شُحنة المخدرات.. والفرصة الضّائعة
مما لا ريب فيه، أن التّعاون المُثمر بين أجهزة مكافحة المخدرات الدولية والإقليمية، أسهمت إسهاماً فاعلاً في الكشف عن شحنة ضخمة للمخدرات، شُحنت بواسطة إحدى البواخر التي رست في رحلتها الأخيره بميناء بورتسودان، بعد أن تحركت من لبنان واتجهت إلى الإمارات، ومن ثم إلى السودان. وكانت هنالك متابعةٌ لصيقةٌ، ورصدٌ دقيقٌ لهذه الشحنة بواسطة الإنتربول الدولي، لمعرفة منتهى مسارها. وسارعت السلطات اللبنانية المختصة بتقديم معلومات كافية عن هذه الشّحنة للجهات المُختصة في السودان، وبقليلِ جُهدٍ تمّ ضبطها في ميناء بورتسودان. وقالت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات السودانية، إن التّحريات رجَّحت أن بعض هذه الشحنة من المخدرات كان مقصدها دولة أخرى، إذ أن الكميات المضبوطة لا يستوعبها السوق السودانية.
وكانت الإدراة العامة لمكافحة المخدرات السودانية قد تلقت معلومات أولية عن هذه الشحنة من لبنان التي رصدت باخرة متجهة إلى دبي بها 15 مليوناً من الحبوب المخدرة، ولم تعترض سبيلها، بُغية معرفة المحطة النهائية لهذه الشُحنة. وقال اللواء المكي محمد المكي، مدير مكافحة المخدرات في تصريحات صحافية يوم الخميس الماضي، إنّ السلطات السودانية ألقت القبض على الشخص الذي يتعامل مع الحاويات المحملة بشحنة المخدرات في كمينٍ مُتقنٍ من الجهات المختصة، مضيفاً أنّ الشحنة بها 47 جوال كبتاجون يحوي الواحد منها 5.882 حبة مخدرة، وُضعت في جوالات متفاوتة الأحجام، وكانت شُحنة عادية إلى ثلث الحاوية، والمفاجأة أنّ أي جوال ذرة كانت بداخله 50 كيلو جرامٍ من المخدرات.
وفي رأيي الخاص، أنّ المعلومات التي قدمتها لبنان إلى الجهات المختصة في السّودان حول شحنة المُخدرات، كانت تحتاج إلى أساليبٍ ناجعةٍ، وطرقٍ غير تقليديةٍ، في معرفة تفاصيل التّفاصيل عن هذه الشُّحنة المدمرة، وذلك من خلال اصطبار الإدارة العامة لمكافحة المخدرات على المعلومات التي بحوزتها، بمعنى أن تُتابع مسار هذه الشُّحنة بعد تفريغها من ميناء بورتسودان، دون التعجل في القبض عليها؛ لمعرفة المحطة النهائية لهذه المخدرات، ومن ثمّ القبض على الجُناة الحقيقيين، وهم يفرغون هذه الشُّحنة الخطيرة في المخازن أو المواقع التي كان من المفترض أن تُخزَّن فيها. ولكنّ إسراع الجهات السودانية المختصة، بتطويق جانبٍ من منطقة الميناء، استرعى انتباه الكثيرين من مواطني بورتسودان، ناهيك عن إلمام هؤلاء المجرمين بالخطر الدّاهم إليهم، ليعملوا على تبديد وثائق ومستندات الشحنة، ومن ثم إخفاء معالم الجريمة الكاملة، والمُجرمين الحقيقيين الذين يتستَّرون وراء هؤلاء الذين يُدفع بهم للتّصدي عند مواجهة مثل هذه المُداهمات، في إطار الصّفقات المُبرمة مُسبقاً لمواجهة مثل هذه المخاطر بالنّسبة لهم. وكان أيضاً من المأمول إذا تروَّت الجهات السودانية المختصة، وعملت بتركيزٍ على المتابعة اللّصيقة، والرّصد الدقيق، لمسار هذه الشحنة، الكشف عن الرؤوس الحقيقية التي تُتاجر من وراء حجاب في مثل هذه الشّحنات المُدمرة للبنيات المُجتمعية، والمُهلكة للشباب الذي هو أملُ البلادِ ومستقبلها.
أخلصُ إلى أنّه ينبغي للإدرة العامة لمكافحة المخدرات، تقديم معلومات كافية وبيانات وافية عن مسارات التّحقيقات حول شُحنة المُخدرات التي تمّ ضبطها مؤخراً ببورتسودان إلى الوسائط الصحافية والإعلامية، بُغية تنويرِ الرأي العام بمُجريات هذا الحدث الجلل، من أجل خلق رأيٍّ عامٍ تجاه هذه القضية، ليقف المواطنُ على كل صغيرةٍ وكبيرة ٍفي المساعي الجادة للأجهزة المعنية لمكافحة المخدرات، وليكون المواطنُ مساهماً فاعلاً في عمليات هذه المكافحة، تنويراً وتبليغاً، ليجد الجناةُ العقابَ الصّارم تجاه هذا الجُرم الخطير.
وأكبرُ الظنِّ عندي، أنّ النداءَ الذي وجهه الأخ اللواء المكي محمد المكي إلى شرائح المجتمع السوداني كافة، للتعاون مع أجهزة مكافحة المُخدرات، باعتبار أنّ كل الجهود الرسمية تظل قاصرة ما لم تُدعم بعونٍ مجتمعيٍّ فاعلٍ، سيجد أُذناً صاغيةً، وجُهداً مقدراً في دعم إدراة مكافحة المخدرات بمُعينات لوجستية، ودعماً مادياً ومعنوياً، إضافةً إلى تعاونٍ مُثمرٍ مع الوسائط الصّحافية والإعلامية، في تبني برامج التّوعية، وأساليب مكافحة المخدرات؛ لأنّ هذه من المسؤوليات المُجتمعية التي تحتاج بلا أدنى ريبٍ، إلى تضافرِ الجهودِ من أجل وطنٍ خالٍ من المخدرات، ومعافىً من مُجرمي التّجارة فيها. ومن الضّروري أن نتفهّم أهمية القيام بهذا الواجب، مهنياً ودينياً.
ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
وقول أحدهم شعراً:
قُلْ لِمَنْ يأكلَ الحَشِيْشَةَ جَهْلاً عِشْتَ فِيْ أَكْلِهَا بِأَقْبَحِ عِيْشَةٍ
قِيْمَةُ المَرْءِ جَوْهَرٌ فَلِمَاذَا يَا أخَا الجَهْلِ بِعْتَهُ بِحَشِيْشَةٍ