عرض لكتاب نساء أمدرمان: آن كلاودلي .. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 


Women of Omdurman عرض لكتاب نساء أمدرمان 
Anne Cloudsley آن كلاودلي 
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
هذا عرض وتلخيص لكتاب صدر في عام 1983م عن دار نشر اثنوغرافيكا في إنجلترا للمؤلفة آن كلاودلي بعنوان "نساء أمدرمان: الحياة والحب والعذرية". وكان الكتاب قد نشر في طبعة خاصة عام 1981 بعنوان "نساء أمدرمان: ضحايا الختان".
وعملت المؤلفة بمستشفى أمدرمان في مجال العلاج الطبيعي في ستينات وسبعينات القرن الماضي عندما كانت ترافق زوجها جون كلاودلي – طومسون (أشهر بروفيسور لعلم الحيوان في كلية العلوم بجامعة الخرطوم) في سنوات عمله بالسودان. وكانا قد تزوجان في عام 1944م حين كان اسمها آن كلاودلي واسمه جون طومسون، وأضاف الزوجان المحبان اسمي عائلتيهما معا في اسم واحد (كلاودلي – طومسون). وليس من المعلوم لي لم أبقت على اسمها قبل الزواج في هذا الكتاب. ففي باب الشكر والعرفان أشادت المؤلفة بزوجها جون كلاودلي – طومسون وأولادها الثلاث لما قدموه لها من عون وتشجيع، وبكثير من أصدقائها السودانيين، وخاصة النساء اللواتي التي أتت على ذكرهن (وصورهن) في الكتاب.
وقسمت المؤلفة كتابها (المكون من 181 صفحة من الحجم الصغير، مع كثير من الصور والرسومات الجميلة التي رسمتها بيدها بالأبيض والأسود) إلى تصدير ومقدمة تاريخية و11 فصلا أتت عنوانيها من كلمة واحدة أو كلمتين، وشملت مستشفى أمدرمان، ومشاكل النساء، وعائلة محمود، وعرس عفاف، والزار، وتلبس الأرواح (possession)، والتدبير المنزلي (عند فاطمة)، وختان الإناث، والحبس (confinement)، والنيل عند الغسق، ورمضان. وختمت المؤلفة كتابها بثلاث ملاحق وقائمة بالمراجع. وخلا الكتاب من ثبت (فهرس). وفي الملحق الأول تطرقت المؤلفة للختان وأنواعه وعواقبه، وفي الملحق الثاني أوردت سردا مختصرا (24 سطرا) لجنسانية (sexuality) المرأة.  أما الملحق الثالث فقد خصصته المؤلفة لبعض السياسات والمشاريع التي تهدف لمحاربة الختان.
وفي الفصل الأول لخصت المؤلفة تاريخ السودان منذ القرن السادس قبل الميلاد، مرورا بدخول العرب إليه ثم الأتراك في عام 1820م، ثم قيام الدولة المهدية والتي أسسها محمد أحمد المهدي (1848 – 1885م)، والذي وصفته بـ "القائد الثوري السوداني العظيم الذي وحد السودانيين ... الخ". وصفت مدينة أمدرمان (وعدد سكانها يتجاوز 300 ألف نسمة) بأنها أكبر مدينة من نوعها في أفريقيا، إذ هي مدينة متعددة الأعراق، يعيش بها أفراد من كل قبائل السودان (أكثر من 500 قبيلة) ومن جنسيات أخرى كالهنود والأتراك والأغاريق والمصريين الخ. وبيوتها مبنية من المواد المحلية (الطين اللبن والأخشاب)، بخلاف جارتيها مدينة الخرطوم (350 ألف نسمة) ذات المباني العصرية والعمارات الشاهقة، والخرطوم بحري (200 ألف) تلك المدينة الصناعية. وتتكون عاصمة البلاد من هذه "المدن الثلاث"، والتي ترتبط بجسور على النيل وعلى النيلين الأزرق والأبيض.
وفي الفصل الثاني، والمعنون "مستشفى أمدرمان" تناولت المؤلفة بطل هذا الفصل، والذي أسمته محمود، وهو رئيس الممرضين في مستشفى أمدرمان العام منذ أكثر من عقد من الزمان عندما كتبت عنه. وكان محمود قد أصيب في حادث سير وهو على ظهر دراجته البخارية بعد أن تناول كمية من العرقي أكثر مما يطيق. وبعد أن أكمل علاجه في مستشفى أمدرمان بعث به لمستشفى الخرطوم لعمل علاج طبيعي "حرارة وتدليك". وأستفاد محمود من ذلك الضرب من العلاج استفادة كبيرة جعلته يفكر في الالتحاق بدورة تدريبية على العلاج الطبيعي لمدة تسع أشهر في مستشفى الخرطوم.  وبعد تلك الدورة أعطته إدارة مستشفى أمدرمان ركنا في العيادة الخارجية للنساء ليقيم عليه قسما صغيرا كتب على بابه كلمة واحدة هي "دلك"، وهي كلمة مألوفة لدي السودانيات المتزوجات اللواتي يستخدمن الدلكة العطرية على جلودهن، وهي طريقة تشابه التدليك السويدي. وبدا لي استخدام تلك الكلمة في قسم للعلاج الطبيعي يعمل فيه رجال كان أمرا غير لائق.
وتصف المؤلفة في هذا الفصل وبتفصيل شديد بعض أجزاء مستشفى أمدرمان، ومكتبها فيه بقسم العلاج الطبيعي، والمبني من الحجر وبحيطان عالية، على نمط المستشفيات العسكرية البريطانية، مما يجعل من الأصوات المرتفعة للمرضى والعاملين وثرثرة المنتظرات من النساء تحدث صدي مزعجا. وتصف في سخرية بالغة الإيماءات التعبيرية (expressive gestures) بأحد المشاهد المتكررة في أيام عملها، حيث وصفت العربي "الأفندي" بقميصه الأبيض وبنطاله الأسود (ليؤكد وضعه المميز)، والذي تعثرت قدماه (ربما عن قصد) بفعل عامل نظافة زنجي لا يخلو من بعض الإهمال، وتبدأ بينهما مشاجرة كلامية يتدخل فيها رجل يرتدي جلبابا أبيضا واسعا لا يكف عن "استعدال" عمته الضخمة، ثم تتبرع مجموعة من النساء المنتظرات في الصالة بإبداء آرائهن فيما شاهدنه في وقت واحد وبأصوات عالية وهن "يستعدلن" تنانيرهن وأثوابهن على رؤوسهن وأكتفاهن.
وتقع شمال قسم "الدلك" عيادة خارجية لأمراض النساء والتوليد يمكن أن تأتيها أي امرأة وتقابل الأخصائي دون موعد مسبق ودون تحويل من طبيب آخر، ولكن بشرط واحد وهو أن تحضر معها ما يفيد بموافقة زوجها على حضورها للمستشفى!
وتطور قسم العلاج الطبيعي تحت قيادة المؤلفة، وكان يقدما أساسيات العلاج الطبيعي لكل المرضى خاصة في أقسام جراحة العظام، ويقدم إرشادات عامة لمن يطلبها من جميع المرضى. وكان هنالك قسم للحوادث يقدم خدماته لضحايا الحوادث المنزلية، مثل الحريق من مواقد البارفين ومحاولات الانتحار بصب الكيروسين على الجسم واشعاله وغير ذلك. وغالبا ما تكون حالات الانتحار عند الفتيات بسبب رفض الأبوين للزواج بمن يحببن، أو بسبب الفشل في الامتحانات. 
ووصفت المؤلفة ما أسمته "غرفة الحقن" التي تستعصي على الوصف، والتي تقوم على رئاستها وبصرامة مفرطة "ست خرطوم"، وتصف ما فيها من غلايات ماء (لتعقيم الحقن الزجاجية والإبر المعدنية) وغرام السودانيين بالحقن وأثرها الدراماتيكي عليهم. وتكتب ما نصه: "وهم مثلنا تماما، نؤمن بأن ما يؤلمنا سيكون فيه بالتأكيد شفائنا" !!! وزعمت أنها سمعت بأن طبيبا سودانيا كان يأمر مرضاه بالوقوف في طابور (صف) طويل خارج داره ليحقنهم عبر النافذة. وقالت إن ذلك كان فعلا جيدا بالنظر إلى الحرارة المرتفعة وضيق المكان. وكانت بالمستشفى عدة مداخل يمر عليها مئات الرجال والنساء والأطفال ويحرسها خفراء. ونال الخفراء نصيبهم من النقد الساخر، فهم في نظرها شديدو الصرامة أو اللين بحسب ما يمليه مزاجهم، ويتساهلون مع معارفهم، ويتشددون مع غيرهم، ويجدون متعة في إظهار سلطتهم على من يحاولون الدخول للمستشفى من الزوار، خاصة في غير مواعيد الزيارة الرسمية.
وتصف المؤلفة ما حول المستشفى من عشرات المحلات الصغيرة التي يبيع فيها الرجال والنساء الفول والتسالي واللبان والزجاج الفارغ (ليشتريها المرضى لتعبئتها بالأدوية من الصيدلية)، والغجريات (الحلب) يجمعن أغطية الكوكا والبيبسي الفارغة. وذات يوم أعلن المستشفى عن افتتاح بنك للدم وأقيم احتفال ضخم بحديقة المستشفى تبارى فيه الجميع في إلقاء الخطب، ثم قام من وزارة الصحة مسئول أعلن بفخر، وتواصلا لحملتهم من أجل النظافة العامة والقضاء على الأمراض، عن نيتهم إزالة كل المحال المحيطة بالمستشفى. وما أن أختتم الحفل حتى قدمت عشرات اللواري وعليها رجال من البلدية قاموا بإزالة كل ما كان حول المستشفى من أكشاك ومحال صغيرة. وعندما أتى البائعون في صباح اليوم التالي وجدوا المنطقة حول المستشفى سهلا نظيفا منبسطا.
وحكت المؤلفة في الفصل الثاني عن مشاكل المرأة، غير أنها خصصت في البدء عددا من صفحات ذلك الفصل عن مشاكلها هي في التأقلم على الطرق السودانية في الكلام (بسرعة مفرطة، كما زعمت) وفهم معاني الكلمات، واستيعاب طريقة السودانيين في الوصف لمن يسأل عن مكان بعينه. وتناولت كلمة "طوالي" بالتحليل الناقد، إذ أنها تستخدم في الوصف بكثرة ودون تحديد في كثير من الأحايين. وأسهبت في نقد لغة الطقطقة click language والتي يستخدمها الناس عوضا عن الكلمات. فعندما تسأل أحدا من الناس عن أمر ما فإنه يجيبك بصوتين من لسانه تعنيان له/ لها كلمة نعم أو لا ودون أن تلحظ في وجهه/ وجهها أي تعبير يدل على الموافقة أو الرفض، مما يجعل من الصعب على غير السوداني معرفة المراد بالتحديد. أما من يقدم من الريف للعلاج فإنه عادة ما يؤثر الصمت ولا يدلي بأي إجابات تفيد في تحديد ما يشتكي منه.
وتناولت أيضا الاختلافات بين مفاهيم السودانيين المسلمين وبين ما أتت تحمله هي من قيم ومفاهيم حول قيم كالشجاعة والكرم، ومعتقدات تتعلق بأسباب المرض وطلب العلاج والصمود أمام المصائب والأقدار.  ورأت أن مفاهيمها حول التضامن والتعاضد solidarity مع المرأة اختلفت منذ أن قدمت للسودان. ومن غريب ما لاحظته المؤلفة هو قلة اكتراث الممرضات والممرضين برفاه (رفاهية) المرضى ورعايتهم والرفق بهم. وترى أن الممرضين يعاملون مرضاهم الذكور معاملة أفضل من معاملة الممرضات للنساء المريضات، إذ أنها ترى (في تعميم كاسح) أن الممرضات لا يرين في مهنتهن غير مدخل لمزيد من الحرية الشخصية، ونيل بعض المال، وربما الحصول على زوج في نهاية المطاف، ولا يرين التمريض عملا إنسانيا أو مهنة خدمية لها أصولها وأخلاقياتها. وتعتب المؤلفة على المجتمع نظرته لمهنة التمريض – بصورة عامة -  كعمل يدوي محتقر، فالرجل قد يكون كريما جوادا يمنح الفقراء والمساكين جل ما تحته من مال وطعام، لكنه لا يسمح لبنته بالعمل ممرضة لتخدم آلاف المريضات إن وجد أن ذلك العمل يمنح بنته قدرا من الحرية يفوق ما يراه هو مناسبا لها، مع أن ذات الأب قد يسمح لها بالالتحاق بالجامعة مثلا.  
وتزعم المؤلفة أن المجتمع الإسلامي يختلف عما أسمته "مجتمعنا نحن" من حيث النظرة إلى طبقات المجتمع. فالأول عندها يقسم الناس إلى فسطاطين: "أحرار" و"عبيد"، و"متعلمين" و"غير متعلمين".  وتتحدث عن قلة مشاركة النساء في سوق العمل فتقول إن نسبتها في عام 1980م كانت 7% (مقارنة مع الرجال والذين تبلغ نسبتهم 55%)، وتلك نسب أعلى مما هو موثق عن النساء في الجزائر ونيجيريا على سبيل المثال.
وتنتقد المؤلفة الخدمات الطبية في السودان في أن فئاتها الوسيطة تأتي في الغالب من طبقات غير متعلمة، وكانت تعد لأسباب مختلفة في أسفل السلم الاجتماعي، وينعكس ذلك – وربما دون وعي منهم -  في تصرفاتهم وسلوكهم في العمل، وتجاه المرضى أيضا. وترى أن الكادر الطبي قد قلد نظيره البريطاني في تركيبته ونخبويته elitism. وتقترح المؤلفة أن يمنح من يريد دراسة تخصصات مثل العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل rehabilitation درجة جامعية مع تدريب عملي مكثف في المستشفيات حتى تستقطب عددا كبيرا من الراغبات والراغبين في الدخول في تلك المهن الوسيطة. وترى أيضا أن الاستفادة من الأخصائيين الذين تعلموا في الغرب غالبا ما  تكون محدودة في مستشفيات السودان لضعف كوادر التمريض والمهن المساعدة الأخرى. وانتقدت قلة أعداد الطبيبات في البلاد وانعزالهن عن بقية المجتمع بسبب تعليمهن العالي، وبقائهن حيث يقيم أهلهن وعدم القبول بالعمل في خارج منطقتهن.
وأخيرا خصصت صفحتين لنقد محمود، والذي نال قدرا ضئيلا من التدريب على العلاج الطبيعي، وعدم سماعه لما تقوله له من توجيهات، ولجمود فكره، وعدم رغبته في الخروج بعالمه المعرفي لآفاق أرحب، ولتسلطه على من تحته من الشباب وطلبه لهم أن يفعلوا ما يأمرهم بعمله بالحرف الواحد (أوردت المؤلفة في الصفحة المقابلة صورة عائلية لمحمود مرتديا زيه القومي وهو يبتسم مع ابنة أخته وطفلها). ونقلت صورة هزلية لمحمود (في قميصه الأبيض بشاراته الكتفية الحمراء epaulettes، وسرواله (شورته /رداه) الأبيض القصير، وأحيانا مرتديا ملابس العمليات) والذي كان لا يحب أن يرى المريض يقوم بنفسه بأداء الحركات المطلوبة، فيتولى هو بيديه القويتين وبسرعة فائقة وعنف شديد رفع وخفض طرف المريض دون أي اعتبار للألم الذي يحدثه عند ضحيته. وعند عودته للمنزل يقوم محمود بتبديل ملابسه ويرتدي زيا إسلاميا (جلبابا أبيضا وعمه ضخمة) يبدو منظره فيهما مبجلا جدا، ويخلق له شخصية مختلفة جدا. وفي نهاية هذا الفصل حكت عن يوم دعاها فيه لزيارة بيت صانع للفخار بعد انتهاء العمل. وحكت بتهكم شديد عن أنه استولى من غير إذن appropriate في تلك المرة – لسوء حظه بالطبع – على كمية من الأدوات المكتبية من مكتبه لينقلها لمنزله، وسار أمامها بدراجته البخارية، وهي تقود سيارتها اللاند روفر. وفجأة بدأ ما حمله محمود من شريط الأوراق يتطاير عاليا كإعلان من طائرة في الهواء، ونفخ الهواء المعاكس في جلبابه فصار كرجل ميشيلين (دعاية مشهورة لإطارات ميشيلين. المترجم) وانفكت عمته فصارت كالذيل وراءه.
وفي الفصل الثالث حكت المؤلفة عن عائلة محمود وعن جارتهم الماشطة (المشاطة)، وأتت بصور لسيدات مشلخات من تلك العائلة ومن غيرها وهن يتمشطن ويرقصن رقصة الحمامة ويؤدين بعض الأعمال المنزلية كعواسة الكسرة ودق الويكة وغيرها من الأعمال المنزلية المعتادة. وتناولت عادة الكحل والحنة والشلوخ ودق الشلوفة ببعض التفصيل. وحكت عن زيارات دبرتها لها قابلة اسمها سكينة تعمل معها في المستشفى لواحدة من الغجريات (الحلب) في أحد أحياء أمدرمان القديمة الفقيرة، وقالت إنها كانت تخشى عليها من عار أن تشاهد في تلك الأزقة الضيقة الملتوية بمفردها! وشهدت المؤلفة عملية دق الشلوفة لإحدى النساء ووصفت كل ما شاهدته بطريقة بالغة التفصيل. وجل التفاصيل الواردة في هذا الفصل ربما كانت موجهة للقارئ غير السوداني، والذي سيجد تلك الممارسات غريبة exotic  ومثيرة وربما ممتعة.
وحكت في الفصل الرابع، متخذة من عفاف ابنة محمود مثالا، عن تقاليد وطقوس العرس الأمدرماني التقليدي. ورفدت هذا الفصل بصور عديدة التقطت في أماكن مختلفة لتفاصيل العرس من حنة العروس وزيها التقليدي ورقصتها أيضا. ومن أجمل تلك الصور صورة لأرملة متوسطة العمر ترقص مغمضة العينين رقصة العروس في زواجها الثاني.  وكررت المؤلفة في هذا الفصل الرأي الغربي القائل بأن المرأة في المجتمع المسلم تعفي من القيام بالمهمات الكبيرة والتي لا ينبغي إلا للرجل التصدي لها، وأن الرجال يعدون  شرف المرأة هو من مسئولياتهم وعليهم  القيام بحفظه والسهر على سلامته، إذ أن المرأة أضعف من أن تحافظ على شرفها وكرامتها. وأن كرامة الرجل واحترامه لذاته يتطلب بالضرورة الحفاظ على سلوك وتصرفات "حريمه" الشخصية. وتوسعت في أمور مثل مفاهيم "العذرية" و"الشرف" و"العرض" وكيف أن "شرف البنت مثل عود الكبريت الخ" عند المسلمين، وغير ذلك من المفاهيم من منظور السودانيين في مقابل تلك المفاهيم عند الغربيين.
وفي الفصلين الخامس والسادس تحدثت الكاتبة عن الزار وتلبس الأرواح، على التوالي. ووصفت ذلك من خلال زيارات إلى حوش شيخة زار في حي أبو روف. وأوردت صورا نابضة بالحياة للنساء وهن في حلقات الزار وتلبس الأرواح. وذكرت أنها أحضرت معها في حلقة زار أقيمت لفاطمة (الزوجة الثانية لمحمود، والتي لم تنجب بعد) صناديق للسجائر لنساء الزار بعد أن لاحظت في زيارة سابقة أنهن بعضهن كن يدخن بشراهة (وذلك أمر غير مقبول علنا في أمدرمان ولكنه مقبول في حلقات الزار). وسرعان ما لاحظت أن سجائرها تبخرت في دقائق بعد قامت كل النساء الحاضرات بالتدخين، وكان واضحا أن بعضهن لم يكن قد لمسن سيجارة من قبل! ولخصت ما يجري في حلقة الزار في ضرب على الدفوف والرقص والاستمتاع بالبخور العابق مع فترات من الراحة والتدخين مع شرب المشروبات الغازية (خصصت الفانتا والكوكاكولا!) مع بعض زجاجات البيرة لقليل من النساء. وتصرخ الشيخة في خادمها الجنوبي عبده وتأمره بإحضار الكبش، فيجره من قرونه لمنتصف الغرفة. وتأتي نساء وهن يحملن شموعا ويحطن بالكبش ويرقصن على صوت الطبول ويغنين بصوت عال. ثم تقوم النساء بلف عمة رجل (لعلها عمة محمود زوج المريضة) حول كامل جسد الخروف حتى قرونه. ثم يجر الخروف الملفوف لخارج الغرفة ويلقى أرضا ويوضع إناء (طشت) تحت رقبته قبل أن يذبح. ثم تعود إحدى الحاضرات بإناء الدم وتضعه بجانب مبخر للبخور، بينما يمضي الخادم في سلخ وتقطيع الخروف وتحضير الطعام. وتقوم النساء برمي بعض النقود في إناء الدم بينما تأخذ شيخة الزار بعض نقاط دم الخروف وتضعها كعلامات على خدي مريضتها "فاطمة" وقدميها ويديها. وكانت تلك أول حلقات الزار تحضرها المؤلفة. ثم شهدت بعد ذلك عدة حلقات أخرى. وعلمت بعد ذلك أن الزار طقس من طقوس العلاج التقليدي يتعلق بتلبس الأرواح وطرد الشياطين. ويزعم البعض أنه مفيد في علاج عقم النساء (مثل حالة فاطمة زوجة محمود الثانية). وذكرت المؤلفة أن محمود كان قد أعترض على عمل زوجته للزار بسبب تكلفته المادية الكبيرة، رغم أنه وافق أخيرا على مضض. 
ومن أهم الموضوعات التي تطرق إليها الكتاب هو ختان الإناث والذكور. وقدمت المؤلفة في البدء فذلكة تاريخية عن الختان منذ العصر الفرعوني وعرضت خريطة لأفريقيا توضح المناطق التي يشيع فيها. وأوردت كذلك أنواع الختان المختلفة، والآراء الفقهية الإسلامية حوله، ووصفت الاحتفالات التي تقام فيه، وحكت عن قصص بعض الاحتفالات التي تصاحب تلك الممارسة في عائلة محمود وغيره. وسجلت عملية ختان الطفلات الصغيرات بصور مفصلة graphic تثير في المرء الاشمئزاز والارتياع، وأتت بصورة حزينة لطفلة صغيرة (اسمها منى) راقدة على برش ومغطاة  بثوب قرمصيص يلف جسدها، وعلى وجهها الصغير أسي وفجيعة وألم لا يوصف.
وزارت المؤلفة بعض العيادات الطبية الحديثة بأمدرمان والتي تمارس الختان السني تحت ظروف طبية وصحية تراعي فيها قواعد التعقيم والتخدير والجراحة. وتعقب العملية عادة بحقن المضاد الحيوي البنسلين لمنع حدوث إصابة أو تلوث. 
ثم تطرقت – في صراحة شديدة - لما يراه (بعض) الرجال السودانيين من أهمية العذرية وعملية الختان، وعن أمور أخرى تتعلق بالممارسات التي تقوم بها القابلات عقب الولادة، وعن بعض الممارسات الاجتماعية الممارسة عند بعض الشباب من غشيان بيوت البغاء والبيوت السرية (التي أسمته بيوت الباراشوت parachute houses).            
وقد يرى البعض أن كثيرا مما ذكرته المؤلفة (عن أم درمان في نهاية الستينات وبداية السبعينات) قد تجاوزه الزمن وتختطه عجلة الحياة. ورغم خطل هذا الرأي، إلا أنه حتى إن صح ذلك الزعم فمن الواجب معرفة ما تراه الأعين الغربية فينا وعنا، وأن نضع آرائهم وانتقاداتهم (الكثيرة) لنا في سياقها الموضوعي ما أمكن ذلك. 
ويتمنى المرء أن تكون المؤلفة قد حصلت مسبقا على موافقة من ظهروا / ظهرن في صور الكتاب على الظهور بأسمائهم (الحقيقية أو غيرها)، وإلا فسيكون في إظهار تلك الصور الشخصية في البيوت تعديا على خصوصياتهم. 
وكما ذكرت آنفا، فغالب مواد الكتاب موجهة للقارئ الغربي، وهي وصفية في أكثرها، وتكاد تفتقر إلى التحليل والتفسير والمقارنة. وهي مفرطة النقد الساخر والمتهكم والمتعالي أيضا، وتكاد تخلو تماما من ذكر أي محاسن لزملائها أو مرضاها في طوال سنين عملها في مستشفى أمدرمان. غير أن كل ذلك لا يقلل من أهمية الكتاب في رصده (بعين غربية / غريبة) لحيوات بعض سكان أمدرمان قبل عقود ليست بالبعيدة، وفي محاولته الدعوة لإلغاء ختان البنات. 

alibadreldin@hotmail.com

 

آراء