوجه المعلن من الحكومة ، اتضح بان انعقاده ووعد حمدوك بتكوين لجنة للاخذ بتوصياته ، كان تضليلا مخططا له حيث ان قبل ذلك بيومين فقط كانت الحكومة قد وقعت مع صندوق النقد برنامج صياغة وتنفيذ ومراقبة ما تم تسميته "اصلاحات" الاقتصاد الشاملة.
3- إجراءات تخفيف الآثار السلبية من رفع الدعم: السير في التضليل الممنهج :
- يمكن خفض الدعم أو إلغاءه إذا لم تعد المجموعة المستضعفة بحاجة إلى الدعم أو ليس كما كان من قبل. إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب اتخاذ تدابير للتخفيف من الآثار السلبية على معيشة أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم. كانت خطة وزارة المالية والحكومة في هذا الاتجاه تتمثل في رفع أجور موظفي الخدمة المدنية وتقديم تحويلات نقدية للفقراء. ونرد أدناه أن هذه التدابير ليست فقط غير مناسبة كعلاج للمشكلة، إنما كانت جزء من التضليل للسير في نهج الاقتصاد الليبرالي الجديد.
رفع أجور موظفي الخدمة المدنية:
- إن قرار زيادة رواتب الخدمة المدنية، رغم شرعيته من حيث المبدأ، تسبب في آثار اقتصادية ضارة لمعظم السكان حيث تم اتخاذ هذا الإجراء بمعزل عن غيره، وليس كجزء من سياسة التنمية الاقتصادية التي يمكن أن تفضي إلى تحسين معيشة معظم السكان. وفق بيانات آخر مسح للقوى العاملة في ( MOHR،ILO 2013 ) يشكّل العاملون بالخدمة المدنية 6.8% فقط من مجموع العاملين بأجر و2.8% من إجمالي العاملين في الدولة. بعبارة أخرى، 93.2% من مجموع العاملين بأجر و97.2% من جميع المشتغلين، بالإضافة إلى جيش ضخم من العاطلين عن العمل، هم خارج الخدمة المدنية، ولم يتم اتخاذ أي تدابير لتحسين معيشتهم.
- تم تحديد الزيادة في الأجور بمتوسط 569 % دون تأمين أي مصدر للتمويل الدائم. ومنذ البداية، واجهت الوزارة صعوبات في تأمين الأموال اللازمة. ويبدو أن النيّة كانت مبيته لتمويل الزيادة عن طريق فرض إلغاء الدعم. فنحن أمام حالة يتم فيها دعم الأثرياء نسبياً عن طريق فرض ضرائب على الفقراء.
التحويلات النقدية: ذر الرماد في العيون:
- تتلخص خطة وزارة المالية للتحويلات النقدية فيما يلي:
“أشارت السلطات إلى أن حوالي 60% من السكان (حوالي 4 ملايين أسرة) بحاجة إلى المساعدة. وقد أعرب هؤلاء أنهم يفضلون نظام الدخل الأساسي المؤقت شبه الشامل لمدة 3-2 سنوات الذي يغطي 80% من السكان، لأنه مع التغطية شبه الشاملة، سيكون استهداف المزايا أبسط وأسرع، فضلاً عن أن التأثير على الطبقة الوسطى ذات الأهمية السياسية سيكون أقوى من اتباع نهج أكثر استهدافاً، مما سيسهل إحراز تقدم أسرع في تنفيذ إصلاحات مؤلمة” (IMF،2020، ص14). وفقاً للصندوق، ستكلف هذه الخطة 2 مليار دولار أمريكي سنوياً، أي حوالي 5.25% من إجمالي الناتج المحلي. وهذه نسبة كبيرة للغاية بكل المقاييس، إذا ما قورنت بإجمالي الإيرادات والمنح الحكومية لعامي 2018 و2019، والتي تقدر بنحو 7.8% و6.4% على التوالي (ص 32) كانت الحكومة تتوقع تمويل المشروع من مساعدات المانحين.
- لاحظ صندوق النقد الدولي أن “الخطط القابلة للتطبيق لإصلاحات الدعم وشبكات الأمان الاجتماعي غير مكتملة” (صفحة11)، وأن خطة الحكومة ستكون صعبة نظراً لمحدودية مساعدات المانحين. وبالفعل لم تأت مساعدات من الجهات المانحة لتغطية تكلفة الخطة .
-إن برنامج التحويل النقدي (ما يسمى ثمرات) هو برنامج بلا دراسة، بلا هدف تنموي، بلا خطة تطبيق فعّالة، وبلا تمويل مأمون. جاء البرنامج كذر رماد في العيون لتنفيذ خطة رفع الدعم عن السلع وتعويم الجنيه، والتي أدّت إلى مضاعفة الفقر والمعاناة أضعاف ما كانت عليه.
4- رفع الدعم السلعي وتوحيد وتحرير سعر الصرف: استقرار الاقتصاد الكلي أم دَماره؟:
- لم يكن مفاجئاً البروز السريع لسياسة الفشل فيم يخص رفع الدعم السلعي. فلم تتوفر السلع بالرغم من مضاعفة الأسعار عدّة مرّات، ولم يتم دعم الفئات الأكثر تضرراً. المحصل كان كارثياً في فترة وجيزة. ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 350% في ابريل 2021 والى حدود ال 400% فى الربع الاخير من السنة.
- ارتفاع التضخم بهذا القدر (400%) يعني انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية ب 75%؛ وبكلمات أخرى، أصبحت النقود تساوى 25% فقط من قيمتها قبل الإجراءات.
- فى ايام محدودة فى شهر سبتمبر انخفض معدل ارتفاع التضخم بنسبة محدودة (رقم احادى) ، فكان ذلك مدعاة لماكينة التضليل الحكومى وداعمه السياسى (مركزية قحت) بالادعاء ببوادر تعافى الاقتصاد ! اولا ، اى ارتفاع او انخفاض جزئى يمكن ان يكون سببه عارضا وليس استمرارا لاتجاه مدفوع باسباب موضوعية. ثانيا ، من اين يأتي تعافى الاقتصاد إذا ما كان الناتج المحلى الاجمالى يسجل انخفاضا ؟.
-ارتفع سعر صرف العملات الأجنبية لأكثر من ستة إضعاف. قام المصرف المركزى بتوحيد سعر الصرف وحدّد كسعر تأشيري رسمي السعر السائد في السوق الموازي في يوم الإعلان. وبالطبع لم يقض ذلك على السوق الموازي، حيث لن يفلح المصرف المركزى في تلبية الطلب على النقد الأجنبي وفق الوضع الاقتصادي الراهن. فعناصر الطلب ليس فقط استيراد السلع والطلب من الأفراد لأغراض شخصية، إنما، وبنحو كبير، من أجل تصدير (أو تهريب) الأموال للخارج.، فرأس المال الطفيلي، وعلى رأسه الشركات العسكرية، يسعى لتهريب الأموال للخارج. وأيضاً آخرون لا يرون أماناً لأموالهم في السودان ولا ضمان لحفظ قيمتها.
. المخرج لإيقاف تدهور قيمة العملة اقتصادي وليس مالي. المخرج في وضع يمكن الدولة من السيطرة على منافذ دخول وخروج النقد (الصادر والوارد)؛ في وجود قوى لدولة تنموية قادره على السيطرة على تجارة السلع الرئيسة وعلى القضاء على الفساد والتهريب وعلى توجيه الاقتصاد لمصلحة أغلبية السكان. هذا التوجه هو النقيض للمسار الليبرالي الجديد الذي تتبنّاه الحكومة والذي ينادي بتقليص دور الدولة والقطاع العام في الاقتصاد.
قائمة المراجع المستخدمة تقدم فى القسم الاخير.
Abbas Abdelkarim Ahmed – Dubai
abbas.a.k.ahmed@gmail.com
///////////////////////////////
--------------------------
1. الارتهان الخارجي وبدايات التضليل:
كان يمكن للحكومة المدنية من خلال الإرادة السياسية واستخدام الشرعية الثورية أن تستعيد السيطرة على الاقتصاد المخطوف من قبل لنظام اللصوصي السابق . كان بإمكان الحكومة أن تخطط ليس فقط لبرنامج استقرار الاقتصاد الكلي مع عدم وجود آثار سلبية على الفقراء، ولكن أيضاً الاستثمار في النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. كان يمكن أن تكون السيطرة على التجارة غير المشروعة وحدها (انظر تقرير النزاهة المالية العالمي،GFI ، 2020)، كافية للقضاء على العجز في ميزان المدفوعات وتمويل التنمية. لكن ، في المقابل، اختارت الحكومة تجاهل العمل مع الثوريين والوطنيين أصحاب المصلحة وسارت في طريق التبعية الخارجية، والتى في خلال عامين، أدّت إلى تدهور غير مسبوق في كل تاريخ السودان بعد الاستقلال، في مستوى المعيشة. وعلى عكس حملات التضليل الممنهج، ليس هنالك «أي ضوء في نهاية النفق». وفي نهاية النفق، إذا ما استمر نفس النهج الارتهاني المتبع حالياً، سيشهد السودان انهياراً اقتصادياً كاملاً مصحوباً بكل تبعاته الاجتماعية والسياسية.
ما بعد تكوين حكومة الفترة الانتقالية، طرح وزير المالية والتخطيط الاقتصادي عند تقديم ميزانية 2020 إطاراً عاماً لإجراءات اقتصادية تسعى لتأسيس نظاماً قائماً على الاقتصاد الليبرالي الجديد (القائم على الانفتاح غير المشروط على السوق العالمى وتقليص دور الدولة الاقتصادى(. ولم يتغير الوضع بعد التغيير الوزاري، حيث اتضح تماماً بأن الليبرالية الجديدة هي خيار الحكومة الانتقالية وإن كانت تواري هذا الخيار في عامها الأول، وصار في العام الثاني النهج المعلن والمعمول به تماماً حسب وصفه صندوق النقد الدولي.
2. حكومة ملكية اكثر من الملك:
فى نهاية 2019 ، طلبت السلطات برنامج مراقبة من صندوق النقد الدولي " للمساعدة في صياغة وتنفيذ إصلاحات شاملة" (IMF، 2020، ص 5). شكّل صندوق النقد الدولي فريقاً قدّم التوصية التالية: “السودان بحاجة ماسة إلى إعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتهيئة الظروف لتحقيق نمو شامل أقوى. وهذا يتطلب تحرير سعر الصرف، وتدابير خاصة بالإيرادات، والإلغاء التدريجي لدعم الوقود، على أن يتم ذلك بدعم من شبكة موسعة من الأمان الاجتماعي، للتخفيف من تأثير التعديل على الفئات الضعيفة من المجتمع. يجب أن تكون الإصلاحات متسلسلة بعناية، وأن تستند إلى الظروف بدلاً من أن تكون محدّدة زمنياً. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب وضع شبكة الأمان الاجتماعي الموسعة قبل تنفيذ إصلاحات الدعم التي يحتمل أن تكون مدمّرة. كذلك، يتطلب توحيد سعر الصرف عند مستوى مقاصة السوق المستدام، إدخال أدوات السياسة النقدية المناسبة وتعزيز مرونة النظام المصرفي في مواجهة مثل هذه التغييرات” (ص 9).
- وبعكس توصيات الصندوق ، بدات الحكومة فى رفع الدعم السلعى قبل وضع شبكة آمان اجتماعى ، وكذلك بدات فى تحرير سعر الصرف بدون وجود لادوات السياسات النقدية واصلاح النظام المصرفى. والاسراع فى تنفيذ الاجراءات دون توفر شروطها كان مرده سببان: اولا ، تقديم فروض الولاء والطاعة لراس المال العالمى واستجداء دعمه السياسى ، وثانيا ، استباق المؤتمر الاقتصادى الذى تم الاتفاق عليه كنوع من التمويه فى مقابل مقترحات للجنة الاقتصادية لقحت حيث كانت قيادة قحت تعمل بالتنسيق مع حمدوك من وراء ظهر اللجنة والتى كانت تعارض مقترحات ازالة الدعم وتحرير سعر الصرف دافعة بوجود العديد من مصادر الدخل الاخرى التى يمكن للحكومة الاستفادة منها للتخفيف من الاثار السلبية الناتجة من تدابير الاستقرار الاقتصادى. وهذه المصادر هي: "استرداد الأموال المسربة إلى الخارج، واستعادة ولاية وزارة المالية على الأموال العامة، والسيطرة الحكومية على الشركات التابعة للقطاع العسكري، ومراقبة إنتاج وتصدير الذهب وغيره من السلع الإستراتيجية" (Khalifa، 2020 ).
- يوم واحد فقط بعد انتهاء المؤتمر الاقتصادى ، والذي جاء بجملة توصيات لا تتفق مع التوجه المعلن من الحكومة ، اتضح بان انعقاده ووعد حمدوك بتكوين لجنة للاخذ بتوصياته ، كان تضليلا مخططا له حيث ان قبل ذلك بيومين فقط كانت الحكومة قد وقعت مع صندوق النقد برنامج صياغة وتنفيذ ومراقبة ما تم تسميته "اصلاحات" الاقتصاد الشاملة.
3- إجراءات تخفيف الآثار السلبية من رفع الدعم: السير في التضليل الممنهج :
- يمكن خفض الدعم أو إلغاءه إذا لم تعد المجموعة المستضعفة بحاجة إلى الدعم أو ليس كما كان من قبل. إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب اتخاذ تدابير للتخفيف من الآثار السلبية على معيشة أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم. كانت خطة وزارة المالية والحكومة في هذا الاتجاه تتمثل في رفع أجور موظفي الخدمة المدنية وتقديم تحويلات نقدية للفقراء. ونرد أدناه أن هذه التدابير ليست فقط غير مناسبة كعلاج للمشكلة، إنما كانت جزء من التضليل للسير في نهج الاقتصاد الليبرالي الجديد.
رفع أجور موظفي الخدمة المدنية:
- إن قرار زيادة رواتب الخدمة المدنية، رغم شرعيته من حيث المبدأ، تسبب في آثار اقتصادية ضارة لمعظم السكان حيث تم اتخاذ هذا الإجراء بمعزل عن غيره، وليس كجزء من سياسة التنمية الاقتصادية التي يمكن أن تفضي إلى تحسين معيشة معظم السكان. وفق بيانات آخر مسح للقوى العاملة في ( MOHR،ILO 2013 ) يشكّل العاملون بالخدمة المدنية 6.8% فقط من مجموع العاملين بأجر و2.8% من إجمالي العاملين في الدولة. بعبارة أخرى، 93.2% من مجموع العاملين بأجر و97.2% من جميع المشتغلين، بالإضافة إلى جيش ضخم من العاطلين عن العمل، هم خارج الخدمة المدنية، ولم يتم اتخاذ أي تدابير لتحسين معيشتهم.
- تم تحديد الزيادة في الأجور بمتوسط 569 % دون تأمين أي مصدر للتمويل الدائم. ومنذ البداية، واجهت الوزارة صعوبات في تأمين الأموال اللازمة. ويبدو أن النيّة كانت مبيته لتمويل الزيادة عن طريق فرض إلغاء الدعم. فنحن أمام حالة يتم فيها دعم الأثرياء نسبياً عن طريق فرض ضرائب على الفقراء.
التحويلات النقدية: ذر الرماد في العيون:
- تتلخص خطة وزارة المالية للتحويلات النقدية فيما يلي:
“أشارت السلطات إلى أن حوالي 60% من السكان (حوالي 4 ملايين أسرة) بحاجة إلى المساعدة. وقد أعرب هؤلاء أنهم يفضلون نظام الدخل الأساسي المؤقت شبه الشامل لمدة 3-2 سنوات الذي يغطي 80% من السكان، لأنه مع التغطية شبه الشاملة، سيكون استهداف المزايا أبسط وأسرع، فضلاً عن أن التأثير على الطبقة الوسطى ذات الأهمية السياسية سيكون أقوى من اتباع نهج أكثر استهدافاً، مما سيسهل إحراز تقدم أسرع في تنفيذ إصلاحات مؤلمة” (IMF،2020، ص14). وفقاً للصندوق، ستكلف هذه الخطة 2 مليار دولار أمريكي سنوياً، أي حوالي 5.25% من إجمالي الناتج المحلي. وهذه نسبة كبيرة للغاية بكل المقاييس، إذا ما قورنت بإجمالي الإيرادات والمنح الحكومية لعامي 2018 و2019، والتي تقدر بنحو 7.8% و6.4% على التوالي (ص 32) كانت الحكومة تتوقع تمويل المشروع من مساعدات المانحين.
- لاحظ صندوق النقد الدولي أن “الخطط القابلة للتطبيق لإصلاحات الدعم وشبكات الأمان الاجتماعي غير مكتملة” (صفحة11)، وأن خطة الحكومة ستكون صعبة نظراً لمحدودية مساعدات المانحين. وبالفعل لم تأت مساعدات من الجهات المانحة لتغطية تكلفة الخطة .
-إن برنامج التحويل النقدي (ما يسمى ثمرات) هو برنامج بلا دراسة، بلا هدف تنموي، بلا خطة تطبيق فعّالة، وبلا تمويل مأمون. جاء البرنامج كذر رماد في العيون لتنفيذ خطة رفع الدعم عن السلع وتعويم الجنيه، والتي أدّت إلى مضاعفة الفقر والمعاناة أضعاف ما كانت عليه.
4- رفع الدعم السلعي وتوحيد وتحرير سعر الصرف: استقرار الاقتصاد الكلي أم دَماره؟:
- لم يكن مفاجئاً البروز السريع لسياسة الفشل فيم يخص رفع الدعم السلعي. فلم تتوفر السلع بالرغم من مضاعفة الأسعار عدّة مرّات، ولم يتم دعم الفئات الأكثر تضرراً. المحصل كان كارثياً في فترة وجيزة. ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 350% في ابريل 2021 والى حدود ال 400% فى الربع الاخير من السنة.
- ارتفاع التضخم بهذا القدر (400%) يعني انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية ب 75%؛ وبكلمات أخرى، أصبحت النقود تساوى 25% فقط من قيمتها قبل الإجراءات.
- فى ايام محدودة فى شهر سبتمبر انخفض معدل ارتفاع التضخم بنسبة محدودة (رقم احادى) ، فكان ذلك مدعاة لماكينة التضليل الحكومى وداعمه السياسى (مركزية قحت) بالادعاء ببوادر تعافى الاقتصاد ! اولا ، اى ارتفاع او انخفاض جزئى يمكن ان يكون سببه عارضا وليس استمرارا لاتجاه مدفوع باسباب موضوعية. ثانيا ، من اين يأتي تعافى الاقتصاد إذا ما كان الناتج المحلى الاجمالى يسجل انخفاضا ؟.
-ارتفع سعر صرف العملات الأجنبية لأكثر من ستة إضعاف. قام المصرف المركزى بتوحيد سعر الصرف وحدّد كسعر تأشيري رسمي السعر السائد في السوق الموازي في يوم الإعلان. وبالطبع لم يقض ذلك على السوق الموازي، حيث لن يفلح المصرف المركزى في تلبية الطلب على النقد الأجنبي وفق الوضع الاقتصادي الراهن. فعناصر الطلب ليس فقط استيراد السلع والطلب من الأفراد لأغراض شخصية، إنما، وبنحو كبير، من أجل تصدير (أو تهريب) الأموال للخارج.، فرأس المال الطفيلي، وعلى رأسه الشركات العسكرية، يسعى لتهريب الأموال للخارج. وأيضاً آخرون لا يرون أماناً لأموالهم في السودان ولا ضمان لحفظ قيمتها.
. المخرج لإيقاف تدهور قيمة العملة اقتصادي وليس مالي. المخرج في وضع يمكن الدولة من السيطرة على منافذ دخول وخروج النقد (الصادر والوارد)؛ في وجود قوى لدولة تنموية قادره على السيطرة على تجارة السلع الرئيسة وعلى القضاء على الفساد والتهريب وعلى توجيه الاقتصاد لمصلحة أغلبية السكان. هذا التوجه هو النقيض للمسار الليبرالي الجديد الذي تتبنّاه الحكومة والذي ينادي بتقليص دور الدولة والقطاع العام في الاقتصاد.
قائمة المراجع المستخدمة تقدم فى القسم الاخير.
Abbas Abdelkarim Ahmed – Dubai
abbas.a.k.ahmed@gmail.com
///////////////////////////////