من مجموعة أزاميل الزمن- (قصص قصيرة):
وُ لد اسماعين، كما ظلّت تناديه أمُه، في قرية نائية من أطراف السودان، و رغم أن التعليم على أيامه كان متوفراً، على بؤسه، في القرية، إلا ان الفرصة في ولوج مدرسة لم تكن متاحة له، لحوجة الأسرة لقوة عمله، و جهده، و كل وقته، في: المساعدة في أعمال الزراعة و الرعي... و تأكدت تلك الحوجة بعد وفاة والده، و هروب أخوه الكبير من القرية... بحثاً عن مستقبل جديد.
و هو في سن السابعة، إذ ضرب المحلُ القرية، بموجب الطبيعة و الحربْ، بلا رحمة، و أضطر اسماعين للنزُوح، مع اخواته و أمه: إلى اطراف مدينة كانت هي الأقرب للقرية، و لما ضاقت بهم و كادت أن تلفظهم، يممُوا وجههم صوب العاصمة... وذابوا في الزحام.
و عوّلت الأسرة على اسماعين، لأن عمل البنات في غير الزراعة و الرعي، كان عيباً في نظر الأسرة، و جالب للمذلة و العار.
و لما تأخر اسمعين في ايجاد مخرج قامت (فطُومة) ببيع الشاي لمواجهة الحياة... و ستر الحال... و مع ذلك، و برغمه، فقد أهدر جمال البنات ( أخواته)... و فطنتهن، في الأعمال المنزلية: بأجرٍ زهيد، و عرَّضتهِن، تلك الأدوارُ، إلى مخاطرٍ اجتماعية، و مزالقٍ لا حصر لها.
و انشغلت (فطومة)، يوميّاً، من الصباح إلى المساء، في دنيا الشاي و طقوسها، و أنغمست في الماء المغلي و الدويات، و مشروبات القرفة و النعناع و الأنقارا... و يبدأ يومها بمصابحة صاج اللقيمات و من تحته الجمر اللاهب، و تملأ خياشيمها أبخرة الواقود.
و في تلك الإثناء تعرَّف اسمعين على اطفال في مثل سنه... و كانوا يمرون بظروفه ذاتها، و لهم مهارات عديدة، كان من بينها و أهمها: خِفَّة اليد، و القدرة الهائلة على (النشل)، و دربوه ففاقهم في البراعة... و الحصاد اليومي، و كانوا يوظفون دخلهم اليومي، في: أكل الباسطة، و العصائر و شراء السلسيون.
و لم يكن بمقدور أي منهم، أطلاع اسرته النازحة: على المبالغ التي يجنيها، والتي تكون كبيرة جداً احياناً كثيرة، و لا مصدرها... خوفاً و طمع!
و دشَّنهُ النشالون، و أعتبرُوه عُضواً أصيلاً في الشلة.
و عندما تَّم القبضُ عليه، لأوَّل مرَّة و أُودِع الحراسة...إحتفلوا بصخبٍ لا يُدانى.
و أعتبر، هو، ذلك الحدث انتصاراً كبيراً، ازدهت به نفسه المُراهقة. لانه لم يكن يتصور، وفق جهله، و أفقه المحدود، و ظروف اسرته، أن هناك، خلف الأسوار، مجالات أرحب لطاقته و شبابه و مهاراته. كأن يستثمر خفة يده، و مرونة جسده، في ألعاب البهلوان و حرفة الحواة... و الصناعات اليدويّة!
و لكن ذلك زمن لم يأتي إلى الآن... و رفاهيّة لم يحن أوانها: بعد!
amsidahmed@outlook.com
///////////////