عبد القادر محمد أحمد/ المحامي
aabdoaadvo2019@gmail.com
الأستاذة سناء حمد قيادية في الحركة الإسلامية، ويبدو أنها تمثل تيّارًا إصلاحيًا. مقالها “لأجل الوطن” مقدّمة لمقال “السودان أولًا” الذي تقول فيه للإسلاميين، إن الحرب أحدثت تحوّلات جذرية في السودان، وهناك تغييرات متوقعة في الإقليم تفرض عليهم تغيير أساليبهم ونبذ المصالح والتّحجّر الفكري، وأن يكونوا دعاةً ومصلحين قبل أن يكونوا سياسيين. ثم، البحث عن رؤية فكرية وسياسية واقعية، متصالحة مع الحداثة، ليشاركوا في بناء السودان الحديث على أسس الحق والعدل والحرية.
وتوضح سناء مطلوبات التجديد مشيرة إلى فكر مالك بن نبي الذي استلهمه من الآية: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»؛ ثم يقول مالك: إن المجتمع لا يتغير بالشعارات، بل بولادة وعي أخلاقي جديد. فالمشكلة أخلاقية قبل أن تكون علمية أو سياسية؛ فغياب الأخلاق يجعل أي إصلاح عرضة للفساد أو الفشل، وأن التغيير الحقيقي في إحياء الضمير الاجتماعي القائم على الصدق والمسؤولية والإيثار والانضباط، وليس الوعظ والتدين الشكلي.
لكن، هل تستطيع سناء قيادة بيريسترويكا إسلامية؟ إنها مهمة صعبة، وسط شيوخٍ ما زالوا أسرى الاستبداد والعنف والمصالح، عاجزين عن إدراك أن الحرب أحدثت صحوةً حقوقيةً وسط كل شعوب السودان، في شماله وغربه وشرقه ووسطه وجنوبه، حيث لم تعد أدوات القمع مجدية. لذلك أصبح تجاوزُهم ضرورةً حتميةً.
لا نراهن على مصداقية سناء في دعوتها للجميع للحوار والتجديد؛ إن كانت صادقةً فهي خطوة تستحق الترحيب، وإن كانت تكتيكًا سياسيًا فستتضح حقيقتها، فلا معنى للتسرّع في تكذيبها. بل المطلوب المساهمة بالرأي والنقد الإيجابي لاكسابها المزيد من الثقة لتكتمل الفكرة..
أما تظلّمها من الهجوم والإساءات الشخصية؛ فإن ما يمسّ الحياة الخاصة أو الكرامة مرفوض تمامًا. لكن الهجوم المتعلق بالفساد أو الأداء السياسي للإسلاميين فهو جزء من النقاش العام، ويُفترض أن تتوقعه كقيادية. فغضب السودانيين منهم ماضٍ وحاضر، وهو شعور إنساني طبيعي تراكم عبر سنوات القهر والدماء والتشريد. ولا يمكن تجاهله، فكبته ليس فضيلة، والوطن ما زال يُنهب ويُدمَّر ويُقتل أهله.
سناء تدعو الجميع للحوار والتوافق، وتنسِي أهميةَ الاعتذار كمدخل، وتستنكر الهجوم.! ويُلاحَظُ حتى الشيخ الترابي، رغم اعترافه بالفساد والظلم والاستبداد، عندما طُلب منه الاعتذار للشعب قال: «ما تعوّدت أن أعتذر لأحد». فكأن عدم الاعتذار نوعٌ من الكبرياء الفكري لدى الإسلاميين!
ولا يغني عن الاعتذار الدعوة للدخول في “حلف الفضول”، فاستخدام الرمزية هنا فيه مفارقة، لأن “حلف الفضول” كان حلفًا أخلاقيًا لا سياسيًا، بين قبائل لنبذ (الظلم) ونصرة المظلوم. وسناء تدعو إلى حلف يضم الظالم “حزبها” والمظلوم “الشعب” لبناء الوطن على أسس الحق والعدل والحرية، دون اعتذار عن (الظلم)، وهذا يشوه الاستخدام المجازي.
ثم، بأي منطق تُنادي الجميع للوقوف إلى جانبهم في حرب يتحمّلون الجزء الاكبر من مسؤولية اندلاعها، وكامل المسؤولية عن استمرارها، وبإسم “الكرامة”، ليسود الموت والدمار، والفساد، ونهب الموارد، ولتثبيت استبدادهم على انقاض تطلعات الشعب !؟
للمساهمة الجادّة في إخراج الوطن من أزمته، على حزب سناء أن يبدأ بتجاوز حالةِ الإنكارِ والجدارِ النفسيِّ السميكِ الذي شيّدوه بينهم وبين الشعب، وذلك بالإقرارِ بالأخطاءِ والجرائم، وتقديمِ اعتذارٍ لا يرتب مسؤوليةً قانونيّة، لكنه يؤكّد حسنَ النيّة وصدقَ التوجّه.
عليهم الإقرار بأن انقلاب الإنقاذ حرمَ الشعبَ من حقوقه وتسبب في كل الكوارث اللآحقة، وفي الأوضاع المأساوية الحالية، وفي خلق مناخ التدخل الخارجي الذي يتحدثون عنه. إن الاعتذار الصادق يفتح الطريق أمام عدالةٍ انتقاليةٍ تصالحية، في إطارها تُنظَر قضايا الفساد واسترداد الأموال، والجرائم التي لا ترقى لجرائم حرب أو ضد الإنسانية.
أخيرا، فإنَّ أي تجديد فكري أو حزبي في السودان ينبغي أن يقوم على عقدٍ اجتماعيٍّ جديد، يضمن التداول السلمي للسلطة، واحترام الحقوق والحريات، والعدالة في توزيع السلطة والثروة، والتنمية المتوازنة، ودولة المواطنة؛ وهي دولةٌ مدنيةٌ علمانيةٌ لا تُقصي الدين من حياة الناس، بل تكفل حرية المعتقد للجميع، بما يعزّز الوحدة الوطنية ويؤسس لحياةٍ ديمقراطيةٍ مستقرة.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم